الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين بين طورين ح 3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 11 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


النتيجة التي أريد التأكيد عليها من خلال هذا الأستعراض السريع لبعض المفردات المشتركة بين الديانة العراقية القديمة بمختلف أوجهها وأشكالها كما يزعم المؤرخون وعلماء الأثار وبين الديانات الإبراهيمية المنزلة أو المدعاة كما هو شائع، إنما هي حقيقة أن الدين الإبراهيمي هو النسخة المقننة والمنتخبة من فضاء الدين العراقي القديم الذي وحده يملك الرؤية الكاملة لتاريخ الإيمان منذ آدم ولمبعث إبراهيم نبيا، والثابت عندي أنها جزما ديانة واحدة موحدة شاملة بطورها الأول والقريب العهد من الرسل الأوائل بدأ من آدم ونوح، حيث لم يكن الدين قد تحول إلى رموز وحكايات وشرائع، بل كان صورة حقيقية لمجريات حدث وقع ونقل بكل تفاصيله ومشاهده بأمانة، لكنها تشوهت وتعددت نتيجة القراءات التحريفية المقصودة من قبل علماء الحفريات والآثاريين ومن تبعهم من كتاب ومؤرخين، تدفعهم أيديولوجياتهم الدينية التي تريد أن تبرز أهميتها هي وريادتها في عالم الأديان لا سيما وأنها كفكر أيديولوجي عنصري قبل أن يكون ديني إيماني تكفر كل غير معتنقيها، وترى في الناس مجرد فضلات بشرية لا قيمة لها الغرض منها أن تركب من قبل أهل ديانتها حتى لبو تشاركوا معها في القيم الدينية.
ليس هذا فحسب وحتى لا تكتشف الكذبة الكبرى التي صدعوا فيها رأس الإنسان منذ أكثر من ثلاثة ألاف سنه، وهي أن دينهم هو الوحيد الذي نزل من الله، فلو أنكشفت الحقائق وسلطت الأضواء على التاريخ العراقي الصحيح والديانة العراقية الصحيحة لتبين حجم السرقة والتزوير والتدليس الذي مارسوه على الناس، وزعموا أن كتبهم ورسلهم وحتى هم أنفسهم شعب الله المختار، عندما أدعوا أن أعمدة الحكمة الإيمانية الأساسية " الوصايا العشر" التي يؤمنون بها ما هي إلا جزء من دين أهل العراق ومعتقدهم القديم، فقط بدلوا الأسماء وغيروا دلالات المكان وشوهوا اللغة العراقية القديمة التي كانت لغة العبادة والإيمان، فكل دين لم يجد ضالته ومنبعه وروافده من دينة أهل العراق القديم ولم يتبنى متبنيات هذا الدين، لا يعد دينا حقيقيا وإنما صرعات فكرية وعقائد لشرية خالصة، وكذلك من لا يؤمن بأن اللغة العراقية القديمة هي أم اللغات التي نزلت فيها كل الأديان، وأن ما كتبت به تبك الأديان لاحقا مجرد لهجات متفرعة من اللغة العراقية الأم، بما فيها العربية الفصحى التي كتب بها القرآن، فلغة العراق التي تذكر أن الله أسمه "أنه الله" ترجمها الأثريون وعلماء المسماريات إلى "أنليل"، و"أنه" باللهجة العراقية القديمة إلى الإله "أنو" ليقولوا أن هناك آلهة متعددة يعبدها العراقيون.
في قصة الخليقة وتحديد خلق آدم وما رافق ذلك من أحداث وأفكار وحوارات بين الملائكة والرب الذي هو "أنه" أو " أنا الله الذي لا إله إلا هو"، أنظر للصيغة الكلامية من الناحية اللغوية وسترى أن الحديث منقول وليس بث مباشر من الله، أنا المتكلم الذي يقول ويوكد أن لا إله إلا هو ، وهو ضمير فرد غائب يعود لأنا سبق وإن قال " أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ"، هذا الخطاب لا يفهم هكذا ببساطة لأنه خطاب مركب ومتداخل ومنقول عن متحدث يتحدث عن نفسه أسمه "هو" "أني" وهو "أنا" أو "أنه" باللغة العراقية القديمة، فهذا الـ "أنه" أو "أنو" أو "أنا" هو جميعا الله بكل مسمياته وتسمياته المتعددة واحد لا إله إلا هو، نعود لموضوع الفقره البحثية والخاصة بالخلق البشري الإنساني الأول "آدم" أو " أداپا"، فتؤكد العقيدة الدينية العراقية أمرا لم ترده الديانات الإبراهيمية الكبرى الثلاث، ولكن لا تنفيه بل تلمح إجمالا لحصوله، وهو أن الله أصطفى آدم للمهمة البشرية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) أل عمران (33)، والاصطفاء عملية أنتقاء وفق مواصفات خاصة من بين عدة نماذج خاضعة للمقايسة والمعيارية اللازمة، من السهل مثلا أن يحتار نوح وأل إبراهيم وأل عمران من أقرانهم لوجود أخرين في مستويات عدة من المماثلة والتمييز، لكن السؤال يثار في أصطفاء آدم؟، هل كان هناك أكثر من شريك لآدم خضع لقواعد الأصطفاء؟.
الأصطفاء يعني بالحقيقة كما ورد في الديانة العراقية عندما أراد الله أن يجعل مشروعه الأستعماري في الأرض بواسطة الجعل البشري (إني جاعل في الأرض خليفة)، فإنه لم يخلق آدم واحد ليستعمر الأرض ومن ثم يصطفيه لوحده من بين من؟ الجواب في الديانة العراقية القديم واضح ومشروح ومؤكد أنه ووفقا للنصوص الإبراهيمية ذاتها قد خلق من كل زوج أثنين كقاعدة عامة، ثم عدد الخلق سبعا سبعاُ (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ... وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ.... وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ.... وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) من 10 الى 20 من سورة المؤمنين تقص لنا نفس حكاية الحلق البشري العراقية القديمة، فوقكم لا تعني أعلى منكم ولكن تعني أصلكم الأعلى، فكانوا سبعة طرائق أو سبع نماذج منها أصطفى ’دم على العالمين الذين هم في المجموع أربعة عشر سبع سموات وسبع من الأرضين، أي سبع ذكور وسبع من الإناث، بل خلق سبعة منهم كل له مواصفات وطبيعة وتكييف مختلف طبقا للرؤية الربانية التي أخبر الله بها ملائكته وعماله، بأني جاعل في الأرض خليفة، وأنزلهم الأرض ليكون في محل أختبار وأختيار وهم كل من (أداپا Adapa أو آدم (الإنسان الأول)، أُوّن دوگا Uan-dugga، و أن ـ مي ـ ديوگا En-me-duga، و أن ـ مي ـ گالانّا En-me-galanna، و أن ـ مي ـ بيلوگا En-me-buluga، و أن ـ إنليلدا An-enlilda، و يوتو ـ أبزو Utu-abzu) ومن هؤلاء أصطفى الله آدم بعد أن نجح في الأختبار الوارد في الحكاية البابلية.
في الديانات الإبراهيمية مثلا ألف إشكالية وإشكالية في موضوع خلق آدم بدأ كما قلنا من موضوع الأصطفاء، فهي تسكت ولا تجيب بجواب منطقي أو حقيقي مجرد تأويلات ظنية لا مجال حتى لأصغر عقل من أن يقبلها، النقطة الأخرى والأهم أن أبناء آدم كيف تناسلوا في الأرض بعد أن جزمت بحرمة جواز الأخوة من صلب واحد ورحم واحد، فإن سلمنا بالرواية التوراتية فكل البشر هم أبناء حرام نتجوا من زواج محارم غير شرعي، القرآن ذاته لم ولن يجيب أصلا على المسألة ولم يتطرق لها حتى، النقطة الأهم وعلميا ومن خلال نصوص الدين الإبراهيم أن آدم الزوج والزوجة من طينة واحدة، أي أنهم يحملون نفي الصفات والرموز الجينية، وبالتالي عند تطبيق قوانين مندل وما بعدها الخاصة بالوراثة، فأنها تنتج لنا أجيالا متشابهة في كل شيء لا يمكن معها قبول التعدد اللوني والجسدي والبدني والسلوكي الموجود فعلا لدى أبناء آدم، الحقيقة وحدها عند العراقيين القدماء عندما قالوا أن الله خلق سبع مثاني من آدم كل له شكل ولون وصفة مميزة وأنزلهم الأرض ليخضعوا لعملية الأصطفاء المذكورة، ووزع عليهن الملكات الطبيعية التي سيتم التفاضل عليهن، فكام آدم أو أدابا صاحب الحكمة الذي فاز بخيار الأصطفاء من الله فأراد أن يخضعه للأختبار الأخير (فقال له) "أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا ... الخ" هنا تدخل "إبليس إيا" ليوهمه أن الله لا يريد له الخلود وإنه أمره بأن يأكل من كل شيء إلا من شجرة الخلد، فقد أوردت الديانة العراقية القديمة هذا النص الذي لم يجرؤ أحد من كل دعاة الأديان أن يقوله بوضوح (لكن إيا كان يخشى شيئاً واحداً، أن يقدّم " أنو" الطعام والشراب لأداپا، اللذان يمنحانه الحياة الأبدية (الخلود)، وكان عليه التأكد من ان أداپا سوف لا يقبل عرض ربّ السماء أبداً، و بشتّى السُبل)، هذه كانت أول خديعة مرت على آدم ومنها تناسلت كل الخدع وبشتى السبل).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي