الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من الفولكلور الكردي-حكاية لاس وغزال

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2022 / 11 / 19
الادب والفن


حكاية لاس وغزال
من الملاحم الشعبية لمنطقة كَرميان
ترجمة ماجد الحيدر

يحكى أن شابا يدعى أحمد معروفاً بشجاعته وبأسه كان يتجول لغرض اللهو والصيد في منطقة كرميان. في أحدى الأيام توقف أحمد قرب عين للماء فرأى شابة تملأ جرتها وطلب منها أن تسقيه ففعلت دون أن تكشف عن وجهها أو تنظر اليه. قال أحمد في نفسه "لو جعلك الله من نصيبي فلن ألمسك إلا إذا حللتِ بيدكِ تكّة سروالي!"
طفق أحمد يتنقل هنا وهناك سائلا عن الفتاة وأهلها حتى قيل له أنها ابنة أحد مشايخ العرب، فتوجه الى قريته وطلب يدها منه. قالت امرأة الشيخ لزوجها "علينا أن نضع شروطا صعبة كي لا ينال الفتاة. أطلب منه مئة بعير ومئة رأس من الأغنام مهرا لها" لكن أحمد وافق دون تردد بعد أن وضع هو الآخر شرطا هو أن يخرج هو وعروسه من بيت الشيخ لوحدهما دون أن يصحبهما أحد. رضي الشيخ بهذا وركب كل من أحمد وعروسه حصانيهما ومضى بها الى دياره بعد أن شد لجاميهما وسار وهي في الأثر. غير أن الشيخ ندم على تزويج ابنته الأثيرة لهذا الرجل الغريب، فأرسل عددا من فرسانه وكلفهم أن يعودوا بالفتاة ولو اضطروا الى قتله. بيد أن أحمد وقف في وجههم وقاتلهم كالأسود وأردى بعضهم بينما لاذ الآخرون بالفرار.
وصل أحمد وزوجته الى بيتهما لكن شيئا مما يجري بين الزوجين لم يحدث بينهما ولم يلمسها قط. وبعد شهور زارت الفتاة أهلها وأخبرت أمها بالأمر وقالت "أظن أن هذا الذي زوجتموني منه هو امرأة مثلي!" غضبت الأم وأخبرت الشيخ فقرر تطليقها من أحمد وتزويجها من ابن عمها وليكن ما يكون. وحدث أن فأرة دخلت خيمة العريسين ليلة دخولها عليها، فقام العريس وقتلها ورفعها من ذيلها ليريها لها وهو يقول في فخار: "أنظري يا ابنة العم. هل ترين مقدار شجاعتي ورجولتي؟!"
قالت الفتاة في سرّها: "ها أنت تمتدح نفسك لأنك قتلت فأرا صغيرا بينما قتل أحمد مئة رجل من قومي فقط ولم اره يوما يمتدح نفسه. وعدا عليّ أن لا أهبك نفسي أبدا!" كانت فتاة قوية البنية فقامت وصرعت ابن عمها وشدّت وثاقه الى عمود الخيمة. في صبيحة اليوم التالي جاء أهلها ليجلبوا لهم إفطار العرس فأبصروا العريس على هذا الحال وحكت الفتاة لأبيها تفاصيل ما جرى.
بعد يومين رجع أحمد ليعيد زوجته فوقع الشيخ في حيرة، إذ لم يكن يريد أن يتركها تذهب معه لكنه لم يكن يجرؤ على منعه، ففكر في طريقة يتخلص بها منه وقال له: "في أطراف قريتنا ثمة نمر كبير شديد البأس يمنعنا أن نرعى حيواناتنا أو نعتني بمزروعاتنا. ليتك قتلته قبل أن تعود لبيتك" قبل أحمد المهمة وانطلق الى حيث النمر ففرح الأب إذ ظن أن النمر سيفترسه لا محاله ويخلصه منه الى الأبد.
بعد أن خرج أحمد لملاقاة النمر رق قلب الفتاة وخشيت أن يصيبه مكروه وحدثت نفسها قائلة: "أي رجل جسور هذا ليخرج وحيدا ليصطاد ذلك الوحش الكاسر! لا بد أن ألحق به وأن أموت معه إن هو مات!"
لكنها حين وصلت الغابة لم تجد غير حصانه مربوطا الى إحدى الأشجار فظنت أن النمر افترسه فجزعت عليه وأخذت تدور في الأرجاء باحثة عن اي أثر له ففوجئت به نائما فوق جلد النمر المسلوخ في ظل شجرة اسمها (لاس). ذهلت الفتاة وقالت "يا له من رجل باسل شجاع! ولكن لماذا لم يقترب منها كل هذا الوقت وهو على كل هذا القدر من القوة؟ أيعقل بأنه ليس بالرجل؟" وهنا خطر لها أن تستغل الفرصة وتحل تكّة سرواله وترى بنفسها إن كان يملك عدّة الرجال!
ما أن مدت يدها وفعلت ذلك حتى فزّ زوجها من نومه وقال لها: "ما هذا الذي تفعلينه يا امرأة؟"
اضطرت الفتاة الى الاعتراف بالسبب فضحك واعترف هو الآخر بأنه وعد نفسه منذ أول يوم رآها فيه عند النبع بأن لا يلمسها ولا يعاشرها إلا إذا بادرت هي بفكّ تكة سرواله!
وهناك، في ظل شجرة اللاس تلك، تعانقا وتبادلا كؤوس الغرام. ولم تمض تسعة أشهر حتى رزقا بولد كأنه القمر وقررا أن يطلقا عليه اسم (لاس) تيمنا باسم تلك الشجرة!
مهلا، فإن قصتنا لم تنته بعد، بل لم تبتدئ إلا الآن! فلقد كبر هذا الولد حتى غدا شابا جميل المحيّا فارع القوام، لكنه لم يعثر بعد على فتاة أحلامه. وفي أحد الأيام قدم أحد الدراويش الجوّالين الى قريته فذهب لاس اليه وقال له: "أنت يا عم تلف وتدور في المدن والقرى وترى وتسمع الكثير فهلا عثرت لي على فتاة جميلة كريمة الأصل"
ذهب الدرويش ودار ودار حتى التقى ذات يوم بالحسناء خّزال ابنة الملا نبي فبهره جمالها وخلقها فحدثها عن لاس ومكارمه وجمال طلعته وحسن أخلاقه وكل صفاته حتى صار بإمكانها أن تتعرف عليه إذا ما رأته، وصار الدرويش يروح ويجيء بينهما حتى عشق أحدهما الآخر قبل أن يلتقيا!
لم يعد لاس يطيق صبرا فطلب من الدرويش أن يدبر طريقة كي يتقابلا، فقال له عليك أن تتنكر بثياب الدراويش وتذهب الى قريتها وتتحدث اليها وتتعاهدان على الحب والوفاء. ارتدى الفتى ثياب الدراويش ومضى الى قرية الفتاة وحين دنا من شرفة بيتها طفق يصيح: "درويش أنا درويش. ومن لم يعط للدرويش حقه ابتلاه الله بالداء والبلاء!" تعرفت غزال على لاس حالما رأته لكنها خشيت أن يكشفها الناس فنادت على الحلابات وطلبت منهن أن يعطينه بعض الزبد ويقلن له "أعذرنا يا درويش فغزال بنت ملا نبي ليست بخيلة لكن كل الحليب الذي لدينا صنعنا منه سمنا هذا الصباح" وكان مقصدها بالطبع أن تعرّف لاس بنفسها.
لبث لاس في القرية حتى حل الليل فطلب منه الرعاة أن يجلس معهم للسمر والغناء، وكان من عادتهم أن يجتمعوا ثم يغني كل واحد من الحاضرين موالاً (نوعا من الغناء يدعى حَيران) وإلا ترتبت عليه غرامة بسيطة. اعتذر لاس عن المشاركة مدعيا أنه لا يعرف الغناء لكن الرعاة ألحوا عليه ولم يتركوا له سبيلا للتملص فأذعن لهم وقال: "أنا يا أخوتي لا أحفظ حَيرانا بعينه لكنني سمعت بالأمس بعضاً من الرعاة في أطراف قريتكم يغنون اغنية أعجبتني فإذا تعهدتم لي ألا تغضبوا سأغنيها لكم" قال الرعاة: "كلا لن نغضب، نعدك بهذا" عندها أنشد لاس:
- "إيه إيه.. لي لي.. وأنا أسير في طريقي
أبصرت حسناء مثل صفصافة فارعة
يخرب بيتِك ما هذه الرقة والجمال؟
ما هذه المشية الملأى بالدلال؟!
ما كنت أعرف أنها خَزال ابنة ملا نبي
يا ليتني أرقد ليلة واحدة
عند قدّك الفارع
ولأعش بعدها حافيا عاريا كما الدراويش!"
غضب الرعاة عندما سمعوا ذلك وقاموا لكي يضربوه وهم يتصايحون: "يا ابن الكلب! هل تجرؤ على التغزل بفتياتنا؟"
لكن خَزال التي كانت تسمع ما يدور من شرفتها هتفت بهم: "لا تمدوا يدكم اليه. ألم تعدوه بألا تغضبوا منه؟ ما ذنبه إن نقل لكم، بحسن نيّةٍ، ما يتغنى به الرعاة "
عندما انتصف الليل التقى العاشقان وأقسما على الوفاء والإخلاص والزواج في أقرب وقت. لكن والد خزال كان قد وعد، تحت الضغط والإكراه، رجلا فظا مؤذيا يدعى ويسي بتزويجه إياها، وكان ويسي هذا قد كلف أحد رعاة بيتها ويدعى كَرَك بمراقبتها ونقل أخباره اليه أولا بأول. سمع الراعي بما دار في تلك الليلة بين لاس وخزال فأسرع مع أول خيوط الفجر الى بيت ويسي وأخبره بكل ما رأى وسمع. غضب الأخير وجمع عصبة من أعوانه وهاجم بيت الملا. وعندما سمع لاس بذلك أسرع نحو بيت خزال وسأل عما يجري فقالت له: "ابتعد انت يا حبيبي ولا تتدخل في الأمر فويسي هذا رجل شرير وأخشى أن يصيبك منه الأذى" لكن لاس برز وسط المتقاتلين وصاح: "أين هذا المدعو ويسي الذي يدعي أنه خطيب خزال. أنا لاس، وأنا أتحداه ان ينازلني رجلا لرجل. دعنا نتبارز ومن فاز منا فحلال هي عليه!" وهكذا اشتبك الرجلان في قتال مرير. أصيب لاس بسبعة عشرة جرحا بينما نال ويسي عشر طعنات، غير أن جراحه كانت أشد غورا وخطورة فمات في مكانه. أما لاس فقد سارعوا الى علاجه فتماثل للشفاء. ثم إنه تقدم لخطبة حبيبته خزال فوافق والدها ملا نبي بعد أن رأى شجاعته وعرف هويته الحقيقية وحسبه ونسبه.
أقيمت الأفراح والليالي الملاح سبعة أيام بلياليها. ثم أن لاس استأذن من حميه أن يصطحب زوجته ويعود الى قريته كي يفرح أبيه وأمه فوافق الملا نبي وجهزهما بجهاز السفر ومضيا صباح اليوم الثامن.
غير أن الأفراح لا تدوم؛ فلقد كان لويسي ابن عم أشد منه شرا وعدوانا واسمه جِرك. وكان ابن العم هذا قد أقسم على الثأر لويسي، فتربص لهما وراء صخرة عند مضيق وعر على الطريق ورماه من بعيد، كما يفعل الجبناء، بسهم اخترق فؤاده وأرداه قتيلا. وهكذا انتهت قصة الحب سريعا كما بدأت وترملت خزال الحسناء وهي في أوج شبابها وظلت تبكي حبيبها وزوجها رافضة أن يحل رجل محله حتى آخر العمر.
(من كتاب حكايات الموقد الخشبي للمؤلف)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه