الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن نسمح بقيام ولاية الفقيه في العراق

ينار محمد

2006 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


وصل حال المهزلة الديمقراطية في العراق الى ان يتجرأ الاسلاميون المسلطون علينا من قبل الاحتلال على التعدي على تاريخ عريق من المدنية والتحضر للمجتمع العراقي. إذ قدّم يوم 2/10/2006 النائب سامي العسكري من كتلة الاسلام السياسي الشيعي اقتراحاً طالب فيه بتشكيل لجنة عليا من البرلمانيين مكونة من فقهاء في الشريعة الإسلامية، مهمتها تدقيق القوانين التي يصادق عليها المجلس التشريعي للتأكد من تطابقها مع الإسلام. وقد تلقى الاقتراح موافقة رئيس البرلمان محمود المشهداني، الذي قام لاحقاً بإهانة جميع النواب المعترضين ومعظمهم من النساء.
بعد ان فضل الاحتلال الاسلاميين على جميع التيارات السياسية الاخرى وبعد ان سمح لهم بطريقة او أخرى باستلام الدعم والمعونات من الدول المحيطة سواء الجمهورية الاسلامية في ايران او المملكة العربية السعودية، وبعد ان اغمض الاحتلال عينيه عن بناءهم لميليشياتهم الاجرامية المسلحة، واخيرا بعد ان أطلق الاحتلال يدهم للبدء بحرب طائفية في وسط وجنوب العراق، انتهى الأمر بان يصل المشروع الديمقراطي التدميري الى بدء اتخاذ خطوات جدية لتشكيل ولاية الفقيه المتمرسة بقمع النساء وقتل الحريات في العراق. وكانت أولى النتائج قمع النساء البرلمانيات اللواتي تجرأن بتحدي هذا الإجراء – أي تشكيل لجنة من مشعوذي الشريعة لتصحيح وإلغاء وجود أي نسمات تحررية (وهي قليلة أصلاً) في الدستور الحالي.
يتضح هنا الخلل في العملية الديمقراطية التي تسمح لأي كان ان يصل الى السلطة من خلال الانتخابات في فترات توتر أمني وسياسي – هذا اذا فرضنا ان وصولهم لم يكن نتيجة عمليات مهولة من التزوير. اذ كيف يمكن السماح للممثلي تيار سياسي، يحارب المساواة ويؤمن بفرض عقيدته على الآخرين، ان يكونوا قيّمين بل ومشرّعين لدستور يحكم 27 مليون من الجماهير. تكون النتيجة الأولية لقيادة كهذي تحويل نصف الجماهير (النساء) الى انصاف مواطنين. وكذلك اسكات وقمع نسبة لا يستهان بها من التحرريين العلمانيين ومعتنقي الديانات الأخرى. اذ كما يتضح من تصريحات السيد رئيس البرلمان في الجلسة الرسمية انه سيتعامل معهم بـ(الحذاء). ومما لا يعرفه النواب السذج والمتفائلون بعهد الديمقراطية الجديد، ان نفس هذه القيادة ستتعامل مع هذه الاعتراضات مستقبلاً بالسجن حيث تغتصب النساء من غير الاسلاميات وبالذات الملحدات لئلا يدخلن الجنة – كما يتم العمل به في سجون الجمهورية الاسلامية في ايران.اما معتنقو العقائد السياسية الاخرى من اشتراكيين او شيوعيين فان مصيرهم سيكون الجلد والاعدام بقطع الرأس، كما يتم العمل به في الساحات العامة للمملكة العربية السعودية والحليف الأول للأمريكان في المنطقة.
أما اذا كان لدى النساء من النواب اي تصور بأن الديمقراطية تحفظ حقوقهن ومساواتهن بالرجال، فهذه بشارة خاطئة.إذ ان الديمقراطية الأولى للاغريق القدماء (حق جميع "المواطنين" بالتحدث/التدخل والتصويت في المجلس التشريعي) لم تكن تعتبر النساء والعبيد والغرباء ،من غير سكان المدينة الاصليين، بمواطنين يتمتعون بالحقوق الممنوحة للمواطن والذي هو في هذه الحالة، رجل حر من سكان اثينا الاصليين. وبالنتيجة، فمن مجموع 250 ألف من سكان المدينة، كان حق المواطنةممنوحاً لـ30 ألف فرد فقط. ومن ضمن هؤلاء لم يشارك أكثر من المجموع الكلي لـ 5 الآف في واحد او أكثر من الاجتماعات. اي بكلمات أخرى لم تضمن هذه الديمقراطية المساواة ما بين سكان المدينة بل ضمنتها ما بين السادة الرجال فقط.
اما في الديمقراطية الامريكية التي أقرت في 1788،فان حق التصويت كان فقط للرجل الأبيض من أصحاب الأملاك.أما الرجال الزنوج فلم يكتسبوا هذا الحق الا في 1860 وذلك بعد مرور اثني وسبعين عاماً. واعطي هذا الحق للمرأة بعد نضال مرير في عام 1920.وقد كان هذا النضال النسوي الامريكي متأثراً وبشكل مباشر بما حص في النصف الأخر من الكرة الارضية.اذ قد وصلت أخبار لثورة أوكتوبر ووصول الاشتراكية الى السلطة التي أولت المرأة حقوقها الدستورية الكاملة مع فجر الثورة البلشفية، والتي وصل ضجيجها وتأثيرها الى العالم أجمع. واتضح في جميع البلدان التي دخلت في الفلك الاشتراكي ان المرأة والطبقة العاملة كانت الرابح الأول من التغيير،ولو ان بعض الاصلاحات الراديكالية الأولى في زمن لينين تم اجهاضها جزئيا لاحقا مع سيطرة نمط رأسمالية الدولة خلال الحكم الستاليني، الا ان الجماهير النسوية كانت تتمتع بحقوق دستورية لم تحلم بها نساء الغرب آنذاك.
في استحضار لاوضاعنا في ظل برلمان عراقي يسيطر عليه الاسلام السياسي بشقيه، فاننا متجهون الى حقبة مظلمة من دمج الدين بالدولة. ولعل الذاكرة الانسانية تعود بنا الى العصور المظلمة في وسط وجنوب أوروبا خلال حكم الكنيسة للدولة والتي شكلت محاكم التفتيش.وبالرغم من ان بعض الجماعات المسيحية ومنذ القرن الثالث عشر كانت تقوم باعدام الاشخاص لمجرد الاشتباه باشراكهم –هرطقتهم، كفرهم بالضد من المسيحية- الا ان اسهام الدولة رسميا بالتصفية والتعذيب والحرق الفردي والجماعي على اساس عدم الايمان بالعقيدة كان على يد البابا بولص الثالث في عام 1542 والذي شكل لجنة: (التجمع من أجل عقيدة الايمان) لتفحص مدى التزام الافراد يالمسيحية الكاثوليكية؛ واتضح فيما بعد ان مهمتها الاساسية كانت تعذيب واعدام وتصفية العلماء والفلاسفة والنساء المتحررات ومعتنقي الديانات الاخرى.
بعد هذه الجولة التأريخية في ممارسات المؤسسات الدينية التي تطلق يداها بالضد من الحريات والفكر، نكتشف ان بدايات المؤسسة الدينية الحاكمة والقادرة ايديولوجيا على إلغاء الأخرين قد بدأت في العراق وبتبريكات من الاحتلال الامريكي. وان هي الارقام المعلنة يوميا عن ضحايا الحرب الطائفية الا اوضح دليل. وليست التصريحات لرئيس البرلمان سوى تجلياً واضحاً لنوايا الاسلاميين منذ البداية، وتشبثهم لعملية ديمقراطية أمريكية عمياء لا تميز الانساني من الاجرامي، بل وعلى العكس فهي تهدف تمثيل الجماهير على أساس دياناتها وليس على أساس الطبقة الاقتصادية الاجتماعية، العمال، او تطلعاتها التحررية، النساء والشباب.
وتظل المسؤولية هنا ملقاة على العلمانيين والتحرريين والنساء والشباب وبالذات جماهير الطبقة العاملة لكي يتجمعوا في صف واحد لطرد المحتلين الذين مهدوا الارضية لوصول الاسلاميين الى السلطة؛ وان يهبوا لايقاف اقتتال الحرب الطائفية ليرسموا مصير ومستقبل عراق بحكومة عمالية ودستور مساواتي يفصل الدين عن الدولة ويمنح المرأة مساواتها التامة بالرجل ويسعى لتحقيق المساواة الاقتصادية. لن يُكتب لحكومة التفرقة الطائفية والحرب الدينية على الجماهير الديمومة يوماً واحداً لولا حماية الاحتلال لمعاقلها وكياناتها الفوقية الهشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يواجه محاكمة جنائية بقضية شراء الصمت| #أميركا_اليوم


.. القناة 12 الإسرائيلية: القيادة السياسية والأمنية قررت الرد ب




.. رئيس الوزراء العراقي: نحث على الالتزام بالقوانين الدولية الت


.. شركات طيران عالمية تلغي رحلاتها أو تغير مسارها بسبب التوتر ب




.. تحقيق باحتمالية معرفة طاقم سفينة دالي بعطل فيها والتغاضي عنه