الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهداء لا يعودون!

رانيا لصوي

2022 / 12 / 4
القضية الفلسطينية


على طريق الآلام، وكما الأنبياء، نخطو فوق أوجاعنا ونتقدم، نُصلب، نموت ولكننا نبتسم، ومابين الشعار والواقع .. دماء الشهداء تسجل القول الفصل.

نفتقد المحُبين ويغيب الحاضرين، وتبقى الأرواح محلّقة تبحث عن مَرسى، وكيف يكون لنا ما نريد وهناك غرابيب سود انتشرت في المكان، خطفت الجسد، حبسته والروح منه سحبت.

قصص العشق لا يُنهيها إلا سواد القلب، وهنُّ الجسد، نلهث وراء بعضَ ما فُفد منا، نلملم الجراح فنجد أنفسنا في تيهٍ أعمق ووجع أكبر وكأننا لا نقوى على كتابة السطر الأخير...

خرجوا للشهادة.. حالمين بعناق تراب الوطن، مؤمنين بعدالة القضية وحتمية النصر، لم يخافوا منها، اتخذوا قرارهم بالانعتاق، طلبوها فكانت لهم حق.

خرجوا أبطالا لا يهابون شيئا يكتبون قصصهم، لا يسمعون إلا نبضات قلوبهم، تدق بعنفوان ...

لحظة الكبرياء، ومواجهة المحتل بكل ذلك الشموخ هم شهداء..

ولكن ، كانت النهاية الموجعة، وبقيت الروح المعلقة، تنظر إلينا من السماء، تَرقُب فعلنا، أرض الوطن وترابه، ويبقى السؤال كيف صلبنا؟ ومتى نعانق الأرض شهداء حقيقيون؟ متى تُزف الجثامين وتطلق الزغاريد ليدفىء الجسد البارد المتعب في ثلاجات الموتى وما أرادوا هذا وما لهذا صلبوا وما كان طريق الآلام إلا ليصعدوا بأرواحٍ مرتاحة فرحة هانئة تخالط الزيت والزيتون وتزهر في الدحنون..

جثامين الشهداء المحتجزه هناك، بين فكي من لا يرحم، مازالت باردة ، موجوعه تنبض بآخر نبضات العشق، تقاوم أعضائها السرقة، تقاوم الدماء تثلجها، تقاوم الروح عطشها لتروي  الأمهات الباكيات المثقلات بالأم متى ندفن؟!

قولٌ فصلٌ موجع لأهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم

مع كل صرخة يطلقها أهالي الشهداء ولا تُسمع

مع كل كلمة لا تُقرأ

مع كل نداء لا يُستجاب

مع كل دمعة ام لا تُكفكف

تزداد طبقات الصقيع على أجساد أبنائنا الشهداء الذين ارتقوا وامتطوا النجوم ليصنعوا لكم حياة كريمة يسودها الأمان والاطمئنان ..

ويزداد عدد الشهداء الذين تشتاق الأرض الى احتضان جثامينهم الطاهرة، يتكدسون فوق بعضهم البعض في ثلاجات مهترئة ضيقة شديدة البرودة، شهداء وشهيدات أطفال وشيوخ، دون أي اعتبار لأي كرامة وأي دين وأي عرف ..

كلما كتبنا ولم تُقرأ كلماتنا يتعاظم حزننا، ويكبُر خوفنا من مصير أبنائنا، وتتكاثر الأسئلة التي توخز ضمائرنا في الصحو والمنام دون أن تلقى أية إجابة شافية تُعيننا على الصبر واحتمال الفقد الملتبس: هل أبناؤنا أحياء أم شهداء؟ هل هم في مقابر الأرقام أم في الثلاجات؟ هل أجسادهم كاملة ما زالت أم خضعت لسرقة أعضاء أو تشويه؟ ما الذي تحدثه طبقات الصقيع المتراكمة على أجسادهم من زمن غير قصير، تحت أي ظروف دُفنوا في مقابر الأرقام؟ هل جَرفت السيول رُفاتهم؟ هل افترست الوحوش أجسادهم؟ متى تُغلق القبور المفتوحة، متى "تفرح" بقبلة الوداع؟

عذرا أيها الناس،

لا نقصد إثارة مشاعركم وأحزانكم، بل نقصد القول وبقوة أن صرخاتنا ما زالت عالية ولم تُسمع، ونداءاتنا قوية ولم يُستجب لها، وكلماتنا تكرر نفسها في كل مرة ولم تُقرأ وإذا قُرئت لم تُفهم.. وأسئلتنا تتكاثر وتزداد وخزا وألماً دون أي جواب، قضيتنا "تخصخصت" وباتت خاصة لعائلة الشهيد وفقط، كما قضية الأسرى الخاصة بعائلاتهم وحسب، لا يُضعفنا ذلك لكنه يُحزننا، لا يثنينا عن اصرارنا على مواصلة معركة الدفء لكن يقلقنا الشعور "يا لوحدنا..!".

عذرا أيها الناس،

قضيتنا قضيتكم، معركتنا معركتكم، وجعنا وجعكم، أبناؤنا الأقمار أقماركم، ولا مكان للخصخصة في القضايا الوطنية، ولا فائدة من التفريق بين قضية وقضية، ولا بين وجع ووجع، ولا قوة لفئة تتوجع دون مشاركة الكل الوطني، هذا نداؤنا ليس الأول ولن يكون الأخير، هذا بياننا المقتضب والمختصر، هذه دعوتنا، تلبية لنداء أطلقه الأسير الحر سامر العيساوي الذي يخوض معركة الدفء للجثامين بأمعائه الخاوية.. هذا إعلاننا للمرة تلو المرة أننا لن نهدأ ولن نكل ولن نتوقف عن الفعل من أجل انجاز شعارنا الموجع "بدنا ولادنا".. هذه دعوتنا لأن نصرخ معا في وجه كل من أدار ظهره إلى وجعنا، محليا ودوليا، بأننا لن نترك أبناءنا فريسة لصقيع الثلاجات ولمبضع سارق الأعضاء، هذه دعوتنا إلى العالم بأن يصحو من غفوتهِ ويلتفت إلى ما يسببه الاحتلال من جرائم بحق الإنسانية جمعاء ..

يــــــا الله! كيف أصبحنا هنا، بكل هذا الوهن والضعف، من وجع سنين الأسر التي تأكل عظام أسرانا أحياء في سجون الاحتلال، إلى وجع شهداء لم تهدئ أجسادهم بعد، لم تزغرد الأمهات ولم تُمنَ بقبلة الوداع، أيَّ وهن هذا أن يضرب أسيرا في سجون الاحتلال معلناً صرخته من لحمٍ ودم، متضامناً مع قضية عادلة إنسانية تركها الكثيرون، غاب عنها أصحاب القرار والقيادة، هم في تيه الدولة والسلطة، سكنوا الكراسي والمواقع، لم يشعروا برودة الحياة.. فكيف لهم أن يقدروا برودة جسدٍ ينام في ثلاجة؟

بتنا نبحث عن مدفن يليق بقصص البطولة واكتمال قصص الشهداء، أن نكتب السطر الأخير في بطولة شهيد، أهكذا يختزل النضال؟ أهذا هو الحال؟

كيف لا، ونحن نتلوى ألماً من أوسلو ووهمّ الدولة، عندما نتناسى فضايانا الكبيرة، نُقسم البلد، ونختلف على السلطة، نعيش وهم الدولة تحت الاحتلال، نستبدل التحرر والسيادة بالتنسيق الأمني والخيانة... تتغير الصورة وتختفي البطولة ولن تُكتب السطور الأخيرة ....

إنه زمن الهزيمة والخذلان، احتجاز أكثر من مائة جثمان شهيد عاشق، منهم 11 طفلاً، رهناً للمساومة!

لا قولٌ بات يُقال، أصرخُ كما تصرخ الأمهات والمُحبين، نستصرخكم كلكم في مكانه وبيته ومسؤوليته، أما زال بعضٌ من دم وكرامة؟

لنكتب قصص العشق كما يليق بها وبالعاشقين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟