الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلشَّعْبُ

عبد الله خطوري

2022 / 11 / 21
الادب والفن


_أولا/مُتون:
● شين/ نبي مجهول :

أيّها الشَّعبُ ليتني كنْتُ حطَّابا
فأَهْوِي على الجُذُوعِ بفأْسِي
ليتنِي كنتُ كالسُّيُول ،إذا سالَتْ
تهُدُّ القبورَ : رَمْسَا برَمـــْسِ
ليتنِي كنت كالرِّياح، فأَطْــــوِي
كلَّ ما يخنُقُ الزُّهورَ بنَحْسِي
ليتَ لي قرّةَ العواصفِ، يا شعبِي
فأُلقي إليْك ثوْرَةَ نفْســـــي
أنتَ رُوحٌ غبِيّةٌ ، تكرَهُ النُّـــو(د)
رَ وتقْضِي الدُّهورَ في مـــــلْسِ
أيها الشعب أنت طفل صغير
لاعب بالتراب والليل مُغْــــسِِ
أنت لا تدرك الحقائق إن طافت
حواليك دون مس وجَس
في صباح الحياة ضمختُ أكوابي
وأترعتها بخمرة نفسي ...
ثم قدمتها اليك، فأهرق (د)
تَ رحيقي، ودستَ يا شعب كأسي
فتألمت ثم أسكت آلامي
وكفكفت من شعوري وحسي
ثم نضّدت من أزاهير قلبي
باقة لم يمسها أي إنسي
ثم قدمتها إليك فمزقْ(د)
تَ ورودي ودستَها أيَّ دَوْسِ
ثم ألبستني من الحزن ثوبا
وبشوك الجبال توجتَ رأسي
إلخ .....

● عين/ قالت ضحى :
الظلم لا يباد..ما الحل؟..أن تحدث ثورة على الظلم..؟؟..نعم تحدث تلك الثورة.. يغضب الناس، فيقودهم ثوار يعِدون الناس بالعدل وبالعصر الذهبي، ويبدؤن كما قال سيد القيناوي:يقطعون رأس الحية..ولكن سواء كان هذا الرأس اسمه لويس السادس عشر أو فاروق الأول أو نوري السعيد، فإن جسم الحية، على عكس الشائع، لا يموت، يظل هناك، تحت الأرض، يتخفى يلد عشرين رأسا بدلا من الرأس الذي ضاع، ثم يطلع من جديد..واحد من هذه الرؤوس اسمه حماية الثورة من أعدائها، وسواء كان اسم هذا الرأس روبسيير أو بيريا فهو لا يقضي، بالضبط، إلا على أصدقاء الثورة.ورأس آخر اسمه الاستقرار، وباسم الاستقرار يجب أن يعود كل شيء كما كان قبل الثورة ذاتها.تلد الحية رأساً جديداً.وسواء كان اسم هذا الرمز نابليون بونابرت أو ستالين فهو يتوج الظلم من جديد باسم مصلحة الشعب.يصبح لذلك اسم جديد، الضرورة المرحلية..الظلم المؤقت إلى حين تحقيق رسالة الثورة.وفي هذه الظروف يصبح لطالب العدل اسم جديد يصبح يسارياً أو يمينيا أو كافراً أو عدواً للشعب بحسب الظروف..قل لسيد القيناوي إن الحية لا تموت أبدا..لا تموت...(٢)

●باء / اللاز :
واللاَّز؟؟ابنُ خَطيئتي وزنايَ..وَجَدْنَا أنفُسَنا في الغابة كآدم وحواء، وحيديْن، ولم يكن في وسعنا الا أنْ نبيتَ مُلتصقينَ..كان الفصل خريفا وكان الصقيع ينزل بعد الظهر.. فأنجبناكَ..شرارة طائشة ولعنة صارخة..فيكَ بُذور كل هؤلاء يا اللاَّز..بذور كل الحياة كالبحر..لأنك الشعب برُمَّته..الشعبُ المطلق،بكل المفاهيم..هذا اللاَّزُ ليس غنيا،وليس واعيا للفقر..ليس ثوريا وليس مُستسلما..أُمِّيٌّ لا كالأُمِّـيِّين، وشابٌ لا كالشبان هذا اللغز،هذا اللاَّز.كيف أصنع منه شيئا؟لعلني بالحب فقط أستطيعُ الوصولَ إلى أعماقِه.. المهم أنه مُدركٌ، بغريزته، كالكلب، أو كالقط،أو كأي حيوان..مُدْرِكٌ لِعُفُونة الوجود، ويرفضها بطريقته الخاصة..انه البحر بعينيه..بل الشعب برمته... (٣)

●همزة / عَمَى :
الشعب طفل غبي ينادي أي سارق يختطف أمه..يا عَمِّي..!!..(٤)

●فاء / ماري أنطوانيت :
ويحتاجُ الشعبُ، ذلك الكيانُ الغامض العنيف الى هدف لكي يصبَّ عليه حقده ونقمته عندما يشعر بنفسه ضحية الظلم فيفتشُ عن المذنب لكي يحمِّلَهُ مسؤوليةَ الأوضاع التي يقاسيها.ولا يستطيعُ مجموعُ الشعبِ أنْ يفهمَ الأفكارَ المعنويَّةَ المُجَرَّدةَ،بل انه يعتقدُ أنَّ هنالك أشخاصا تقعُ المسؤولية على عاتقهم" ويجب أن يدفعوا الثمن مهما كان ".(٥)

●ياء / مقهور :
إن الانسان المقهور في المجتمع المتخلف يحس بالغربة في بلده، يحس بأنه لا يملك شيئًا، حتى المرافق العامة يحس انها ملك للسلطة، وليست مسألة تسهيلات حياتية له هو...إن ما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له(اذا قدمت)كمنّة أو فضل، لا كواجب مستحق له.لذلك فهذا الشخص عندما يخرب المرافق العامة فهو بذلك يعبر عن عدوانيته اتجاه المتسلط.(٦)

●واو / خبز الشعب :
العدالة خبز الشعب.أحياناً يكون وفيراً و شحيحاً.أحياناً يكون طيب المذاق أو غير مستساغ.حين يشح الخبز،يكون الجوع؛وحين يسوء الخبز ،يكون السخط..ألقوا بعيداً العدالة السيئة المخبوزة دون حب، المعجونة دون معرفة، لعدالة دون نكهة، بقشرة رمادية..العدالة الحامضة التي تأتي بعد فوات الأوان..إذا كان الخبز طيباً ووفيراً، أمكن إيجاد العذر لبقية الوجبة؛ فلا يمكن نيل الكثير من كل شيء في آن واحد؛وبالتغذي من خبز العدالة يمكن إنجاز العمل الذي ينتج الوفرة..مثلما الخبز اليومي ضروري، فكذلك العدالة اليومية من الصباح إلى المساء في العمل في المتعة.في الأوقات الصعبة والأوقات السعيدة، يحتاج الشعب خبز العدالة اليومي الوفير المشبع..ولما كان خبز العدالة بكل هذه الأهمية،فمن إذن، يا أصدقاء، سيخبزه؟من يخبز الخبز الآخر، خبز العدالة وفيراً ومشبعاً ويومياً الى الأجيال المقبلة..حقاً، إنني أعيش في زمن حالك..الكلمة الصادقة حماقة، والجبهة الناعمة توحي بالبلادة،ومن يضحك هو من يسمع بعد بالنبأ الفاجع.أي زمن هذا، الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة،لأنه يتضمن الصمت على العديد من الفظائع؟أيكون ذلك الرجل الذي يَعْبُر الطريق صامتاً هناك،قد صار بالفعل بعيداً عن متناول أصدقائه الذين يحتاجونه؟صحيح، أنني ما زلت أكسب ما يسدّ رمقي، لكن، صدقوني، ذلك محض صدفة، فلا شيء مما أفعله يمنحني الحق أن آكل ملء بطني..الصدفة أفلتُّ(وإذا ساء حظي، ضعت)يقولون لي:كلْ واشرب!وابتهج بذلك!لكن كيف يمكنني أن آكل وأشرب وأنا أنتزع ما آكله من الجياع، وماء قدحي يخص شخصاً يموت من العطش..ورغم ذلك آكل وأشرب..آآآهه..(٧)

●نون / الدون الهادئ : (٨)
_ إنَّ أفْرَادَ الشَّعْبِ جُهلاء، والحاكمون يُبْقُونَهُم في الجهل خَوْفَ أَنْ يطيحوا بهم.لكن هذا الجهل لنْ يَطُولَ فَسَتُزَعْزِِعُهُ الحَرْبُ و ويلاتها،والرَّعْدُ تتبعه العواصِفُ. هل فهمت؟
_لا أدري لستُ مُتَأَكِّداً.
_اذن، افهمْ..مِنْ واجبنا أَنْ نُدِيرَ بنادقنا الى صُدور مَنْ ساقُونا الى الحرْبِ، وبعد ذلك يَغْرَقُ نظامُهم بأكمله في مَوْجَةِ حُقوق الشعْبِ.
_اذن، أنتَ تَرَى أَنْ يُقْلَبَ كلُّ شيء ؟
_نعم، لقد جَزُّوا الصُّوفَ عَنْ ظهورنا طويلا..فَلْنجزَّهُ لأنفسِنا بعد الآن.
_ والحرب، ماذا تفعلُ بها بعد قَلْبِ كل شيء، سيظلُّ الناس يتحاربون..هكذا كانوا منذ أجيال، وسوفَ لا يغيرون عاداتهم.
_هذا صحيح، إنَّ الحربَ ستظلُّ حتى يتم نَكْسُ الحكم الفاسد..حكم القياصرة والأغنياء.أما حين يكونُ الحُكْمُ للعُمَّال والفُقراء، فلنْ يكونَ هناك حُروب..عندما يحكمُ العُمَّال في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا بلادَهُم ولصالحهم..لنْ تكونَ هنالك مصلحة لأحَدٍ في الحرب وسيعيشون جميعاً إخْوَةً مُتَحَابينَ..آه.. ليتنِي أشهدُ ذلك اليوم..فأنا أفديه بكل قطرة من دمي...(٩)

● ميم / نسيان :
لتصفية الشعوب، يُشرع بتخريب ذاكرتها، وتدمير كتبها وثقافتها وتاريخها.وينبري آخرون لتأليف كتب أخرى، وإيجاد ثقافة أخرى وإبتداع تاريخ آخر . بعد هذا يبدأ الشعب شيئا فشيا فى نسيان من هو وكيف كان.فينساه العالم من حوله بشكل أسرع (١٠)

_ ثانيا / هوامش :
● خاء / أرانب :
وكانت أرانب الخم مكبلة بالأصفاد لا تعرف للبراري سبيلا،مرهونة ظلت داخل أقغاص شفافة تجرجر أوجاعها آلمتهدلة، منتكسات إناثها راضيات يلدن المزيد والمزيد،تتفانى ذكورها تغرق في خدمات آلسخرة وقوات السنور السمين تخزها بالعصي والسياط وأحذية البروتكال حتى إذا حان حين أحدها رمي بقدره بين كماشات المجازر يذبح يسلخ تؤكل الأجساد ويلقى بالأرواح في الجنات الفائحات....

● دال / سفاد :
يدنُو الأقْرَنُ آلكهل آلضخم آلمُلتحي من العنزة الساكنة بين يَدَيْ آلحالبة..يتشممها.. يُخرج لسانا أمرد من بين شفتيه الضابحتين آلمزبدتين.يزلزله.يرتعش.يتودد.يناور. يلهث.يُصَوت شبقه الأهوج..باااعععْ..وواااععْ..بينما الصغير هناك لازال تالفا بين أظلاف تعفسه وقرون ناتئة معقوفة ومنتصبة تكيل بدنه الضربات تلو الضربات..الأم تهادن مُناورَها بالتي هي أحسن.تنحني.تهرق ماءها بطريقة غريزية ليدرك عدم آستعدادها لأي شيء مما يروج في باهه الأهوك؛ لكن الذكَر يلح يزداد هياجه آلفوار فور تشممه السائل الأصفر مهرَقا بين رجليها.يرفع شفتَه العليا إلى الأعلى.يُوَعْوِعُ.. يفعلُ أشياء غريبة..تَجْثُو..تقعي..تبرك أرضا مولية وجهها شطرا غير شطره..تمانع.. يُصرُّ..يلحُّ..يوعوع..لا يبالي، ينتصب أمامها كسارية قائمة يتربص وينتظرُ...

● راء / افتراس :
في الجهة الأخرى حيث سعير المدن السفلى حيث البيوت الواطئة حيث هوام مجاري البالوعات والدهاليز والأقبية تلعب الجمباز ليل نهار..الجرذان تأكل آلجرذان. لونها الفاحم الداكن هو هو لا يتغير.حياتهم زفت.عملهم قطران.مصيرهم السم القاطع.وهلاكهم طاعون...
وفي سرعة البرق، طفقتِ الهراوات تقوم بقصفها القشيب، وجعلتِ الجرذان تجرجر أجسامَها المجروبة جريحة مدحورة.لم يُعَقِّبْ أحد.ألسنتهم شُلَّتْ غطستْ في حناجرَها تتبرم بصمت خسيف لا تقدر حتى على زفرها أوووفْ بعد أنْ طارتْ بطائق صرف مَعاش أشغال مياومتهم الشاقة أجِّلَتْ إلى ما بعد العواشر التي تعقب هذه العواشر.شيء واحد خرجوا به من مقابلتهم الهر الكبير، تعلموا أكثر فن طأطأة الهامات وتقبيل براثنه وفتل شواربه المتربصة المعقوفة من أجل أن تشفق عليهم قليلا أثناء عملية الافتراس القادم....


_ثالثا / حاشية :
لا، لم تك لنا إرادة حياة كي ينجلي ليل أو ينكسر قيد أو يستجيب قَدَر..نحن شعب ظل على هوامش آلهوامش يسوف يرجئ يمني آلنفس ينتظر لا يقرأ لا يكتب لا يعي كينونته..نحن تجمع ركام بشري لم يدخل بعد مجال الثقافة نحن شعب على حاشية الحضارة..هذا ماكان..
إنّ موقفَ الإنسان المُصاب بمشاعر النقص موقفٌ آنتكاسي بآمتياز، يَرَى مَصيرَه مُعرّضا لأحداث وتغيّرات يَطغى عليها طابع الاعتباط أحيانا والمجّانيَّة أحياناً أُخرى. إنّه يعيش في حالة تهديد دائم لأمنه وصحّته وقوّته ومستقبله.بفتقر إضافة إلى ذلك إلى الإحساس بالقوّة والقدرة والمجابهة.وتبدُو الأمورُ، بالنسبة إليه،كما لو أنّ ثمّة، بآستمرار، انعداما في التكافُؤ بين قوّته وقوّة الظواهر التي يتعامل معها.يفتقد الطابع الاقتحاميّ في السلوك وسرعان ما يتخلّى عن المواجهة منسحبا أو مستسلما أو متجنّبا صداع الرأس أو طلبا للسلامة وخوفا من أشباح سوء العاقبة، أو يأسا من إمكانيَّة الظفر والتصدّي، ومتوسلا في كثير من الأحيان النجاة والعافية والستر والأمان من مخاطر وهمية ترسمها له هواجسُه من قوى فوق طبيعية، من بينها قوة المتسلط لذلك فإن أحسن وسيلة للهروب_مثلا_من السلطة هي اللجوء إليه والاحتماء بها وتوسل"رحمتها"و"عطفها"؛ ولقد آستطاعت السلط المتعاقبة في تاريخ البلاد العربية أَنْ توظف بإتقان لعبة الغيبيات ونزوع الأغلبية إلى الجانب الإيماني بخلطه بكثير من الخرافات والشعوذات والعادات الباطلة حتى آبتعد الوعي واللاوعي الجماعييْن عن العبادات وغرقَا في العادات التي آستغلتها الأنظمةُ الشمولية والعسكرية والمستبدة لصالحها وظفتها كمُخدر لأصحاب النيات الساذجة والتعليم المنعدم وسلطت أولئك وهؤلاء على كل ذي عقل سليم يَرُوم معرفة الواقع بشكل سلس وواضح وظاهر لعيان ذوي الألباب؛ فذاعتْ كالوباء ثقافة الدروشة والسلبية والخرافة والآمتثال الأعمى للأوامر وآتباع أفكار مَنْ يُفكر بالوصاية عن الجميع بشكل يذكرنا بخرفان"بانورج panurge"وثقافة غوغاء قطيع لا يتقن غير عمه سفاد موغل في عته الازدياد لا يتوقف لأن الأقدار ستتكلف بآلباقي، فتتواتر تعريجة(حمدان)(١١)، تتناسل غيطة (دحمان)(١٢)في مجتمع تتضاعف فيه أفواه أرانبه ضاربة في مقتل نظرية(مالثوس)(١٣)..يغرق الشيوخ والشباب في الاستسلام لبيولوجية متوارثة قميئة لا ضابط لها فهي تطرد من جيل لجيل لا يهمها الأوباء وضنك آلمعيش..حتى الأجيال الحالية تلفيها بقدرة عزيمة السلالة متهافتة فاقدة للتوازن وللبوصلة تتخذ من مظاهر حديثة أساطير جديدة تقتات منها تقتاته في نهاية المطاف..وبذلك تفقد هذه الأجيال المُتوسِّلة للمشيئة ضابط توازنها يتخلخل مَوقفَها العامّ من الحياة بشكل عقلاني وعلمي موضوعي، وينعدم لديها الإحساس بالطابع التغييريّ الفعّال، تقع في أسلوب التوقّع والانتظار والتلقّي الفاتر لِمَا قد يحدث أو لا يحدث؛ ثمّ ثمّة انعدام للثقة بالنَفْس، إذْ ما من شيء مضمون في وجود المقهورين، فقدان الثقة هذا يسحبه على جميع الآخَرين أمثاله؛ وهكذا يشعر بأنّه وإيّاهم لا يستطيعون شيئا إزاء قهر الطبيعة وما وراءها وقوى الحُكام وقوى الزمن القاهر، بل وشبح قوى الرعاع الموجهة ضد الرعاع، ليبقي الصغار صغارا لواشون دالواشون وإمقرانن ديمقرانن(١٤)وتغرق الدروب المفقرة في فقرها وقفرها وقرقوبها(١٥)وحشيشها وشقائها المتناسل كالجرب، ويغرق المتوسل في تسول الكرامات _الأموات والأحياء_والمنات لا ينتهي أبدا وينتظر مرور الأزمان وآنقراض الأجيال السابقة دون يحرك أنملة في سبيل حركته المتوقعة، ففكرة القصور "الصغر"إيسُولْ دامزيان دي تيلي نْ بَابسْ (١٦) تستغرقه مراحل عمره كلها، فترى الثلاثيني والأربعيني وما دون ذلك وفوقه منكمشا في عباءة أبيه"تاجلابت نْ بابس"(١٧)الحي أو الميت فيزدادُ آحتقاره لذاته من حيث يعي ذلك أو لا يعيه، ويتفاقم انسحاقُه وغرقه في المهانة التي من كثرة معايشته إياها تغدو مسألةً عاديةً يألفها تألفه، ويمسي رجل المستقبل_ياحسراه_ مقتنعا بلا جدوى الفعل الذي يمكن أن ينجزه.. للأسف، أكبر عدو للشعب هو الشعب نفسه..من هنا صعوبة تغيير مثل هذه النفوس المَريضة وهي كثيرة جدا في بلداننا والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه....
تستوقفنا في أعمال"عبدالله العروي"الروائية الأولى شخصيتان أساسيتان هما:(شُعَيْب)ودلالة الاسم هنا تحمل أكثر من إشارة الى حالة"الشعب"في هيئة مُصغّرة مُحتَقَرَة ربما نظرا لِمَا يعيشه هذا الكيان من تخلف وأمية وجهل وتدهور في الأحوال على جميع المستويات.وشخصية(إدريس)الذي"ما سُمّي "إدريس"إلا لكثرة ما كان يدرس "الصحائف."..مما يجعلنا أمام ثنائية: المثقف الدارس وال"شعب"الذي ظل على حالته دون تغيير..إن المصير الذي انتهى إليه"شُعيب"في رواية(الغربة) يتحمل قسطا من المسؤولية فيه صديقه"إدريس"الذي كان يمثل بالنسبة له حبل النجاة، هكذا تقول الرواية، وهذا ما يوضح سر اللهفة الكبيرة التي كان ينتظر بها عودته.إنهما معا ينحدران من بلدة واحدة،غير أن"إدريس"أتيح له أن يتمّ تعليمه، وأن يسافر إلى فرنسا لاستكمال دروسه هناك، بينما ظل"شُعيب"غارقا في شعبيته داخل الوطن دون أن يبذل جهدا يذكر لتغيير حالته الثقافية والمعنوية...
ولم تكن مهمة"إدريس"إنقاذ"شعيب"فقط بعد عودته، بل كان عليه كذلك أن يغير المدينة التي بقيتْ كما كانت هي الأخرى. قال"شعيب"حين كان ينتظر عودة صديقه: "انظر إلى هذه المدينة،ماذا جَدّ فيها منذ خمس سنوات، سيأتي غدا ويجدها كما تركها نائمَـة تافهَـة.وهذا فعلا ما أكده إدريس:"أجدُها كما تركتُها أول الأمر في حين أن جميعَ الخُطَبِ تقولُ إننا نعيشُ فترة حسّاسـة في تاريخ بلادنا."..إن"شُعيب"وهنا _نحويا_أبني الكلمةَ التي تحيل عليه ولا أعربُها، فهو منذ ما وُسم بالاستقلال الى حدود كتابة هذه الخواطر، كائن جامد غير متحرك على أية حال_مجرد منتظِر لهذا "المثقف" الذي سيأتي بثقافة جديدة من وراء البحر لينقذه من براثن التخلف دون أَنْ يقومَ بأي فعل أو ردة فعل اتجاهه...
غير أن"إدريس"بعد عودته يعجز عن حل المشاكل التي وجدها في الانتظار ليبقى "شعيب"شعيبا كما كان دائما رغم ما بذله من مجهود في ماضيه حيث مارسَ تحفيظ الأطفال القرآن،وشارك في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار،"والآن ها هو مع زوجة لا يعرف كيف يعيش معها في مهنة حقيرة.كان سجينا وأصبح كاتبا في السجن."..ألاَ تُذَكِّرُنَا هذه الحال التي كَتَبَ عنها العروي روايته بُعَيْدَ الاستقلال بما نعيشه حاليا..ما الذي تغير في هذه العلاقة..إنْ كانت هناك علاقة أصلا؟؟"الشعب"في واد و"المثقف" في واد آخر ولا لقاء بين المتوازيات التي تختلف خطوطها ومعالمها وهوياتها وكينوناتها اختلافا جذريا...
في رواية العَروي آستسلم"شُعيب"للكتب الصفراء وأحلام اليقظة والشعوذة وتقليد التقليد في نكوص وآنحسار فظيعين بينما انكفأ"ادريس"على ذاته وعاد أدراجه الى "الغرب"من حيث أتى..ليتم الطلاق بين الكينونتين..طلاق صعب، لكنه تحصيل حاصل لِمَا هو كائن في الواقع بأمانة وصدق..ليبقى الحال على ما هو عليه الى إشعار آخر...لقد عاشت الأرض الاسلامية والعربية والأمازيغية والافريقية بعد نيل ما اعْتُبِرَ "حرية"و"استقلالا"تحت نير أنظمة شمولية سلطوية قمعية قاهرة بالقوة وبالفعل، بعضها عملاء تم اختلاقهم من ذوي النفوذ والمقربة من ماسكي دواليب الأحكام، وبعضها انْشِئَ من لا شيء على شاكلة مُدن"عبد الرحمن مُنيف"الملحية في إمارات وممالك وطوائف معاصرة لا مبرر تاريخيا لوجودها..!!..وبعضها الآخر دخل في سياسة المُستغِل بدعوى مُحاربته من داخله ففشل في تحقيق أهدافه"الانسانية" تبعا لفشله في تحقيق البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتخلفه على الصعيد الرؤية التاريخية للشعوب وهوياتها وكينوناتها وحاجياتها الاساسية والاستثنائية، مما ساعد في تهميش طبقات واسعة من مجتمعاتنا على جميع المستويات..الشيء الذي ترتب عنه صعود حاد في موجة"و"ظاهرة":"الشعب يريد..والشعب لا يريد..."وهلمَّ جرَّ من الإرادات ونفي الإرادات في واقع تتدهور فيه كينونة هذا الشعب على جميع المستويات لعل من بينها المعرفية والفكرية، حيث تطغى العاطفة و"السذاجة" والغباوة والفطرة المشوهة والسليقة المعلبة بعلب الصفيح والانفعلاتُ الحادة التي تصل درجة البهيمية على تحركات هذا الشعب الذي يمارس ردود فعل القهر والتهميش الممارس عليه على نظرائه من المهمشين وليحيطِيستْ(١٧)الذين يذرعون الدروب ليل نهار دون شغل أو مشغلة، مما يُنتجُ ضبابية وسوء تقدير الأمور؛ فهذا الشعب نفسُه الذي يقوم ثائرا في وجه أعراض تصيبه في مأكله ومشربه وحياته الكريمة هو نفسه يقف أو يجلسُ مُبحلقاً في الشاشات يرنُو بجنون مُقْرِفٍ إلى صور لاعبين يلهون يلهثون هنا هناك تحركهم شركات ذات رأسمال متعدد الجنسيات، أو قل عنه بلا جنسية ولا عِرق"طاسيلة"ولا ملة ماعدا هوية المال ثم المال، مُقتاتين بخبز هذا الجمهور الغبي اليومي الغارق في التشجيع والغناء والتصفيق والمراهنات وحياة التفاهة والعبث المجاني التي لا تنقطع بخصوص الرابح والخاسر منتشياً بوهم الانتصار، متذمرا ساخطا محاولا اسقاط الدنيا بما رحُبَتْ إنْ أصاب الفريق زيغٌ من التعثر والهزيمة..انه شعب مفرغ من المعنى لا كرامة له لا أرضية فكرية صلبة يتوكَّأُ عليها يعتمدها في قراءة ومواجهة الأشياء.. إنه شعب لا يقرأ لا يفهم لا يدرك لا يعي، مجرد بيولوجيا رعناء تمشي على رجلين أعرجين، مجرد فساء أهوك لا يقوى حتى على الضراط، مجرد بهائم لا حلوم لها.. إنه"شُعَيْب"بتعبير"عبدالله العروي"لا يمكن الاعتماد عليه لا راهنا ولا في أي زمن في ظل المُعطيات الحالية.. انه آفة من آفات الزمن التي يجب التخلص منها في أقرب وقت عن طريق العمل على خصي الرعاع الراغبين في التناسل من أجل التناسل، وتعقيم مهابل المهابيل من أجل الحد من استنساخ مركات غير مسجلة من المسوخ والاوساخ التي تعمر اليابسة دون فائدة...
رغم كل شيء، مازلتُ أطمحُ أنْ ينجو ثلة من الشباب الحالي الصاعد من هذه الآفات، ويغدو شبابا نوعيا لا كَما رقميا ورقيا في عُمر يزداد في الوزن والطول والعرض دون عمق العمق، وجوهر الأعماق_سادتي_لا يكون إلا بتربية الأرواح تثقيفها تهذيبها وتحليتها بما رَحُبَ في الآفاق من أخلاق وقيم إنسانية، وصقل العقل بالقراءة والقراءة والقراءة المزمنة، ونهج مسالك العلوم البحتة والنسبية..أطمح لتنمية ذاتية كل فرد يقوم فيها بمجهوده الخاص من أجل تنوير عقل هذه الفئة وتثقيفها الثقافة العامة والخاصة في المدارس وغير المدارس كي يتمكن من مستقبل قار ثابت يضمن العيش الكريم بلا صداع الراس، لأن اليد العليا خير من اليد السفلى، والقوي من المومنين أفضل بكثير من الضعاف، أطمح أنْ أرى أرواح الشباب الشفافة تتهادى منشرحة بأنجالها الذين لم ولن يخيبوا الآمال..انقضى زمن آحتراف الكدية والتشمكير والتسكع والتشرميل وإدمان لفائف المخدرات والغرق في القرقوبي وآمتهان مهانة لدعارة والعادات البغيضة التي تقتاتنا قبل أن نقتات منها الرغيف المنشود، لقد أرادوها لنا عيش سفالة ووضاعة نختنق فيها نكد نتعب نشقى وهُم في أبراجهم العاجية يرتعون يمرحون في خيراتنا وعلى حسابنا وحساب حقوقنا..أطمح لأبنائي مستقبلا غير مستقبلي، أطمح لهم فرض أنفسهم في ما يخالونه بلدهم النافع، أطمح لهم أن يقوموا بقومة عميقة في وطنهم يعيد لهم حقوقهم المستباحة المسلوبة، أحب لهم أن يقوموا بعملية البناء بمفهوم البناء الواسع، أنْ يعرفوا بهويتهم، أن يتكلموا عن أرضهم عن تربتهم عن جذورهم عن تامغربيت يمثلوها خير تمثيل، أن يلبثوا يقيموا يرحلوا يَدرسوا ويعودوا..إن البلد الأم هو المنشء الأول، المبتدأ والمنتهى، أن يشدوا أوصالهم بأوصاله..أن يكونوا مفيدين لأنفسهم لعوائلهم لمجتمعهم ولأرضهم، أن يكونوا نوعيين لا أرقام من كاغيط أو كلينيكس أو بابيه جينيك، أن لا يتبعوا القطيع لأنهم أسمى بذلك بكثير...أما فيما يخص البقة الباقية من الهمج والرعاع والغوغاء وما فضل من الهوام البارزيط الخانعين الراضين بحاضرهم في بلادنا العامة، فليأت الطوفان وليقتلع جذورهم الطفيلية من طريق المستقبل القادم بأمان..آملُ من كل قلبي أن يتغير الحال، وفي آنتظار حدوث هذه المعجزة، سيكون لكل حادث حديث، وإلى ذلك الوقت أدعو رغم كل شيء بالصحة والعافية وآستعادة العقل والهداية لهذا المدعو"شعبا"متمنيا له صادقا رجوعا سريعا لجادة الصواب وتوعية وتثقيفا وإعمال فكر في كل مجالات حياته المشينة من أجل إحداث تغيير طارئ سريع فعال في كينونته وهويته ونوعية وطريقة رؤيته ذاتَه وحَيَوَاته والكون والكائنات..و ما ذلك عليه بعزيز إن هو أراد أن يتشبت بإرادة الشعوب في الحياة ...

☆إشارات :
١_أبو القاسم الشابي، ديوان أبي القاسم الشابي ورسائله،قدم له وشرحه أحمد حسن سبح، دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان/طبعة١ ، عام ١٩٩٥..يُنظر إلى صفحة:٩٣ و٩٤ و٩٥ و٩٦

٢_شخصية"حاتم"في حوار مع الراوي الشخصية الرئيسة من رواية..قالت ضُحى لبهاء طاهر...

٣_ شخصية"زيدان"وهي تتحدث عن "اللاز بن مريانة" من رواية "اللاز "ل..الطاهر وطار/صفحة..164.طبعة 1978.

٤ _غادة السمان/ليل الغرباء

٥_رواية:ماري أنطوانيت للنمساوي ستيفان زفايج/الفصل 17 :يقظة الشعب ويقظة الملكة.صفحة:180./ترجمة نقولا قربان ونديم مرعشلي/طبعة أولى عام 1960/دار العلم للملايين..بيروت

٦_مصطفى حجازي(مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور)

٧_برتولد بريخت مسرحي ألماني

٨_ميخائيل شولوخوف: 1905ـ 1984 كاتب روسي ، وأحد أهم كتاب الرواية في القرن العشرين، وقد نال جائزة نوبل عام 1965 على روايته الملحمية ( الدون الهادئ )..وهو الذي لم يكمل دراسة المرحلة الابتدائية.من أعماله :
ـ رواية الأرض الطيبة أو الأرض البكر ، التي استغرق في كتابتها 18 عاما ..
ـ قصص من الدون ، وهي مجموعة كبيرة من القصص التي تحكي فصولا من الحرب الأهلية الروسية ..
ـ حاربوا في سبيل الوطن : وهي فصول من رواية لم تكتمل ..
ـ الدون الهادئ : رواية ضخمة في أربعة أجزاء و 1482 صفحة ، وكتبها بين عامي 1928 ـ 1940

٩_ حوارٌ بين شخصيتين هما:"كارنجا" و "كريكوري"..الشخصية الأولى بمثابة عاملٍ للوعي في الرواية للشخصية الثانية التي تنتقلُ من مرحلة"اللاوعي"
الى"الوعي"لما يقعُ في المجتمع والبلد.. رواية"الدون الهادئ"الكتاب الثاني/الفصل الثاني/صفحة:205+206

١٠_ميلان كونديرا من رواية(لعبة الضحك والنسيان..)

١١_(حمدان)قصة قصيرة من مجموعة (الممكن من المستحيل)للقاص المغربي
(عبدالجبار السحيمي)

١٢_(دحمان)شخصية رئيسة في قصة(دم ودخان)للكاتب المغربي(مبارك ربيع)

١٣_مالتوس توماس روبيرت اقتصادي بريطاني صاحب نظرية تزايد وتيرة التكاثر الديمغرافي السكاني أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك، مما سينتج
اختلالا في التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، الشيء الذي سيؤدي حتما الى مجتمع حافل بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية من فقر وجوع، وتشرد وتسول واحتراف النصب والسرقة وما الى ذلك من الآفات والعاهات ...

١٤_دالواشون وإمقرانن ديمقراننْ: أمازيغية ليبقى الصغار صغارا والكبار كبارا...

١٥_القرقوبي:نوع من العقاقير المخدرة المهلوسة

١٦_إيسُولْ دامزيان دي تيلي نْ بَابسْ: أمازيغية معناها مازال صغيرا في ظل أبيه

١٧_تاجلابتْ نْ بابَسْ: أمازيغية بمعنى عباءة أبيه

١٨_ليحيطيستْ:نعت يطلق على المعطلين الذين يستغرقون أوقاتهم ينتظرون الذي يأتي ولا ياتي جوار حيطان الدروب

١٩_الاقتباسات من رواية المفكر عبدالله العروي"الغربة" من صفحات: ٤٣/٤٢/٤١/٤٠/٣٩/٣٨ /مطبعة:دار النشر المغربية_ الدار البيضاء.عام:1971.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض