الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الممكن والمستحيل في القضية الكردية

ساطع راجي

2022 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


فشلت كل من إيران وتركيا في انهاء القوى الكردية المسلحة على رغم الامكانيات العسكرية الكبيرة للدولتين وكذلك العنف المفرط الذي مارسته حكومات الدولتين على مدار عشرات السنين، لكن طهران وأنقرة تطالبان العراق بتنفيذ هذه المهمة رغم مشاكله وأزماته الكثيرة بينما العراق هو ذاته نموذج كبير لفشل محاولات القمع وخطأ الحلول العسكرية في التعامل مع القضية الكردية.
عمر القضية الكردية في العراق هو من عمر الدولة الحديثة، أي منذ مئة عام تقريبا، لكن عمر القضية الكردية في إيران وتركيا أقدم من ذلك بكثير وإذا كان التحرك السياسي السلمي والمسلح للكرد في العراق هو نتيجة لرفض تسويات الحرب العالمية الاولى وتنكر القوى الغربية المنتصرة لوعودها ثم المشاكل اللاحقة مع الدولة الجديدة، فإن التحرك الكردي السلمي والمسلح في ايران وتركيا منذ القرن السادس عشر تقريبا وحتى اليوم هو بسبب خلافات أكثر عمقا وأشد حدة ولولا هجمات صدام لكانت تعتبر أكثر دموية وبشاعة أيضا.
لأسباب كثيرة، كان وضع الكرد في العراق هو المقياس المعتمد لوضع الكرد في كل المنطقة وهذا عقد القضية الكردية كثيرا فهناك جزء تحت المراقبة (هو العراق) واجزاء أخرى مهملة في ايران وتركيا وسوريا، بينما الأصل ان العراق ورث القضية الكردية من معارك وخلافات الدولتين الايرانية والعثمانية (تركيا) ثم الحرب العالمية الاولى ووقتها تجزأت القضية الكردية مثلما تجزأت الاراضي الكردية، وصار لكل جزء من اجزاء كردستان الاربعة حركاته السياسية التي بينها علاقات متذبذبة وخلافات راسخة، ودخلت الاحزاب الكردية على خط خلافات ومعارك الدول الاربعة والتوازنات الدولية، حتى يمكن القول ان دور الاحزاب الكردية وخلافاتها غطى على القضية الكردية كقضية شاملة في الشرق الاوسط.
في إيران وتركيا أزمات كثيرة، معظمها وجودية تتعلق بمصير أنظمة الحكم، ولا تريد الدولتان وضع القضية الكردية في أولوياتهما السياسية وتركتها للعسكر منذ زمن بعيد، وحتى لو لم تكن القضية الكردية عاملا مزعزعا للنظام في الدولتين (كما ترى الحكومتان) فإنها ستكون قضية مساعدة تزيد من حدة أي أزمة تواجهها حكومتا البلدين، سواء كانت أزمة حجاب أو غلاء، كما ان أي دولة لديها مشاكل مع إيران أو تركيا ستحاول استغلال القضية الكردية ضدهما، ولذلك على الدولتين المباشرة بحل القضية الكردية سياسيا الآن قبل تكرار ما حدث في العراق (بعد 1991) وسوريا بعد (2011)، حيث انتهت الحلول العسكرية الى أوضاع معقدة وضعف كبير لنظامي الحكم وإنهاك للدولتين.
من غير الواقعي ان تطلب إيران وتركيا من العراق خوض مواجهة مسلحة مع الاحزاب الكردية النازحة منهما وهي مواجهة نتائجها معروفة سلفا بالنظر لنتائج الملاحقات الايرانية والتركية الطويلة، ومن الخطأ والخطر ان تستمر الدولتان في استغلال الخلافات الحزبية الكردية في معالجة قضية حقيقية ومعقدة لا تتعلق بمعادلات سياسية قدرما تتعلق بوقائع طبيعية جغرافية هي أرض كردستان التي فشلت جيوش أربع دول كبيرة في التغلب عليها، القضية الكردية هي ليست مواجهة مع أحزاب تقوى وتضعف، تتفق وتختلف، تضحي وتفسد، إنما مواجهة مع حقائق الجغرافيا والبشر والثقافة، وهي حقائق يؤدي تجاهلها والاحتيال عليها الى كوارث متواصلة ليس في بيئات سياسية متخلفة كالشرق الاوسط فقط وإنما حتى في البيئة السياسية الغربية المتقدمة كما في حرب أوكرانيا مثلا التي نسفت أناشيد الحدود المقدسة والخرائط الأبدية.
إستمرار التعامل الايراني والتركي مع القضية الكردية عسكريا سيؤذي البلدين ويهدد إستقرار المنطقة أكثر ومن الاجدى التوجه الى حل سلمي وعملية متدرجة لحل القضية إقليميا ودوليا وبالتفاهم بين الدول الاربعة، وليس من المعيب ان تعلن الحكومة العراقية بوضوح إنها غير قادرة على مواجهة الاحزاب الكردية الايرانية والتركية المسلحة وغير راغبة في ذلك بكل الاحوال كما انها ترفض تحول بلادنا لساحة تصفية حسابات ستكون الدولة العراقية وجميع المواطنين متضررين منها.
إن أي محاولة لتحميل العراق مسؤولية وجود قوى مسلحة كردية على أراضيه وفشل قوات الدول الاخرى في مواجهتها هي محاولة يجب ان تجمع القوى العراقية على رفضها وتطالب كل دولة بإيجاد حلول سلمية لقضاياها الداخلية أو تلعق جراح هزائمها بصمت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست