الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس الديانة العراقية القديمة ح 3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 12 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ومن الصور الاخرى التي نقلها لنا المدون العراقي القديم عن طبيعة العلاقة التي تربط الله رب الأرباب مع الإنسان تلك الصورة الرائعة التي تشير إلى أن هذه العلاقة لا كما تصفها الديانات الأخرى علاقة تسلطية جبروتية، بقدر ما هي علاقة إصلاح وتعليم وتسامح الهدف منها في النتيجة أن يكون الإنسان على قدر الوظيفة التي جعل من أجلها، في ملحمة خلق آدم والتي ستكون في الغالب محور دراساتنا هنا في هذا البحث نجد هذه العلاقة مجسدة بما وردت، فهي لا تصور تأملي ولا أستنتاج أفتراضي، إنه النص الديني بكامل تجلياته (في أحد الأيام ذهب أداپا بقاربه إلى مياه البحر ليصطاد السمك، وعندما كانت الريح الجنوبية قد هبّت بعاصفة قوية، انقلب قارب أداپا فجأة وألقى به في البحر، غضب أداپا غضباً شديداً، فكسر جناح الريح الجنوبية وبسبب ذلك لم تستطع الريح الجنوبية من ان تهب لسبعة أيام متتالية) ، عندما سمع الإله الكبير أنا أو أنو بفعلة آدم غضب على أداپا بسبب فعلته الشنيعة تلك، فأرسل بطلبه للمثول أمامه وكان على أدابا ان يأخذ المشورة من إيا قبل لقائه "أنه" أو "أنا" أو " أنو".
يقول المؤرخون وقراء الكتابات المسمارية ومؤرخوها ودارسي الدين السومري العراقي القديم عن "إيا" هو إله الحكمة، والحقيقة ليس إيا إلا إبليس الملاك الفاسد الذي شهد الخلق الأول للكائنات السبعة القديمة، فدبر أول مكيدة في الوجود بقناع ومبرر ديني وقدسي مخاطبا نوازع البشر الأولى وهي الخوف من الموت، فدلاه بغرور على حل (لكن إيا كان يخشى شيئاً واحداً، أن يقدّم " أنو" الطعام والشراب لأداپا، اللذان يمنحانه الحياة الأبدية (الخلود)، وكان عليه التأكد من ان أداپا سوف لا يقبل عرض ربّ السماء أبداً، و بشتّى السُبل) هذه أول خديعة مرت على الإنسان ومنها تناسلت كل الخدع وبشتى السبل) لينتهي الإنسان ضحية خدع الآلهة أو من ينتسبون لها، لم يخدعه حيوان ولم تخدعه الطبيعة ولم يخدعه أحد إلا رجال الآلهة، النهاية بدأت منذ البداية (الذي حصل مع أنو في مجلسه بحضور أداپا قد وضعه في حرج شديد، عندما رفض طعام وشراب الحياة الخالدة، بعد ذلك الموقف أعاد ربّ السماء أنو أداپا إلى الأرض، وفَرض عليه العيش حياته كبشر) .
إذا القصة الحقيقية لآدم أو "أداپا" لم تكن بالشكل الوارد لا بسفر التكوين التوراتي اليهودي ولا بالنص القرآني المحمدي، وإن كان كلاهما أجتزأ القصة وقدمها في قالب مناسب للبيئة الفكرية التي تتلائم مع العقلية الشعبية التي نزل فيها أو أنتشر الدين فيها، القصة كما هي عند العراقيين القدماء أن الله خلق الأياء السبعة من الماء والطين في الأرض، ومن كل زوج خلق أثنين ذكر وأنثى حسب طبيعة المادة الطينية المصنوع منها المكان، الإشارة إلى أن الأباء السبعة "أباء الكل" أو "أبكالو" كانوا على شكل كائن برمائي "عبارة عن رجال بجذع سمكة، رؤوسهم و أذرعهم وسيقانهم بشرية، وأحياناً مع الأجنحة"، إذا الإشارة القرآنية الواردة مطلقا تاما بخصوص الجعل تنطبق على آدم وأخوته السبعة "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، لكن لو أردنا أن نطابق الدلالة القصدية والمعنوية مع النص القرآني خاصة والإبراهيمي عامة لا يمكننا أن نطابق المدلول مع الدال إلا بالتأويل والتفسير الغير منطقي ((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) الروم ‏‏20، وأيضا يكرر المعنى نصا ودلاله في نص أخر (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) الحج 5، ومره يعود ليضيف للتراب مادة أخرى، إنه الماء ليطابق قانون من كل شيء فقد حلقكم من طين إذا (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون) الأنعام 2. ويؤكد المعنى ثانية (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) الصافات 11، ويصر في نص ثالث أنه خلق من طين (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين) سورة ص71.
في قصة الخليقة وتحديد خلق آدم وما رافق ذلك من أحداث وأفكار وحوارات بين الملائكة والرب الذي هو "أنه" أو " أنا الله الذي لا إله إلا هو"، أنظر للصيغة الكلامية من الناحية اللغوية وسترى أن الحديث منقول وليس بث مباشر من الله، أنا المتكلم الذي يقول ويوكد أن لا إله إلا هو ، وهو ضمير فرد غائب يعود لأنا سبق وإن قال " أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ"، هذا الخطاب لا يفهم هكذا ببساطة لأنه خطاب مركب ومتداخل ومنقول عن متحدث يتحدث عن نفسه أسمه "هو" "أني" وهو "أنا" أو "أنه" باللغة العراقية القديمة، فهذا الـ "أنه" أو "أنو" أو "أنا" هو جميعا الله بكل مسمياته وتسمياته المتعددة واحد لا إله إلا هو، نعود لموضوع الفقره البحثية والخاصة بالخلق البشري الإنساني الأول "آدم" أو " أداپا"، فتؤكد العقيدة الدينية العراقية أمرا لم ترده الديانات الإبراهيمية الكبرى الثلاث، ولكن لا تنفيه بل تلمح إجمالا لحصوله، وهو أن الله أصطفى آدم للمهمة البشرية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) أل عمران (33)، والاصطفاء عملية أنتقاء وفق مواصفات خاصة من بين عدة نماذج خاضعة للمقايسة والمعيارية اللازمة، من السهل مثلا أن يحتار نوح وأل إبراهيم وأل عمران من أقرانهم لوجود أخرين في مستويات عدة من المماثلة والتمييز، لكن السؤال يثار في أصطفاء آدم؟، هل كان هناك أكثر من شريك لآدم خضع لقواعد الأصطفاء؟.
الأصطفاء يعني بالحقيقة كما ورد في الديانة العراقية عندما أراد الله أن يجعل مشروعه الأستعماري في الأرض بواسطة الجعل البشري (إني جاعل في الأرض خليفة)، فإنه لم يخلق آدم واحد ليستعمر الأرض ومن ثم يصطفيه لوحده من بين من؟ الجواب في الديانة العراقية القديم واضح ومشروح ومؤكد أنه ووفقا للنصوص الإبراهيمية ذاتها قد خلق من كل زوج أثنين كقاعدة عامة، ثم عدد الخلق سبعا سبعاُ (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ... وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ.... وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ.... وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) من 10 الى 20 من سورة المؤمنين تقص لنا نفس حكاية الحلق البشري العراقية القديمة، فوقكم لا تعني أعلى منكم ولكن تعني أصلكم الأعلى، فكانوا سبعة طرائق أو سبع نماذج منها أصطفى ’دم على العالمين الذين هم في المجموع أربعة عشر سبع سموات وسبع من الأرضين، أي سبع ذكور وسبع من الإناث، بل خلق سبعة منهم كل له مواصفات وطبيعة وتكييف مختلف طبقا للرؤية الربانية التي أخبر الله بها ملائكته وعماله، بأني جاعل في الأرض خليفة، وأنزلهم الأرض ليكون في محل أختبار وأختيار وهم كل من (أداپا Adapa أو آدم (الإنسان الأول)، أُوّن دوگا Uan-dugga، و أن ـ مي ـ ديوگا En-me-duga، و أن ـ مي ـ گالانّا En-me-galanna، و أن ـ مي ـ بيلوگا En-me-buluga، و أن ـ إنليلدا An-enlilda، و يوتو ـ أبزو Utu-abzu) ومن هؤلاء أصطفى الله آدم بعد أن نجح في الأختبار الوارد في الحكاية البابلية.
في الديانات الإبراهيمية مثلا ألف إشكالية وإشكالية في موضوع خلق آدم بدأ كما قلنا من موضوع الأصطفاء، فهي تسكت ولا تجيب بجواب منطقي أو حقيقي مجرد تأويلات ظنية لا مجال حتى لأصغر عقل من أن يقبلها، النقطة الأخرى والأهم أن أبناء آدم كيف تناسلوا في الأرض بعد أن جزمت بحرمة جواز الأخوة من صلب واحد ورحم واحد، فإن سلمنا بالرواية التوراتية فكل البشر هم أبناء حرام نتجوا من زواج محارم غير شرعي، القرآن ذاته لم ولن يجيب أصلا على المسألة ولم يتطرق لها حتى، النقطة الأهم وعلميا ومن خلال نصوص الدين الإبراهيمي أن آدم الزوج والزوجة من طينة واحدة، أي أنهم يحملون نفس الصفات والرموز الجينية، وبالتالي عند تطبيق قوانين مندل وما بعدها الخاصة بالوراثة، فأنها ستنتج لنا أجيالا متشابهة في كل شيء لا يمكن معها قبول التعدد اللوني والجسدي والبدني والسلوكي الموجود فعلا لدى أبناء آدم، الحقيقة إذن وحدها عند العراقيين القدماء عندما قالوا أن الله خلق سبع مثاني من آدم، كل له شكل ولون وصفة مميزة، وأنزلهم الأرض ليخضعوا لعملية الأصطفاء المذكورة، ووزع عليهم الملكات الطبيعية التي سيتم التفاضل عليهن، فكام آدم أو أدابا صاحب الحكمة الذي فاز بخيار الأصطفاء من الله.... فأراد أن يخضعه للأختبار الأخير (فقال له) "أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا ... الخ" هنا تدخل "إبليس إيا" ليوهمه أن الله لا يريد له الخلود وإنه أمره بأن يأكل من كل شيء إلا من شجرة الخلد، فقد أوردت الديانة العراقية القديمة هذا النص الذي لم يجرؤ أحد من كل دعاة الأديان أن يقوله بوضوح (لكن إيا كان يخشى شيئاً واحداً، أن يقدّم " أنو" الطعام والشراب لأداپا، اللذان يمنحانه الحياة الأبدية (الخلود)، وكان عليه التأكد من ان أداپا سوف لا يقبل عرض ربّ السماء أبداً، و بشتّى السُبل)، هذه كانت أول خديعة مرت على آدم ومنها تناسلت كل الخدع وبشتى السبل).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء