الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض متاهات الحزب الشيوعي العراقي ,,, وقفة إستذكار

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يعد الحزب الشيوعي العراقي اقدم حزب سياسي في العراق ما زال يواصل نشاطه السياسي حتى يومنا هذا تارة بالسر وتارة بالعلن . تعود بدايات تأسيسه إلى العام 1934,حيث إنعقد في 31 من العام المذكور في بغداد اجتماع تأسيسي حضره شيوعيون من مختلف أنحاء العراق, واعلنوا توحيد منظماتهم في تنظيم مركزي واحد باسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) , وانتخبت أول لجنة مركزية، وأصبح عاصم فليح أول سكرتير للحزب، ثم تغير اسم الحزب فيما بعد إلى الحزب الشيوعي العراقي حيث اتخذت اللجنة المركزية قراراً في عام 1935بإعلان اسم الحزب الشيوعي العراقي بدلاً من الاسم السابق .
لعب يوسف سلمان يوسف (فهد) دوراً بارزاً سواء في بناء خلايا الحزب في مدن العراق الجنوبية أو في إقامة مركزه في بغداد وتأسيس الحزب. سافر فهد إلى موسكو عام 1935 للدراسة في جامعة كادحي الشرق، حيث بقي هناك حتى عام 1938، ودرس خلال وجوده هناك العلوم الماركسية وأساليب التنظيم في الحزب الشيوعي. اختير فهد سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي العراقي عام 1941 إلى أن اعتقل ثم اعدم في عام 1949. ولعب محمد حسين أبو العيس الدور الأبرز في حياة الحزب الشيوعي العراقي حيث كان عضو اللجنة المركزية للحزب وأول رئيس تحرير لجريدة اتحاد الشعب وهي الجريدة الناطقة باسم الحزب وعمل على إصدارها مرتين في اليوم الواحد بغية اطلاع الجماهير على كافة المستجدات في الساحة العراقية .
حظي الحزب الشيوعي بتأييد شعبي واسع قل نظيره في حقبة نظام الحكم الملكي , على الرغم من حظر السلطات لنشاطه السياسي ومطاردة اعضائه ومناصريه وزج ناشطيه في غياهب السجون , وفي منتصف شهر شباط أعدم فهد ورفيقيه حسين الشبيبي وزكي بسيم وعلقت جثثهم في ساحات مختلفة في بغداد .
أسهم الحزب الشيوعي في إطار جبهة الأتحاد الوطني التي كانت تضم أحزاب المعارضة الرئيسة يومذاك , المتمثلة بالحزب الوطني الديمقراطي وحزب الإستقلال والحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الإشتراكي التي مهدت لثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 وتعبئة الجماهير المؤيدة لها . وهنا بدأت أولى متاهات الحزب الشيوعي العراقي , فعلى الرغم من كونه أقدم الأحزاب السياسية وأكثرها تنظيما وأوسعها إنتشارا , إلاّ أنه لم يحض بحقيبة وزارية واحدة بخلاف الأحزاب الأخرى التي كان نصيب البعض منها أكثر من حقيبة وزارية. ولم يتمكن الحزب من الحصول على حقيبة وزارية إلاّ بعد مخاض عسير عبرمظاهرات صاخبة في مناسبات مختلفة , كان أبرزها المظاهرات المليونية بمناسبة الإحتفالات بعيد العمال العالمي عام 1959 التي حشد لها الحزب الشيوعي , والتي كانت شعاراتها الرئيسية : " عاش زعيمي عبد الكريم حزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيم " وشعارها الآخر : " سبع ملايين تريد الحزب الشيوعي في الحكم " , ويذكر أن تعداد نفوس العراق يقدر يومذاك بسبعة ملايين نسمة. إسستجاب عبد الكريم قاسم لهذه المطالب وسط المد الجماهيري الواسع الذي كان يحضى به الحزب , لاسيما أن حكمه قد تعرض لهزة سياسية قبل ذلك بمدة قصيرة تمثلت بإنسحاب وزراء التيار القومي المدعوم من الحكومة المصرية , من كابينته الوزارية ,وما أعقبها من تداعيات بسبب تمرد الشواف العسكري في الموصل الذي لعب الشيوعيون دورا بإخماده . أسندت للحزب الشيوعي حقيبة وزارة البلديات بتكليف الدكتورة نزيهة الدليمي رئيسة رابطة المرأة العراقية , وهي إحدى المنظمات الواجهية للحزب الشيوعي.
تدهورت العلاقات بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي في أعقاب المجازر الدامية التي شهدتها مدينة كركوك في تموزعام 1959 والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين التركمان والتي وصفها عبد الكريم قاسم بخطابه في كنيسة ماريوسف في بغداد بأنها جرائم أبشع من جرائم هولاكو ببغداد , حيث ألقى باللائمة على الحزب الشيوعي . ومنذ ذلك الحين إستمرت العلاقات بين الطرفين بين مد وجزر , حيث كانت تمتع قيادات الحزب بحريات سياسية واسعة , بينما كانت تتعرض الكثير من قواعد الحزب في جميع أرجاء العراق إلى مضايقات ومطاردات من الشرطة والأجهزة الأمنية بتهم مختلفة بحق أو بدونه , دون أن يتمكن الحزب من إتخاذ موقف واضح منها .ومن مفارقات هذه المرحلة إمتناع عبد الكريم قاسم من منح إجازة ممارسة للحزب الشيوعي , العمل السياسي بموجب قانون الأحزاب الذي أعلنته حكومته عام 1960, حيث أجاز حزب شيوعي وهمي لا قواعد له بديلا عنه بقيادة الشيوعي داود الصائغ المفصول من الحزب الشبوعي .
وعلى الرغم من كل هذه المواقف السلبية تجاهها , فقد وجدت قيادة الحزب نفسها مضطرة بحسب إجتهادها , للوقوف في خندق عبد الكريم قاسم الذي كان ينتهج سياسة وطنية تحررية تحضى بتأييد الإتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الإشتراكية يومذاك . بينما كانت تخطط الأحزاب القومية وبالتنسيق مع الحكومة المصرية والحكومة الكويتية وشركات النفط العاملة في العراق وبعض الدوائر الإستعمارية وحركة التمرد الكردي للإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم . وقد تحقق لها ذلك بإنقلاب الثامن من شباط عام 1963 .
كان الحزب الشيوعى أولى ضحايا الإنقلاب حيث راح ضحيته آلاف القتلى منهم وفي مقدمتهم قادة الحزب الشيوعي وامينه العام سلام عادل. ومنذ ذلك الحين فقد الحزب الشيوعي ديناميته وألقه السياسي كحزب جماهيري , حيث بات يعاني كثيرا من الإنكسارات والإنشقاقات تحت ذرائع وأسباب ومسميات مختافة , لم يتمكن من التخلص منها والنهوض من كبوته حتى يومنا هذا , بسب سوء تقدير وعجز بعض قياداته , فهم التطورات السياسية الراهنة على صعيد العراق والمنطقة والعالم أجمع . إنقسم الحزب الشيوعي في حقبة حكم عبد الرحمن عارف في منتصف عقد الستينيات من القرن المنصرم إلى جناحين , أحدهما مهادن للسلطة القائمة بدعوى أنها سلطة ذات توجهات إشتراكية بعد أن قامت بتأميم المصارف وبعض المؤسسات والشركات التجارية تماشيا مع نهج الحكومة المصرية ,متجاهلة ما حل بها من نكبات من قبل بعض رموز تلك السلطة عام 1963, وجناح آخرى تبنى ما أسماه بالكفاح المسلح ضد السطة الحاكمة تزعمه القيادي الشيوعي عزيز الحاج , حيث زج ببعض الشياب في مجاميع مسلحة في أهوار الجنوب إستهدفت بعض مخافر الشرطة هنا وهناك دوى جدوى , راح ضحيتها الكثير من هؤلاء المقاتلين .
والغريب أن هذا المناضل الشيوعي الثوري سرعان ما إنهار وأستسلمه لقوات الأمن التي ألقت القبض عليه عام 1969, وقد عرضت السلطات إستسلامه وخنوعه عبر مقابلة تلفزيونية أجراها معه محمد سعيد الصحاف مدير عام الإذاعة والتلفزيون يومذاك . وقد عينته الحكومة بمنصب سفير العراق بمنظمة الثقافة والتربية والعلوم ( اليونسكو ) في باريس , لينعم بحياة برجوازية هادئة في باريس بعيدا عن كل أشكال ضنك العيش ومتاعب الكفاح المسلح الذي زج في أتونه بعض شباب الحزب الذي ألهبهم بها قائدهم الهمام الذي سرعان ما إنهار وتخلى عنهم . ويذكر أن عزيز الحاج قد نجى من محرقة الموت في الثامن من شباط لكونه كان موفدا يومذاك للدراسة في روسيا للإعداد الحزبي .
وهذه ليست المرة الأولى التي يتهاوى فيها قائد حزبي شيوعي , فقد سبقه مالك سيف الذي تولى قيادة الحزب الشيوعي بعد إعدام فهد , ليصبح مخبرا لمديرية التحقيقات الجنائية المكلفة بمحاربة النشاط الشيوعي في المملكة العراقية فيما بعد. ولعل أخطر المتاهات التي وقع فيها الحزب الشيوعي إبرام قيادته توقيع ما عرف بالميثاق الوطني بينه وبين حزب البعث العربي الإشتركي عام 1970 , وقعه عن الحزب الشيوعي أمينه العام عزيز محمد وعن حزب البعث أمينه العام أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية يومذاك . تضمنت وثيقة الميثاق إقرار الحزب الشيوعي بأن حزب البعث هو الحزب القائد في العراق , وبتعهد الحزب الشيوعي بعدم ممارسة أي نشاط حزبي في صفوف القطاعات العسكرية والأمنية والإستخبارتية بصنوفها وتشكيلاتها المختلفة , وفي قطاعي التربية والتعليم العالي , بوصفها قطاعات مقفلة لحساب حزب البعث العربي الإشتراكي , مقابل السماح للحزب الشيوعي إصدار جريدة يومية ومجلة فصلية وبعض المطبوعات التي تجيزها لجان الفحص , وتعيين وزيرين شيوعيين , أحدهما بمنصب وزير الري والآخر بمنصب وزير بلا وزارة . وبذلك أسدل الحزب الشيوعي الستار على المجزرة الدموية التي تعرض لها الحزب وقادته عام 1963 , بينما إستمر حزب البعث يحتفل بها سنويا بوصفها عروس الثورات في تحدي واضح وصريح للحزب الشيوعي .
نجم عن هذا الميثاق هجرة واسعة من الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين والمبدعين المحسوبين على الحزب الشيوعي , إلى صفوف حزب البعث العربي الإشتراكي , ليتغنوا بأمجاده ويكتبوا عن مآثره وإنجازاته . وإستمر حزب البعث بملاحقة ما تبقى من كوادر وسطية شيوعية في مختلف مدن العراق وتصفيتهم دون هوادة وسط صمت مطبق من قيادة الحزب الشيوعي , لينتهي بهم المطاف هم الآخرون إلى التشرد في المنافي في أرض الله الواسعة .
ويا ليت قادتهم تعلموا الدرس جيدا وإستفادوا من تجارب حزبهم المريرة , لكنهم للأسف دخلوا في متاهة ألعن من سابقاتها , فقد إرتضوا لأنفسهم أن يكون جزءا من سلطة الحكم التي نصبتها إدارة سلطة الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 , تحت مسمى مجلس الحكم الذي شكلته في الثاني عشر من شهر تموز عام 2003 , على أساس مبدأ المحاصصة الدينية والطائفية والأثنية ,ليشكل فيما بعد أساس النظام السياسي العراقي القادم في العراق , فكان لهم ما أرادوا حيث شرعوا دستورا يكرس النظام السياسي الطائفي والأثني الذي تقوم عليه العملية السياسية القائمة حاليا في العراق .
ضم المجلس (25) عضوا من مختلف الأحزاب السياسية العراقية المناصرة لغزو العراق وإحتلاله من مختلف طوائف وأثنيات العراق , كان بضمنهم أمين عام الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد .ويذكر أن قرارات مجلس الحكم تخضع جميعها لمصادقة السفير الأمريكي بريمر . وتشكلت أول حكومة عراقية مؤقتة برئاسة أياد علاوي عام 2004 ضمت في صفوفها مفيد الجزائري ممثلا للحزب الشيوعي العراقي . وهنا ثمة تساؤل مشروع هل تجيز مبادئ وأفكار الحزب الشيوعي الماركسي اليليني التعاون مع سلطة إحتلال بلده تحت أي مبرر أو أية ذريعة ؟ . وبصرف النظر عن أجابة هذا السؤال ,نقول ماذا جنى الحزب من جراء إنخراطه في عملية سياسية عقيمة على مدى عقدين من الزمان ؟. وهل يعد موقف الحزب هذا موقفا نضاليا لصالح الشعب أم موقفا إنتهازيا للتمتع ببعض مزايا السلطة ؟ وكيف نفسر إستمرار إنخراط الحزب حتى يومنا هذا في العملية السياسية التي فاحت رائحة فسادها للقاصي والداني , مع علمه بعدم قدرته فعل أي شيئ لإصلاحها ولو بجزء يسير . وهل تمكن أمين عام الحزب رائد فهمي إنجازا يذكر عند توليه منصب وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية قبل سنوات في إطار منظومة حكومية فاسدة ؟.هل يصنف موقف الحزب في صف الشعب المضطهد ام في صف السلطة الفاسدة بمشاركته في العملية السياسية ؟.
كان الأجدر بقادة الحزب الشيوعي إبعاد حزبهم العتيد عن هذه المهاوي التي لا تخدم الحزب ولا تنسجم مع مبادئه وتسيئ إلى تاريخه النضالي في العراق وتضحياته الجسبمة التي لم يجن منها سوى المزيد من الآلام والأسى والدموع ,وكان عليه العودة إلى منابع فكره والوقوف في صفوف الكادحين الساعين إلى حياة حرة كريمة في وطن حر ,لا تدنسه أقدام المحتلين وتهدمه معاول الفاسدين ,وتعبث بأمنه عصابات الجريمة ومخابرات الدول الأجنبية . عراق آمن مستقر ينعم شعبه بخيراته .
ولعل أغرب متاهات الحزب الشيوعي العراقي إنقسامه إلى حزبين , حزب شيوعي عراقي وحزب شيوعي كردستاني , في ظاهرة غريبة لم نشهدها في أي بلد آخر , وكاننا نعيش في بلدين وليس في بلد واحد أسمه العراق , وكأنهم هم بذلك بمهدون لتقسيم العراق . فالمعروف أن الأحزاب الشيوعية تقوم على أساس الدول وليس على أساس القوميات , فالدول ذات القوميات المتعددة كالصين مثلا لا يوجد فيها سوى حزب صيني واحد يضم في صفوفه جميع القوميات والأثنيات . فوجود حزبين شيوعين بدعة جديدة ومتاهة جديدة من متاهات الحزب الشيوعي العراقي.
وخلاصة القول أن تراكم أخطاء قيادات الحزب الشيوعي العراقي عبر تاريخه الطويل , قد أدت إلى ضموره وتلاشيه وتحويله من حزب جماهيري كان يوما يعتد به , إلى حزب صغير هامشي يكاد لا يعرفه الكثير من أبناء الجيل العراقي الجديد . نتمنى أن يتدارك ذلك قادة الحزب ومناصريه تلك الأخطاء وإعادته إلى مساره النضالي الصحيح في صفوف الشعب وخدمة قضاياه بعيدا عن مغريات السلطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نقد الذات اولا
حميد سلمان ( 2022 / 11 / 30 - 12:34 )
أليس من الأولى باعتباركم من الاساتذة البعثيين ان تقوموا بنقد تجربة البعث
وادانة ممارساته الفاشية طيلة تاريخه من اعدامات وتعذيب وحروب اوصلت البلاد الى الحضيض ليتسلمها رعاع فاسدون لصوص وعملاء...ليس هذا دفاعا عن الاخطاء الكارثية للحزب الشيوعي التي آذت الحزب قبل غيره...ولكن احقاق الحق يتطلب الاعتراف اولا ان دمار العراق وانحطاطه ودمار شعبه وقواه الوطنية سببه البعث الدموي وسياسته الاجرامية.

اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي