الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس العالم في قطر ومطاطية مبادئ حقوق الانسان / 2

نهاد القاضي
كاتب

(Nihad Al Kadi)

2022 / 11 / 24
حقوق الانسان


كرة القدم ملك للجميع ومبادئ وحقوق الانسان اصبحت مثل الكرة تضرب بالأقدام

في 19 نوفمبر 2019 اثناء مباراة لكرة القدم في احدى ملاعب هولندا، تعرض اللاعب احمد مينديس موراري من اصول غينيية افريقية الى تعليق عنصري جارح من قبل مشجعي الفريق المضاد ، مما اثار غضب لاعبي الفريقين ليوقفوا المباراة محتجين على ما حدث، محتضنين لاعبهم المحبوب واعربوا عن استيائهم من التصرفات العنصرية المقيتة للمشجعين، هذا يعني ان التمييز جاء من قبل الشعب وليس من الحكومة ، ورفعت القضية الى المحكمة ضد المتهمين من مشجعي النادي الرياضي. تبع ذلك الحدث تحرك العديد من المراكز والاندية الرياضية والجهات الحكومية من اجل تحجيم مظاهر العنصرية والتمييز في كافة مجالات الحياة ومنع حدوثها وفتح مراكز لمعالجة ضحاياها . لم تتوقف الاجراءات لهذا الحد بل تم الاتفاق بين اتحاد كرة القدم الهولندي و منظمي بطولات كأس اوربا مع الحكومة الهولندية على خطة عمل بعيدة المدى تتضمن 20 محور ضد العنصرية والتمييز العرقي اهمها ثلاثة محاور اساسية هي منع حدوث تلك الاعمال العنصرية- تشخيص الحالات – تنفيذ العقوبات لمرتكبيها.
بعد مرور عام قررت المحكمة غلق الملف وعدم ملاحقة المتهمين لعدم كفاية الادلة!!!! وقرار المحكمة اثار استغراب الجميع لان الحادث وقع في الملعب وهناك اكثر من دليل، وعلى اثرها في 26 سبتمبر 2020 اطلقت حملة كرة القدم للجميع سُمِيت ب (كرة القدم تربطنا Football Connect) لتتحول بعد ذلك الى شعار (حب واحدOne Love ) لكون لعبة كرة القدم لعبة جماهيرية تحبها الشعوب كافة بمختلف الاعمار والاجناس والاعراق والاديان وفي كل ارجاء المعمورة، يجمعهم حب واحد هو حب كرة القدم، يتكون رمز الشعار(لوغو) من ألوان وهي ( الاحمر- الاسود – الأخضر) ترمز الى العرق والأصل ليضاف اليها الوان اخرى هي ( الوردي- الاصفر – الازرق) وهذه الالوان ترمز الى جميع الهويات والتوجهات الجنسية، واعتمدت الحملة وشعارها على كلمة قالها المناضل الافريقي المعروف الرئيس نيلسون منديلا ليس لكونه مناضلا سياسيا بل لأنه من عشاق كرة القدم ويعتبرها اللعبة القادرة على توحيد الناس. وتطورت فيما بعد الحملة لتاخذ صورة لقلب وفي داخله رقم واحد باللغة الانكليزية اضافة الى الالوان التي ذكرناه اعلاه وهذا الشعار بالكامل اعطى معنى حب واحد One Love ...
لاعبون ولاعبات من مختلف الالعاب الرياضية تبنوا الحملة وذلك بحمل شعار((One Love حب واحد )) على شكل قلب بداخله تلك الالوان يتوسطهم رقم واحد في الميادين الرياضية معلنين تضامنهم ورفضهم للممارسات العنصرية والتمييز بكافة اشكاله ومجالاته وهو وسيلة للتوعية العامة، لتأتي مرحلة ما قبل بدء بطولة كأس العالم في قطر 2022 واعتراض حكومة الدوحة على أستقبال المثليين والمتحولين جنسيا واستضافتهم في فنادقها ومنع دخول المشروبات الكحولية الى ملاعب دولة قطر باعتبارها دولة اسلامية وتتعامل مع الشرع الاسلامي، وتلتزم بالعادات والتقاليد العربية الاسلاموية. واثيرت في هذه الظروف قضية انتهاك حقوق العمال الاجانب و وفاة اعداد كبيرة منهم في قطر .
ان قرار دولة قطر بخصوص المثليين اغاض رؤوساء الفرق الرياضية الاوربية واشغل برلماناتها والكل يناقش قرار قطر التعسفي ضد المثلية والعديد منهم أعلن مقاطعته حتى من متابعة المباريات في بيته. انتهت المناقشات بذهاب وزراء الرياضة وأصحاب الشأن من الدول الغربية وحضور المونديال، وتمت افتتاحية المونديال يوم الاحد 20 نوفمبر في حفل جميل ومنظم. غير ان قرار غريب صدر من اتحاد كرة القدم الدولي FIFA منعت وهددت كافة الفرق المشاركة بعدم استخدام شعار ((One Love حب واحد)) اثناء المباريات كشريط يثبت على الاذرع تعبيرا عن حملة ضد التمييز والعنصرية، شعار ممنوع تداوله حتى في علامات الملابس الداخلية وإلا تعرض لابسيها وحامليها الى عقوبة الكارت الاصفر..!! مما دفع الفريق الالماني اثناء اخذ صور تذكارية قبل مباراته مقابل الفريق الياباني بوضع لاعبيه الالمان اياديهم على أفواههم تعبيرا عن احتجاجهم لقرار الفيفا بمنع حمل الشعار المذكور وإلا تعرض الفريق بالكامل الى عقوبة جماعية بكارت اصفر، و لكن تمكنت وزيرة الداخلية الالمانية الجالسة بجانب رئيس الفيفا اثناء مباراة المانية واليابان من ان تلف ساعدها المكشوف بالربطة الملونة المحاربة للعنصرية وعليها شعار قلب واحد لتوصل صوت لاعبيها للمسؤولين وهذا ما قامت به ايضا وزيرة الخارجية البلجيكية أثناء تشجيعها فريق بلدها اثناء مواجهة فريق كندا، انه تعبير احتجاجي ضد تكميم الافواه في قضية أنسانية وفي محفل رياضي يعشقه الملايين ويتأثر بلاعبيه عندما يوصل لهم فكرة او قضية اجتماعية يعجز السياسيين من العمل بها. وكل هذه الحالات تعبر عن الدفاع عن حقوق الانسان حسب وجهة نظر اللاعبين وحكوماتهم وكان موقف فريق كرة القدم الايراني في بطولة قطر 2022 يستحق كل الثناء والتقدير لرفضه اداء النشيد الوطني لبلاده احتجاجا على القمع والعنف التي يمارسه النظام الايراني ضد المتظاهرين رافعي شعار ((المراة الحياة الحرية )) منذ اكثر من شهرين ، يرفض ان يساهم لاعب كرة قدم في ترديد النشيد الوطني الايراني الذي يذبح ابنائه حيث قتل واستشهد وجرح واعتقل الكثير منهم. لا ندري ماذا تخبئ لنا الايام القادمة من نهائيات كاس العالم في قطر من مفاجأت ترتبط بمبادئ حقوق الانسان .
ما أستعرضناه أعلاه كان نموذجا لحادثة واحدة حيث انتهك وأُهين مواطن من قبل بعض المشجعين لمباراة في هولندا وعلى الملأ ليتحول الى اعلان رفض جماعي على انتهاك أحد مبادئ حقوق الانسان في المساواة والعدالة الاجتماعية. أن قضايا التمييز والعنصرية لم ترتكبها الانظمة فقط، بل يمارسها المواطن على أخيه الانسان، وترتكب الانتهاكات والمظالم والاضطهادات على أشكال مختلفة وعلانية دون مبالاة، لأن التعامل مع تلك القضايا لها مقاييسها المتنوعة وحسب أبطالها وأماكن وجودهم.
ان ما يحدث اليوم من جرائم أنسانية ضد شعوب مستضعفة من قتل باسلحة كيمياوية وتهجير قسري وتشظي كامل للعوائل لم تثير المشاعر او تحرك الضمائر مثلما تحركت الضمائر بتصرف لمشجعي لعبة كرة القدم ، وان القتل على الهوية و اغتيال الصحفيين واعتقال المتظاهرين لم تغيض رعاة الامن والسلام وحاملي شعار ((One Love حب واحد)).
أن المنظمات الحقوقية والراعية لمبادئ حقوق الانسان لم تعد تعمل بصدق واخلاص بل تتمرجح مع هوى الحُكام ومصالحهم. أن تطبيق العدالة والمساوة ومكافحة التمييز والعنصرية تبقى اسيرة السياسة لا يمكن فصلها عن السياسة فهما متلازمتين. فمن يتقن السياسة بنزاهة ودهاء قادر ان يترجم تلك المبادئ على ارض الواقع بصفاء .... يا ترى متى نرى ذلك السياسي الموعود لترتاح الشعوب!!!!. ان الضجة والمسرحية الاعلامية والدعايات المستمرة لقضايا حقوق الانسان في مسرح ملاعب كرة القدم في مونديال قطر اخذ ابعاد مختلفة رغم ان البعض يدعي انها غير سياسية وانما هي محاولات للدفاع عن حقوق الانسان وايقاف العنصرية . نقول ماذا عن انتهاك حقوق الشعوب والاقليات والقوميات التي تقصف بطائرات ومدافع يومية اهي الاخرى لا ترتبط بالسياسة والسياسيين. توهم من قال لا علاقة لحقوق الانسان بالسياسة.
نقول ان السياسة والسياسيين هم من ينتهكون حقوق الانسان ومن يضربون القوانين الدولية بعرض الحائط الى درجة وصلت الى ضعف واضح في قرارات الامم المتحدة ضد منتهكي حقوق الانسان من الدول الكبرى والاقليمية قرارات لا تتجاوز الادانة وهذه لا تقدم ولم تؤخر من الانتهاكات . هنا نجد مطاطية قوانين حقوق الانسان فهي تتمدد وتتقلص وفق مصالح الدول الكبرى. لقد تحول الموضوع الاساسي وهو التصرف العنصري للجماهير ضد لاعب من اصول افريقية و وفاة اعداد كبيرة من العمال الاجانب اثناء بناء المدن الرياضية لمونديال قطر ليمزجوا معه رفض قطر لمشاركة المثليين في المونديال والترويج لهم، هنا لعب السياسيون دورهم وقلبوا الموازين راس على عقب، حيث ان حقوق المثليين مصانة الى ابعد الحدود في دولهم ويريدون فرضها على دولنا ايضا ،في حين ان حقوق الانسان مهانة الى ابعد الحدود في دولنا ولا نسمع لهم صوتا بها، حيث جعلوا من مبادئ حقوق الانسان كرة تضرب بالاقدام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا


.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر




.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي