الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأضرار البدنية والنفسية للتلوث السمعى

محمد فُتوح

2022 / 11 / 30
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


----------------------------------------------
تكلمنا عن الضوضاء سابقا باختلاف مصادرها وأنواعها ، باعتبارها أحد أشكال التلوث السمعى الرئيسية . وسواء كانت ضوضاء قصيرة متقطعة ، أو طويلة منتظمة ، فانها تسبب العديد والكثير من الأضرار البدنية والنفسية للانسان .
قبل سرد تلك الأضرار ، نوضح الفرق بين الضوضاء المتقطعة ، والضوضاء الطويلة .
الضوضاء القصيرة المتقطعة ،مثل الأصوات التى تطلقها النفاثة ، والتى تشبه ارتطام جسم صغير بالآرض .
وأهم ما تتصف به الضوضاء قصيرة المدى ، هو التكيف معها . فهى غير مرتفعة، بحيث ، لا تؤدى إلى آلام وإصابات فسيولوجية . لذلك فالأشخاص يتكيفون معها بسرعة شديدة . الضوضاء طويلة المدى أو المنتظمة ، هى التى تحدث لساكنى المساكن باستمرار دون توقف ن بسبب القرب من المطارات ، وأعمال البناء والتشييد ، والورش الصناعية ، وكازينوهات الترفيه الليلية ، والمقاهى ، وغيرها من الأشياء المماثلة .
وهذه الضوضاء بنوعيها ، تشكل التلوث السمعى الكبير ، الذى يشكو منه سكان المدن ، فى أغلب مدن العالم .
من الناحية النفسية، تشكل الضوضاء ، أسوأ أنواع الضغط النفسى على الإنسان . وهذا الضغط النفسى ، يؤثر بالضرورة على الصحة العامة ، والصحة النفسية للإنسان فى مختلف سنوات عمره . ويكون ذلك فى صورة قلق وارتباك ، وتوتر وضعف ، فى القدرة على التركيز ، وإرهاق ذهنى وعصبى ، وعضلى . وحيث أن الحالة الفسيولوجية ، ترتبط إلى حد كبير ؛ بالحالة النفسية ، فأى اضطراب فى الحالة النفسية ، ينعكس على الحالة الفسيولوجية ، والعكس صحيح . وتظهر النتائج النفسية ، الفسيولوجية للضوضاء ، بصفة أساسية فى الأحلام ، وآلام الرأس ، وفقدان الشهية ، والشعور بالضيق والتعاسة .
ولا توجد هناك وسيلة دقيقة ، لتعيين نوع العلاقة بين شدة الضوضاء ، والآثار ، التى قد تتسبب ، فى حدوث الأذى ، والضرر ، للإنسان . وذلك لأن هذه الآثار ، قد تختلف من شخص لآخر .
إن التعرض المستمر للضوضاء ، يؤثر على الغدد الصماء ، " ذات الإفراز الداخلى" أى الغدد التى تفرز الهرمونات ، مما يسبب اضطراباً فى كمية الهرمونات ، والذى يعمل بدوره على عدم انتظام ضربات القلب ، وانقباض الأوعية الدموية . كما يسبب أيضاً ارتفاع الكوليسترول ، الذى يؤدى إلى ارتفاع ضغط الدم ، وتصلب الشرايين ، والشعور بالصداع المستمر . ويؤدى كذلك إلى اضطرابات عمليات الهضم والإصابة بالقرحة المعدية ، وقرحة الأثنى عشر . وهذه كلها انعكاسات فسيولوجية ، لتأثيرات الضوضاء على الجهاز العصبى اللاإرادى .
أما ما يسمى بالضوضاء الفجائية التى تعرض الانسان لمصدر من مصادر الضوضاء بطريقة مباغتة ، فانها أكثر خطورة . لآنها مفاجئة ، فقد قد تصل إلى حد كونها ، مميتة فى بعض الأحيان ، نتيجة تعرض الإنسان ، لهبوط مفاجىء فى الدورة الدموية ، بسبب المباغتة وعدم التوقع .
إن أشد الانفعالات إرهاقاً هو انفعال الخوف ، الناجم عن صوت مفاجىء . كصوت صفارة بالقرب من الأذن ، أو صوت طائرة وهى تخترق جدار الصوت ، أو صوت صادر من شخص موجه مباشرة لشخص آخر ليس منتبهاً له ، أو إطلاق عيار نارى مفاجىء . إن أسوأ موقف ممكن ، هو الذى تحدث فيه مفاجئة للجهاز العصبى ، بأصوات شديدة الارتفاع. فمثل هذه الضوضاء ، تأخذ المخ على حين غرة ، فتضر به ، مرة واحدة ، فى وقت لا تكون فيه أجهزة التكيف الواقية عاملة . وبذلك تحدث صدمة مخربة لا للجهاز العصبى ، وحده بل وللغدد الصماء ، وللجهاز الخاص بالقلب والأوعية الدموية . إن الضوضاء ، قد لا تسبب فى حد ذاتها مرضاً عقلياً ، غير أنه من المحتمل ، أن تكون الضوضاء ، القوى الفعالة فى الإسراع بالأزمة الانفعالية . وهذا الاحتمال ، يجعل الضوضاء ، نذيراً خطراً ، على سلامة الملايين عقلياً .
ولا ينبغى أن نتغافل عن زمن التعرض ، هو طول الفترة الزمنية التى يتعرض الإنسان خلالها لمصدر أو مصادر الضوضاء . فكلما كانت فترة التعرض صغيرة ، كانت الآثار السلبية الناجمة عنها مؤقتة ، وغير مؤثرة بصورة مرضية . أما إذا طالت مدة التعرض للضوضاء ، فإن الآثار المترتبة على ذلك تكون خطيرة . وهناك دراسات طبية ، ذكرت أن التعرض المستمر للضوضاء ، يؤثر تأثيراً كبيراً على أجهزة الجسم ، ووظائفها ، سواء كانت عضوية أو عصبية أو نفسية .
ويُفسر ذلك بأن الضوضاء ، تتسبب فى استثارة الجهاز العصبى ، والذى ينقل أثره للقلب والأوعية الدموية ، والغدد ومراكز الإحساس المختلفة بالجسم .
إن حالات قليلة من المرض العقلى ، سببها عجز الجهاز العصبى على التكيف ، مع القصف الضوضائى المستمر . إذ أن من الممكن أن يحدث عند الفرد ، تراكمات من التوتر العصبى ، بسبب التعرض الشديد للضوضاء . وهذا يسبب للشخص المتعرض ، أن يجد نفسه فجأة ، مشتركاً فى عمل عنيف ، أو مصاباً بانهيار عصبى ، على أثر أصوات ، تبدو صغيرة تدفعه إلى تجاوز نقطة احتماله . إذ أن من الضار بالجهاز العصبى ، وسائر أجهزة الجسم ، أن تعمل هذه الأجهزة فوق طاقتها معظم الوقت .
لقد تأكدت الدراسات أن الضوضاء ، حتى ولو كانت بدرجة ضعيفة ، فهى تسبب انقباض الأوعية الدموية . فبعد ثلاث ثوان بالضبط ، من بداية ضوضاء شدتها ( 87 ديسيبل ) ، تنكمش الشرايين الصغيرة ، وتقل كمية الدماء داخلها . وعندما تتوقف الضوضاء ، تحتاج هذه الأوعية الصغيرة إلى 5 دقائق كى يمكنها العودة إلى حالتها الأولى ، هذا فى حالة التعرض إلى الضوضاء لمدة 3 ثوان فقط . فماذا يكون الحال لو تعرض الإنسان للضوضاء لمدة 3 دقائق أو 3 ساعات ؟ .
ومن أكثر الآثار السلبية الناجمة عن التعرض للضوضاء لفترة طويلة ، ونشهدها جميعا مع أنفسنا ، ومع المحيطين بنا ، عدم المقدرة على التركيز ، وضعف الكفاءة فى الآداء ، والتراخى فى ردود الأفعال عند الخطر . مما قد يؤدى إلى زيادة التعرض لخطر الحوادث.
ومن البديهى القول بأن نوع العمل ، الذى يزاوله الإنسان ، فى أثناء تعرضه للضوضاء ، له أثر بالغ على نوع التأثير ، والضرر الذى يمكن أن تتركه تلك الضوضاء عليه .
إن الضوضاء المتسببة من نوع العمل ، تسبب الإزعاج للإنسان ، وتؤثر على أعصابه وتستطيع أن تسبب مشاعر مختلفة ، من عدم الرضا والضيق ، والخوف .
لقد توصلت بعض الدراسات ، إلى أن الضوضاء بسبب العمل ، تؤثر على القدرة الذهنية ، للفرد ، مما تؤدى إلى الشعور بالإجهاد ، وعدم القدرة على الاستيعاب ، والتعليم . كما تؤثر على الأعمال ، التى تتطلب اليقظة ، والأعمال الحسابية . حيث ثبت ، أن التعرض للضوضاء لمدة ثانية واحدة ، يقلل من التركيز لمدة 30 ثانية .
إن الضوضاء دون الــ 60 ديسيبل ، تؤثر فى قشرة المخ وتقلل النشاط . ويؤدى هذا إلى استثارة القلق ، وعدم الارتياح الداخلى ، والتوتر ، والارتباك ، وعدم الانسجام ، والتوافق الصحى .
وبسبب هذا النوع من العمل الضوضائى ، فى أحيان غير قليلة ، يضطر الانسان الى كراهية عمله ، وتركه والبحث عن عمل آخر ، ولو بمزايا مادية أقل بكثير .
ولا يجب بأى حال من الأحوال ، أن نستهين اذن بالضغوط الناتجة عن الضوضاء ، التى تؤثر على الإنسان نفسياً ، وفسيولوجياً . فهى قد تؤدى الى الموت . والضوضاء ، الشديدة والمستمرة ، تؤثر على ضغط الدم ، وكيمياء الدم ، والقدرة على النوم . بل وحتى على قدراتنا على اكتساب المعرفة . حتى أن هناك دليلاً ، على أن الضوضاء ، تعوق نشاط الجهاز المناعى . وبذلك تضعف من قدرة الإنسان على مواجهة المرض . بالإضافة إلى هذا ، وجد بعض العلماء ، أن هناك معدل وفيات عالية ، فى منطقة تستخدم كــ مسار جوى ، للطائرات ، بالقرب من مطار لوس أنجلوس الدولى ، ويوجد به مستوى مرتفع من الضوضاء . ويعد هذا المعدل مرتفعاً مقارنة ، بمعدلات الوفيات فى بقية المدينة . ويعيش فى هذا الطريق 200 ألف مواطن . وترجع أسباب الوفيات بصورة أساسية ، إلى النوبات القلبية ، والسكتات الدماغية ، وحوادث القتل والانتحار .
لقد أوضحت الدراسات ، التى قامت بها كلية الطب ، بجامعة " ميامى " الأمريكية ، بالتعاون مع وكالة حماية البيئة ، أن هناك علاقة ، وثيقة بين زيادة وارتفاع الضوضاء ، ونسبة الإصابة بأمراض القلب .
وتؤثر الضوضاء تأثيراً خطيراً على العمل والمهام الذهنية والفكرية . وهناك فروق محسوسة فى الإنتاج ، بين العمل الذى يتم تأديته فى جو هادىْ ، والعمل الذى يُؤدى فى جو كله الضوضاء . لقد ثبت أن الضوضاء تسبب حوالى 50% من الأخطاء فى الدراسات الميكانيكية . وحوالى 20% من الحوادث المهنية . وحوالى 20% من أيام العمل ، الضائعة ، ممثلة ، فى قلة رغبة العاملين ، وكثرة تغيبهم عن العمل . كل ذلك يؤدى إلى خفض القدرة الإنتاجية للفرد والتأثير السلبى على الناحية الاقتصادية . وقد أجريت عدة دراسات حول تأثير الضوضاء على حالة العمل والعمال . ففى تجربة متابعة لعامل فى مصنع غاص فى الضجيج خلال يوم عمل كامل . وُجد أن أول رد فعل ، يظهر على العامل ، بعد دقائق من دخوله إلى المصنع ، هو حدوث إحساس عام ، بالتوتر ، ثم طنين ملحوظ فى الأذنين ، ودرجة من الانهيار الذهنى والجسمانى . ويستمر الطنين لفترة طويلة بعد انتهاء العمل . وبمضى الوقت ، تتكيف الأذن مع الضوضاء ، ويقل الإحساس بالأعراض المرضية . ولكن باستمرار التعرض للضوضاء ، يبدأ الجهاز السمعى فى الانحلال البطيىء . وتظهر الحالات المعروفة بالصمم بأشكال متباينة ، ومحتلفة المعدلات .
وتؤثر الضوضاء ، على القدرة على التركيز والفهم . فـــ تلاميذ المدارس ، يقل استيعابهم وتركيزهم ، وفهمهم للدروس ، ويصعب عليهم حل أبسط العمليات الحسابية ، ويصابون بالإرهاق العصبى والدوار والشعور بالمرض . فالجهاز العصبى والقدرات العقلية ، تقل كفاءتها ، فى جو مشحون بالضوضاء . كما ينعكس تأثير الضوضاء ، على سلوك التلاميذ . فالغالبية منهم ، أصبح سلوكهم يتصف ، بالعنف ، والاندفاع ، والقلق وعدم التركيز . وأصبح رد فعلهم عنيفاً بسبب الضوضاء . وقد أثبتت الدراسات ، أن المحاضرات التى تلقى على الطلبة بصوت هادىء ، يستوعبها هؤلاء ويفهمونها أكثر ، مما لو كانت بصوت حاد ، مرتفع .
وتؤثر الضوضاء ، على المرأة الحامل . حيث تصبح فى حالة عصبية ونفسية ، غير مستقرة ، وعير متزنة ، مما يؤثر على الجنين . ومعروف طبياً ، أن الأم العصبية ، تنجب أطفالاً صغار الحجم أو ناقصى النمو ، وأحياناً تجهض ، ولا يكتمل الحمل . وقد ثبت بالفعل أن التلوث الضوضائى ، يؤثر على الجهاز العصبى للأجنة فى أرحام الأمهات ، ويبدأ ذلك فى الشهر الرابع من الحمل ، وهى لحظة بدء تكوين الجهاز العصبى . وهذا يؤدى إلى سلوك غير عادى ، عندما تخرج هذه الأجنة للحياة . كما يؤدى إلى اتساع إنسان العين ، مما يؤثر على قوة الإبصار .
كل هذه الحقائق عن الضوضاء ، أو التلوث السمعى ، وأضرارها الخطيرة ، لم ينعكس على وعى البشر بها ، خاصة فى بلادنا ، وبالتالى ليست هناك جهودا كافية للاقلال من هذه الظاهرة غير الحضارية ، سواء من الأفراد أو مؤسسات الدولة المختلفة .
من كتاب " الآثار النفسية للضغط البيئية " 2008
----------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ