الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحدّيات أمام اليسار

هشام عقيل
كاتب

(Hisham Aqeel)

2022 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



اعتدنا في (واحة الفكر)، وفي أمكانٍ أخرى كذلك، على نشر مقالاتٍ مترجمةٍ تخصّ كلاسيكيات الفكر الماركسي، وذلك لنشر وعيٍ عامٍ للبّ الحقيقي الذي يحمله هذا الفكر. هناك قراءٌ وجدوا ما يفيدهم في هذه المنشورات، وما يُصقل وعيهم، وما يعيد تذكيرهم بما تعلموه في الماضي. لكن الحق يقال، ولا سبيل لنا سوى قول الحق، إن العدد القليل ممن استفادوا ليس لهم القدرة، حالهم حال كاتب هذا المقال، على إحداث أيّ تغييرٍ عامٍ في توجّهات اليسار البحريني عموماً.

سأكون منصفاً إن قلت، باسم هذه الأقلية، إننا نرى أن هذه الكتابات، مهما لها سلطةٌ نظرية، ليست قادرةً على نزع الغشاوة من على أبصار غالبية اليسار. فلو ملأتْ كُلّ هذه الكتابات الصحف والمواقع، ليلاً نهاراً، ولو قرّر أصحابنا الاستغناء عن حياتهم اليومية، والاعتكاف على قراءة تلك الكتابات، لبقوا على ما يرون. لعمري، لو قرّر التاريخ أن يبعث ماركس، وانغلز، ولينين عليهم، لبقوا على نفس الحال.

لا بأس ! عربةُ التاريخ انطلقت، ليلحقها مَن له قدمان، ومَن لا تسعفه قدماه ليستلف قدمين، ومَن لا يقوى على الحركة ليعلم أن العربة لن تنتظره أبداً.

فليقرأ مَن له عينان.

1- ما يُعرف عادةً بالماركسية (لا نعني الفكر الماركسي، بقدر ما أن الخلدونية لا تعني الفكر الخلدوني)، أي تلك المنظومة النظرية التي من المفترض أنها قد تُمّمت منذ القرن التاسع عشر، هي وهمٌ ابتكره “الماركسيون” أنفسهم.

ما هو موجود فعلاً هو علم عمران نمط الإنتاج وتاريخه، أو باختصار علم العمران.

قام ماركس وانغلز باكتشاف نظريةٍ علميةٍ لم يتسنَ لهما إتمامها أبداً. هذه النظرية هي علم التاريخ؛ علمٌ موضوعه نمط الإنتاج. أول مَن دشن هذا العلم هو ابن خلدون، إذ موضع العمران، أي الإنتاج (وليس الحضارة، كما يظن الكثيرون)، كموضوع علم التاريخ. لكن لم يتسنَ لابن خلدون، لأسبابٍ كثيرةٍ لا يُمكننا الخوض فيها الآن، إتمام تدشينه ولا تحقيق اكتشافه.

أما ماركس وانغلز فهما حقّقا هذا العلم، وحدّدا أن نمط الإنتاج (وليس الإنتاج فحسب) هو موضوع دراسة علم التاريخ. طبّقا اكتشاف علمهما على نمط الإنتاج الرأسمالي، وتمكّنا من استنباط قوانينه العامة، وتمكّنا من قيادة طفرةٍ علميةٍ في مجال النظرية التاريخية عموماً من دون أن يخطّا نظريةً عامةً لنظرية نمط الإنتاج.

بعد ماركس وانغلز، تمكّن لينين من تنظير مفهوم الامبريالية، وبذلك أضاف إضافةً علميةً على هذا العلم، من دون أن يكمل أحدٌ أسس هذه النظرية. تمكّنت كُلّ “مذاهب الماركسية” من تصوير تلك النظرية العلمية كما لو كانت فكرةً جاهزةً تنتظر التطبيق لا أكثر ولا أقل. وفي مرحلة ثورة التحرر الوطني، لم تتمكّن هذه المذاهب، رغم غنى محتوياتها النظرية عند بعضها (مثل إضافات ماو تسه تونغ)، من ابتكار نظريةٍ علميةٍ للتبعية.

حين درسنا التبعية، استنبطنا قوانين نمط الإنتاج الكولونيالي، وعبر هذه القوانين اكتشفنا حلقةً مفقودةً من علم التاريخ ككلّ، شيئاً لم يأتِ على ذكره مؤسسو هذه النظرية، أي نظرية اقتران الأنماط الإنتاجية. أدّى هذا الاكتشاف إلى استنباط أسس اقتران الأنماط الإنتاجية، وقدرتها على التعمير، فصار العمران بالنسبة إلينا يُشير إلى بنية المقدرة الإنتاجية في نمط الإنتاج نفسه، وهذا هو هو موضوع علم التاريخ حسب تفسيرنا، أي علم العمران.

هكذا كان طريق تطوّر علم العمران.

2- كُلّ الأحزاب الشيوعية التقليدية، ومعها تلك الأحزاب والأشخاص الذين ينتمون إلى اشتراكيات القرن العشرين، أصبحت تمثّل الاشتراكية الطوباوية الحديثة. الاشتراكية العلمية الحديثة هي تآلفية، ولا يُمكنها أن تتطابق وتتساوي مع الاشتراكية الطوباوية.

كُلّها أصبحت عاجزةً أمام واقع اليوم، وأكدّت على هذه الحقيقة حادثتان: جائحة كورونا (2020) والحرب في أوكرانيا (2022).

فليقرأ مَن له عينان.

يمكننا الحديث عن (نهاية اليسار التقليدي)، ونحن نعني ذلك بالمعنى الكامل للكلمة. لا نُشير إلى السقوط المزعوم للاشتراكية، وبالتالي إمكانية بعث اليسار كما كان عليه في وضعه السابق؛ لو كان الأمر باليد لأرجعنا، لأرجعتم، الحياة إليه، لكن لا حياة لمَن فقدها.

الطريقة الوحيدة التي يُمكن للاشتراكية عبرها أن تكون علماً اليوم هي أن تستند إلى علم العمران كما ذكرناه آنفاً. هكذا، في استنادها هذا، تكتشف أن عليها أن تكون تآلفيةً، أي تقوم على اقتران ذي علاقاتٍ تآلفيةٍ للنمط الإنتاجي الشيوعي. إنه نمطٌ إنتاجي يعيّن المؤتلف كمالكٍ للوسائل الإنتاجية الاجتماعية، وهو نمطٌ يخلو من طبقاتٍ، ومؤسسات الدولة (من ضمنها الديموقراطية البرلمانية)، ونظامٍ مالي وسلعي، واستغلالٍ سياسي، وأيديولوجي، واقتصادي.

لنرسم الخطوط الفاصلة بين التآلفية (تلك الاشتراكية العلمية الحقيقية) وشكلٍ من أشكال الاشتراكية الطوباوية، أي النكوصية.

النكوصية هي سمة اليسار التقليدي المنهار، يسارٌ قد فقد ظرفه التاريخي الذي شكّله، يسارٌ تائهٌ في معجمٍ قديمٍ لا يتجاوز سبعينيات القرن الماضي على أبعد تقدير. النكوصية هي تشبث هذا اليسار بأيّ غصنٍ يجده كي لا يقع على قفاه، لكننا نقول له: احذر! فإنك واقعٌ على وجهك!

ماذا يقول النكوصيون؟ الاشتراكية تعني غياب السوق فقط، وإحلال الدولة محلّها كالناظم الاقتصادي. هكذا، يدعون إلى دولةٍ حرةٍ تُؤله دور الدولة، أي بورجوازية دولاتية، في دعم مبادئ طوباوية مثل العدالة الاجتماعية، والمساواة، والحرية؛ تقتصر فقط على دعم التأمين الاجتماعي، والصحة، والتعليم، “والحياة الكريمة”.

يقولون البرلمان هو الحلّ لكلّ شيءٍ ممكن، ويتخاصمون فيما بينهم: ما إذا يقبلون بالبرلمانات كما هي في تشويهها، أو يسعون نحو مقاطعتها حتى تتطوّر إلى “شكلها الأمثل”.

يقولون علينا الدفاع عن البورجوازيات الكولونيالية المهيمنة الصاعدة في العالم (مثل البورجوازية الروسية)، للدفاع عن مبدأٍ تحريفي أعورٍ أعرج: عالم متعدد الأقطاب.

ماذا يقول النكوصيون؟ ليس هناك في بلداننا بورجوازيةٌ، ولا عمالٌ، وحين تسائلهم عن الموجود، يقولون: هاه؟ هاه؟ لا علم لنا بعد.

للنكوصيين استراتيجيةٌ سهلةٌ للغاية: يستعلمون كُلّ مصطلحٍ ثوري يعرفونه فقط حين يتكلّمون عن الذكريات، فقط حين يحللون بلداناً بعيدةً عنهم، فقط حين يتناولون أكثر الأفكار تجريديةً. أما في أوطانهم أنهم بورجوازيون لا أكثر. ليس لهم مذهبٌ نظريٌ حقيقي؛ مذبذبون، ليسوا شمالاً وليسوا شرقاً، أفكارهم عصيدةٌ تجمع بين الإصلاحية، والقومية، وشيءٍ من مصطلحات الماركسية، وشيءٍ من الأيديولوجيا الكولونيالية السلطوية.

سيكون على ذوي العقول الاختيار بين النكوصية، اليسار التقليدي المنهار، وبين التآلفية، أي يسار جديد خلاق. أما الضالون المنتكصون سيقولون:

”ربما غداً، ربما أبداً، لكن من المؤكد ليس اليوم“.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النشاط الواعي التقدمي النافع يتطلب العلميه وليس ال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 11 / 24 - 20:48 )
وليس الايديولوجيه-ماتسميه الماركسيه لاوجود حقيقي له-حتى ماركس قال انا لست ماركسيا -ماركس واحد من الاف الاكاديميين في اوربا في منتصف القرن 19 كتب في ظروف التخلف النسبي في اوربا والعالم وبداية الحضارة الانسانية الجديده-التي يسميها الرجعيون والمؤدلجين بالرسماليه ويشتموها -والقرن العشرين هو قرن انتصار الحضارة الجديده التي بداءت بالنور الكهربائي الذي كان ماركس ومعاصريه محرومين منه ويعملون عالفانوس النفطي- فالناشط التقدمي التنويري الان لايضيع وقته بكتابات هذا او ذاك ممن كتبوا قبل 170سنه ويعبد تلك الكتابات او اصحابها العالم الجديد عنده الان عشرات الاف الجامعات ومراكز البحث وفيه اجوبه عن جميع مكونات الحياة وطرق حلها بعيدا عن التطرف والعمل المسلح الاجرامي الذي يسميه الارهابيون بالثوري -تحياتي


2 - ألماركسيون العرب لازالوا يخوضون المعركة الخاطئة
د.لبيب سلطان ( 2022 / 11 / 24 - 23:05 )
السيد الكاتب المحترم
شعوبنا اليوم تخوض اهم معركة لها هي التنوير والعلمانية وهي معركة خاضتها اوروبا قبل اكثر من ثلاثمائة عام ونحن لازلنا عندها مقهورين
تلتها معركة الحريات والمساواة وحقوق المواطنة والبرلمانات المنتخبة التي اتت بها الثورة الفرنسية قبل اكثر من مئتي عام ونحن ولم ننجز لليوم الاولى يتعسر انجاز الثانية
اتى الفكر الماركسي ليخوض معركة علاقات و وسائل الانتاج ونحن لانملك اي منها فهي معركة وهمية من اساسها ادت الى تقوية انظمةديكتاتورية قومية قامت بالتأميم وسميت تقدمية كونها تتفق مع مقولات ماركسية سائبة ومع سياسة السوفيت في تقوية مركزهم العالمي ولاعلاقة لقضايا شعبنا بها بل ادت لتصفية الحركات التنويرية والليبرالية المطالبة بالحقوق والحريات وحتى للأحزاب الماركسية نفسها
المشاكل التي تواجهها شعوبنا هي غير المشاكل والمعارك التي خاضها الماركسيون وغير التي تنظرون لها مثل الاشتراكية الائتلافية فلا علاقتة لها بقضايا شعوبنا التي اختصرها بالحقوق والحريات وقامة النظم العلماتية ودمقرطة المجتمع والادارة والتنمية( العمران) واليساري في مجتمعه هو من يقف معها وليس بالتنظير الماركسي ضد الرأسمال

اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق