الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(حق الشعوب الجيدة التنظيم في الحرب)

قاسم علي فنجان

2022 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هذا هو عنوان احد اقسام كتاب "قانون الشعوب" لمؤلفه فيلسوف الليبرالية، الأمريكي جون رولز 1921-2002، ويعد رولز هذا من اكثر منظّري الايدولوجيا الليبرالية، فعرض بسيط لأهم مؤلفاته "قانون الشعوب، العدالة كإنصاف، الليبرالية السياسية" يبين مدى دفاعه المستميت عن هذه الايدولوجيا، ويوضح أيضا مدى تمسك الغرب، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية، بطروحات هذا الفيلسوف وتطبيقها، والتي يكاد يكون بشكل حرفي، يكفيه ان الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" قد منحه ميدالية "شوك" في الفلسفة والمنطق، تقديرا لجهوده في "انشاء جيل من الأمريكيين على احياء ايمانهم بالديموقراطية".

يقول رولز في مؤلفه ما نصه:
(ليس لأي دولة الحق في اللجوء الى الحرب سعيا لتحقيق مصالحها العقلانية. وهذه تختلف عن مصالحها المعقولة. ولكن يعطي قانون الشعوب لجميع الشعوب جيدة التنظيم "سواء اللبرالية او السمحة"-وفي الحقيقة لأي مجتمع يطبق ويحترم قانون شعوب عادل بدرجة معقولة- الحق في الحرب دفاعا عن النفس، ورغم ان جميع الشعوب الجيدة التنظيم لها هذا الحق، فأن افعالها ربما تفسر بطريقة مختلفة اعتمادا على ما تعتقده حول غاياتها واغراضها".

النص صريح جدا، ولا يحتاج الى "تأويلية" او "تفكيكية"، انه يقسم الشعوب الى قسمين: شعوب جيدة التنظيم وسمحة وأخرى همجية وخارجة عن القانون، وتلك الشعوب الجيدة التنظيم-اللبرالية والسمحة- لها الحق في شن الحرب، وإخضاع الشعوب الهمجية والخارجة عن القانون والمغلوب على امرها الى قانونها.

رولز لم يوضح في طرحه من "جعل، خلق، اوجد"، شعوب همجية وأخرى متطورة، متمدنة، فهو يبدأ من نقطة ان هناك شعوب بربرية وأخرى متمدنة، لا يكلف نفسه، او الاصح يتغاضى عن الأسباب الحقيقة والتاريخية لهذا التقسيم، حتى لا يقع في مأزق نسف الايدولوجيا الليبرالية، فهو يتحاشى بشكل ذكي المرور على هذه القضية، وكأنه يتماشى مع المنطق الديني الذي يقول: "هي هذه الحياة مذ خلقها الله فيها الأغنياء وفيها الفقراء، فيها الجاهل وفيها المتعلم"، وحتى ننسف حرف "الكاف" التشبيهي من "وكأنه"، فان نصوصه الأخرى تؤكد على ايمانه بتلك الخزعبلات، فهو يؤكد على ما يسميه "الحظ" في كتابه "العدالة كإنصاف"، فعندما أراد شرح كيفية التوزيع بالشكل المتساوي او تنظيم مظاهر التفاوت الاجتماعي قال بنقطتين:

-ان تكون لصالح الأقل حظا.
-أن تكون مرتبطة بوظائف وبمواقع مفتوحة للجميع وفي إطار من المساواة العادلة في الفرص.

فهناك بشر "خلقهم الله" غير "محظوظين"، وهؤلاء يجب ان يكفل لهم النظام الليبرالي حصصا من المنتوج، حتى لا يكبر التفاوت في المجتمع.

بالعودة الى نص رولز أعلاه فان "قانون الشعوب" المتخيل من قبل رولز يعطي الحق فقط للدول حسنة التنظيم الليبرالية والسمحة بشن الحرب، لحماية مصالحها "العقلانية"، وهو يفرق بين "الشعوب السمحة" والشعوب الليبرالية، بل هو يذكر خمسة أنواع من الشعوب، "في مقدمتها الشعوب الليبرالية، والمركز الثاني هي الشعوب السمحة، والنوع الثالث هي الدول الخارجة على القانون، والرابع هي الشعوب المغلوبة على امرها، اما الخامسة فهي مجتمعات المستبد العادل، وهي مجتمعات تحترم معظم حقوق الانسان ولكنها مجتمعات غير جيدة التنظيم"، هذا ما يخلص اليه رولز في تقسيمه وتصنيفه لشعوب الأرض؛ الغريب انه يستخدم مفردات "شعوب، دول، مجتمعات" في تصنيفه، فعندما يذكر الليبرالية والمغلوبة على امرها، وهما النقيضان التامان، يذكر مفردة "شعوب"، اما الخارجون على القانون، فيذكر مفردة "دول"، و"المستبد العادل" يطلق عليها تسمية "مجتمعات".

عند رؤية السياسات التي تنتهجها الدول الغربية، وامريكا بالذات، فان رولز وفلسفته الليبرالية سيكونان حاضران بقوة في العمل السياسي والايديولوجي، فالدول "حسنة التنظيم" سمحت لنفسها، او سمح لها "قانون الشعوب" باحتلال "الشعوب المغلوبة على امرها"، لضمان مصالحها "العقلانية"، وتأديب "الدول الخارجة على القانون"، فلها الحق في ذلك، كونها دول بلغت شأنا عظيما من التنظيم؛ حتى المفردة التي استخدمت في العربية لوصف تلك الحالة الاحتلالية اطلق عليها "استعمار"، وهي مفردة هلامية تفسر بعدة طرق، مثلما استخدم الامريكان مفردة "تحرير" عند احتلالهم العراق وأفغانستان، تماشيا مع تلك الفلسفة؛ وتسمع بمنصب "وزير المستعمرات" في تلك الدول "حسنة التنظيم"، والتي جعلت الناس في تلك البلدان تتقبل هذا التسمية، مع انها عار انساني.

ان الأيديولوجيا الليبرالية هي بحق الأيديولوجيا الرسمية للرأسمالية، فهي تبيح احتلال البلدان ومعاقبتها وتأديبها ونهب ثرواتها حتى مسميات "شعوب متخلفة وهمجية وبربرية"، هذا هو الجانب الجوهري في هذه الأيديولوجيا، انها تنظم العلاقة بين المسٌتَغل والمٌستٍغل، وإعطاء صفة المقبولية لطرفي الصراع، فالأول يحتل ويعاقب ويؤدب وينهب الثاني، وهذا بدوره يجب عليه تقبل الامر، ويأخذ دور الضحية، وهكذا تسير الأمور في هذا الكوكب، تحت راية الأيديولوجيا الليبرالية.

يعرف مصطفى حجازي التماهي في كتابه "سيكولوجية الانسان المقهور" على انه (استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المُتَسَلِّط؛ أملاً في الخلاص)

ليبراليو-نا التافهين، ضيقو الأفق والمحتوى، تماهو تماما مع هذه الأيديولوجيا المقيتة، لقد بلغو حد التبعية والذيلية لها، وقد خرجت عفونتهم الأيديولوجية واصبحت في قمتها أيام الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فهذا يترجم مقال عن "الواشنطن بوست" وذاك يكتب حلقات عن إجرامية بوتين واخرون "محصورون" في خانة ال...تعليقات، يختموا لأولئك ويصفقوا لهم، في عملية تهريج واضحة جدا، لقد جعلتهم الأيديولوجيا الليبرالية ينتظرون تصريحات البيت الأبيض، يا لبؤسهم وسخافتهم؛ تنطبق عليهم بحق مقولة ابن خلدون "ان المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب".

يكتب هربرت ماركوز في مقال له "النضال ضد الليبرالية" الذي ستكون لنا وقفة معها ما نصه:
((يمكننا ان نتبين ان الليبرالية هي التي تنتج الدولة التسلطية الشمولية من نفسها باعتبارها اكتمالها الخاص من مرحلة أكثر تقدما من التطور. وتحمل الدولة التسلطية الشمولية تنظيم ونظرية المجتمع مع المرحلة الاحتكارية للرأسمالية)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب