الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تماسك معسكر النظام في سورية

راتب شعبو

2022 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


وقعت، منذ أيام قليلة، جريمة قتل فظيعة في ريف طرطوس في سورية، أبيدت فيها عائلة كاملة بالرصاص، على يد شقيق الزوج. والسبب هو خلاف بشأن محصول الزيتون. قبل ذلك بفترة نقلت الأخبار إقدام شاب على قتل والده ببارودة روسية. تكثر مثل هذه الأخبار في سورية بوتيرة متسارعة، وتشير البيانات الرسمية، إلى ارتفاع عدد جرائم القتل، خلال الشهور الثمانية المنصرمة، ولاسيما منها الجرائم الأسرية، بنسبة غير مسبوقة، حوالي 45 جريمة قتل في الشهر، هذا فضلاً عن حالات الانتحار التي تصل إلى 19 حالة في الشهر. لا يمكن فصل انتشار العنف والإحباط، عما تقوله التقارير من أن متوسط أجر العامل في مناطق سيطرة السلطة الأسدية "الأبدية"، لا يغطي سوى 3% من متوسط تكاليف المعيشة، وإن 90% من السوريين صار تحت خط الفقر، وإن الخدمات العامة، من كهرباء وماء وصرف صحي ونقل وتعليم وصحة، باتت في الحضيض، الأمر الذي يغني وضوحه عن البيانات، حتى باتت سورية، قياساً على بقية دول العالم، تحتل أدنى الدرجات على شتى الصعد.
يشكل هذا الواقع المرير اليوم منطلقاً لمنظورين كان لهما حضور بنسب مختلفة في الوعي العام السوري على مدى سنوات الصراع، فحوى المنظور الأول هو إنه ما كان لسورية أن تصل إلى هذا الحال البائس لولا الاحتجاجات التي خرجت على السلطة والتداعيات التالية لهذا الخروج. وفحوى المنظور الثاني هو إن هذا الحال الذي صارت إليه سورية ناجم، ليس عن الاحتجاجات، ذلك أنه من الطبيعي أن يحتج المحكومون في كل مكان، بل عن منطلق السلطة في تعاملها مع الاحتجاجات، ومنطلقها هو استحالة الاستجابة لمطالب التغيير ولو كلف ذلك ما كلف من دماء وبناء.
ما يسلّم به المنظور الأول هو ثبات السلطة، لذلك تبدو المشكلة له في الخروج على السلطة. أما ما يسلّم به المنظور الثاني فهو ثبات الاحتجاج، لذلك يبدو له إن المشكلة تكمن في "ثبات" السلطة. مع تدهور الحال وانسداد الأفق، يكتسب المنظور الأول المزيد من الأتباع على حساب المنظور الثاني. فقد يميل عدد من أنصار الثورة "السابقين" إلى قبول راجع بالمنظور الأول وفق المحاكمة التالية: الواقع السوري اليوم أسوأ بمرات مما كان عليه في 2011، عام بدء الاحتجاجات، وبصرف النظر عن طبيعة الاحتجاجات ومطالبها وأحقيتها من عدمها ... الخ، فإن النتيجة اليوم هي أن محاولة التغيير تلك، أفضت إلى تغيير ولكن نحو المزيد من السوء ومن انسداد الأفق، الأمر الذي يبرر القول ليتها لم تكن.
ليس هنا مجال مناقشة أو تفنيد هذا المنظور أو ذاك، على أن مثل هذه المناقشة يمكن أن تفيد في أن نرتب أفكارنا وفي أن نمتلك تصوراً أوضح عن تاريخنا القريب. لكن الأهم والأكثر إلحاحاً هو أن نمتلك تصوراً واضحاً عن حاضرنا البائس، فقد يفيدنا في استطلاع سبل التحرر منه، ذلك أننا، نحن السوريين اليوم، بغض النظر عن منظورنا إلى الأحداث، عاجزون أمام بلادنا المستعمرة ومجتمعنا الذي يعاني ويتفكك.
لم يكن من الصعب توقع الارتداد العنيف للسلطة الأسدية "الأبدية" ضد أي محاولة تسعى لإعادتها إلى الزمن الواقعي، أي خضوعها لإرادة جمهور لا يريد أن تحكمه سلطة، مهما تكن، "إلى الأبد". لا يتسق أصلاً مع المنطق السليم أن ينتظر المرء من أمثال هذه السلطات سياسةً أخرى تجاه حراك شعبي يريد التغيير. كما لم يكن من الصعب توقع اصطفاف جزء من الشعب السوري، لدوافع وأسباب مختلفة، خلف هذه السلطة. لكن بعد عقد ونيف من الصراع، وبعد المصير الذي صار إليه السوريون اليوم، يبرز السؤال: وفق أي خط انقسام سياسي ينقسم السوريون ويتصارعون بتكاليف أنهكت حاضرهم ومستقبلهم؟
لم يعد خط الصراع اليوم واضحاً كما كان في بداية الثورة. لم يعد الصراع بين معسكر محافظ يضم السلطة وأنصارها، في مواجهة معسكر تغيير يضم جمهور الثورة وما تبلور فيها من هيئات وتشكيلات قيادية. كان هناك إطار عام يجمع كل معسكر رغم التباينات العديدة الموجودة في داخله. منذ سنوات ليست قليلة، لم يعد الأمر بهذا الوضوح، ولم نعد أمام خط صراع، بل أمام خطوط صراع متداخلة همّشت في تضاعيفها خط الصراع الأساسي. النصيب الأكبر من هذا التحول كان على حساب معسكر التغيير الذي شهد تفككاً وصراعات داخلية تغلبت على الإطار العام الجامع لهذا المعسكر، فيما حافظ المعسكر المحافظ على تماسكه، ما يستدعي التفكير والتأمل.
إذا كانت الطغمة الأسدية دخلت الصراع ضد السوريين المحتجين، منذ البداية، بوصفه صراعاً وجودياً، كيف نفهم مضي جمهورها (مع إدراكنا اختلاف الدوافع والمنطلقات) في هذا الصراع، رغم ما كشفته الطغمة الأسدية من إجرام بحق شعبها، ومن استخفاف بحق أنصارها، ومن انحطاط سياسي وصل إلى حد اعتبار المعارضين لها خونة، ورغم ما يكشفه الواقع كل يوم من الطابع التدميري لمنهج السلطة الأسدية في مواجهة خصومها السياسيين، ورغم العجز المهين لهذه السلطة أمام الغارات الإسرائيلية التي تستبيح سورية، ورغم التدهور المريع في مستوى حياة الناس وتعليمهم وصحتهم دون وجود أي أفق للخروج من هذا الحضيض، ولاسيما أن الطغمة الأسدية التي دمرت رصيد سورية، انساقت في دفاعها عن "أبديتها" إلى رهن مستقبل سورية أيضاً، لصالح دول أخرى (روسيا وإيران) رهنت لها مرافئ بحرية وجوية ومنشآت اقتصادية؟ كيف يرتسم صراع اليوم في وعي محكومي النظام؟
نعتقد أن الوعي الغالب لدى محكومي النظام بات يشبه بالعموم، وعي المحكومين في أوقات الحروب الخارجية، حين تجمد الصراعات الداخلية لصالح التصدي لخطر خارجي. التفكك الذي عاناه معسكر التغيير، وبروز سلطات غير ديموقراطية (بحكم الضرورة) في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة الأسدية، وتحولها إلى محل لحضور عسكري خارجي (تركي وامريكي)، كل هذا يغذي وجود مثل هذا الوعي. وما يزيد في صعوبة إيجاد مخرج، هو أن الآلية نفسها يمكن تلمسها في وعي المحكومين للسلطات السورية المستجدة خارج سيطرة سلطة الأسد. حتى بات يمكن الركون إلى وجود تعايش بين هذه السلطات يغري بالقول، كما جاء في ورقة صادرة عن أحد الأحزاب السورية المعارضة (الحزب الدستوري السوري) في آب/أغسطس الماضي، إن تعبير "النظام السوري" لا يعني نظام الأسد بل مجموع هذه السلطات معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير