الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المستحيلة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إستحالة الثورة

العالم القديم يحتضر. والعالم الجديد تأخر في الظهور. وبين النور والعتمة تولد الوحوش.
أنطونيو غرامشي
“Il vecchio mondo sta morendo. Quello nuovo tarda ad arrivare. E in questo chiaroscuro, nascono i mostri.”
Antonio Gramsci

عندما يلقي الإنسان المعاصر نظرة ولو جانبية، على العالم "كما هو"، بأنظمته الشمولية المعقدة ومؤسساته وشركاته الرأسمالية العملاقة والجيوش الضخمة المسلحة بأعتى الأسلحة الفتاكة من القنابل الذرية والصواريخ المحملة بالرؤوس النوويه والتكنولوجيا النانوية والإلكترونيه والتي أصبحت تجعل الفرد مجرد هدف للدعاية التجارية العالمية، عندما يعي الإنسان كل ذلك تتبخر فجأة فكرة إمكانية تغيير العالم، ويتبخر الأمل البسيط الذي ما يزال يتحرك حيا في صدور الذين يحلمون بـ"الثورة".
الثورة تبدو مستحيلة اليوم في أية بقعة من العالم، ونقصد الثورة الإجتماعية التحررية وليس الثورات المضادة المنظمة من قبل المخابرات السرية والعلنية. الثورة تبدو مستحيلة ليس لأن المجتمعات البشرية تخلصت من الفقر والتفاهه والتعاسة والإستغلال والإستعمار والعنصرية وبقية القائمة من الآفات الناتجة عن فيروس الكابتال وتحولاته المتعددة، بل العكس هو الذي يجعلنا نتسائل عن سبب هذه الإستحالة، الفقر يزداد يوما بعد يوم، والحروب المتعددة تحصد أرواح الأبرياء في كل مكان، حتى في أوروبا نفسها، ويزداد الإستغلال والعبودية الإختيارية ويزداد الأثرياء ثراء لدرجة جنونية .. فما الذي يجعل الأمل في الثورة والتغيير يتقلص ليصل درجة الصفر رغم أن الأسباب التي يمكن أن تبرر هذه الثورة وتشعل شرارتها الأولى توجد اليوم أكثر من الأمس؟
ربما أحد الأسباب يعود إلى النجاح الساحق للديانة الرأسمالية في تعمية المواطنين وتدجين الفكر وتسميم العقل النقدي وتفجيره ليتحول إلى عقل مفتت ومشتت بين مئات القضايا الجانبية ونسيان قضية الثورة الإجتماعية. ولا نعني بالقضايا الجانبية قضايا لاأهمية لها أو قضايا ثانوية، وإنما القصد هو أن نجاح هذه القضايا أو فشلها يرتبط عضويا بقضية واحدة وأساسية وهي قضية القضاء على الرأسمالية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الدفاع عن البيئة ومحاولة إنقاذ الكرة الأرضية من الإحتراق دون التخلص من الرأسمالية التي تسمم الأنهار والبحار وتثقب الأرض والسماء، كما أنه من المستحيل القضاء على النظام الرجالي دون القضاء على الرأسمالية ومؤسساتها العسكرية.
والرأسمالية ليست كائنا مجردا أو فكرة إفلاطونية تتسكع بين السحب، الرأسمالية كائن حقيقي يتمظهر واقعيا في ترسانة رهيبة من الأسلحة الدعائية الوبائية التي لا مثيل لها في السابق من ناحية الأثر والفعالية وسرعة الإنتشار. فقد خلقت الرأسمالية العالمية الأسلحة المناسبة لنشر ديانتها، فشيدت معابدها وعينت أنبيائها وكهنتها الذين يقومون بالدعوة لها ليل نهار دون كلل. فقد جندت المدارس والجامعات والكنائس والمساجد ولكن أيضا المؤسسات العلمية والمعامل والمختبرات وأجهزة الإعلام والمؤسسات الثقافية والفنية والإقتصادية والسياسية من أجل تسويق بضاعتها الليبرالية وإقناع العالم بعدم وجود بديل آخر لهذا الإله العدواني، وقد يعترف البعض من الذين لا يستطيعون تعمية المواطنين البسطاء لأسباب أخلاقية، بأن هذه الديانة لها مساوئها ومشاكلها الجانبية العديدة، مثل الحروب والفقر والمجاعة .. إلا أنها البضاعة الوحيدة المتواجدة في السوق، وليس هناك إختيار آخر.
إن الرأسمالية لا يمكنها أن تزدهر بدون اللجوء إلى العنف بكل أنواعه، غير أنها منذ البداية فضلت العنف الملون بنوع من الحرية والإنسانية، وفضلت العبودية الإختيارية والعمالة المأجورة على الرق وعبودية السوط والسلاسل الحديدية. وجيوش العمال اليوم في العالم يستطيعون في ظرف أسبوع واحد من الإضراب العام أن يوقفوا هذه الآلة المتوحشة، غير أنه كما سبق القول، لقد أخذ السم طريقه إلى القلب وليس هناك أي مصل وقائي ضد الرأسمالية العالمية، بالإضافة إلى أن النظام أصبح من الضخامة والتعقيد بحيث أصبح المواطن يشك في قدرته على إدارة حياته بنفسه أو مع المواطنين الآخرين دون اللجوء إلى المؤسسات الرأسمالية، فكيف سينتج كل هذه الأشياء التي تملأ الأسواق وكيف سيدير الإنتاج والطاقة ومشاكل الدفاع والأمن والصحة والتعليم .. إلخ، وأصبح المواطن، في غياب الوعي الطبقي وغياب الفكر الثوري مقتنعا بضرورة الدولة والسلطة والجيش ورجال الأعمال.
ولكن حتى لا نزيد المواطن اليائس إحباطا، نقول بأن المجتمعات لا تخضع لقانون القضاء والقدر، فهي تستطيع على الدوام النهوض من غفوتها وقلب الموازين والقوانين السائدة، وأحيانا بدون مبرر عقلي واضح. ونتسائل إذا كان ما يحدث في إيران اليوم هو بداية ثورة حقيقية سياسية وإجتماعية، أم هي ثورة مضادة مسيرة ومبرمجة من قبل القوى الرأسمالية العالمية للسيطرة المطلقة على شعوب المنطقة، كما حدث في الإنقلابات السابقة فيما سمي بالربيع العربي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة والقضاء على الراسمالية ليست حلا
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 2 - 15:13 )
الاستاذ المحترم
انكم تضعون الثورة والقضاء على الرأسمالية كنظام اقتصادي طريقا للقضاء على الفقر والجوع
والحروب وهيمنة الرجولية وازمة المناخ ولكن الواقع يدحض ما تطرحونه فهو يقول ان التنمية واشاعة الديمقراطية الاجتماعية هما الحلول لمعالجة هذه الظواهر واليكم مايثبته
تقلص مثلا الفقر والجوع اليوم بنسبة 90% عن منتصف القرن الماضي بفضل توجه الشعوب لتنمية اقتصادها الرأسمالي مثل الهند والصين والبرازيل واندنوسيا ونيجريا وغيرها والهند مثلا اخذت تصدر الحبوب بعد ان كانت المجاعات تقضي على الملايين فيها سنويا ..فهل حدث هذا بثورات بروليتارية كالتي تدعون اليها
اما الحروب فهذه ملتصقة اليوم بالانظمة الديكتاتورية القومية التوسعية مثل روسيا وكوريا
الشمالية وايران والتي لاتمثل لا التنمية ولا الديمقراطية الاجتماعية احدى مقوماتها
اما سيطرة الرجولية فنجدها واضحة في وزيرات الدفاع والخارجية للدول الرأسمالية في الاتحاد الاوربي مثلا حيث يندر الرجال
والمناخ مرتبط بالصناعة والصين تساهم اليوم 30% عالميا بتلوثه في حين ستتخلى
الراسمالية عام 2050 عن 90% عن البترول اكبر ملوث للبيئة تزيد الصين منه


2 - كهنة الرأسمالية
سعود سالم ( 2022 / 12 / 2 - 18:40 )
السيد لبيب
إن تعليقك يمثل خير تمثيل ما جاء في النص من أن -الرأسمالية العالمية خلقت الأسلحة المناسبة لنشر ديانتها، فشيدت معابدها وعينت أنبيائها وكهنتها الذين يقومون بالدعوة لها ليل نهار دون كلل. فقد جندت المدارس والجامعات والكنائس والمساجد ولكن أيضا المؤسسات العلمية والمعامل والمختبرات وأجهزة الإعلام والمؤسسات الثقافية والفنية والإقتصادية والسياسية من أجل تسويق بضاعتها الليبرالية-
لقد نسيت السيد لبيب الحركات الإستعمارية وسرقة الموارد الأولية للعالم الثالث وإبادة شعوب وحضارات بأكملها، ونسيت أن الحروب هي صناعة رأسمالية سواء كانت من روسيا الرأسمالية أو أمريكا، ونسيت أن هناك الملايين يموتون من الجوع في كل بقاع الدنيا، بينما الأثرياء يبنون القصور على القمر ..
على كل حال .. شكرا على التعليق
ودمتم بخير في عالم التماسيح
مع فائق الإحترام


3 - ألرأسمالية نظام اقتصادي وليس ايديولوجي
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 2 - 23:09 )
الاخ الفاضل سعود
اعتقد انكم تنظرون للرأسمالية انها نظام فكري ايديولوجي بينما هي في الواقع نظام اقتصادي معني بادارة الاقتصاد والربحية وادارة الاستثمارات والخطأ الذي تقعون فيه هو هذا بعينه وهي مقولة دعائية استخدمها الاتحاد السوفياتي لتمييز نظامه الاشتراكي وقتها وزالت معه كونها ليست علما بل دعاية للسوفيت فجميع بلدان العالم هي في الواقع رأسمالية الاقتصاد ولكنها تصنف ديمقراطية ، ديكتاتورية ، وديمقراطية ليبرالية والاخيرة تضع الحريات الفردية الاجتماعيةاضافة للديمقراطية ساس تطورها الحضاري كما في اوروبا واميركا،
ما اوردته لكم في تعليقي 1 هي وقائع وحقائق مادية وليس تنظيرا ايديولوجيا والعلم ينطل من حقائق الواقع المادية وليست المقولة المثالية كما تفعلون وهذا ايضا ماتقول به الماركسية فلسفيا )
علينا الكف عن تشويه الحقائق لشعوبنا ومحاربة الحضارة والديمقراطية والتمدن والحقوق والحريات باسم مجابهة الرأسمالية واؤكد لكم ان ماركس نفسه ضدكم كونه ماديا وليس مثاليا اسير المقولة ، خصوصا الدعائية او تلك التي تلتقي مع الاصولية السلفية الاسلامية ان حضارة الغرب شر كونها تحترم العقل وليس النص كما تفعل


4 - ديموقراطية افتراس المال و ليبرالية غاز الدموع 1
محمد بن زكري ( 2022 / 12 / 3 - 12:38 )
- في انتفاضة شباب أحياء الصفيح و الأحياء المهمشة بضواحي العاصمة الفرنسية باريس سنة 2005 ، توعد وزير الداخلية نيكولا ساركوزي بأنه «سيجتث هذه البؤر القذرة ، وسيقوم بتنظيف البلاد من هذه الحثالة ، بمادة الكارشير» ، و نفذ وعيده بقنابل الغاز المسيل للدموع و بالهراوات المكهربة .
- في موجة الاحتجاجات الشعبية ببريطانيا (العظمى) ، ضد الغلاء و سوء الاحوال المعيشية سنة 2011 ، استخدمت قوات البوليس العنف المفرط لقمع الحركة الاحتجاجية ، و قال رئيس الوزراء ديفد كامرون قولته المشهورة «عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني البريطاني ، لا تحدثوني عن الديمقراطية و حقوق الإنسان» .
- في الحركة الاحتجاجية «احتلوا وول ستريت» بأميركا سنة 2011 ، التي امتدت إلى عدة دول راسمالية ، جراء دعم الحكومة للشركات الكبرى المفلسة (التي تسببت في الازمة المالية العالمية سنة 2008 و تداعياتها) و امتناع الحكومة - بالمقابل - عن إسقاط ديون الطلبة الجامعيين ؛ أمر باراك أوباما (وهو الرئيس المثقف) بفض المسيرة الاحتجاجية - في نيويورك - بالقوة ، فاستخدمت قوات البوليس قنابل الغاز و الهراوات و رشاشات المياه الفائرة ، لتفريق المتظاهرين .


5 - ديموقراطية افتراس المال و ليبرالية غاز الدموع 2
محمد بن زكري ( 2022 / 12 / 3 - 12:41 )
- في سنة 2018 ، انتهت الحركة الاحتجاجية لأصحاب السترات الصفراء بفرنسا إلى لا شيء يذكر ، و استخدمت قوات البوليس قاذفات الكرات و الغازات و الهراوات لتفريق المتظاهرين و اعتقلت منهم المئات .
- في دول ما يسمى الراسمالية الاجتماعية (او الديمقراطية الاجتماعية) و اقتصاد السوق الاجتماعي ، لا تكف الشركات و كبار المستثمرين و رجال السلطة من الطبقة الراسمالية الحاكمة ، عن ممارسات التهرب الضريبي و الهروب بأنشطتهم الاستثمارية إلى الملاذات الضريبية و بؤر غسيل الأموال و السرية المصرفية .
- كمثل على استغلال السلطة للتكسب ، في الانظمة الراسمالية الغربية ، فإنه من خلال عملهما كمستشاريْن بالبيت الابيض ، حققت إيفانكا ترمب و زوجها غاريد كوشنار 82 مليون دولار سنة 2019 ، باستغلال مؤسسة الرئاسة لفائدة شركتهما العائلية للاستثمار العقاري .
- و كدليل على فساد الطبقات الراسمالية السائدة في الغرب و في العالم كله ، تكفي الإشارة إلى الفضائح المالية الكارثية التي كشفت عنها ، بنشر ملايين المستندات الرسمية : أوراق بنما ، و وثائق باندورا ، و باراديس بيبرز ، فضلا عن تقارير منظمة غلوبال ويتنس و تحقيقات الصحافة الاستقصائية


6 - ديموقراطية افتراس المال و ليبرالية غاز الدموع 3
محمد بن زكري ( 2022 / 12 / 3 - 12:43 )
- لا ديمقراطية حقيقية مع انقسام المجتمع رأسيا و أفقيا إلى أصحاب مليارات و أجراء . و كدليل على مدى دكتاتورية الراسمالية و تهافت دعاوى الليبرالية ، فالمياردير إيلون ماسك (الذي اشترى تطبيق تويتر بمبلغ 40 مليار دولار) ، طرد نصف موظفي الشركة ، مزاجيا و بموجب رسائل إلكترونية (3500 موظف - يعولون 3500 أسرة - وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع بلا عمل) .
و ليس بخاف ما ترتب عن أزمة كورونا من فقدان ما يقارب 60 مليون عامل لوظائفهم في أميركا .
- الآن المظاهرات الاحتجاجية ، تعم كل الدول الأوربية ، بعشرات و مئات الآلاف ، من شتى النقابات العمالية و فئات الطبقة الوسطى ، احتجاجا على تردي الأحوال المعيشية للشعوب ، جراء ضراوة الاستغلال الراسمالي و سياسات التقشف الحكومية . و بالمقابل حاولت الحكومة البريطانية تمرير قانون للحد من حرية التظاهر !
- أما في نظم و دول الراسماليات الطرفية التابعة (العربفونية) ، التي تحكمها طبقة الكومبرادور ، كليبيا و العراق و لبنان و مصر ... ؛ فالأمر لا يخفى على أحد ، و تكفي الإشارة إلى افتراس ما يربو عن 100 مليار دولار من المال العام في ليبيا ، و نهب نحو 500 مليار دولار في العراق .


7 - بلد العميان
سعود سالم ( 2022 / 12 / 3 - 12:48 )
لتفدي حوار الطرشان
أنصح السيد لبيب سلطان
بقراءة قصة ويلز
-بلد العميان-

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=653064

اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس