الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقل الزواحف

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 11 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يعتقد البعض بأنه هناك مبالغة في نعت الفكر الغربي بالغيبية، وهو الفكر الذي أبدع الفلسفة والعلم المعاصر بكل تطبيقاته التكنولوجية، ومكن الإنسان من إستعمار الفضاء والوصول إلى القمر واستكشاف الكواكب والأقمار والمجرات .. إلخ، غير أنه سرعان ما ندرك بأن هذه المبالغة لها ما يبررها، ذلك أن الفكر الغيبي الأوربي أتخذ في تطوره منحى مغايرا للفكر الغيبي العربي الإسلامي، حيث لم يكن عائقا أمام تطور العلوم والتكنولوجيا بل شجعها وأوصلها إلى مرحلة هائلة من التقدم، ولكن مع ذلك بقي عقلا أعمى فيما يخص أسسه ومبادئه وأهدافه النظرية العامة. وربما يبدو من الأفضل القول بأن العقل الغربي هو عقل أو فكر يفتقد إلى "العقلانية" أو أنه عقل "متهور"أو "إنتحاري" نظرا لذهابه أبعد مما تحتمله الإنسانية والطبيعة في تغيير مجرى الأمور "الطبيعية"، من تفجير نواة الذرة وخلق تهديد مباشر للقضاء على البشرية والحياة بأكملها في ظرف عدة ساعات، إلى التلاعب بالجينات واستنساخ البرامج الجينية النباتية والحيوانية وكذلك تلويثه للبيئة لدرجة خلق ثقوب في طبقة الأوزون التي تحمي الكرة الأرضية. ولكن هناك من يرى في هذا "التهور" الفرصة الوحيدة للإنسانية لتحقيق قفزة نوعية في سلم التطور لتقضي على التناقض القائم بين العقل القديم المكون من الـ mesocortex والـ archicortex والعقل الجديد néocortex حسب تحاليل كوستلر في كتابه the Ghost in The Machine وإمكانية بناء جسر بين هذين العالمين المتناقضين، عالم الغريزة والعواطف وعالم الفكر والعقل، حيث أن تطور العقل البشري يبدو أنه تم بطريقة لم تلغ أو تقضي على العقل البدائي الذي يسميه بعقل الزواحف. ولكن يبدو أن للفكر الغيبي عدة صور ويمكن أن يتخذ مظاهر تبدو متناقضة ظاهريا ولكنها في حقيقة الأمر تعود إلى نفس المصدر الذي يفسر العالم والإنسان بطريقة غير متناسبة مع طموحات هذا الإنسان وما يعلنه من مبادئ. إنه الفكر الذي يقدس العلم ويعتبر البحث العلمي أهم من الإنسان ذاته ولكنه في نفس الوقت وبالمقابل هو الفكر الذي يرفض مقدمات الفكر العلمي ويعتبر الإنسان إبنا لآدم وحواء الذين طردهما الله من الجنة بسبب سرقة تفاحة. العقل الغيبي إذا هو العقل المنفصم والذي يعاني من شيزوفرينيا عميقة وأساسية في تركيبه، هو العقل الذي ينتزع الإنسان من جذوره ويزيحه من مكانه في مركز الوجود ويجعله على هامش النظام الكوني. مثل الفكر الغيبي العربي والإسلامي الذي لم يتخطى عتبة النص القرآني وفترة تكوين الدولة الإسلامية ولم يتخلص من النظرةالأخلاقية المرتبطة بغائية إلهية كمصدر لكل تغيير أو تقدم علمي أو فلسفي، وظل محاصرا ومنغلقا داخل إشكاليات لا تهم ولا تخدم الإنسان مباشرة، مثل الإختلاط والحجاب والنكاح وغيرها من الإشكاليات التي لا تخص إلا نصف البشرية، أي الرجل وحده كمشروع وجودي وكمشرع ومسيطر ومتسلط على المرأة يفرض عليها كيف تلبس وكيف تتكلم وكيف تأكل وتمشي، ويختزل حقوقها الطبيعية حسب رغبته ومصالحه ويلخص وجودها في كينونة الجسد ووظيفته الجنسية. والفلسفة تبدو كأنها المجال المثالي الذي يتحقق فيه العقل بكل إمكانياته ويعبر عن نفسه ويرسم أهدافه ويخطط معمارية حدوده القصوى. والسؤال البسيط الذي طرحناه في البداية ما هو العقل؟ أصبح الآن سؤالا معقدا ومتشعبا، وقبل محاولة الإجابة عليه يجب معرفة الإجابة على عدة أسئلة أولية مثل: من يطرح هذا السؤال؟ أي من هو المتسائل، وفي أية ظروف يمكن أن يطرح مثل هذا السؤال، وهل هو تساؤل فلسفي في نهاية الأمر؟ هايدجر يرى أنه هناك سؤال وحيد يستحق أن يقضي المرء حياته في محاولة الخوض فيه وتحليله من كل الجوانب وهو سؤال الكينونة. أنا كائن موجود أم أنا موجود كائن؟ هايدجر يقول بأن السؤال لا يمكن طرحه بهذه الطريقة، فالأنا لا ضرورة لها، ذلك أنها ليست موجودة على هذا المستوى من التساؤل، الأنا تأتي فيما بعد. فالتفكير والعقل بالنسبة لهايدجر يكاد يكون آلية متعالية ومنفصلة عن الإنسان الذي يتسائل، لأنه يرى هذه الآلية من منظور تاريخي متصل ومتواصل منذ بارمينيدس حتى هوسرل، ويحصر العقل في هذا الخط الأفقي الزماني دون أن يرى ولو ظل الإنسان العادي الذي يحيا حياته وموته بدون أن يتعرف على مفهوم الكينونة. العقل لا يستطيع أن ينسلخ عن العالم ويفكر في الفراغ المطلق، ذلك أن الوجود أو الحضور في العالم معطى أولي، نوجد قبل أن نتعلم التفكير، ولذلك فإن هذا العقل منغمس في الحياة حتى النخاع ولا يستطيع أن يتصور الكون بدون تواجد الإنسان وبدون حضور العقل الذي يعطي للكينونة صورة وطبيعة يمكن تعقلها ووصفها والإلمام بها حتى وإن كان لا يستطيع أن يفهم الأسباب والمعطيات التي تجعل الأشياء "تكون" بدلا من "ألا تكون"‪.‬ هذا المنطق الإنساني الشديد البساطة بضرورة كون العالم والأشياء على ماهي عليه وعدم إمكانية كونها بطريقة مغايرة أو عدم كونها إطلاقا هو ما يشكل في رأينا نواة الفكر الغيبي عموما بوجهيه الغربي والشرقي ويشكل النتائج الخطيرة على العقل والفكر لأنها تكون في نهاية المطاف المجال والقالب العام الذي يتحرك فيه هذا الفكر ويرسم حدوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ