الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق في المعلومة والتواصل

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 11 / 20
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، حققت وسائل الاتصال والتواصل تطورا غير مسبوق. وهذا على صعيد التقنيات والمفاهيم و على سيولة تبادل المعلومات. إنها ثورة معلوماتية ستفرض تحولات عميقة هائلة على مستويات شتى وستخترق كل المجالات.

أصبحت وسائل الإعلام والتواصل - بفعل التطورات التكنولوجية - مصادر لإنتاج القيم المادية والمعنوية أكثر من السابق وبمدى أوسع وأشمل. كما أضحت تلعب دور غير مسبوق – مقلقا أحيانا في التلاعب بالرأي العام والتشهير داخل المجتمع وخارجه. وهذا على جميع المستويات، السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفية. كما كان لها تأثيرات بالغة في مجالات إدارة المعرفة ، والتدريس ،والبحث العلمي ، والحق في الثقافة ، وحرية الاتصال والتواصل ، وفي سياسات تدبير المعلومات والحق في المعلومة والتواصل.

فما المقصود بمفهوم الحق في المعلومة والتواصل؟ وما المشاكل والتحديات المرتبطة بممارسة هذا الحق؟

يبدو أن مفهوم الحق في المعلومة من الحقوق الحديثة نسبيا مقارنة مع باقي الحقوق، وهو حق معترف به بشكل عام واعتمدته مختلف التشريعات المنظمة لمجال الإعلام.

يحمل مصطلح المعلومة معاني متنوعة وغير متجانسة أحيانا. ومن هذه المعاني ما يشير إلى الأخبار أو المعلومات المقدمة عبر وسائل الإعلام. لكن مفهوم الحق في المعلومة يتجاوز هذا المعنى، إذ يشمل العملية أو الآلية التي تؤدي إلى الوصول إلى المعلومة.

الحق في المعلومات والتواصل والاتصال هو حق موضوعي يستمد وجوده من مبدأ حرية المعلومات، لكنه يطرح جملة من المشاكل في الممارسة على أرض الواقع.

إن "إعلام/ عرض معلومة" هو إجراء نتيجته تقديم حقائق أو آراء معينة للغير ولفت انتباهه إليها باستخدام وسيلة مرئية أو سمعية أو مكتوبة. وقد تكون هذه المعلومة "استبدادية" تستهدف الإخبار للامتثال والأخذ بعين الاعتبار دون جدال، أو معلومة قابلة للجدال والحوار والرد المستنير.

أما "الاتصال أو التواصل"، هو "فن" أو "خبرة" أو "صنعة" نقل المعلومات والأفكار والآراء "، وهو أيضًا إجراء يؤدي إلى تبادل وروابط علاقة ثنائية أو متعددة الأطراف.

كثيرون هم الذين يميزون بين "المعلومة" و"الدعاية"، علما أن الدعاية هي معلومة في حد ذاتها.

ومفهوم "الحق في المعلومة" يستدعي مفهوم "حرية المعلومات". وتشمل هذه الحرية جميع الحريات الجزئية التي تتعلق بالعمليات الحالية أو المستقبلية للعمل الإعلامي. وأيضا حرية الإعلام . فالحرية إذن هي حرية الحصول على المعلومات، أي استلام أو الوصول المعلومة دون عائق.
من السهل تصور- على المستوى النظري - الحق في المعلومات، لكن تفعيل هذا الحق يعرف الكثير من المشاكل والمعيقات في نطاق التجسيد على أرض المواقع.

يستند الحق في الحصول على المعلومات والاعتراف على جملة من النظريات والرؤى المختلفة والمتباينة عبر العصور.

الرؤية السلطوية - الاستبدادية:

تعتبر هذه الرؤية أقدم النظريات التي تؤطر دور المعلومات في المجتمع. ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي ، ومنذ ذلك الحين تم تطبيقها في مناطق مختلفة.

تعتبر هذه النظرية أن الفرد يجب أن يضع نفسه في خدمة الحاكم والقائمين على الأمور، وبالتالي تكون المعلومات مجرد أداة لتكريس النظام القائم والدفاع عن سياسة الحاكم ونشرها والحرص على تطبيقها دون جدال أو مشاركة في بلورتها.

فالهدف هو الدعم والمساندة حتى ولو استلزم الأمر التلاعب بالمعلومات، ما دام أن القائمين على الأمور الذين يحتكرون دواليب تدبير شؤون البلاد، ونشر المعلومة يخضع لسيطرتهم الدائمة.

الرؤية التحررية:

ظهرت هذه النظرية خلال القرن الثامن عشر، وهي تناقض تمامًا مبادئ الرؤية السلطوية. إنها ترفض وضع قيود على الحريات وعلى المعلومات. كانت معروفة على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يرفض أصحاب هذه الرؤية أي تدخل للسلطة السياسية في المعلومات، و يدعون إلى نوع من "التنظيم الذاتي" لوسائل عرض المعلومة ونشرها.

الرؤية الاشتراكية:

لا تنفي هذه الرؤية الحق في الحرية والمعلومات، لكن وفقا لمنظورها الخاص. وهذا يعني وجوب توجيه المعلومات واستخدامها للدفاع عن مصالح العمال والفلاحين (الطبقات الفقيرة) ومن يمثلهم الحزب الشيوعي أو الاشتراكي. لا يُقصد بالمعلومات، حرية رواج الأخبار وعرضها، وإنما الهدف من "الحق في المعلومة"، هو تثقيف وإرشاد الطبقة العاملة وتنظيمها في ظل أغراض محددة. بالنسبة لهذه الرؤية ، تعتبر المعلومات أداة في يد الدولة، ويجب أن تتبع جميع وسائل الإعلام إرشادات الحزب الواحد ، وتعمل على نشر الأفكار والمبادئ الاشتراكية ، ولا مكان في هذه المنظومة للإفراج الكامل عن المعلومات وخاصة الرامية لانتقاد الدولة أو الحزب.

الرؤية الليبرالية:
تؤيد هذه الرؤية عدم تدخل الدولة في محتوى المواد الإعلامية منذ ظهورها في مجال المعلومات ، لكنها ترى في المقابل إمكانية تنظيم مجال المعلومات بواسطة ببعض الإجراءات التي تتخذها الدولة (قوانين محاربة احتكار وسائل الإعلام وتنظيم الدعاية ،الإعانات المالية ...)، وتعتبر هذا التدخل الحكومي المحدود ضروريًا لضمان السيولة والتدفق الحر للمعلومات والبيانات بين أفراد المجتمع. كما تسمح للدولة بالتدخل في مجال المعلومات لضمان أن تكون حرية المعلومات في خدمة المجتمع ، والدفاع عن الحريات وحقوق الأفراد.

نظرية المسؤولية الاجتماعية:

تعتبر هذه النظرية بمثابة رد فعل على التدفقات الليبرالية في مجال المعلومة. إذ يرى مؤسسها "تيودور بيترسون" - Tudor Peterson - أن وسائل الإعلام تحتكرها أقلية من الرأسماليين الأثرياء الذين يوجهون المعلومات تجاه مصالحهم السياسية والاقتصادية ، مما قد يؤدي إلى تحويل مسار معلومات عن أهدافها الاجتماعية. لذلك يرى أنصار هذه النظرية أن المعلومات يجب أن تظل حرة ، ولكن يجب أن تخضع لمجموعة من الالتزامات الناشئة عن مسؤوليات وسائل التواصل في مجتمع حديث. أي يجب أن تكون وسائل الإعلام مستقلة ، لكنها في المقابل أن تتحمل مسؤولية الحفاظ على استقرار المجتمع واحترام حقوق الإنسان.

كانت نظرية المسؤولية الاجتماعية أساس لبلورة المدونات الهامة لأخلاقيات المعلومات – "أخلاقيات المهنة" - في عدة دول.

الحق في المعلومة ليس حقا مطلقا وإنما له حدود. وعلى الحدود القانونية، بعضها يتعلق بحماية الأشخاص، والبعض الآخر يهدف إلى حماية النظام العام.

بخصوص حماية الشخص، تنبع من مبدأ أن كل شخص متضرر يجب أن يكون قادرًا على الدفاع عن نفسه، ومن هنا جاءت الأحكام في جرائم الصحافة (القذف والسب). وتنبع أيضا من كون لا ينبغي فهم الحق في الحصول على المعلومة كحق غير محدود للتحقيق ونشر المعلومات، إذ يتمتع كل فرد بامتياز الحق في احترام خصوصيته ، ومن هنا جاءت الأحكام المتعلقة بالحق في عدم نيل بالسمعة واحترام الحياة الخاصة.

تشكل حماية النظام العام حدًا من حدود حرية التعبير، إذ أن جملة من القوانين تتصدى لعدد معين من الجرائم. منها التحريض على الجنايات والجنح، الجرائم ضد السلطات المغربية والأجنبية ( في المغرب إساءة لملك المغرب و لرؤساء الدول الأجنبية)، و نشر الأخبار الكاذبة...

تطرح ممارسة الحق في الحصول على المعلومة عدة مشاكل في الواقع، بشكل أساسي جراء للتقدم الكبير الذي عرفته وسائل التواصل وتكنولوجيا المعلومات.

نعيش اليوم في مجتمع المعلومات، وما يميز هذا التحول ليس ظهور تقنية جديدة، لأنها تحدث في كل لحظة تقريبًا، وهذا من طبيعة اقتصاد السوق، توليد تقنيات جديدة و منتجات جديدة. فما استجد هي التغييرات بسبب انتشار التكنولوجيا في طريقة الإنتاج والاستهلاك ، أو في علاقات العمل ، أو حتى في تخطيط الفضاء والتنمية الحضرية. فالإنترنت والثورة الرقمية تحدد بشكل تدريجي الأساس التنظيمي "لاقتصاد جديد" ، على أساس الشبكة. لقد مكنت التكنولوجيا من تقارب مجالين تكنولوجيين كانا في السابق غير متصلين مباشرة ، التواصل والمعلومات. مما أنتج نوع جديد من المجتمع: "مجتمع الشبكات ".

فقد برز مفهوم مجتمع المعلومات الآخذ في التطور، وهو مجتمع يسهل فيه الوصول إلى المعلومات من جميع الأنواع ، و التواصل بسرعة وبوسائل مختلفة، لذلك يتطلب تحرير قطاع المعلومات. وظهرت إشكاليات جديدة، القرصنة ، والجريمة في الفضاء الإلكتروني ، الجنوح السيبراني... و بالنسبة للقضايا المتعلقة بالحق في المعلومة ، فجوة المعلومات الرقمية، تعدد اللغات في الفضاء السيبراني وحماية الخصوصية وقضايا أخرى على ما يبدو تشكل تحديا كبيرا اليوم.

والفجوة الرقمية، هي عدم المساواة في استخدام الإنترنت وتقنيات المعلومات والاتصالات بين الدول الغنية والفقيرة، المناطق الحضرية والريفية ، بين الرجال والنساء ، الصغار والكبار ، خريجي المؤسسات التعليمية والأشخاص ذوي التعليم المحدود ...

تدعم كل هذه الملاحظات النماذج المختلفة لمجتمع ذي سرعتين يتميز بوجود صدع أو فجوة بين الأشخاص ذوي "المعلومات الغنية" و"المفتقرين للمعلومات" ، "مرسلي المعلومات" و"مستقبلي المعلومات".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | مشروع قانون في بريطانيا يثير الجدل.. هل تنجح


.. العالم الليلة | صواريخ طهران فخر الصناعة الإيرانية تعتمد على




.. العالم الليلة | خبراء: الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران ق


.. افتتاح النسخة الثالثة للمعرض الدولي للتعليم الفني والتكنولوج




.. الفيضانات في الخليج… ضحايا في سلطنة عُمان والمياه تغمر المطا