الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى مدريد : احتلال العراق

مظهر محمد صالح

2022 / 11 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان اليوم هو الرابع والعشرون من شهر تشرين الاول 2003 وفي جو خريفي معبق بأبهة صناع القرار السياسي والمالي في العالم .. ازدحم قصر المؤتمرات في مدريد عاصمة إسبانيا بوزراء خارجية ومالية 89 دولة من دول العالم ممن تصنع السلام مثلما تمتلك القدرة على صناعة الحرب، في مؤتمر للتنمية والتقدم الاقتصادي سُمي بمؤتمر مدريد للمانحين .فبعد ان كانت احداث بلادي قد أخمدت انفاسهم لعقود طويلة و افسد الاستبداد شتى مناشط الاقتصاد والثقافة والسياسة وقوض المبادرة والابداع و فسد التعليم وتفسخت الدولة وقطاعاتها الانتاجية كافة وانتشر الفساد فيها، بعد ان كللها تحدي القوى العالمية مما استحال العراق الى كرة ملتهبة من الهزائم المريرة والخسائر الفادحة لم يحصد الشعب منها سوى خطابات فارغة عمَدتها تلال من الخرائب وعقود ضائعة من التنمية وخسارة فادحة في فرص التطور الاقتصادي. وقد جاءت كلها على وفق ستراتيجية سياسية فاشلة قوامها التبرك باللاشيء والفخر الكاذب بان الاصرارعلى هزيمة الامبريالية العالمية هي اهم من مكافحة الامية والقضاء على الجوع !!.دخل قاعة المؤتمرات يومها رجل قوي الجسم وبوجه مائل الى الدوران وبسنحة سمراء مبتسما بهدوء حتى مثل امام الجميع..تطلعت اليه قبل ان يبدأ كلمته وتذكرت من فوري مقولته الشهيرة: لاتوجد اسرار لبلوغ النجاح ،إنما هو نتيجة للاستعداد الجيد والعمل الجاد والتعلم من الفشل..!..انه كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية وقتذاك ،الذي شدد في خطابه على تعزيز الجهود الدولية لدعم العراق ومده بالمال الميسر لاعادة بناء مقومات التنمية وجهود الاعمار والتقدم الاقتصادي ،مُطلقاً الدعوة الى جميع الدول المانحة المشاركة في المؤتمر للمساهمة بمبلغ 56مليار دولار لانفاقه على مشاريع التنمية والبنية التحتية في العراق،منها 20 مليار دولار مثلت مساهمة اميركا في مبلغ المنحة الاجمالي، كان يوماً مشرقاً لم تسعنىي اسبانيا كلها، لكثرة الوعود والتعهدات التي سمعتها في مؤتمر المانحين، ولكن على الرغم من ذلك استطاعت ساحة شهيرة تتوسط العاصمة مدريد تسمى :ساحة إسبانيا
ان تبهرني بجمالها وحيويتها. إذ امتلئت بالنافورات الجميلة واكشاك باعة الصحف والمجلات والباعة المتجولين والسائحين الاوروبيين من بقايا صيف اسبانيا.وفي ميدان التفاؤل هذا، اصبحت وجهاً لوجه امام نصب كبير للكاتب الروائي الاسباني الشهير( سيرفانتس) المولود في العام 1547 في قرطبة و الذي يعد أب الرواية الاوروبية، لاسيما روايته (دون كشوت) في العام 1605.واللافت انه جرى وضع تمثال برونزي امام نصب الروائي(سيرفانتس) يمثل بطل روايته (دون كشوت) ممتطياً حصانه (روسينانتي) والى جانبه خادمه(سانكوبانزا) وهو يمتطي حماره ايضاً!.اصابتني الدهشة وانا اتذكر وقائع تلك الرواية بعد مغادرتي قاعة مؤتمر مدريد للمانحين!.مات سيرفانتس في العام 1616 فقيراً معدماً إبان العصر الذهبي الذي كانت تعيش فيه اسبانيا، يوم كانت اللغة الاسبانية لغة الادب والصالونات والثقافة والرقي في المجتمع الاوروبي كله.حزنت قليلاً على سيرفانتس وتذكرت قليلاً بطل روايته (دون كشوت ) .فقد سخر سيرفانتس في روايته (دون كشوت) من افكار الفروسية المزيفة وهاجم الروايات المفرطة في الخيال التي تدور حولها.وكان دون كشوت (بطل الرواية) رجلا ريفيا افسدت ذهنه روايات الفروسية التي كان يقرؤها فقرر ان يمتطي صهوة جواده وبصحبة خادمه الفلاح الذي امتطى حماره سائراً خلفه.وبهذا ذهب( دون كشوت) باحثاً عن اعمال المخاطرة والبطولة والفروسية...واول المعارك التي سعى إليها هذا الفارس الوهمي كانت ضد طواحين الهواء.إذ توهم( دون كشوت) بأن الطواحين هي شياطين ذات اذرع هائلة واعتقد انها مصدر الشر في هذه الدنيا،فهاجمها من دون ان يصغي الى صراخ خادمه وتحذيره له، ورشق فيها رمحه، فرفعته اذرعها في الفضاء ورمته ارضاً فرضت عظامه...انها (الدنكشوتية) التي سمعتُها اصطلاحاً للمرة الاولى في ستينيات القرن الماضي اثناء محاضرة جامعية للعالم الجليل الراحل الاستاذ ابراهيم كبة والتي غدت متداولة في الاجتماع والاقتصاد السياسي في تقييم اية نشاطات غير واقعية تجعل من الاوهام آفة المشكلات ومصدر فساد الدنيا وغياب الحكمة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية