الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 132

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَمَن لَّم يَستَطِع مِنكُم طَولًا أَن يَّنكِحَ المُحصَناتِ المُؤمِناتِ فَمِمّا مَلَكَت أَيمانُكُم مِّن فَتَياتِكُمُ المُؤمِناتِ وَاللهُ أَعلَمُ بِإيمانِكُم بَعضُكُم مِّن بَعضٍ فَانكِحوهُنَّ بِإِذنِ أَهلِهِنَّ وَآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ بِالمَعروفِ مُحصَناتٍ غَيرَ مُسافِحاتٍ وَّلا مُتَّخِذاتِ أَخدانٍ فَإِذا أُحصِنَّ فَإِن أَتَينَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصفُ ما علَى المُحصَناتِ مِنَ العَذابِ ذالِكَ لِمَن خَشِي العَنَتَ مِنكُم وَأَن تَصبِروا خَيرٌ لَّكُم وَاللهُ غَفورٌ رَّحيمٌ (25)
مؤلف القرآن اجتهد واقتبس ونقح في المباحات والمحرمات، وسمى كل ذلك أحكام الله أو شريعة الله، فهنا يقدم حلا للذين يرغبون للزواج، ويفتقرون إلى مستلزماته المالية، وواضح من جو الآية وغيرها من آيات (النكاح) أن الدافع لهذه الرغبة هو إشباع الغريزة الجنسية بالدرجة الأولى، فيقدم لهم نبيهم حلا على أنه من الله، بأن ينكحوا من الفتيات أي الإماء والجواري اللاتي تحت ملكهم، وذلك من المؤمنات أي اللاتي دخلن الإسلام منهن، وهنا لأنهن صحيح ملك يمين، لكن لكونهن مسلمات، يتطلب الأمر إذن أهلهن، بشرط ألا يكن من اللاتي يمارسن البغاء، ولا ما تنعته الآية بالسفاح، أي معاشرة رجل من غير عقد شرعي، ولا اللاتي يتخذن أخدانا، أي عشاقا لهن. ولكن إن ارتكبن فاحشة أي علاقة جنسية مع غير الزوج، الذي قد يكون بسن أبيها أو بسن جدها، فتكون عقوبتها أي حد الزنا نصف ما تعاقب عليه الزانية المسلمة المتزوجة من الجلد. هذه الرخصة شرعها مؤلف القرآن للذين لا يطيقون الكبت الجنسي ويخشون الوقوع في الحرام من تابعيه.
يُريدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم وَيَتوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَليمٌ حَكيمٌ (26) وَاللهُ يُريدُ أَن يَّتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا (27) يُريدُ اللهُ أَن يُّخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسانُ ضَعيفًا (28)
ثم ينسب هذه الأحكام التي اجتهد في وضعها فيما يرجحه، أو اقتبسها من الأديان التي قبله، لاسيما من الدين اليهودي، مع تنقيحها وفقا لرؤيته؛ ينسبها إلى الله، مع إشارته إلى الاقتباس من الذين من قبله، باعتباره هذه الأحكام هداية من الله إلى سنن الذين من قبلكم، لاسيما اليهود، كون المسيح قد خفف كثيرا من الأحكام الشرعية، بعكس الكم الهائل في كل تفاصيل الحياة من أحكام الحلال والحرام للأول والثالث من الأديان الإبراهيمة الثلاثة. ويعتبر هذه الرخص فيما مر في الآية السابقة تخفيفا من الله على الذين لا يطيقون الكبت الجنسي من الرجال من جهة، ولا يملكون الإمكانات المالية لمتطلبات الزواج من جهة أخرى. بينما أولئك الذين تصفهم الآية بالمتبعين الشهوات كانوا كما يبدو يريدون أن يدفعوا المسلمين المكبوتين جنسيا إلى إشباع غرزتهم بما هو حرام حسب الشريعة، ولذا أوجد لهم نبيهم مخرجا شرعيا، وهكذا أصبح إيجاد المخارج الشرعية فنا يتقنه المتدينون، ويبتكر لهم فقهاؤهم غطاءه الشرعي عبر اجتهاداتهم في تفسير اجتهادات نبيهم. وتأكيدا لذكورية القرآن، كما ذكورية كل الأديان تقريبا، لا نجد القرآن يقدم حلولا للمرأة أو الفتاة المكبوتة جنسيا، لأن المهم عنده حصرا رغبات وشهوات الرجل.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ إِلّا أَن تَكونَ تِجارَةً عَن تَراضٍ مِّنكُم وَلا تَقتُلوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كانَ بِكُم رَحيمًا (29) وَمَن يَّفعَل ذالِكَ عُدوانًا وَّظُلمًا فَسَوفَ نُصليهِ نارًا وَّكانَ ذالِكَ عَلَى اللهِ يَسيرًا (30)
دائما كان هناك أناس، عندما يتعلق الأمر بالمال والربح، ممن يتصفون بالجشع، يمارسون الغش والاحتيال ونقض العهود في معاملاتهم المالية مع بعضهم البعض، وهذه الممارسات كانت شائعة أيضا في الجزيرة العربية، والتي بقي قسم من المسلمين يمارسونها، رغم اعتناقهم الدين الجديد، فاستنزل لهم نبيهم هذه الضوابط الأخلاقية التي يجب عليهم اتباعها في معاملاتهم، فنهاهم، وحسنا فعل، عن أكل بعضهم أموال بعض، واستثنى من ذلك ما يحصل لطرف من أطراف معاملة ما من خسارة حسب تقديره، فيرى نفسه مغبونا، فاعتبر مؤسس الإسلام أنه لا حق له في هذه الحالة، وعليه أن يرضى بالأمر الواقع وبخسارته، إذا حصل ذلك عبر معاملة تجارية حاصلة بالتراضي بين طرفيها، وبالشروط التي اتفقا عليها. وعلى أي حال هذه من طبيعة المعاملات التجارية، ولكن أتباع الأديان الذين يعتقدون إن تشريعاتها هي تشريعات السماء، لاسيما عندما يكون المؤسس حاضرا بينهم، والذي يعتقدون به واسطة الاتصال بينهم وبين السماء، فهم يريدون حكما سماويا أو إلهيا لكل شاردة وورادة، حتى لو كان حكمها بحكم العرف السائد أو بحكم الأخلاق من البديهيات. ثم بعد النهي عن ارتكاب التجاوزات وسبل الاحتيال في المعاملات المالية، تنهى الآية عن قتل المسلمين أنفسهم. والمشكلة أن عبارة «أَنفُسَكُم» أو «أَنفُسَهُم» المنصوبة التي تأتي مفعولا لفعل يسبقه، تأتي بمعنيين، تارة بنفس المعنى للكلمة أي كما هو الحال في هذه الآية النهي عن قتل الإنسان المؤمن لنفسه، وما ننعته اليوم بالانتحار، أو تأتي بمعنى «بَعضُكُمُ البَعضَ» أو «بَعضُهُمُ البَعضَ»، وهذا ما تكرر كثيرا، واختلف المفسرون في تفسيره. فعمَّ تنهى الآية هنا يا ترى، عن قتل المسلمين لبعضهم البعض، أم عن قتل أي واحد منهم لنفسه؟ والأرجح هو المعنى الأول، وإن كان الانتحار محرما في الأديان أيضا. وإذا كان المعنى الأول هو المقصود، وهو الأرجح، أي حرمة قتل المسلم للمسلم، فهذا دليل يضاف إلى أدلة أخرى على عدم اعتبار قتل غير المسلم من كبائر الذنوب، وهذا ما نجده في الدين اليهودي كذلك، فالمحرم هو قتل اليهودي لليهودي، كما في الإسلام؟ ثم تختم الآية بأن «مَن يَّفعَل ذالِكَ [أي أيا مما نهت عنه الآية] عُدوانًا وَّظُلمًا، فَسَوفَ نُصليهِ [أي يصليه الله] نارًا»، وقد أشرنا إلى الإشكال على استعمال الله الجمع للضمير الأول (نحن) عندما يتكلم عن نفسه. أما قول «وَكانَ ذالِكَ عَلَى اللهِ يَسيرًا»، فلا معنى له، فمن الطبيعي أن الذي يؤمن بالله خالقا له، ومميتا له، وباعثا له من جديد، ومحاسبا له، ثم مصدرا الحكم عليه بنار جهنم، إذا كان مستحقا لذلك، حسب أحكام الدين الذي يعتقد أنه من الله، فمن الطبيعي ومن البديهي أن يكون إدخال من يريد إلى ناره يسيرا عليه. فالظاهر إن مؤلف القرآن يشعر بالحاجة أحيانا بإيجاد قفل للآية، بما يراعي السجع الذي اختاره لها، فيكتب أحيانا أي شيء يخطر على باله، حتى مع عدم وجود العلاقة مع ما قبله، أو ما هو بسبب بداهته غني أن يقال كما هو الحال هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة