الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتصار التونسي على الرجل الأبيض

صبري الرابحي
كاتب تونسي

(Sabry Al-rabhy)

2022 / 12 / 2
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


لم نكن نحن العرب من مبتدعي التفرقة العنصرية المعاصرة التي نرى اليوم، يتساوى الرجال عندنا في كل شيء و يتمايزون عن بعض بما أدركوا من بطولات لذلك يحق لنا الفخر بأسلافنا على إختلاف ألوانهم و أعراقهم و تجدنا نبحث عن ذلك الفخر حتى في أصغر إنتصاراتنا.
كرة القدم مثلاً أنصفت كل ما فينا، فلم نلبث بعد في فخرنا بالمنجز السعودي التاريخي حتى لاح لنا نصر المنتخب التونسي على نظيره الفرنسي بما فيه. نصر حطم مهزومياتنا و جدد أملنا في التمرد على الحلم.
خلال أيام من إنتظار يوم المقابلة كان الإعلام الفرنسي يتناوب على السخرية من رهان المباراة، لم يكن يحق للكثيرين أن يحلموا بإنتصار تونسي مقنع على بطل العالم حتى إشعار آخر من الفيفا.
أسماء اللاعبين و فرقهم المتطورة و العصرية و قيمتهم السوقية كانت كلها محددة في التكهن بنتيجة المباراة من خارج دوائر الأمل و العزيمة و التحدي.
الجمهور العربي نفسه لم يكن يصدق وسوسة عروبته بأن وهم الرجل الأبيض زائل و أن تجدد التمرد عليه جائز منذ ديان بيان فو و فوق كل أرض منصفة.
أما ما وراء لعبة الأحد عشر لاعباً و الكرة الجلدية فتختفي نظرة فرنسا لمستعمراتها السابقة، تلك الضعيفة المتناحرة التي لا يحق لها أن تتمرد على الإرث الإستعماري الذي لم يشكل جلائه العسكري إلا خطوة منقوصة من جلاء هووي حقيقي لم يأتي بعد.فطالما إعتبرت المستعمرات السابقة نفسها ضعيفة أمام فرنسا سياسيا و إقتصاديا و ثقافيا و لم يكن الإذعان الكروي بعيداً عن كل هذا.
خلال السنوات الأخيرة وجد اليمين المتطرف في فرنسا في قضايا دحر المهاجرين و التصدي للهجرة الغير الشرعية بيئة خصبة لإستمالة عديد الناخبين حتى أن الإنتخابات الفرنسية الأخيرة أثبتت ذلك و أصبحت تنذر بالخطر المحدق بمن لم يتسنى لهم تسوية وضعيتهم القانونية بعد أمام حملات ممنهجة من التشويه حد العنصرية و المطالبة بطردهم من التراب الفرنسي.
لقد صار اليمين المتطرف في فرنسا يضيق ذرعاً بإختلاف الأعراق المستوطنة لفرنسا و يدعو إلى عودة الرجل الأبيض إلى مكانته القديمة تلك التي لا يقربها الهمج و البربر، غير أن العولمة إستطعت أن تحدث الأفاعيل في البنية العرقية للشعوب و أهمها فرنسا، فصار منتخبها الوطني خليط من الأفارقة و الصرب و العرب،فعن أي رجل أبيض يبحث التعالي الفرنسي المغتر بالفرنسيين الوظيفيين في منتخبه القادمين من جنسيات أخرى.
الأجدر هو تجاوز الأمر و تقبل الفسيفساء العرقية التي لا تنضبط للحدود الإقليمية و لا يمكن بأي طريقة منعها من التمدد في أي مجتمع حتى و لو بلغ الأمر تحصينه بإرثه الإستعماري المتعالي على الشعوب كما تفعل فرنسا، ففي النهاية إنتصرت تونس حتى في مجرد مباراة كرة قدم و كان نصرها أكبر من الإنتصار في اللعبة و إنما كان هزيمة أخرى لمن يزعجه أن تكون تونس حرة.
في النهاية، أعظم ما في المباراة كان نزول الراية الفلسطينية إلى أرضية الملعب فوق سواعد شاب تونسي يلبس "الشاشية" فكان إنتصار التونسيين لفلسطين أهم من أي نصر آخر عرفوه من قبل.
و مازالت كرة القدم تدهشنا برسائلها الإنسانية التي ترد تباعاً من فوق الأرض العربية شاحذة فينا عزائم أعياها الخذلان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على