الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الاول رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة

أمين أحمد ثابت

2022 / 12 / 3
الادب والفن


عند ضعفك المشلول . . لا تقف على وطن رخو
. . تبتلع فيه إنسانيتك ، غادر إلى ارض بديلة
. . تطارد فيها احلامك . 



اخيرا . . تطأ قدماك ارض مطار القاهرة ، كامل جسدك اصبح خارج طائرة اليمنية . . بعدما غادرت آخر درجة من سلمها الفضي – اطلقت غول انفاسك الخائفة . . المحبوسة اللاهثة بصمت مند سيرك في اتجاه ضابط فحص الجوازات . . وصالة المغادرة بعدها ، ظلتا عيناك في حالة من الشرود المتجنب وجوه اطياف العمل في مطار الحديدة – رغم اختيار المغادرة من هده المدينة بدلا عن صنعاء وتعز ، انها اخف ارهابا وتسلطا لإنسانها المحلي للجهاز الامني والملحقين من الموظفين المدنيين كمعاونين استخبارات , وهو الدي يطبع كل منافد الدخول الى اليمن والخروج منها , فالإجراءات مسهلة وغير مدققة على المعارضين السياسيين , كما وكان موعد الوصول الى المطار في الخامسة فجرا وبدء المعاملات الرسمية للمغادرة ستكون في السادسة صباحا . . وزمن الاقلاع في السابعة صباحا ، وهو ما يخفض كثيرا التشديد والتركيز على الشخوص المغادرين ، خاصة وأنهم مثل كل اليمنيين مخزنين من نهار اليوم الاول حتى صباح اليوم التالي ، مما يجعلهم منهكين ويغلبهم النوم – مرتين نخبر في صالة المغادرة بتأخر وصول الطائرة ، في كل مرة منها يعلن اعتدار وصولها بعد ساعتين . . لظروف طارئة خارج عن ارادتنا ، وبعد خمس ساعات من الانتظار المبحلق في المدرج , . لم يظهر حتى شبح طائرة رحلتنا بعد – في حوالي الثانية عشرة ظهرا شاهدنا وصولها ، وكان علينا الانتظار مجددا لساعة اخرى قبل الصعود الى جوفها – مرق الوقت متثاقلا . . بعذاب جسدي واضح على الجميع ، اخيرا رن النداء : السادة الركاب المغادرين الى القاهرة التوجه الى البوابة رقم 7 للمغادرة - من كل صوب تجمع الكثير من العاملين في المطار بزيهم العسكري والمدني عند بوابة المغادرة ، ومن بقي منهم تطوف دون توقف على جانبي طوابير المسافرين . . وبينهم . . والمتلكئين عن الصفوف لتجنب الزحام – حين وجدت منهم عن يميني وشمالي . . وهم لا يتركون احدا إلا وتمعنوا في وجهه بشكل غريب مليء بالشك المخيف ، زاد ذلك من تدفق الادرينالين . . عند اللحظة الأخيرة من المغادرة بعد عذاب متواصل من الليلة السابقة . . مسببا رعشة في جسدي وتقطعات في النفس . . بعد سويعات ماضية من السكون داخل صالة المغادرة . . انتظارا لوصول الطائرة – حاولت كبت حالتي ، انها لحظتي الاخيرة للخلاص – تسللت لأنغمر عبورا وسط مجموعة من البسطاء المتدافعين للخروج من البوابة بغية السبق لحجز المقاعد الامامية من الطائرة – كانت عيون ضباط الامن بزيهم الرسمي والمخبرين . . لا تكف عن تفحص وجوه المسافرين . . ادا ما عبر احد المطلوبين امنيا من الجوازات ولم يتم التنبه له – كنت اعرف مسبقا أن مثل هدا السلوك الاستعراضي - شكليا هنا مقارنة بمطاري صنعاء وتعز – وهو اداء متبع لإثارة الرعب في نفوس الشباب العائدين لدراستهم في الخارج أو العائدين لزيارة اهاليهم ، خاصة من كان متأثرا بأفكار اليسار – لم يكن عليك سوى التجاهل . . حتى تغادر المطار ، حتى اني وجدتني فاتحا فمي بابتسامة واسعة وبافتعال تحدث مسموع عن شعور الراحة للسفر لقضاء اجازة . . حتى جلوسي على المقعد الخاص بي في الطائرة ، وبعد مسايرتي لأم وابنتها من عدن . . مسافرتين للسياحة وتجارة شنطة تعوضهما عن تكاليف السفرية وربح مصروف لا بأس فيه لحياتهم بعد عودتهم الى اليمن ، كنت قد عرضت مساعدتي في حمل حقيبتين والسير معهما . . متفاعلا كأنا أسرة واحدة حتى بوابة المغادرة – افادتني نصائح اصدقائي المحدودين ممن عرفوا سفري سرا – لم يكن الهروب الى الجنوب آمنا – عليك أن تظل طبيعيا حتى داخل الطائرة ، حاول أن تجد من تتلهى معه في التحادث ، يحضر داخل الطائرة ستة من المخبرين متوزعين بين مقدمة ووسط ونهاية الطائرة ، هدا غير المضيفين اليمنيين الدين يتم اختيارهم من الاستخبارات ، إ . . إدا اشتبه في احد ، يتم احتجازه ومنع نزوله لأرض مطار البلد الاخر و . . واعادته بنفس الطائرة .

كعادة الطيران اليمني . . لا يفرق زبائنها عن ركاب حافلات النقل الشعبي ، هرج ومرج عم الطائرة خلال الساعة والنصف الاولى من التحليق ، بعد تناول وجبة الغداء الموزعة – كانت الساعة تشير في توقيتها المحلي بالثانية والنصف ظهرا - صرير الدواليب اعلى المقاعد تئن على امتداد جسد الطائرة . . مع فتحها لإخراج حزم القات للتخزين – ما زال الوقت طويل . . حتى نصل مطار القاهرة .

لم يكن قليلا عدد المغادرين للعلاج ، تسمع شكوى المرض والخسارات المالية الكبيرة المنفقة للعلاج ، خاصة المتكرر عودتهم ، تسمع قصصا من النصب المستغل بساطتهم واميتهم ، ليس فقط من المصريين ، بل من اليمنيين المتعيشين عليهم من المتصيدين لهم من بوابة الخروج من المطار العاملين في جهاز السفارة وبعض الطلبة المتبطلين . . تحت دعوى المساعدة المرافقة لهم في غربتهم العلاجية – تكشف لي بعد عمر طويل من الاسفار ، أن ذات الامر يجري مع اليمنيين الواصلين الى اي بلد للعلاج او السياحة ولم يكن لهم مستقبلين - تعالت اصوات تعم المكان لمتحدثين تقدح ألسنتهم بحرف الجاف . . والمعلنين عن انفسهم من اسر ذات شأن أو نفود في اليمن ، هدا غير الملكنين بخليط لهجاتي بين العامية اليمنية والسعودية او الخليجية . . عن القاهرة والاسكندرية وليالي الهرم ، متع تجن لها النفس ، كيف السفر الى القاهرة اكثر وايسر من النزول الى تعز او الحديدة – كل يقص حكاياته بطريقته ، حتى الطلبة العائدين للدراسة خارج القاهرة ، تسمعهم بقضاء معظم اوقاتهم في القاهرة اكثر من اماكن اقامتهم الدراسية – وتلتقط ادناك احاديث هامسة لطلاب في المقعد الخلفي وراءك مباشرة . . والمقعدين الموازي لهما ، عن الصراع الدي يدور في رابطة الطلاب بين الناصريين واليساريين ومخبري النظام – كثروا بها ، لكننا لن نتركهم يعبثوا فينا – لسنا في اليمن يستبدون كما وبمن يشاؤون – واحد كان يتكلم عن حدة الصراع الايديولوجي بين أساتذة الجامعات ، بين الاسلاميين والماركسيين – تبدو مؤشرات لنصرة شيوع الاسلاميين في الآونة الاخيرة – انها حياة صاخبة ، هي مصر الكل موجود ويصارع - ليس من فراغ القول العامي الشائع الدي يقابل به أي زائر جديد يأتي القاهرة . . ( يا داخل مصر . . في مثلك كثير ) – كنت ترى اغصان القات تقدف بين المقاعد المختلفة – هي عادة يمنية تعبر عن الحبور والود بين بين المخزنين ، أن يرمي شخص لآخر غصن قات . . خاصة من نوع القات الضلاعي طويل العود . . ما هي إلا نصف ساعة . . كان رواق الطائرة مغطى بعيدان واوراق القات غير المأكولين - والله بدأنا نفتهن* ، اسف بعد ساعة نرمي التخزينة** ونغسل فمنا قبل الوصول الى المطار . . فمضغ القات ممنوع فيه .

غصة ملأت نفسي لاحاديث عديد من المتفاخرين بسفرهم الدائم خلال العام الواحد الى البلدان الاخرى ، مصر تحديدا منها . . يزورها لأكثر من ثلاث مرات . . على شكل دورات أو زيارات رسمية وسياحة شخصية – ها . . ها ها ، كلها سياحة ، فلوس . . نساء وخمر – اصرف وتمتع . . لا احد يسألك او يحاسبك – غصة . . غيظ واحتقار يلفني ، انا . . هارب ، ليس في جيبي سوى ثلاثين دولار فقط ، غريب وحيد - كان الخروج هو الهم الوحيد ، الى اين ، الى من ، مادا بعد . . لا بعرف شيئا – اولاد الزنا . . يتلددون بتفاخر اللعب بالفلوس بألاف وعشرات الاف الدولارات – هؤلاء التافهين . . لعنة الله عليك . . من وطن - ملايين من البشر يموتون دون قدرة على العلاج ، غير قادرين على التنفيس على الذات برحلة داخلية ، بل أن الغالبية تمر السنوات الطويلة عليهم واسرهم . . وهم غير قادرين على مغادرة مناطق اقامتهم وعملهم – حكايات عيش الملذات والتحرر من المسؤولية وتجديد العوالم . . احلام واساطير . . لا يصدق بوجودها عشرات الملايين المحتجزين بعيش مهين وايقاع حياة دوامة يومية خانقة للنفس ، بل . . لا يصل الى مخيلتها تصور . . ما تلكه اصوات المتحدثين حولها خلال هده الرحلة – فما يصله لبناء تخيله لتطور العالم خارج اليمن . . وحياة الناس بشكل افضل . . من خلال أولئك المحظيين بوجود اقارب لهم او من المعارف بالنسبة لهم . . المغتربين العاملين في السعودية والخليج – خيال بالفلوس . . لا شيء عن الملذات سوى الاكل والملك وبدخ الصرف ، يلمسون خيالهم هدا عند عودة مغترب لزيارة الاهل بعد انقطاع طويل عنهم ، منهم يستحضرون صور عيش المشاق والمهانة خارج وطنك – ما يعمل المرء . . لقمة العيش هي التي تحكم . . ما في اليد حيلة – غيرهم يفتحون شهية التخيل والتمني كأحلام يقظة في الاغتراب – هي الطريقة الوحيدة ليعيش الواحد واسرته بكرامة ، يمكنه بعد كم سنة . . أن يشتري ارضا ، يفتح بقالة او مشروع لدخل دائم ، او يبني بيتا , , واكثر – المهم كم يتقاضاه المغترب من دخل شهريا ، ما يدخر منه . . عبر التحويلات المنتظمة الى اليمن .

يتشابه المغتربين اليمنيين عادة . . في مسلكيتهم تلك . . وإن اختلفوا في مستوى التعليم ، دخل عملهم أو حتى في البيئة الاجتماعية التي اتوا منها – مدينة او قرية او قبيلة – في اولى سنوات غربته يرسل حوالات شهرية ، منها مصاريف لأسرته ، والاخرى باسم وكيل من اخوته او من يثق به لإدخال المبالغ المرسلة – التي يحسبها اول بأول - في حساب خاص . . يتم تجميعها لنقلها لحسابه الخاص في اليمن مع اول زيارات عودة له من الغربة ، او لشراء ارض زراعية او بناء بيت له . . على ارث ورثها او يتم شراءها – بعد مضي نصف عقد واكثر . . يضمحل الحنين للوطن والاشواق للأهل ، حتى لمن كان قبل تغربه من اسرة فقيرة ، يعمل اباه اجيرا مزارعا عند مالك ، او عامل بناء بسيط او موظف بدخل صغير في المدينة . . في سكن عائلي عير صحي بالإيجار الشهري . . وشظف العيش – يتحول المغترب في شخصيته - حتى منهم العاملين في المحلات التجارية او كشغيلة في العمل المهني . . من معامل الخياطة وغيرها او في كأيدي عاملة في البناء – مع زيارات عودته الاولى ، شعوره بالقيمة والمكانة العالية – رغم كونه اميا او يقرأ ويكتب - كمالك وبإنفاق شخصي واسرتي اعلى بما لا يقارن مع تلك الاسر المتعلمة ، بل أن دخله الشهري في بلد الغربة يزيد بمرات عن راتب دكاترة الجامعة في اليمن ، الدين لا يفي دخلهم للعيش . . اكثر من عشرة ايام ، ولا يستطيع أن يمتلك منزلا حتى . . خروجه على المعاش بعد 35 سنة من الخدمة و . . الى لحظة ما توافيه المنية – يطبع التفاخر والبذخ الاستعراضي في المشتريات وصرفيات البوكت مني . . امام الاخرين من الاهل والمعارف والاصدقاء . . بل والعامة – من بعد نصف العقد من العمل في الغربة ، تنازع زيارة العودة . . لتصل الى فترات طويلة من الغياب عن الاهل ، تمتد من الخمس سنوات الى عشر سنوات ، أما الذي انقضى زمنا عليه في الغربة لعمر يزيد عن ثلاثين عاما ، قد يزور المغترب هدا وطنه مرة واحدة فقط او مرتين طوال حياته – إدا لم تكن هناك احداث حرجة في بلد الغربة . . تدفع الى تهجيره الى بلده قسرا – حيث يجد انتماء وجوده مكانا وبشرا لبلد الغربة التي قضى عمره فيه ، بينما تمثل اليمن . . موطن اهله ومسقط رأسه ، لم يعد انتمائه سوى عاطفيا . . لا اكثر ، الدي فيه لولا بلد الغربة لكان واسرته . . في ادنى مرتبه من المجتمع ، وحياة من القهر والمدلة . . لم يكن يعرفها سوى الله ، والتي لم تكن قابلة على التغير للأفضل . . إن لم يفتح الله عليه في سفره للعمل في الغربة .

يظل شعور النقص بالفقر والقدر يحز في نفس هؤلاء لما عايشوه في حياتهم قبل الاغتراب ، ينمي لديهم حس التعالي والغنى بين من يحيطونهم من البسطاء و . . شرههم في توسع مشتريات الملكية في مناطق معاريفهم اليمن . . كلما طال زمن بقائهم في البلد الاخر . . رغم أنهم حياتيا . . مشدودين عفويا لموطن اقامتهم البديل ، حتى لو لا يمتلك تجنيسا أو حتى ملكية بيت او محل تجاري ثابت ، حتى انه يعمل تدريجيا الى تهجير افراد اسرته . . مع ابقاء منهم لحفظ الملكيات التي اسسها خلال تحويلاته المالية – كنت ووالدتي واخي الصغير مجد في زيارة لقريتها ، التي تحتل المركز الاداري المتقدم للحجرية . الوقت كان خريفيا ، الرياح الباردة تهب عاصفة محولة وجوهنا الى الاحمر القاني على الوجنتين ، وصبغ بشرتنا الى اللون الوردي المزهر – الحقول تتطاول فيها جذوع الذرة الشامية . . لتصل ارتفاعا الى ما يقرب عن المترين – كان الضباب من الثالثة والنصف عصرا , , يكسو الحقول تدريجيا في مرئي بصرنا الممتد من سقف دار جدنا سليمان باشا ، الواقف بغرور متباه على تبه بارتفاع ستة طوابق رأسية ، والسنابل بحجم قبضتي اليدين تتراقص بجنون مصادمة بعضها بعضا ، تستعرض ليونة اجسادها للانحناء لمسافة ثلثين من قاماتها . . نحو الارض – ليس إلا وقتا يسيرا . . تغيب مرئي الحقول في ضوء النهار ، والشمس لم يحن بعد وقت زوالها ، تتساقط رشات فرحة من قطرات المطر . . في سماء صافية ، ما أن يصارع عقرب الساعة الزحف خارج خانة الخامسة عصرا تماما . . يتكاثف الضباب المتدفق دفعا بالرياح من فضاء الفتحات بين الجبال الشاهقة – كنا دائما نستمتع النزول الى الحيود المنتشرة اعلى الجبل ، ونشرب من مياه العيون الباردة . . المتساقطة عبر شقوق داخل الصخور – كان الضباب المتكثف كفرش قطني كثيف من الغمام اسفل من اماكن جلوسنا في تلك الحواف بعشرات الامتار – كانت القرى الواقعة عند سفح الجبل . . تظهر كمصممات كرتونية للعب الاولاد ، تختفي ملامح وجودها مع الثانية ظهرا – كان تحليق النسور العملاقة التي تمتد اجنحتها بطول مترين . . تثير الدهشة فينا ، وكلما اقترب مسار طيرانها منا . . كنت اشعر بنشوة وعلو لذاتي . . لا اراديا – كنت الاصغر سنا وسط ابناء اخوالي – عادة كنا نذهب في عدد لا يقل عن ستة اشخاص ، ويكون اكثر من واحد منا مسلحا بمسدس الى جانب بنادق صيد او بندقية جرمن ، فالحيود اماكن لتواجد النمور والاسود الجبلية ، خاصة عند سقوط الامطار الغزيرة قبل حلول الظلام او خلال الفترات المتأخرة من الليل ، وهو ما صادفه العديد من ابناء القرية او الاهل المغامرين للاسترواح على تللك الحواف امام الحيود . . بعد حلول الظلام ، واهالي القرى عند سفح الجبل عند رجوعهم بعد تسوقهم من اسواق قريتنا وعودتهم الى بيوتهم عند زوال الشمس – كان الكبير منا يصر على المغادرة من بعد الرابعة عصرا ، اولا لخطر وجود الوحوش الضارية ، وثانيا أن مع دلك التوقيت تكثف الضباب المتصاعد سريعا ما يغطي المساحة . . فتنعدم الرؤيا ، خاصة وأن طريق سيرنا محفوف بخطر السقوط في الهاوية ، وحتى اخيرا مع انعدام الرؤيا والسير وسط الحقول المغطية اعواد الدرة فيها قامة الانسان من دخولنا الى القرية ، يكون الضباب قد احال سقوط العتمة على القرية فجأة مع الخامسة ، ويكون هناك خطر اخر تواجد ضباع داخل تلك الحقول أو يصادف المرء كلاب مشردة جائعة ترعد الرياح الباردة اجسادها فتحيلها الى حالة من العدوانية الاشبه بالسعار – هدا ما كان يصل الينا عند وقوفنا على سطح دارنا . . مع تحول الضباب الى غمامة تظلم المنطقة في توقيت نهاري – لم نعد نسمع سوى عواء الكلاب واصوات ابن اوى والضباع في مواقع مختلفة من تلك الحقول ، اصوات توحي لك مشهدا غير منظور من المطاردة وتارة العراك ، تستمر تلك الاصوات حتى نهاية الليل . . وإن كانت تخفت لبرهة لكنها تعود مكررا ، ومع اقتراب الهزيع الاخير من الليل ، يكون العواء المطلق غير مميز إدا ما كان للكلاب الشاردة ام لذئاب - هدا ما تلتقطه إدا ما جافاك النوم وامتد بك الارق غارقا بالمدى المعتم . . عدا بصيص من ضوء القمر الباهت . . المخفي عن العيون ، تلفح وجهك نسمات باردة . . تفرض الصحو حتى على من كان ناعسا – سمفونية رعب ليلي تلتصق بأدنيك . . تسري من رأسك حتى احمص قدميك ، تلونات من الاصوات المتداخلة بجنون ، من الحيوانات البرية والشاردة . . الى البوم وصرير الخنافس وحشرات الليل المتنوعة والكثرة في بيئة قريتنا . . وفحيح الافاعي وحشرجات لا تعرف اصلها ، تتمازج بفوضى عارمة لوقت طويل . . ثم تنطفئ فجأة . . لتعاود بصخب صراعي . . تبهت تدريجيا جميعا لتنفرد اصوات الكلاب في الاماكن المتفرقة بين النباح والعواء . . مع المؤشرات الضعيفة الاولى قبل بزوغ الفجر ، لتسكن بعدها في حالة من فقدان الحياة ، ترتفع بعدها اصوات الديوك الملعلع في الفضاء – كان ديك سليم ابن خالي يسابق بصدح صوته قبل سائر ديوك القرية ، كان العسر كما سماه خالي مرة ولصقت به التسمية . . لما عرف به من عند وشراسة مشاكسة وازعاج . . باناة متعالية ، يشمخ فيه منقاره الاحمر المعقوف السميك اعلى رأسه الواقف على عنق متطاول مكسو بالريش الغزير متعدد الالوان ، وبنظراته الحادة عند اعطائه اندار التحدي ، او المتثاقلة الماسحة بدوران حدقتي عينيه الواسعتين بشكل ملفت . . عند سيره الهوينا المليئة بالمغرور المتبجح ، لما يمتلكه من جمال متناسق لمنظره وجسده الضخم الدي لا يضاهي حجمه أي ديك اخر كنت قد أيته في حياتي ، وما يجمع عليه اهل القرية وكل من رآه .

لم يكن هناك امتع من زيارة القرية بعد عيش رابط جبرا في المدينة لغالبية شهور العام – إن لم تكن الظروف مقيدة لنا . . ولا تطلقنا الا في اجازة العام التالي . . او بعد ثلاثة سنوات – متعة . . لكنها لا تدوم طويلا ، فبعد ايام أو اسبوع . . يملأ الضيق والملل نفسك – تنتهي زيارة كل الاهل في اليوم الاول ، فرحات الشوق لا تعمر بعد ثلاثة ايام من الاقامة ، مثلها تزويرك في الاماكن الخلابة المختلفة ، يعود الشباب مثل ابائهم الى تخزين القات ، ويرثكن من هم بسنك او اكبر او اصغر قليلا . . باللعب او الجلوس للدردشة وحكي القصص والمغامرات والنم والمشاكسة فيما بينهم . . في اماكن لا تبعد عن الدار عدة امتار - بقدر ما كنت ألح على والدتي للسفر الى القرية ، بقدر ما كنت مزعجا بطلبي العودة الى المدينة – بعد مضي ما يقل عن الاسبوع الواحد من وصولنا – كثيرا ما نهرت علنا او بملاطفة مصطنعة . . أتنم عادكم وصلتم ، لا تزعج عمتي . . ويقول الخال . . سيب اختي ترتاح ، ما نشوفها الا مرة كل سنة او اكثر – يعطيني مصروفا لأشتري لي ما اريد – ليش* ما تروح مع عيال خالك . . حتى لا تمل – رشدي . . ادعو رشدي يأخذ ابن عمته ويمشيه ، او يوديه عند بقية العيال – حقيقة . . اشعر . . انهم لم يكونوا يحبونني واخي ، بل يتظاهرون بدلك من اجل والدتي ، خاصة امامها . . يغمروننا بالحفاوة والاهتمام .

في يوم بجلوسنا بعد وجبة الغداء . . تخبرني امي بحاجتنا للبقاء اسبوعين – أني لم اشبع من القرية . . عادنا وصلنا ، واحتاج اتكلم مع اخي . . يعطيني مصروف من حقي في غلول الارض – لم اجد الفرصة المناسبة بعد لأكلمه – ايه . . مثل كل مرة . . يعطيك مبلغا تافها و . . سيعوضك المرة القادمة ، و . . يبصمك على ورقة . . وانا غير موجود – يستغل اميتك ، ونكتشف لاحقا انه بيعك ارضا له أو لاحد من ابنائه او بناته – اكثر من مرة سمعته صارخا عليك هده املاكنا . . وانت تريديها لعيالك . . الدي ابوهم غريب وليس من الاسرة – حدرتك مرارا – كنت تردين علي . . هدا اخي ، حتى لو اخد اللقمة من فمي . . انا راضية - كان حديثنا المتكرر هدا همسا . . كلما فرغ المجلس من الاخرين – عمه ، اليوم عندنا عزومة قيلة في بيت الخادم* مسعد ، وصل من اسبوعين من السعودية ، لو ترى البيت التي بناها من طرحتين – البيت مفروش بالموكت والقطائف . . الى عند مدخل الباب – ستستغربين . . زوجته محليه . . الدهب الدي فوقها . . تحمله بصعوبة من ثقله – من حقها أن تتباهى ، ما عند الواحدة منا . . مقارنة بها . . نحن بنات الاكارم – سقى ايام زمان ، كانت وزوجها . . خدامين عندنا في هدا الدار ، حتى ابو وام مسعد قبلهما . . كانا خدامين عند جدي – توالت النميمة . . زادت اكثر ليلا بعد عودتهن ، امتدت لبقية ايام بقائنا . . خلال الجلسات الاسرية اليومية عصرا ، وحتى اذا ما جئن زائرات أو دهبنا في زيارة اخريات – لو تشوفي . . كيف يلعبوا بالفلوس ، ما لاحظت الثياب الغالية . . التي يلبسونها !!! – وفي يوم كنت اترافق ظهرا مع ابني خالي الكبير سليم وجلال . . في سوق مركز القرية ، الدي اصبح شارعه الرئيسي مرصوفا على جانبيه وعلى ازقة الشوارع الفرعية مختلف محلات التجارة والمطاعم وقلة من المصالح الحكومية - لا اعرف ما كان عليهما أن يشتريانه ، ما أعرفه . . أن خالتي طلبت منهم اخدي معهم . . حتى لا اضيق من حبستي في الدار – سليم . . شوف . . مالك ابن الحاج منصوب الاصبحي – وصل بسيارة فخمة من السعودية ، له عشرين عاما مغتربا هناك ، سافر وهو في بدايات العشرينات - لم يعد يزور اليمن إلا بالنادر . . بدل ما كان كل سنة او سنتين – ما عليه ! . . من حقه يبطر على الناس ، معه فلوس كثيرة - الله يعطينا مثل ما أعطاه ، ما زال كما هو عند عودته . . يلم صعاليك حوله – يا ابني . . هو يعمل خدام في السعودية . . حتى لو جاب معه فلوس الدنيا . . لن يكون مثلنا – هو ما قاله سليم بنبرته الاستعلائية . . المخنوقة بألم الحسد الدي يخفيه – كان قد ركن سيارته امامنا بمسافة عشرة امتار ، فامتداد الطريق مكتظا بأكشاك البيع التي احتلت طريق عبور المشاة . . ومنها ما اصبح يحتل جزءا من جانب الطريق . . على جهتيه المتقابلة – كان يصعب وجود مساحة شبه فارغة ، شغلت كلها بمظهر فوضوي بسيارات النقل والخاصة بمالكي المحلات التجارية الكبيرة - نسلم عليه ما دام من معارفكم . . قلت ، لا داعي فقد تسالمنا من اسبوعين من يوم عودته – رغم قول سليم . . لم تقف نظراتنا التلصصية . . تتابعه بعد ركن سيارته وترجله عنها . . ومن كان يرافقه ، فاكتظاظ الشارع بحركة الناس الموسومة بضجة الاصوات . . تجعل وجودنا غير ملحوظ . . له - يبدو انه اكبر سنا بكثير عن سليم - انه في الاربعينات ، لكن علامات الراحة والرخاء اقل سنا في ملامحه . . ببشرته الناعمة النظرة وحركته النشطة . . الشبيهة عمرا بالمراهقين الصغار – كانت سيارته الفورد البيضاء شديدة الفخامة والرفاهية – هو ما لحظته من داخلها اثناء تجولنا . . بعد أن غادر مكانها ومن معه – كان يلبس قميصا حريريا ابيضا ناصعا . . تحت جاكت عشوائي الالوان مكلف الثمن ، ويضع شالا تارة على رأسه كالغترة السعودية – دون عقال - واخرى ينزعه ليضعه متدليا على يده اليسرى أو يرميه على كتفه الايمن ، ويحمل تلفونا سيارا أحدث موديل يعلن عنه في الفضائيات . . وتارة يحشره في جيب قميصه الاعلى . . ليكون ملحوظا رؤيته . . الى جانب انتفاخ جيوبه الجانبية بحزم مالية تثقلها – هو مظهر معتاد رؤيته على كبار التجار ومسؤولي الدولة الاعلى نفودا – رغم زحمة الشارع وضجة الاصوات فيه . . صوته العالي لإثارة الانتباه . . كان يصل إلينا . . مخاطبا من نزل عن المقعد الامامي . . بألا ينشى اللاب توب – كل اعمالي فيه – وبحيوية للبقية النازلة بعدم نسيان أي شيء مهم في السيارة – هده الايام . . كثرت السرقة . انزلوا فالسيارة تؤمن نفسها ذاتيا بعد غلق الابواب دون مفتاح . . وايضا بعد اطفاء محركها – لا يمكن سرقتها . . هو ما قاله . . ونظراته تتنقل على وجوه الناس . . بابتسامة باردة مستمتعة بملاحقة نظرات الاخرين له خلال سيره – يزداد غبطة . . كلما كثر المبادرين له بالتحية . . ومن كان يحاول اختلاق حديث ودي معه او عرض خدماته – اكان معروفا لديه ام لا – وبردود لطيفة لمن يحومون عليه من سائلي الصدقة . . عفوا ما عندي صرف الان ، مرة اخرى . . ها – بنظرة كشفرة يلقيها على من هو بقربه من شلته . . ليسحبه وقول متكرر . . مرة ثانية – لم تكن غائبة احاديث النميمة . . ولعن الحياة والبلد والدم . . بل والشتم المقذع في امثاله – كانت هناك العديد من الوجوه تكشف دلك ، المتسمر اناسها في اماكن غير مقتربة منه . . تلوك الحديث الهامس مع بعضها . . ونظراتها لا تكف عن مصاحبته ورفقته .

لم تفتر طاقته واحاديثه المسموعة مند انتشائه بقوله : اختاروا افضل مطعم نأكل فيه – لا تهموا . . الخير واجد ، وبعدها نشتري القات – اريد اخزن افضل القات ، غير مهم إن كان غاليا . . وبأي سعر – لا إراديا دلفنا الى داخل مطعم الشيباني . . لنجلس في زاوية محجوبة – ما طلبكم . . يا أولاد الباشا – نريد نشرب مرق فقط . . خورة يا علي – نزل ثلاث مرق . . سبيشيال . . لأسياد القرية – كانت احاديث مالك والخمسة معه . . المسموعة للملأ لم تتوقف لحظة . . خلال تناول الغداء . . بكل انواع الشواء والطبخ من اللحوم والاسماك – لن تصدقوا ، القات متوفر هناك رغم منعه ، لكن يباع بشكل سري – انهم يعلمون ، لكنهم يتغاضون مادام تداوله سرا – يمكنك تخزن يوميا في بيتك ، اما ادا بلغ عنك احد وقبض عليك . . تسجن . . ويمكن تزفر من السعودية . . وبصورة مهينة – ادا اشتاق الواحد أن يخزن . . نادرا او من حين لآخر ، ليس بسبب الخوف . . فكلنا اصبحنا نعرف كيف نتدبر الامر ، المشكلة سعره الغالي . . وبأنواع رديئة وغير طرية – هي خسارة لا اكثر – لكننا اكتشفنا طريقة للحصول على تخزينه قات طري وجيد – أن تتدبر شخصا مسؤولا او معروفا من العاملين في السفارة ، فالقات لا ينقطع وصوله . . شبه يومي ، اما نهاية الاسبوع . . فيصل اليهم اجود انواع القات مع الحقيبة الدبلوماسية ، او بإرساليات من رأس السلطة وبكميات كبيرة لا يتم اعتراضها بإجازة البلاط الملكي . . غير خطي – انخفض تون صوت مالك عند وقفته لدفع الحساب . . بقوله اكلنا كثير . . حتى لم يعد الواحد أن يتكلم – مساكين الناس في البلاد . . كأنهم ميتين من الفقر

- على الركاب عدم نسيان حاجاتهم في الطائرة .
. . بعد عشرين دقيقة نحط في مطار القاهرة
، حمد لله على سلامة الجميع .

انزلت حقيبة يدي من الرف اعلى مقعدي – كانت تحتوي وثائق التخرج من الجامعة بامتياز لسنوات الدراسة الاربع و . . من الوثائق التعسفية لمنع تعييني كمعيد في الجامعة واجراءات التعيين في وزارة التربية كمدرس مع توجيهات متعددة بمنعي من التدريس وتوقيف الراتب المتكرر وتهديدات الفصل والاتهام بالإلحاد ، واخيرا قرار التفرغ للدراسة في المعهد البريطاني - وسيلة تخلص من وجودي المزعج داخل جهاز الوزارة . . لمدة عامين قبل السفر على مقعد دراسي لدرجتي الماجستير والدكتوراه . . على حساب الجانب البريطاني – عامين كاملين . . كنت قد اجتزت امتحان التأهيل للسفر اكثر من ثلاث مرات واشعرت الجهات الرسمية بضرورة سفري . . والدي كان يقابل بالرفض – كانت مدكرة المعهد الاخيرة بعدم القبول بتأخري عن السفر – تمت المحاولات لاستبدال اخر على مقعدي الدراسي ، وصولا الى وضع اسم شخص اخر قريب الشبه باسمي الرباعي . . لكن الجهات البريطانية رفضت قطعا ، كون المنحة مسجلة باسمي ووفق الوثائق الدراسية الخاصة بي – احتدمت المراسلات بين الجانبين ، خاصة وأن موقف الجانب اليمني يخسر الحكومة البريطانية تمويل مقعد دراسي لستة اعوام كاملة ، فلا يمكن لاحد أن يتم احلاله على مقعدي الدراسي ، حتى وصل الامر بمدكرة التهديد بوقف منح التعاون الثقافي المقدمة لليمن – ابلغني عندها مدير المعهد بتجهيز نفسي للسفر خلال اسبوع دون تأخير ، حل مشكلتك مع الجهة اليمنية ، ففترتك المحددة قد تجاوزتها . . ولا يمكن لك البقاء اكثر من دلك – اصابني الجنون ، ذهبت لكل الاسماء ذات التأثير للتوسط بالسماح لسفري ، خاصة بعد تعدد مرات اعتقالي ومنع تعييني في الجامعة وكنت الاول على دفعتي بمعدل تراكمي لأربع سنوات – كان اقصى محاولة فاشلة لوجود منافس اخر يستبدل حقي في التعيين – كان يؤخذ معدل السنة الاخيرة لوحدها كما كان جاريا . . لكون معدلي يزيد عن 97% ، واخذ معدل السنتين الدراسيتين الأخيرتين . . وكان نتيجتي 94% ، ثم معدل الثلاث سنوات . . وكان يقترب من سابقه – كان الفارق شاسع مع درجة الثاني من الدفعة – بعد امتحان القبول والمقابلة . . علق اسمي كحائز على قبول التعيين كمعيد في الكلية وارسال الملف الى رئاسة الجامعة لإصدار القرار ، تدخل جهاز الامن بنافذيه . . من النائب ومساعده برفض اصدار القرار دون أي تبرير – كنت اصغر معيد يتم تعيينه في الجامعة . . بعمر يقل عن الحادي والعشرين – كانت التهديدات المرفقة باستجوابي شبه اليومي كمزعج ومثير للشغب والقلاقل لإصراري على حقي قانونيا - حملت شكواي لعدة ايام لرئيس الجامعة - الدي يعد من الرموز الثقافية عربيا - كان يعرف عني جيدا ، يمدح في كثير من الجلسات التي كانت تضم كبارا من قيادة الدولة ونخبة الثقافة العربية المهجرين منهم والزائرين - كان يعرف بي تحببا من بعض مفكري الرعيل الاول بمشروع العالم والمبدع ، ولا يستكمل دون التعرض لرمزية والدي كأحد الرموز الهامة في ثورة 1948م ، شاب مبدع قاص وشاعر وناقد ومفكر . . رغم صغر سني ، حاصد للامتياز اكاديميا ، بمجرد تخرجه سيرسل من الجامعة مباشرة الى بريطانيا لدراسة الهندسة الوراثية – بعد ملاحقات تزيد عن ثلاثة اسابيع من تهرب رئيس الجامعة من مقابلتي . . عبر مدير مكتبه . . بانشغاله الدائم ، قابلته أخيرا ، بود كعادته المتواضعة رحب بي ، مددت بشكواي الخطية المرفقة بوثائق التعسف الذي اتبع معي ، ما أن بدأت الحديث . . قاطعني بلطف متعاطف – بلغني كل شيء ، هناك جهات في الدولة ترفض تعيينك ، امرها نافذ – لكن دكتور . . النظام و . . لوائح الجامعة . . والقانون . . لو علي شيء يعتقلوني . . ما دخلها بالوظيفة - شيل من رأسك التعيين واصبر ، سنعمل على تدبير منحة بريطانيا من خارج الجامعة - بكيت ، نشرت في الصحف فاضحا الجامعة والامن ، ارسلت خطابات لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء . . وفي كل المجالس واللقاءات والنقابات - ظللت اصارع رئاسة الجامعة . . ويتم احتجازي من امن الجامعة ومنعي من دخول الجامعة او اداراتها . . بدعوى اني اشكل مجاميع حزبية . . تثير الفوضى والتمرد - عرفت من عين مكاني كان ترتيبه الخامس . . بينما تصر الكلية على تعيين اثنين لحاجة الكلية . . وتجري مفاضلة بين باقي المتقدمين لتحديد الاخر – عدت مجددا للقاء رئيس الجامعة . . في زيارة الى بيته ، ما دام مدير مكتبه يقف كحائط لملاقاته . . بينما يدخل اليه كل من يصل الى مكتبه – تحادث معي عن الحال والابداع – قاطعته بأدب بوجود فرصة لأكون المعيد الثاني - تعال غدا للمكتب مع الساعة التاسعة صباحا – كان مدير مكتبه قاعدا لاستلام بريد المعاملات بعد توقيع رئيس الجامعة عليها – دكتور . . مدير مكتبك امامك . . يوميا احضر . . ولا يسمح بدخولي . . رغم انه يدخل كل من يأتي - ادخله إلي . . سجل موعده عندك – بابتسامة تخفي وراءها غيض وتحدي . . فتح باب الدخول مع اعلانه بوصولي – اجلس . ايش تشرب . . هات فنجانين بن – دكتور اليوم عند الظهر سيقر الشخص الاخر ليصدر فيه قرار . . رجاء . . لا تظلموني - ما تتعب نفسك . . حدد امس مساءا . . اما هدا الاجتماع شكلي لاختياره - زميلك سالم الجيفي - دكتور . . لم يكن من المتقدمين ، وهو في قريته . . وقبله اكثر من عشرة من حيث معدلاتهم ، كيف يعين . . وهو لم يتقدم - انها توجيهات عليا و . . لأنه لا يوجد أساتذة في الجامعة . . من الجوف - قتلني قوله ، لم اقوى على تمالك نفسي فأنهرت باكيا وفي حالة من الغيض . . تكلمت كثيرا بتحد وتجريح للجامعة ، الامن ، النظام الحاكم و . . ورئيس الدولة- اهدأ - ما تتكلم هكذا . . الموصلين كثر . . ستضر نفسك - شيل من رأسك التعيين . . اعقل وافهم ، تدبرنا لك حل . . امس الليل ، تفاهمت مع وزير التربية على تدبير منحة بريطانيا من خارج الجامعة . . روح قدم اوراقك للتعين ، وبعد سنة او اكثر . . خلال دراستك للماجستير ارسل بطلب التعيين مع ارفاق تقرير سير دراستك – يكونوا قد نسوك - سيتم اصدار قرار تعيينك وانت هناك ، هدا عملناه مع اصحابك الدين سبقوك ومثل حالتك ، كانوا قد بعثوا من جهات غير الجامعة . . ثم تم اصدار قرارات تعيينهم مجددا في الجامعة . . وهم في الخارج – تعرف سالم العبسي ومحمد سعيد وعقلان الابي في امريكا . . اوائل دفعتهم ومنع تعيينهم في الاقسام الاخرى من كليتك ، عملوا بما قلت لك .
لم اترك انسانا لكلمته قدرا إلا ولجأت اليه . . إلا واخبرني بعمل ما قاله رئيس الجامعة – لا تتأخر او تطول . . وكلنا سنقف جنبك . ايام مرت . . من دهان تلطمي لبسني ، عدت منكسرا الى رئيس الجامعة . . في يوم جلسة التخزين الاسبوعية المفتوحة الخاصة به ، اقتربت منه . . بعد أن بادرني ببراءة وجهه البشوش . . للجلوس جواره - خلاص دكتور . . سأعمل ما تقول - ابتسم بهدوء مع اخراج تلفونه من جيبه وتقريبه من وجهه بعد ابعاد نظارته من عينيه الى حافة انفه السفلى ، ضغط على خانات الارقام ببطيء . . كما لو أنه يتهجى الأرقام - يسعد مساءك سعادة الوزير ، والله كلنا اشواق ، نعرف انكم مشغولين دائما . . الله يكون في عونكم . تذكر الاتفاق بيننا ، نعم حول الشاب الدي كلمتك عنه , ايوه هو . . خبرتني عن ابيه . . نعم ، غدا العاشرة صباحا يأتي يقابلك ، تحياتي سيدي – تبكر مع كل الاوراق ، ستجد اسمك عند مدير مكتب الوزير كموعد محدد مسبقا للمقابلة . . الله يوفقك . وقف الكتابات . . حتى تسافر - بشكر متكرر هامس لمستضعف ، وقفت لأعود الى موضع جلوسي السابق ، حيث يكون الموضع المجاور لرئيس الجامعة . . شاغرا دائما في الساعة الاولى قبل تنظيم الحديث المتبادل حول مسألة يتم الاتفاق على مناقشتها .

تمت اجراءات التعيين الرسمي كمدرس تربوي – عليك الانتظار حتى موعد وصول منح التبادل الثقافي – بعد اربعة او خمسة اشهر – نصدر لك قرار الابتعاث ، وهدا مكتوب بتوجيه مني باستكمال اجراءات الابتعاث واصدار القرار فوريا وبدون تأخير . . اول ما تحصل الوزارة على حصتها من المنح . . الى أي من امريكا او بريطانيا . . تقديرا لتفوق وتميز المذكور .




. . . صخر عبدالواحد . . انت مطلوب الى عند وكيل الخدمة الاستاد الهجري . . الان .

كان خطابا جلفا . . آمرا غير ودي لضابط الى جواره عسكري مرافق . . وقفا بترفع بعد أن دلفا الى مقدمة غرفة الدرس وبتجاهل تام لمدرس الحصة الاجنبي .

علا الاستياء وجه مدير المعهد البريطاني . . انجليزي الجنسية وكامل طاقم المعهد - كيف يدخلا - الى قاعة الدرس - بزيهما العسكري . . ومسلحين ! ، حتى . . دون المرور على مكتب المدير – الطالب صخر عبدالواحد . . اتفضل معنا الان . . دون تأخير – اقشعر جسدي . . وبنظرات توسل لمدير المعهد الدي قدم اليهما عند مدخل قاعة الدرس – مخاطبا لي بلغته الانجليزية Go with them . Solve - your problem-your time was over .. already. انهم قدموا لاعتقالي ، لن يعرف احد ولا اهلي اين انا او مادا حدث لي ادا لم اعد الى البيت . . كعادتي عند الواحدة ظهرا – ستجن امي . . لأني اكبر اولادها ، مادا ستعمل ، عند من تذهب ، اين انا . . ومن اخدني والى اين . . تساؤلات عديدة . . والجواب المعهود لم يأخذه احد . . ابحثوا انتم فين راح ، يمكن نزل الحجرية . . عند اخواله !!!! . مشيت في تظاهر من الثقة بالنفس – كان يحيطا بي من الجانبين . . وقد مد كل واحد منهما عنقه بتطاول لأعلى ، بعد اخبارهم لسكرتيرة المدير المترجمة بعودتي بعد نصف ساعة . . لا اكثر .

دلفنا الى مبنى الوزارة ، لم يأخذ زمن انتظاري لادن الدخول الى الوكيل بضع دقائق ، حيث خرج من كان في مكتبه ، اضاء اللمبة الحمراء المستخدمة لانشغاله في اجتماع خاص – كان يحضر جوار ضابط من الأمن الرئاسي برتبة رائد استمر مبحلق في وجهي بصرامة . . كما لو انه ينتظر اشارة ما لينقض علي ويمزقني دون رحمة – ابتسم الوكيل تجاهي بتكلف مخاطبا تفضل اجلس بعد أن توضع على كرسيه الدوار مرتفع المسند المحاك بجلد اسود فاخر . . وارخى يديه بزهو على دراعي المقعد امرا مدير مكتبه بإشعال زر كهربي موضوع على الجانب البعيد من مكتبه ، والدي يضيء لمبة حمراء مرتقه اعلى باب غرفة مكتبه من الخارج مع توجيهه الشفوي بعدم السماح لأي كان بالدخول . . سوى بعد خروجي من اللقاء ، حيث كان لأناس خاصين من أصحاب الوجاهة أو النفوذ مسموح لهم الدخول . . وإن كانت اللمبة الحمراء مضاءة . . وفي اجتماع رسمي – كان هذه الطريقة المتبعة كإشارة الانشغال في اجتماع مهم لحضرة المسئول المهم ، على العاملين او المواطنين الانتظار ، من يلزمه الدخول اليه حول مشكلة تواجهه في الاجراءات . . أن ينتظر حتى يطفأ ضوء المصباح بلونه الاحمر ويؤذن له بالدخول . . من معاليه - عمم استخدام هده الطريقة خلال السنوات القليلة مؤخرا . . تقليدا بالبلدان المتقدمة الاخرى . . كواحد من اجراءات التحديث لشخوص قيادة الصف الاول للوزارات والمؤسسات الرسمية والاهلية .
تنحنح بتثاقل قبل اخراج كلماته برنتها المتعالية الموجهة إلي – والبسمة الفاترة لم تغادر محياه – تريد تسافر . . ومازالت كتاباتك المشاغبة . . المهاجمة للنظام والرئيس والماركسية المحرضة تنشر . . باستمرار في الصحف ، حتى لا نعرف كيف منها يمرق على الرقابة في الصحف الرسمية – ما كان لواحد بأفكارك المسمومة . . أن نسمح له بالتعيين في هيئة التدريس الجامعي . . ليصبح دكتورا في المستقبل – ما زلت صغيرا . . لا تعرف شيئا . . والمستقبل امامك واسعا ما رأيك تشتغل معنا – يكفيك ما تعانيه وتهديد مستقبلك وانت متفوق – حرام . . ما تفعله بنفسك واسرتك – كان حديثه قد شحن شجاعة عنفواني . . لشعوري بتلك الاهمية في نظر النظام – انا لا اشتغل مخبر مع أي طرف - مادا فعلت ، انا انسان حر ومستقل . . اكتب ما اعتقده في مقالاتي او كتاباتي القصصية والشعرية . . لا اكثر – انا لا احمل سلاح . . ولم اكن في عمل سري مضاد للنظام – كانت نظرات الشرر التي تكسو وجه ضابط الامن . . قد هبطت نبرات صوتي لتبريء نفسي من الاتهام – افتهم لك خطأ ، لا نريك مخبرا . . بل نفرد لك مساحة في صحيفة 26سبتمر تكتب فيها . . مدافعا عن الرئيس والنظام - انا لست ضد أحد ، أ . . أنا مع البلد و . . حبي لها هو ما يدفعني للكتابة ، لن تجد في اي موضوع منشور لي . . يقوم على التحريض – خانتني نفسي في اظهار قوة تماسكي . . الدي اعتدت عليه خلال فترات التحقيق الماضية التي تعرضت لها في مرات عديدة ، بين الاتهام الامني بالعمالة الحزبية للجنوب واخرى باتهامات التكفير والالحاد – هده المرة الامر مختلف . . ويبدو فيها . . نهايتي – اسمع . . لدي سوى خمسة دقائق فقط معك و . . بلا تطويل -عندي اجتماع مهم مع الوزير – اجيبها لك من الاخر و . . انت حر



- هناك توجيهات من الرئيس شخصيا
. . بتعيينك وكيل وزارة التربية وفيلا إن اردت البقاء ، أو إعادة تعيينك في الجامعة وتسافر الى بريطانيا للدراسة – ها . . موافق .
- اتركوني اسافر . ادا في شيء يدينني . . اعملوا بي . . ما تشاؤون – ما أقدر أن اكون تابع لأحد .
- فكر لبكره ورد علي .
. . ما رضينا نعسك* . . حتى الان
، من اجل والدك الدي كان من قادة احرار 1948م ، و . . من اجل خالك السبتمبري مؤسس وزارة الخارجية للجمهورية .

نهض من مقعده متأبطا دراع رجل الامن الزائر لديه . . اعلانا بانتهاء اللقاء - كانت انفراجه شفتيه الباسمة بتصنع . . قد تلاشت بعد ردي السابق ، وبازدراء نظر إلي . . حين ادرك عدم امكانية تفكير ي وقبولي خلال المهلة التي منحني اياها ، قال : ستندم – عبر باب الخروج عن مكتبه . . بتجاهل النظر تجاهي ، بينما كان زائره يرمقني بحدة وقد تشربتا عيناه اللون الاحمر الدامي . . بإيحاءات مليئة بالكراهية والوعد . . بسوء ما سألاقيه .

- حمد لله على السلامة
. . قفوا في الصف ، كلكم حتمشوا* بسرعة .

ودعتني المرأة وابنتها بعد أن وضعت حقائبها على الناقل – فأنا غريب بالنسبة لهم – بسطت نظري شاغرا نحو الطلبة الواصلين معنا ، الدين لا يزيد عددهم عن خمسة عشرة طالبا ، تفرقوا في مجاميع من ثلاثة الى خمسة افراد - سرت خلف اول مجموعة في الصف المتحرك نحو كشك تختيم جوازات الواصلين - لم أكن احتكم سوى على ثلاثين دولارا فقط . . عسى اركب معهم او اقتسم معهم اجرة التاكسي او ادا ما غادرنا على حافلة النقل . . أن ينزلوني في الدقي عند مقهى تجمع اليمنيين . . حتى لا أضيع
ممكن اركب معكم . اريد اوصل الدقي .-
. . أول مرة اجي القاهرة .
- ولا يهمك . معك حد هناك ؟
- ص . . صديقي و . . معي رقمه .
. . شكرا لكم .


تعارفنا سريعا بعد تقديم الاسماء ، استكملوا اجراءاتهم ، لوحوا لي بأيديهم بأنهم بانتظاري – تفضل استرح قليلا . . ما تقلق . . سيفحصون الجواز داخل . . لن نؤخرك – فرغت الطوابير ، بعد نصف ساعة اقترب سامح من المجموعة قريبا لأسمع كلامه ، نحن مستعجلين ، لا تقلق ، ما أحد يضيع في القاهرة ، خد تاكسي . . واعطيه العنوان . . سيوصلك للمكان الدي تريده – نصف ساعة اخرى ، يعود الضابط حاملا الجواز . . معتذرا عن التأخير ، متمنيا لي زيارة طيبة . . على أن أذهب خلال ثلاثة ايام لعمل تأشيرة الاقامة في المبنى العام الواقع في ميدان التحرير .

كان الارهاق يجتاح جسدي ، فالخوف الدي اعتراني ازداد عما عانيته مند وصولي لمطار الحديدة والمغادرة . . لرؤيتي محتجزا في مطار القاهرة ، خاصة حين رأيت الجميع قد غادر ، وظهرت الصالة العامة ايضا فارغة من المسافرين . . عدا العاملين في المطار . سألت كيف الوصول الى الدقي - اخر حافلة نقل عام غادرت قبل نصف ساعة ، ليس هناك سبيل غير استئجار تاكسي بعد صرف العملة من البنك بالجنيه المصري – احدر . . ما تعطي اكثر من عشرين جنيه ، ما تبين أنك تزور مصر اول مرة و . . إلا ينصبون عليك ، تكلم باللهجة المصرية . . التي تعرفها من الافلام . . مع سائق التاكسي وحتى عند انتظارك لصاحبك - كانت النصيحة الاخيرة للشمري . . بعد أن طلبت من ضابط الجوازات الخروج للتحدث مع صديقي .

شارف الوقت على الثامنة مساءا ، ثلاث ساعات ارتشف كؤوس الشاي والبن على مقهى الشروق نهاية الدقي المواجهة للجسر . . ولم ارى يمنيا انسانا اعرفه ، بعض من كبار السن واخرين من الغلاظ ممن عهدت امثالهم في اليمن قبلا – كانت احاديثهم عن الهرم والبارات والشغالات . . ونادرا عن قضاء فسحة في الاسكندرية ، أبو سمبل ، الأقصر ، البلاجات الواقعة على الشواطئ البحرية و . . ليالي السهر الحمراء في الشاليهات والعبارات الراسية على نهر النيل - صدفة قدما شابان يمنيان يستعجل احدهما الاخر بأن يشرب الشاي سريعا – سنتأخر . لعنة الله على عادتك . . سنتأخر – ألقيت التحية واخبرتهم أني غريب . . اريد الوصول الى مبنى رابطة الطلاب اليمنيين – امشي معنا . . فهو على طريقنا – وقفت منتظرا بحقيبتي . . بعد أن تنفست الصعداء . . فلم يكن بحوزتي سوى عشرين دولارا . . لا تكفي لليلة في الفندق – كنت اتجاهل بضعف حالتي همهمة الاخر الواقف بتدمر مكتوم .

شرحت قصتي . . شاكيا وبتحدي حتى الظرف القاهر لوصولي القاهرة - عديدون تجمعوا حولي – كان كل من يذهب . . يعود بغيره – كنت اشعر نفسي فرجة ، فتتمزق روحي ألما – منهم من كان يستمع بعجالة دون اهتمام ، اخرين لمست تعاطفهم بعدم تركي ، خاصة ومن سالت عنهم معروفين في الوسط الطلابي – تمت محاولات الاتصال بسهيل العريقي . . علي فاهم او الراجحي سعيد . . و انتظار قدوم أي منهم او أي مبعوث دراسات عليا من جامعة صنعاء - قلت . . نحن زملاء واصدقاء يعرفوني – كنا معيدين معا في الجامعة و . . يعرفون قصتي – كنت مبتعث الى بريطانيا – اريتهم اوراقي – كان البعض الكثر . . احسست بذات الاحساس الذي عانيته قبلا ، كانت ملامحهم واسئلتهم المتتابعة والنظرات المتناقلة بحركات رؤوسهم تجاه بعض . . بمن نعرفهم بالمخبرين الامنيين من الطلاب – وهو ما نبهت له قبل سفري من الرفاق – لم يكن باليد حيلة ، ادا ما تكلمت بدلك . . فلن يهتم احدا بوجودي - لا تقلق ، هم نادرا يجيئون الى هنا ، لكنهم عادة – اي واحد منهم – يتواجد مع اخرين في الشارع . . قريبا من المبنى . . بعد الحادية عشر ليلا – الناس لا ينامون حتى الفجر – بالضرورة من سيظهر منهم ، حتى لو لم يأتي احد منهم . . تذهب معنا ونتصل بهم غدا ، حاولنا نتصل بهم وتلفوناتهم مغلقة ، حتى لو ما يجيبون نعرف اين يسكنون . . لا تقلق - همس الاحمدي ي في اذني . . وقف حديثك هدا ، انا من الحزب . . كثير من الموجودين مخبرين .

سحبني الاحمدي خارج المبنى بعد أن حمل حقيبة ملابسي . . وحلمي العزعزي – انا سآخذه معي – كان قد قاطع البعض الاخرين . . بشراسة من المشتبه بهم حين ابدوا متأخرا بأنهم سيقومون بواجب استضافتي – لم يتركاني الاحمدي والعزعزي لحظة ، تحركت معهما وقد تملكني شعور الأمان تجاههم .

- اكيد انت جوعان . . وما أكلت شيء .
. . نتعشى . . ثم نعود .

عدنا الى شارع عمارة مكتب الرابطة ، والتي كانت تتوسط سلسلة المباني من ذات النسق على الجهة اليمنى – كانت تجمعات الطلبة اليمنيين تتكاثر في اعدادها ، يقفون متناثرين على رصيفي جهتي الطريق ، واصوات المتحادثين عاليا – كانت الساعة تقترب من الثالثة بعد منتصف الليل – الحياة ما تزال تدب في كل مكان . . في حالة نشوة كما لو كنا في بداية الامسية ، رغم ما بدا واضحا . . تخفف وجود المجاميع وبأعداد محدودة من الافراد . . خلال نصف الساعة الماضية – كثيرون من صافحتهم وتحادثنا مليا – كان يعرفنا ببعض الاحمدي . . كشباب من الوطنيين ، لأول شعرت بالغبطة والارتياح بعد عذاب طويل ، حين وجدت تلك الحفاوة والتسابق من يستضيفني عنده ، بعض منهم اخبر بمعرفته اسمي وقصة معاناتي في اليمن وثلاثة منهم اكد معرفته بي من بعيد – اخيرا ظهر سهيل العريقي بقامته القصيرة مع صديقين اخرين ، كان كما عهدته خلال دراستنا في جامعة صنعاء ضاحكا مماحكا . . مع طارئ جديد بنصب عنقه بثبات كطالب دراسات عليا – جونيور الطلبة ، خاصة وانه من مبعوثي الجامعة الاكاديميين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير