الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- مستقبل التعليم العالي في ليبيا

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2022 / 11 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


عند الحديث عن التعليم العالي في ليبيا تبرز لدي مشاعر القلق والخوف، وهموم الترّقب، وانتظار المجهول؛ حيث لا يزال التعليم يُعاني من افتقاد بوصلة الطريق الصحيحة التي تُشير إلى أهداف وسياسات جادة وواضحة وقابلة للتحقيق، وهذا يعني ببساطة شديدة أن معرفة اتجاه الطريق الصحيح أهم من السرعة، فهل ينفع الركض إذا كنا في الطريق الخطأ !

فأُطر التعليم العالي لا تزال جامدة، وقوالبه يُعاد إنتاجها، دون أن تنتقل إلى التفكير النقدي، وتكون في الوقت نفسه قادرة على التحويل إلى أداة للتغيير في المجتمع، من خلال خلق الوعي المجتمعي، والربط بين الهموم الفردية والقضايا الوطنية أو ما يُسمى بالمواطنة الفعّالة .

كما أنه ليس من المبالغة القول أنه خلال مرحلة كورونا برزت فرصة سانحة لإصلاح التعليم العالي من خلال طرح المبادرات وتحديد المقاربات المستقبلية للتعليم العالي بليبيا، بُغية النفاذ إلى التحوّل الرقمي بشكلٍ أكثر عمقًا وفعالية، وربط التعليم العالي بالقطاعات المحلية، ليكون قادرًا على المساهمة الفعّالة في تغيير المجتمع نحو الأفضل، فالأزمات دائمًا ما تكون حافزًا للتغيير، والإخفاقات ربما تُشكّل نجاح إذا ما تعلمنا منها .

إلا أن واقع الحال يقول أننا لا نزال لا ندري ما هي وجهة التعليم العالي، أو إلى أين يقودنا ؟
والملاحظ في هذا السياق أن جُلّ دول العالم قد أدركت الحاجة إلى إعادة مستقبل التعليم العالي مع منطلقات الحداثة، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا، وبدأت هذه الدول بإتباع أساليب أكثر قدرة وفعالية على مجابهة أيّ تحدّيات أو أزمات قد تحدث مستقبلاً تعتمد على عدد من التقنيات المتطوّرة، حتى تضمن موارد بشرية راقية النوعية، وتمتلك الحد المطلوب من المعارف والفهم والمهارات المطلوبة، فضلاً عن تأصيل القيم الأخلاقية، فالغاية المرجوة من التعليم حسب تلك الأنظمة هو : إعداد خريج ابن وقته وزمانه، مؤهّل لمجابهة الإكراهات والتحدّيات، وقد غير ما بنفسه، ليبدل الضعف قوة، ويحول العجز مقدرة وفعلاً، ويخلق من اليأس أملاً فسيحًا .

وعند الرجوع إلى التعليم العالي في ليبيا ما قبل الجائحة وما بعدها من خلال قراءة الوقائع، وتدوين الملاحظات، وبالاستعانة بعددٍ من التقارير الصادرة عن الجمعية الليبية للجودة والتميّز في التعليم، يُمكن رصد عدد من الملاحظات، وهي :
• ينبغي الاعتراف بأن جُلّ الأزمات والتحدّيات التي تُواجه مؤسّسات التعليم العالي في ليبيا هي في الأصل عبارة عن تراكم لسنوات سابقة بعضها يعود إلى ما قبل 2011م، غير أنها سجّلت تزايدًا خلال مرحلة الانقسام الحكومي سنة 2014م، كما أنها ازدادت حدة في مرحلة جائحة كورونا وما بعدها .
• عدم القيام بأيّ مراجعة نقدية للتعليم العالي، حيث لا يزال التعليم العالي كما هو، لم يطرأ عليه أيّ تغيير، ولم يتعاطَ مع تداعيات الجائحة، من حيث إعادة تعريف البرامج التعليمية، أو القيام بمراجعة استراتيجيات التعليم والتعلّم، أو مراجعة آليات التقييم .
• مراجعة التوسّع في الجامعات، والذي لم يراعِ أدنى شروط وضوابط إنشاء الجامعات .
• لا تزال مؤسّسات التعليم العالي – وهنا قد أخص الجامعات – تُدار من خلال عقلية شخص رئيس المؤسّسة، فهو المسؤول الأول عن كل القرارات والمنشورات والتعميمات بها، دون إشراك أيّ أحد .
• لا تزال مؤسّسات التعليم العالي تفتقر إلى وجود مجالس أمناء تشرف على وضع الخطط والسياسات لتلك المؤسّسات .
• الحاجة إلى وجود مخرجات تعلّم مستهدفة لجُلّ البرامج التعليمية، ومواصفات الخريجين يتم بناؤها وفقًا لمتطلبات سوق العمل، واحتياجات التنمية .
• اقتصار التحوّل الرقمي في جُلّ مؤسّسات التعليم العالي على عمليات التسجيل والقبول، وتنزيل، وإسقاط أو إضافة المقرّرات الدراسية .
• أصبحت برامج الجودة والاعتماد مجرّد وثيقة تحصل عليها المؤسّسة دون أن يكون لها أيّ قيمة مُضافة في جانبها التعليمي، أو الثقافي، أو المجتمعي.
• لا يزال الجانب الثقافي والمجتمعي مفقود في تكوين وممارسات مؤسّسات التعليم العالي .
• الافتقار إلى وجود إطار وطني للمؤهّلات العلمية، يتم من خلاله تحديد أو بناء مخرجات التعلّم المستهدفة .
هذه في عجالة أهم الملاحظات على وقائع التعليم العالي، حيث تبين لنا بوضوح وجود عدد من الملاحظات والمسائل المتشابكة والمعقّدة، فالمجال لا يتسع للخوض فيها، ومناقشة تفاصيلها، عمومًا فأن الأسئلة المشروعة التي تطفو على السطح بناء على تلك الملاحظات هي :
 كم من أزمات وجائحات يجب أن تحدث كي يدرك المسؤولون في التعليم العالي بأنه يجب ألّا يُساق أبناؤنا إلى المجهول، ونحن نتفرج .
 هل سنرضى بأن يكون أداء مؤسّسات التعليم العالي – في مرحلة ما بعد كورونا – دون ما يُنجز في بلدان نتشابه معها في نفس الظروف من حيث الأزمات والتحدّيات ؟
 ألا يشغلنا أنه جُلّ مؤسّسات التعليم العالي لاتزال تفتقر إلى وجود آليات واضحة في التعامل مع المخاطر أو الأزمات، خاصةً فيما يتعلق باستمرار العملية التعليمية والتعلّمية ؟
 من يقوم بتحديد القيم والسلوكيات ذات العلاقة بالمواطنة الفعّالة ؟
وتبرز هنا تحدّيات خاصة بمرتكزات ومنطلقات ما بعد الحداثة التي أصبحت تفرض نفسها بقوة على المسارات المستقبلية للتعليم العالي سواء من حيث فرض أهداف أممية، أو نشر قيم وسلوكيات، أو تحديد مواصفات المواطنة العابرة للحدود، وهذا هو التحدي الكبير!
وهنا أرجو من القارئ أن يمعن التفكير جيدًا حول : ما أهمية ركض المسؤولين في التعليم العالي نحو تنفيذ أهداف أممية، وهي أهداف التنمية المستدامة 2030 لتكون أولويات وطنية، في حين بعضها لا يمت بصلة لواقع التعليم العالي بليبيا، مع الافتقار لأيّ أهداف وطنية ذات علاقة بالتنمية المستدامة، كذلك الافتقار إلى تحديد القيم والأخلاقيات المرتبطة بالمواطنة الفعّالة، وهذا يعني إذن وجود فجوة بين الوقائع وتلك الأهداف، وحتى نقرّب المعنى أكثر يمكن أن نُشير إلى أن بعض الإصلاحات في التعليم العالي لا تستجيب للوضع الداخلي بقدر ما تستجيب لمطالب الطرف الخارجي، وعلى هذا الأساس فأن ذلك يعني أيضًا بأنه يتم تخصيص الموارد المالية، ويتم توجيه الموارد البشرية والمادية نحو أهداف غير حقيقية، وهذه الجزئية الأخيرة غاية في الأهمية !!
ربما يكون القارئ قد أدرك من التحليل السابق الحاجة إلى أهمية طرح سؤال مهم جدًا، وهو : ماذا نريد من التعليم العالي في ليبيا ؟
ولعلنا نروم من وراء هذا التساؤل طرح عدد من التساؤلات الفرعية أهمها :
 كيف يتم تشخيص وتحليل واقع التعليم العالي بكل موضوعية وشفافية؟ وأقصد هنا كشف المُضمر أو المسكوت عنه .
 ما مسارات التعليم العالي المطلوبة ؟
 ما أهم أهداف التعليم العالي ؟
 ما هي مواصفات المواطنة الفعّالة ؟
 كيف يتم التأكّد من بناء المواطنة الفعّالة في ظل استمرار تصدير القيم والسلوكيات العابرة للحدود ؟
وأخيــــــــــــرًا يُمكن القول أن التحليل الموضوعي لمستقبل التعليم العالي في ليبيا لا يتهرب من طرح هذه القضايا والتساؤلات بل يقف عندها؛ ليبين أسبابها، ويكشف أبعادها ونتائجها، فضلاً عن مناقشة وكشف ازدواجية أو ثنائية الأوضاع والمطالب، وهي ليست عملية سهلة أو أنها يُمكن أن تتحقق دون حدوث مشاكل أو احتكاكات، كما أننا لا نستطيع أن نُسيطر على ما أمامنا من تحدّيات وأزمات ونحن ننظر إلى الخلف، أو نكون مجرد متفرّجين ننظر بتشاؤم، والآخرون يبحثون عن الحلول والمعالجات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا