الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 130

ضياء الشكرجي

2022 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُلائِكَ يَتوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (17)
هذه من الآيات ذات المضمون الجميل. فالتوبة هي كما هو معروف، الشعور بالندم، ثم الإقلاع عن ارتكاب ما ارتكبه النادم، ثم طلبه المغفرة من الله ومعاهدته ومعاهدة نفسه على عدم العودة إلى مثل ذلك العمل، ثم التدارك، أي إصلاح ما أفسده من خلال المعصية، أو تعويض ما يجب فيه التعويض. لو كانت الذنوب والمعاصي في الدين، هي ما تعده الأخلاق من السيئات، كالظلم والعدوان والقتل والتكبر واحتقار الناس وإهانة كرامتهم والتشهير والافتراء والتسقيط والغش والاحتيال والسرقة والكذب وإلى غير ذلك، فأمر حسن أن تدعو الأديان إلى تجنب هذه السلوكيات السيئة وتدعو في مقابل ذلك إلى ما تحسنه الأخلاق، ولكن من محرمات الأديان ما هو ليس من محرمات الأخلاق، ومن واجبات الأديان ما هو ليس من واجبات الأخلاق، بل من بعض مباحات الأديان ما هو ليس من مباحات الأخلاق. لكن لنأخذ المعنى الإنساني والأخلاقي للتوبة، فمراجعة الإنسان لأخطائه وإساءاته ومحاولة إعادة الاعتبار إلى من أساء إليه والحقوق إلى من سلبه حقه، أمر لازم للإنسان فردا ومجتمعا. فالآية تجعل توبة الله على التائب حقا للتائب على الله، فتقول «إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ»، فتجعل التوبة حقا للتائب «عَلَى اللهِ»، ولكنه ليس حقا لأي تائب، إذا استخدمت الآية أداة الحصر «إِنَّمَا»، وجعلت هذا الحق حصرا «لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ»، أي عن جهل أو قلة وعي أو قبل اكتمال الرشد، أو في لحظة جهالة، أي في لحظة غضب أو انفعال أو بفعل عاطفة، «ثُمَّ يَتوبونَ»، أي إما بعد زوال الغضب والانفعال والرجوع إلى العقل، أو عندما يرتفع الإنسان إلى بوعيه ورشده، أو عندما تحصل لديه صحوة ضمير، لكن على ألا يسوفوا توبتهم، بل «يَتوبونَ مِن قَريبٍ»، وربما يفهم التعجيل بالتوبة إما بعد ارتكاب الذنب أو الخطأ بفترة قصيرة، أو بعد حصول صحوة الضمير أو اكتمال الرشد وشعور الإنسان بخطئه مباشرة، بلا تسويف، لعد تفويت فرصة التدارك والإصلاح، «فَأُلائِكَ يَتوبُ اللهُ عَلَيهِم»، وبلا شك تنطبق هنا قاعدة إنما الأعمال بالنيات، فلو نوى الإنسان تصحيح خطئه، أيا كان نوعه، كأن تكون إساءة لإنسان آخر، ثم لم يلحق على تنفيذ ما عاهد به نفسه صادقا وعازما، إما على سبيل المثال بموته المفاجئ هو، أو بالموت المفاجئ للطرف الثاني، فلا بد أن يكون ممن تقبل توبته. لكن المشكلة إن الذنوب التي تستحق العذاب ليست فقط ما تراه الأخلاق من ظلم وعدوان وإساءة للآخر، بل يمكن يكون ذلك لمجرد شرب للخمر، أو أكل للحوم غير المذكاة، أو ترك للصلاة أو الصيام، أو ممارسة للجنس بدون عقد شرعي، دون أن يؤذي بذلك مرتكب الذنب الديني، إتيانا بمحرم أو تركا لواجب، أي إنسان، بل حتى لو فعل كل أعمال الخير للآخرين، فهو يستحق العذاب الأخروي في نار جهنم، فإذا كان مسلما، فقد ينقطع العذاب بعد أمد لا نعرف مداه، أما إذا كان كافرا، أي غير مؤمن بالإسلام، فهو يستحق العذاب الأبدي. لكن دعونا نتوقف عند قفل الآية، فما علاقة قول «وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا» بموضوع الآية يا ترى؟ العلم له علاقة باعتبار أن الله يعلم بكل أفعال الناس حسنها وسيئها، ويعلم بنواياهم وسرائرهم، لكننا لا نجد هنا علاقة مناسبة للحكمة. فلو ذكرت الرحمة «رحيم»، أو الرأفة «رؤوف»، أو التوبة «تواب»، أو المغفرة «غفور»، أو العدل، ولو إنه لم يرد في القرآن اسم من أسماء الله الحسنى مشتقة من العدل، رغم الأهمية المركزية للعدل الإلهي، بل نفت عنه الظلم، أقول كل مما ذكر كأمثلة وغيره كان سيكون أكثر توافقا وانسجاما مع أجواء الآية.
وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ أُلائِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا (18)
بعدما حصرت حق التوبة للذين ذكرتهم بالأوصاف آنفة الذكر، جاءت الآية التالية لها هذه لتؤكد نفي التوبة عمن لا تتوفر فيهم الشروط. إذن «لَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئاتِ [ويصرون عليها ولا يقلعون عنها] حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ [وقد علم بحضور الموت] قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ» خوفا من تعذيب الله له في الآخرة. ثم تضيف الآية إلى هؤلاء غير المسلمين، بقول «وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ»، أي غير مؤمنين بمحمد رسولا وبالقرآن كتابا منزلا من الله وبالإسلام دينا وشريعة، ناهيك عن الذين لم يؤمنوا بالله، ليس عنادا، بل لعدم قدرتهم على الاقتناع بأدلة وجود الله، فتحكم الآية عليهم بأن «أُلائِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س