الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل العلاقات المغربية الاسبانية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


العلاقات بين الدولة الاسبانية ، وبين النظام السلطاني المغربي ، هي علاقات متقلبة ومترنحة ، بسبب المصالح الضيقة للطرفين ، بحيث انّ ما تخفيه من حقائق لا علاقة له بالمظاهر الخارجية ، التي تبدو في شكل تصريحات مزيفة مرة ، ومرة تبدو في ممارسات تنطلق من شوفينية وطنية لا أساس لها ، ولا علاقة لها بطبيعة العلاقات الحقيقية بين النظام المغربي ، وبين الدولة الاسبانية .
تفرض هذا النوع من العلاقة الغير طبيعية ، إضافة الى المصالح الضيقة والمتضاربة ، القرب الجغرافي بين الدولتين من جهة ، ومن جهة البُعْد الحضاري المختلف لكلا الدولتين اللتان تبْنيان أصل ومشروعية الحكم فيهما ، على أساس ثيوقراطي متصارع ويناقض الاخر ، كالإسلام في مواجهة المسيحية ، والدولة الإسلامية في مواجهة الدولة الغارقة في كاثوليكيتها الرجعية ، التي تنفر حتى من الكنيسة البروتستانتية ، فأحرى القبول الديمقراطي بالمساجد التي كانت تغزو شبه الجزيرة الإيبيرية منذ الدولة الاندلسية التي عندما أسقطها المسيحيون ، أسقطوها لإسلامها ولحضارتها التي غزت القلعة الاوربية بما شكل تهديدا من حضارة ، لحضارة أخرى مختلفة ومغايرة .
فالنظام السياسي الاسباني ، رغم ادعاءه النظام الديمقراطي ، فتلك الديمقراطية لا ترقى لتنافس او تضاهي ديمقراطية الدول الاسكندنافية ، او ديمقراطية الدولة الهولندية ، فالملك في النظام السياسي الاسباني يعطيه الدستور مكانة خاصة ، ويمنحه مرتبة عليا على الحكومة التي تأتي بالانتخابات ، لكن يبقى اختصاصها في مجال الدفاع ، وفي مجال الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية ، وتأمين وحدة الاتحاد الاسباني ، أدنى بالمقارنة مع الدور الذي يعترف به الدستور الاسباني للملك كرمز يشارك في الحكم ، وليس كرمز للوحدة . ان من يختار رئيس الحكومة بعد اعلان نتائج الانتخابات ، هو الملك الذي يتولى تعيين وزراء الحكومة التي اختارها رئيس الحكومة ، وأمامه يؤدون قسم ويمين التعيين الذي يثقلهم بواجبات الاحترام التام للملك وللأسرة المليكة .. فالدستور الاسباني وبخلاف دساتير الملكيات الاوربية ، هو دستور ذكوري يعطي الغلبة وحق الاسبقية للرجل ، وليس للمرأة في ممارسة الشأن العام . فعندما يكون ذكر وانثى يتوفران على نفس شروط تولي الملك ، فان الاسبقية تعطى أوتوماتيكيا للرجل وليس للمرأة . كما ان الدستور الاسباني ينحاز الى التقاليد والطقوس ، عندما يكون شخصان يتوفران على شروط المُلك ، حيث ينتصر الدستور للشخص الكبير في السن عن الشخص الذي يليه .. فتفضيل كبير السن ، عن صغير السن ، يرمز نوعا ما الى المجتمع البطريركي ، الذي يكون فيه للبطريرك الكلمة المثلى والاعلى ، وتلك خاصية تجعل من النظام الديمقراطي الاسباني ، نظام ديمقراطية نسبية ، لا تسمح باقتحام المحظور الذي هو التقاليد خط احمر ، ورغم وجود أحزاب سياسية تطالب بالنظام الجمهوري ، فهي لِعِلّة صغرها ، فان الدولة الاسبانية تعتبر هذا النوع من الشعارات يزكي الديمقراطية الاسبانية التي تختلف عن ديمقراطيات الملكيات الاوربية ، خاصة الاسكندنافية ، والهولندية ، والبلجيكية ، وتختلف حتى عن الديمقراطية الفرنسية ذات الحكم الشبه رئاسي ..
ان تشبث الدولة الاسبانية بالموروث الأيديولوجي الذي يجمع ، من الجغرافية المجاورة لمجتمعات اكثر محافِظة لا علاقة لها بالإرث الاسباني الرجعي ، ويجمع من التاريخ خاصة الحرب الأهلية بين الجمهوريين وبين الملكيين الرجعين برئاسة الكاويديو Francisco Franco ، وهي حرب الثلاثينات من القرن الماضي ، ويجمع من الديانة المسيحية في تيارها الكاثوليكي وليس التيار البروتستاني .. جعل من الدولة الاسبانية في علاقاتها مع الدولة السلطانية ، تغلب الجانب التقليدي عن الجانب المدني ، ما دام الاسبان يتخوفون من الإسلام الدين ، ومن الحضارة الإسلامية المتعارضة مع الدين المسيحي ، ومع الحضارة المسيحة التي تطبعها الكنسية الاسبانية بالطابع الكاتوليكي الطقوسي ، على خلاف باقي دول الاتحاد الأوربي التي تعتبر اسبانية الكاثوليكية ، أحد دوله ، وأحد اطرافه المجسد للفسيفساء الثقافي والإرثي ، الذي يكوّن النسق الثقافي والحضاري الغربي ، بتلْوين مختلف .
لذا سنجد ان طبيعة العلاقات المنسوجة بين النظام السلطاني المخزني العلوي الغارق حتى النخاع في التقاليد المرعية ، وفي تراتيل الطقوس الخاصة التي يعبر عنها القصر في جميع المناسبات ، خاصة المناسبات التي تحضر القيم المخزنية بامتياز ، كانت تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة ، وفي نفس الوقت كانت تختلف عن نوع العلاقات التي ينسجها النظام السلطاني العلوي المخزني مع غير إسبانية من الدول الاوربية ، كفرنسا الكاثوليكية البروتستانتية ، وكألمانيا البروتستانتية والملحدة ..
انطلاقا من هذه الحقيقة التي تعتبر أرضية ، فان العلاقات بين الدولة السلطانية المخزنية التقليدية ، وبين الدولة الاسبانية المسيحية التقليدية ، لم تكن قارة ، ولم تكن جامدة ، بل كانت تتغير وتتفاعل في كل مرة جدّ جديد ، يؤثر في هذه العلاقات ، ويدفع بها الى نوع من التعاون ، او يدفع بها الى التأزيم والتشنج ، والى الضرب من تحت الطاولة عبر المنظمات والمنتديات الدولية ، كموقف الدولة الاسبانية مثلا المعارض لاعتراف Trump بمغربية الصحراء ، واستغلال هذه الإطارات والمنتديات الدولية المختلفة ، في إرسال رسائل للقصر العلوي وللسلطان ، حول مشروعية ونهاية أسبتة كل من مدينة سبتة ، ومدينة مليلية ، والجزر الجعفرية .. فحتى عندما تقدم إسبانية مؤخرا معونة بمقدار سبعة مليون يورو الى جبهة البوليساريو ، او عندما يدلي رئيس الحكومة بخطاب ، او بتصريح يؤكد فيه على المشروعية الدولية في حل نزاع الصحراء الغربية ، فالرسالة هي أن اعتراف رئيس الحكومة Pedro Sanchez ، لا يعير ادنى اعتبار او قيمة ، لموقفه الذي اتخذه خارج الحكومة ، والقاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء من خلال الاعتراف بجدية الحكم الذاتي .. فمنطق العلاقة بين الدولة الاسبانية وبين الدولة السلطانية العلوية المخزنية ، كان في الحقيقة يخضع للاّمنطق الذي يتأثر بطبيعة المصالح التي تفرضها الظرفية التي يجتازها النظامان معا الاسباني والعلوي المغربي ..
عندما قرر السلطان الحسن الثاني الدخول الى الصحراء في سنة 1975 ، بعد خيبة أمله في القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر من نفس السنة ويدعو الى الاستفتاء ، وهو الذي كان يعرف القوة الضاربة للجيش الاسباني ، خاصة عندما قال Francisco Franco بأنه سيشرب " الشمبانية " Le Champagne في مراكش ، رداً على الحسن الثاني الذي قال سنشرب الشّاي في مدينة العيون ، فانه لم يصعد اللهجة مع الجيش الاسباني ، بل دعا المشاركين في المسيرة الى تبادل التحية وتبادل الطعام مع الاسبان ، في الوقت الذي هدد البوليساريو اذا ما وجدهم جيش السلطان امامه ، بالعواقب الوخيمة .
ومنذ نجاح السلطان في دخوله الى الصحراء ، وبعد ذهاب الكاويديو Francisco Franco ، ومجيء الملك " خوان كارلوس " الاب ، ستُنْسج علاقات متينة بين النظامين السلطاني العلوي المخزني ، وبين الدولة الاسبانية التي أصبحت ديمقراطية وبمساعدة اوربية ، بعد ان تخلصت من حكم الدكتاتور الطقوسي Franco .. وقد مكنت اتفاقية مدريد الثلاثية التي تم ابرامها سنة 1975 ، التي قسمت الصحراء كغنيمة ، من توطيد حسن العلاقات ، خاصة وانّ نصيب اسبانية من الاتفاقية ، الحصول على جزء من فوسفاط الصحراء ، والحصول على جزء من الثروات السمكية ، والمعادن المختلفة التي تزخر بها الأراضي الصحراوية . ومما زاد في تطويع العلاقات بين الرباط وبين مدريد ، حرب الصحراء حين استهدفت جبهة البوليساريو مواطنين إسبان ، كانوا يصطادون في المياه التي تعتبرها الجبهة بالمياه المتنازع عليها .
ان هذا التساكن والتعاون بين الدولة السلطانية العلوية المخزنية الثيوقراطية ، وبين الدولة الاسبانية التقليدية الكاثوليكية ، التي فرضته اتفاقية مدريد الحرامية ، لان لا احداً من الموقعين عليها اعترف بها ، سواء من طرف برلمان السلطان المغربي ، او برلمان الحاكم الموريتاني ، ولم تنشرها الدولة الاسبانية في جريدتها الرسمية ، لأنها اتفاقية تخدش وجه ديمقراطية الدولة الاسبانية ، وتتعارض مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ القرار 1514 ، والقرار 1541 ، وتتعارض مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1976 ، الذين جميعهم لا يقضون ، ولا ينصون بالتقسيم ، وكوْن الاتفاقية في مضمونها وشكلها هي اتفاقية قراصنة Des pirates اقتسموا الغنيمة بالقوة وخارج المشروعية الدولية .. ، فان هذا الوضع الذي سيعرف تغييرا في المواقع بعد الانقلاب العسكري على ولد داداه ، والانقلابات العسكرية التي جاءت من بعده ، خاصة بعد هجوم جبهة البوليساريو على نواكشوط .. سيؤثر على نوع العلاقة بين الرباط وبين مدريد ، سيما وان اسبانية باعت حقها في الثروات التي منحتها لها اتفاقية مدريد الثلاثية ، وخاصة وان بعد خروج النظام العسكري الموريتاني من إقليم وادي الذهب " تيريس الغربية " في سنة 1979 ، وشفاعة النظام المغربي للإقليم الذي انسحب منه النظام الموريتاني من جديد ، سيصبح النظام المغربي هو المسؤول الأول ، والمخاطب الأول في نزاع الصحراء الغربية من قبل المجتمع الدولي ، ومن قبل الدولة الاسبانية التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها ، تفقد الامتيازات التي كانت لها عندما كانت تحتل الإقليم ، وفقدت الامتيازات التي منحتها لها اتفاقية مدريد لسنة 1975 .
واضح اذن انّ اسبانية الدولة التقليدية المسيحية ذات الديمقراطية الخاصة ، تواجه جنوبها نظاما تقليديا يربط مشروعيته بالدين الإسلامي ، وبالتقاليد والطقوس المرعية ، وهما نظامان متعارضان ومتقابلان ، وكل منهما يشكل النقيض للأخر .. ستجد نفسها امام حلين أحلاهما مر . فمن جهة التسليم للنظام المغربي التقليدي في الصحراء بالكامل ، وهنا فإسبانية التي كانت تفكر منذ عهد الكاويديو Francisco Franco ، بتنظيم استفتاء ينتج عنه دولة صحراوية ، تتبع جيوبوليتكيا ، وجيواستراتيجيا الدولة الاستعمارية الاسبانية التي احتلت الصحراء لقرون ، في اطار الحرب الحضارية بين الإسلام وبين الكاثوليكية ، وبين شكل النظام الإمبراطوري المغربي الذي سيغر العنوان من الإمبراطورية الى نظام ودولة السلطنة ، وبين الدولة الكاثوليكية التقليدية كذلك ، سيجعل إسبانية تعيش الغبن عندما استفرد النظام العلوي التقليدي بكل الصحراء ، وفقدت اسبانية امتيازات الأرض ، وامتيازات اتفاقية مدريد . أي انها خرجت من دون ان تشعر بخفي حنين كما يقولون ..
او انْ تواصل اسبانية سياستها البراغماتية إزاء الوضع بالمنطقة عامة ، وإزاء الوضع الذي فرضه دخول النظام المغربي الى إقليم وادي الذهب في سنة 1979 ، من دون اشهار السيف جهارا في وجه النظام المغربي ، مع استمرار تحمل اسبانية تبعات التطورات المتلاحقة ، والاستمرار في تحميلها مسؤولية القانونية والأدبية للإقليم الذي منحته للنظام المغربي باتفاقية مدريد ... هنا ستجد اسبانية نفسها امام سياسة الامر الواقع المفروضة ، سيما وان حرب ستة عشر سنة التي انتهت باتفاق 1991 ، وبالقرار 690 المعطل ، والعودة الى الحرب في 13 نونبر 2020 ، بعد واقعة الگرگرات ، لم تنهي المشكل الذي لا يزال مرشحا على جميع الاحتمالات .. بل ان اسبانية التي تعتبر الصراع مع النظام العلوي المغربي هو صراع تناقض بين حضارتين متعارضتين ، ستجد في استمرار المشكل مفتوحا ، عاملا يجب استغلاله ، من جهة لتقويض وتحجيم أطماع النظام المغربي الإمبراطورية ، ومن جهة ظفر اسبانية بامتيازات خلق وضح مرتبك وغير مستقر ، يخدم مصالحها بطرق ملتوية ، منها الاستمرار في الدعوة الى حل المشروعية الدولية لنزاع الصحراء الغربية . أي رغم تسليم اسبانية للنظام المغربي الصحراء الغربية ، فهي ليس انها فقط غير مقتنعة بعدم مغربيتها ، بل انها تستعملها في حربها الحضارية والوجودية ، ضد الدولة السلطانية العلوية التي ترى فيها كإمبراطورية ، امبراطورية شر تشكل خطرا محدقا بأطماعها التوسعية لابتلاع مدينتي سبتة ، ومليلية ، والجزر الجعفرية . فتعامل اسبانية مع النظام المغربي قد نعتبره تعامل مقايضة الصحراء مقابل الثغور المغربية المحتلة ، وقد نعتبره ابتزازا مشروطا مرة لصالح وضد النظام المغربي ، ومرة لصالح وضد النظام الجزائري العدو الرئيسي للنظام المغربي ، والواضع للعصا في عجلة الدولة العلوية في نزاع الصحراء الغربية ..
منذ رحيل الكاويديو Francisco Franco ، وتحول النظام السياسي الاسباني من نظام دكتاتوري على رأسه جنرال يميني وشوفيني النزعة ، الى نظام ملكية برلمانية اسبانية خاصة ، تختلف عن نظام الملكيات البرلمانية في الدول الاسكندنافية ، وفي هولندا ، وبلجيكا ، من حيث الدور الذي يعطيه الدستور للملك في هرم الحكم بالدولة الاسبانية ، على حساب الحكومة التي تكونها الأحزاب .. ، خاصة في مجال الاتفاقيات الدولية ، وقرار الحكم ، والمعاهدات العسكرية ، وضمان وحدة الاتحاد والدولة الاسبانية ، ستدخل لأول مرة العلاقات بين النظام العلوي السلطاني المغربي ، وبين الدولة الاسبانية المسيحية ، درجة التأزم القصوى التي لم يسبق ان بلغتها مرة في التاريخ ، وهي الازمة التي استعملت فيها الدولة الاسبانية نزاع الصحراء الغربية ، من جهة لفصلها عن المغرب ، وهو القصد الذي كانت تصبو له عندما خططت في عهد الكاويديو Franco لتنظيم استفتاء مخدوم ، ومن جهة استعمال نزاع الصحراء الغربية ، لشرعنة تفتيت المغرب السلطاني صاحب الحضارة المتناقضة ، ومن جهة لتسهيل اسقاط الدولة العلوية التي عمرت لأكثر من 350 سنة ، رغم مرور المغرب بفترات الجوع ، والعطش ، والجفاف ، والامراض المختلفة ، وتوافر كل عوامل سقوط الدول . فالعامل الذي سيسمح وسيسهل بسقوط الإمبراطورية السلطانية العلوية ، يبقى هو الصحراء التي استعملها النظام في تقوية أركان حكمه ، الى جانب المشروعية الدينية المفتري عليها .. والغريب ان ذُرْوة هذا التأزيم للعلاقات بين النظامين العلوي السلطاني المخزني الثيوقراطي ، وبين الدولة الاسبانية التقليدية الكاثوليكية ، كان اثناء الحكومة التي ترأسها José Maria Aznar عن الحزب اليميني المحافظ ، الغارق في الطقوس الكاتوليكية ، الحزب الشعبي Le parti populaire . فالعلاقات بين النظام المغربي وبين الدولة الاسبانية ، كانت تتحدد بنوع الأحزاب التي تتولى المشاركة في الحكومة ، ويكُون منها رئيس الحكومة . فكانت العلاقات تعرف في أحيان سوء فهم حول بعض القضايا كما حصل ابّان رئاسة الحكومة من قبل Mariano Rajoy عن الحزب الشعبي ، وفي أحيان أخرى التشديد في التأزيم كما كان الحال زمن José Maria Aznar عن الحزب الشعبي ، وكان اقرب الى اليمين الوطني عنه من اليمين التقليدي المحافظ .. لكن هذه العلاقات بين النظامين الاسباني والمغربي ، كانت تعرف بعض الانتعاش ، وبعض التعاون زمن الحكومات ( الاشتراكية ) التي كان على رأسها وزراء من الحزب الاشتراكي ك Felipe Gonzalez ، و José Luis Rodriguez Zapatero ، و مؤخرا Pedro Sanchez الذي ذهب بعيدا عندما زار صاغرا قصر السلطان محمد السادس ، مقدما فروض الطاعة والولاء على مائدة إفطار السلطان ، حيث شرب Sanchez الحريرة المغربية السلطانية ، بعد ان اعترف في برقية خاصة للسلطان المغربي بمغربية الصحراء ، من خلال اعترافه بالحكم الذاتي الذي اقترحه السلطان في ابريل 2007 ..
فكلما كانت الحكومة الاسبانية تقودها أحزاب علمانية باسم ( اليسار ) الذي يتزعمه الحزب الاشتراكي ، كلما كانت العلاقات مع النظام السلطاني المخزني التقليدي المغربي سلسة ومرنة ، وتحظى حتى بتنازلات وبإغماض للعين من قبل مدريد ومن قبل الرباط . وكلما كانت الأحزاب التي تقود الحكومة تنتمي الى اليمين المحافظ بزعامة الحزب الشعبي ، كلما تراوحت العلاقات السياسية بين الحزم والشدة مرة ، وبين التفاهم الذي تفرضه الجغرافية ، ومكانة كل الدولتين الجارتين . فالاختلاف يكون حاصلا مع نوع واعتقادات رئيس الحكومة ، وليس مع التعارض العام من حيث المبدأ ، مع النظام العام لكلا الدولتين التقليديتين والمتعارضتين ، الإسلام في مواجهة المسيحية ، والمسيحية في مواجهة الإسلام ، دون نسيان التقاليد المرعية لكلا النظامين ، والارث الأيديولوجي الذي يستند اليه كل منهما في تدعيم ركائز حكمه ..
عندما كان اليمين الاسباني ، هو من شكل الحكومة اليمينية زمن رئيس الحكومة José Maria Aznar ، القريب الى المواقف الوطنية الشوفينية ، اكثر من قربه الى سياسة اليمين المحافظ ، بلغت الازمة السياسية بين الدولة السلطانية العلوية المخزنية التقليدية ، وبين الدولة الاسبانية التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها تُقاد من قبل شخص اكثر مسيحية من المسيحيين العاديين ، واكثر قناعة وإيمانا بالإرث الأيديولوجي الذي خلفه الكويديو Francisco Franco ، خاصة ثقافته المسيحية والعسكرية المعادية للدولة السلطانية العلوية .. ، قمّتها عندما شرع José Maria Aznar في نهج سياسة فْرانْكية في حربه ضد النظام السلطاني المغربي . وحتى يكون منسجما مع المشروع العام " الفْرانْكي " في بلوغ منتهى التحطيم للخصم ، فقد وظف نزاع الصحراء الغربية في تحطيم اركان واعمدة النظام السلطاني المغربي ، وهو نفس الصراع اشعله النظام المغربي ، من جهة لتجنب اخطار الانقلابات التي تعرض لها في بداية سبعينات القرن الماضي ، ويتفادى محاولات المعارضة البلانكية والأيديولوجية التي كانت تخطط لنظام الجمهورية ، وحتى يتحول من نظام قمعي بوليسي ، الى نظام وطني وتحرري سيصبغ مشروعية باسم التاريخ وباسم الوحدة ، على القمع باسم العدمية الوطنية ، وهي التهمة التي أصبحت جاهزة لخنق الأصوات الديمقراطية ، مثل استعمال قانون الإرهاب من طرف محمد السدس لخنق كذلك الأصوات الديمقراطية التي ترفع شعار الدولة الديمقراطية ، وتنادي بمحاربة الفساد التي استشرى في كل مفاصل الدولة ، امام مسمع ومرئا السلطان شخصيا ..
فاقتناعاً من Aznar بدور الصحراء في اسقاط الدولة العلوية ، واقتناعا بدور الصحراء في تفتيت الوحدة الجغرافية للدولة العلوية ، مما يحوّل المغرب الى مجموعة دُويلات ، ويضعفه امام الدولة الاسبانية القوية ، والتي يجب ان تبقى قوية بطقوسها وحضارتها المسيحية الكاثوليكية ، وحتى تتفادى اخطار الإمبراطورية المهددة لها من الجنوب .. سيشرع رئيس الحكومة José Maria Aznar في حربه على النظام العلوي المغربي ، ضمن مخطط يعيد الى الذاكرة زمن احتلال اسبانية للصحراء منذ مئات السنين . فما كان يقوم به وعبر كل الاتحاد الاسباني ، هو تنظيم نموذج للاستفتاء في كل أسبوع ، يضاهي الاستفتاء المنتظر في الصحراء ، وتحت اشراف الأمم المتحدة . وطبعا كانت نتيجة التصويت تبلغ مائة في المائة اختيار الاستقلال . بل استمر Aznar في حربه ضد النظام المغربي في حربه الاقتصادية ، من خلال نصب العراقيل المختلفة لصادرات الحوامض والخضر الموجهة الى دول الاتحاد الأوربي ، فتحول ميناء الجزيرة الخضراء الى إدارة جمركية خاصة في حق المنتجات المغربية التي كان يتم ارجاعها مرة ، ومرات كانت ضحية اتلاف من قبل الفاعلين الزراعيين الاسبان ، وكلهم ينتمون الى الحزب الشعبي اليميني الحاكم ..
فالنظام السلطاني المغربي ، والجغرافية المغربية ، كانا مهددين بالمشروع " الفْرانكي " Franco ، الذي حمله خليفته اليميني الشوفيني Aznar محْمل الجد ، وطبعا فقصر الأليزيه بباريس Le palais de l’Elysée ابّان حكم الرئيس Jaque Chirac الذي أوصاه الحسن الثاني على ابنه محمد السادس ، كان يتابع بكل دقة ما كان يجري ، حيث تكشّف مشروع Aznar الرامي الى قلب النظام الذي ترعاه فرنسا ، وتشتيت جغرافية المغرب ، ومنه السيطرة على المغرب الضعيف المجزئ كما حصل غداة دخول الاسبان محتلين الى الصحراء . فالتنافس كان على اشده ومن وراء الستار ، بين باريس وبين مدريد في الاستئثار بالمغرب الذي تربطه علاقات خاصة بالدولة العلوية منذ سنة 1912 . فالذي اصبح مهددا الى جانب تهديد النظام المغربي وتهديد جغرافية المغرب ، فرنسا التي تسيطر شركاتها على الاقتصاد المغربي ، وتعتبر لغتها اكثر استعمالا من النخبة المتغربة ، من اللغة العربية ، او حتى لهجة الدارجة ..
في هذا التنافس الغير معلن عنه ، بين مدريد وبين باريس في الاستفراد بالثروات المغربية ، وبسط السيطرة المطلقة على المغرب ، ستأتي تفجيرات Madrid في 11 مارس 2004 ، بعشرة اشهر عن تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، ولينقلب كل شيء رأسا على عقب ، ويسقط المشروع " الفْرانكي " الذي خطط له سابقا الكاويديو Francisco Franco ، وفشل في تنزيله تلميذ Franco ، اليميني الشوفيني الوطني José Maria Aznar لجهله بقوة اطراف الصراع ، ولاعتقاده بان مشروعه من السرية بمكان ، في حين كانت المخابرات السلطانية المغربية تسابق الزمن مع نظيراتها المخابرات الفرنسية برئاسة Jaque Chirac لوأد الخطر ، واسقاط المشروع بإسقاط الحكومة اليمينية الشوفينية برئاسة José Maria Aznar .
ان اكبر خطأ قام به Aznar مباشرة بعد تفجيرات Madrid في 11 مارس 2004 ، انه اسرع الخطى في اتهام منظمة ETA بالوقوف وراء العملية الإرهابية ، ومن زوده بمعلومات اتهام ETA ، نصب له فخا لخطورة المشروع الذي كان يشتغل عليه ، سواء في تقويض استقرار الدولة السلطانية العلوية ، او سطوة اليمين الوطني الشوفيني القريب من أطروحة اليمين المتطرف ، الذي يشكل خطرا على استقرار الدولة الاسبانية التي خرجت من الدكتاتورية المسيحية ، ودخلت الديمقراطية بطريقتها الخاصة ، ولتجد نفسها تدمر كل ما تم بناءه ، بالرجوع المجتمعي الى اطروحات الكاويديو اليمينية المتطرفة Francisco Franco . فالسبق والتسرع باتهام ETA كان فخاً لإبعاد Aznar اليميني الشوفيني والصلب ، وكان إدراكا بالدور الحقيقي الذي يلعبه " قصر الشرق " بمدريد مقر ملوك اسبانية . وكان على Aznar عوض التسرع في اتهام ETA ، ان يسأل عن الواقف الحقيقي وراء تفجيرات Madrid ، وهو الواقف الحقيقي وراء تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 . فوزير الدولة في الداخلية السابق ادريس البصري قال عن تفجيرات الدارالبيضاء " مغربية مغربية " ، والمسؤول عن نظيرتها الاسبانية تفجيرات Madrid ، هي كذلك مغربية مغربية ، لم يكن ضمن الإرهابيين الذين فجروا الدارالبيضاء ومدريد ، جزائري ، او يمني ، او تونسي ، او سعودي ، او كويتي ، او سوري .... الخ ..
بعد الانتهاء من مرحلة Aznar ، وفي خضم الاضطراب التي اصبح عليه الشعب الاسباني ، والساسة الاسبان ، ستفرز الانتخابات التي جاءت على انقاض تفجيرات 11 مارس 2004 ، فوز الحزب الاشتراكي بزعامة José Luis Zapatero ، الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها اسير النظام المغربي ، الذي شرع بعد الوثوق من نفسه ، وبمساعدة قصر L’Elysée ، في التحكم في القرار الاسباني بما يخدم مصالح النظام المغربي بكل تلقائية . فتحول التشدد الذي ميز فترة Aznar الى سياسة اسبانية رخوية ناعمة ، بحيث لم يسبق لإسبانية ان تلقت من الاهانات في تاريخها مع دولة من الدول، كتلك التي تلقتها من النظام المغربي زمن Zapatero الذي اضحى شِبه موظف عند الدولة المغربية . فقد سدد لها خدمات سقطت كهبة من السماء ، ولم تكن الدولة المغربية تحلم بها حتى في نومها ..فهو الذي يعرف قاتل هشام المنظري ، وفضل تسجيل الاتهام ضد X ، وهو يعرف من فجر شقة مدريد التي كانت بها الخلية الإرهابية التي فجرت محطة القطار ، وتخفى وراء استحالة الحصول على الحامض النووي ، بدعوى تلاشي الاجسام بالتفجير ، وهو الذي خضع لطلبات البوليس السياسي المغربي ، بتسليمه المغربي البلجيكي علي أعراس ، رغم ان قرارا المحكمة العليا الاسبانية ، والقاضي الاسباني المكلف بالإرهاب برّئاه من تهمة الإرهاب ، وهو الذي كان حتى بعد خروجه من الحكومة ، يستجيب لتعليمات البوليس السياسي المغربي بحضور لقاء " غْرانس مونتانا " بمدينة الداخلة المتنازع عليها .. وقد حضر كل لقاءات هذا المنتدى الاقتصادي الذي قاطعته الدولة الاسبانية ، وكل دول العالم ، وقاطعه مجلس الامن والأمم المتحدة ، كما حضر كرنفال ( مؤتمر ) حقوق الانسان بمراكش الذي نظمه حزب السلطان ( الاصالة والمعاصرة ) Le PAM ، وللأسف اهملوه ولم يستقبلوه في المطار حيث تنقل الى مقر المؤتمر بطاكسي وليس بسيارة احد المنظمين للملتقى المذكور ، وهو الذي ساهم مؤخرا في تنظيم لقاء جزر الكناري لصحراويي السلام الذي تشرف عليه المخابرات المغربية ... ولا نتعجب ان طرحنا لماذا وشحه السلطان محمد السادس بوسام علوي من درجة كبيرة في عيد العرش 2017 .. وهنا نتساءل . لماذا لا يزال البوليس يرابط امام باب منزل عبدالاله بنكيران بحي الليمون ؟
نعم لقد انتصرت الدولة السلطانية الانتصار الساحق على اعدائها ، سقطوا واختفوا ، وظلت هي تواصل من دون ملل ولا عياء ، وبعد ان كانت تحسب الحسابات امام الدولة الاسبانية ، أصبحت هذه خاضعة للدولة السلطانية ، ويكفي ان يعترف Pedro Sanchez ومن دون المرور من مصفاة الحكومة ، بالحكم الذاتي الذي تقدم به النظام المغربي في ابريل 2007 ، هو اعتراف صريح بمغربية الصحراء ، ويهرول مسرعا و صاغرا ، ومن دون دعوة السلطان ، الى قصر السلطان يؤدي فروض الطاعة والولاء امام الاعتاب ( الشريفة ) ، وليشرب في ضيافة السلطان الحريرة السلطانية ، ويأكل التمر السلطاني ... ويكفي ان Mariano Rajoy حين جاء الى الحكومة كرئيس للوزراء ، تفادى السقوط في متاهات واخطاء Aznar ، وغلب الواقعية والوسطية في تعامله مع النظام المغربي الذي يعرف من اين يأكل الكتف ، ويعرف متى ، وكيف ، وساعة توجيه ضربته التي تكون دائما متقنة لا تخطأ التصويب ..
لكن هل سيستمر هذا الوضع بالنسبة لمستقبل العلاقات المغربية الاسبانية ، ام ان تغييرا منتظرا سيفرض نفسه غداة نتائج الانتخابات التي هي على الأبواب ، والتي تبشر بالفوز الأكيد لليمين المحافظ ممثلا في الحزب الشعبي ، وببعض الأحزاب الوطنية اليمينية الشوفينية التي قد تشكل رجوعا الى عهد الرئيس José Maria Aznar ...
لن يتغير شيئ لا في المنظور المتوسط ، ولا المنظور البعيد ، بالنسبة للعلاقات بين الدولة العلوية التقليدية والطقوسية ، وبين الدولة الاسبانية المسيحية والتقليدية .. العلاقات ستستمر كما هي ، بل ان منطق الدولة ، والمصالح المتداخلة ، ستجعل النظام المغربي يحتفظ بالمكتسبات التي حققها وراكمها ، وبمساعدة الدولة الفرنسية ، وستبقى الدولة الاسبانية في حجمها الحقيقي الذي تراجع مع Gonzalez ، و انهار مع Zapatero ، واصبح اكثر من ناعم مع Pedro Sanchez . أي لن تتجاوز الحكومة اليمينية القادمة شعارات المشروعية الدولية ، والدعوة للتمسك بالقانون الدولي ، وهي الشعارات التي تبقى فارغة من دون لجوء مجلس الامن الى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة .. واذا كانت اتفاق 1991 المبرم تحت اشراف الأمم المتحدة قد فقد مضمونه ، خاصة تجميد الفصل 690 ، واذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن حسم الصراع بطريق او أخرى ، فكيف سيستمر ترديد شعارات بارت منذ سبعة وأربعين سنة خلت ..
انتصر السلطان داخليا وخارجيا .. هذه هي الحقيقة التي لا ينكرها غير جاحد او شخص احْول ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم