الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 133

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِن تَجتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئاتِكُم وَنُدخِلكُم مُّدخَلًا كَريمًا (31)
الإسلام لم يزن كل المحرمات ولا كل الواجبات بمعيار واحد، وهذا التمييز صحيح، سواء كان في القانون الوضعي، أو في القواعد الأخلاقية، أو التشريعات الدينية. فالكبائر هي ما يستحق مرتكبها حسب بعض المفسرين الخلود في النار، أما الصغائر أو ما يسمى باللمم، فإما تكون عقوبتها محدودة زمنية وليس أبدية، وإما يتوب الله على مرتكبها، خاصة إذا كان ذا أعمال صالحة تشفع له، ومع عدم الإصرار، ومع الالتزام عموما بطاعة أحكام الدين، التي يعتقدها أحكام الله. فمع اجتناب الكبائر يعد الله حسب مؤلف القرآن المؤمنين بالتوبة والمغفرة وتكفير السيئات من الصغائر، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها، والتي وصف هذا الإدخال بالمُدخَل الكريم، وهو أمر معقول، إذا غضضنا النظر عما يعتبره الدين من الكبائر أو من اللمم، وعن صور العقاب وأبديتع في القرآن.
وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ لِّلرِّجالِ نَصيبٌ مِّمَّا اكتَسَبوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِّمَّا اكتَسَبنَ وَاسأَلُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا (32)
هذه من الخصال الأخلاقية ومن شروط حفظ الإنسان لتوازنه، فيما حصل عليه وما حرم منه مما يتمناه لنفسه. أن يتمنى الإنسان ما حرم منه، مما تمتع به آخرون، امر طبيعي ومقبول بحدود، فغير المقبول منه هو أن يشعر الإنسان بمشاعر سلبية تجاه من يتمتع بما يتمناه لنفسه وحرم منه، فهذا غير مقبول أخلاقيا، وما هو غير مقبول عقلانيا ونفسيا، هو أن يعيش الإنسان حالة من الأسى والحسرة، حتى لو لم يمتلك مشاعر سلبية تجاه من ذكر، وبالتالي يفقد توازنه، فالعاقل يسعى بشكل طبيعي للحصول على ما يتطلع إليه، ويقدم الأهم على الأقل أهمية، ويعمل في إطار الممكن، لا في إطار المستحيل. هذا بقطع النظر عما إذا كان الإنسان مؤمنا بالله، أو لم يكن مؤمنا، ولعلنا نجد في غير المؤمنين من هم أقدر بكثير من أكثر المؤمنين على الحفاظ على توازنهم والرضا بما عندهم. لكن المؤمن بالله، لاسيما المؤمن به كإله قدير رحيم حكيم يتدخل إن شاء في شؤون خلقه، وليس كمجرد مصمم أول للكون، دون التدخل في تفاصيل ما يكون بعد الخلق، لاسيما شؤون الإنسان، فالمؤمن على النحو الذي ذكرناه يفترض به أن يكون راضيا بما أنعم عليه الله شاكرا له، غير ساخط بسبب ما حرم منه، فرحا للآخرين فيما لديهم مما ليس لديه، غير حاسد لهم، بل غابط لهم ذلك، حتى لو تمنى ما لديهم أو بعضه، لكن دون أن يؤدي به ذلك إلى حالة السخط، الذي هو عكس الرضا الذي هو من صفات المؤمن، ولا ناقما على من يتمتع بما حرم هو منه. لكننا نجد غالبا غير المؤمنين أقدر على التكيف مع الحالات السلبية التي تصيبهم في الحياة من المؤمنين، الذين نرى الكثير منهم رغم إيمانهم وعبادتهم سرعان ما يفقدون توازنهم، إذا ما أصابهم مكروه. ومع ما بينا التمييز بين ما هو مقبول أخلاقيا وعقلانيا ونفسيا، وما هو غير مقبول فإننا نجد إن الآية تنهى عن تمني ذلك، بدون تفصيل ما هو مقبول وما هو مدان.
وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ وَالَّذينَ عَقَدَت أَيمانُكُم فَآتوهُم نَصيبَهُم إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدًا (33)
هنا يجري الكلام عمن أسمتهم الآية بالموالي وحسب المفسرين واعتماد على الروايات، يقصد بهم الورثة، مع إن هناك نوعا من الارتباك في التعبير، فكأننا بالآية تقول «ولكل جعلنا ورثة مما ترك الوالدان والأقربون»، وكان الأجدر أن «لكل من الوالدين والأقربين جعلنا ورثة يرثونهم». المهم الآية تحث على أن يسلك كل وارث نصيبه من الإرث، حسب تقسيم الشريعة الإسلامية، التي حددت لكل من الأبناء والبنات والزوجات والأزواج والأمهات والآباء حصته المحددة، وكل ذلك يقوم على قاعدة أن القيمة الاقتصادية للأنثى هي نصف القيمة الاقتصادية للذكر، وهكذا هي حتى القيمة المعنوية لكل منهما، إذا ما قمنا بمسح شامل دقيق، لما يطرحه القرآن من رؤيته لكل من الذكور والإناث.
الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ وَّبِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِّلغَيبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظوهُنَّ وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ وَاضرِبوهُنَّ فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا (34)
وهذه واحدة من الآيات التي تؤكد ذكورية الإسلام، وذكورية الله، حسب تصوير القرآن له، تنزه عن ذلك، فالرجال يتمتعون بالقيمومة أو القوامة أي الرئاسة والإدارة والقيادة والهيمنة على النساء، أما النساء فعليهن أن يكن قانتات لأزواجهن، أي مطيعات لهم، وكاتمات لأسرارهم، فيما أخفاه الله، ولم يفتضحوا به. ومبرر هذا التفضيل للرجال على النساء حسب هذه الآية، هو ما فضل الله الرجال عليهن، بحيث جعلهم هم أصحاب المال مما يكسبون من أعمالهم على اختلافها خارج البيت، فينفقون منه على زوجاتهم وأطفالهم. وغريب أن الله، حسب تصوير القرآن له، كأنه لا يعلم أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي سيتغير يوما، فيكون للمرأة نفس الدور كالرجل في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فلو صح ما تذكر الآية كمبرر كان الأولى أن يكون نصها: «الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ طالَما فَضَّلَهُمُ اللهُ عَلَيهِنَّ لِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم». ولكن حتى هذا لا يصلح كمبرر، فتقسيم الأدوار بين الزوج والزوجة أمر عائد لهما فيما يتخذانه من قرار بالتفاهم، وليس بأمر الواحد وطاعة الآخر. وماذا لو كانت هناك حالات يكون الزوج عاطلا عن العمل، أو جليس بيته لأي سبب، والزوجة هي التي توفر مستلزمات المعيشة المادية، أما كان من المناسب القول أيضا «النِّساءُ قَوّاماتٌ عَلَى الرِّجالِ بِما فَضَّلَهُنَّ اللهُ عَلَيهِم وَّبِما أَنفَقنَ مِن أَموالِهِنَّ فَالصّالِحونَ قانِتونَ حافِظونَ لِّلغَيبِ بِما حَفِظَ اللهُ»؟ وهكذا يقال عما يتعلق بالنشوز، فماذا لا تخاف النساء نشوز أزواجهن، ألا ينبغي أن يقال بالمثل: «وَاللّذين تَخَفنَ نُشوزَهُم فَعِظنَهُم وَاهجُرنَهُم فِي المَضاجِعِ وَاضرِبنَهُم فَإِن أَطاعوكُنَّ فَلا تَبغَينَ عَلَيهِم سَبيلًا»؟ بل سنجد إن الموقف في حالة نشوز الزوج في غاية المرونة والتسامح. وإلا حتى لو ذهب البعض إلى استنباط حكم بالمساواة بين ما للمرأة وما للرجل، بما في ذلك الضرب على قاعدة «آخر الدواء الكي»، فهل یا ترى یمكن أن تقوم علاقة زوجیة صحية يكون فيها أحد أساليب حل المشاكل هو الضرب، سواء كان مبرحا كما أجاز بعض الفقهاء، أو غير مبرح حسب فقهاء آخرين، مع حصر الحق للزوج بضرب زوجته عند نشوزها، بل إن الآية تمنح الزوج هذا الحق بمجرد خوفه من تمارس زوجته النشوز، بمعنى حتى لو لم يتحقق هذا النشوز، بل كانت هناك مؤشرات له. ولا نريد أن نناقش معنى وحالات النشوز، والظاهر إن أهمها عدم استجابة الزوجة في كل الأحوال لرغبته الجنسية. هذه الرخصة للزوج بضرب زوجته، ربما جاءت بسبب كثرة الحالات التي كان يتزوج المسلم ببنت بعمر ابنته أو عمر حفيدته، أي وهي طفلة أو صبية أو مراهقة، ولشيوع ثقافة التأديب بالضرب، عندما يرى مشاكسة من لدن هذه الطفلة أو المراهقة، ربما بعدم ميلها عاطفيا تجاه هذا الزوج بسن أبيها أو جدها، أو لأنها ما زالت تعيش الطفولة التي لا تخلو من مشاكسة ومعاندة وتصرفات طفولية، أو ربما بإبداء إعجاب بالشباب الوسيمين، الذين كانوا سيكونون عمريا أكثر ملاءمة لها كأزواج.
أما كان الأولى أن يكون النص هكذا؟: ما كانَ الرِّجالُ قَوّامينَ عَلَى النِّساءِ إلّا بِرِفقٍ وَإلّا بِقَدَرِ ما فَضَّلَهُمُ اللهُ عَلَيهِنَّ وَّبِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم، وَما كانَتِ النِّساءُ قَوّاماتٍ عَلَى الرِّجالِ إلّا بِرِفقٍ وَإلّا بِقَدَرِ ما فَضَّلَهُنَّ اللهُ عَلَيهِم وَّبِما أَنفَقنَ مِن أَموالِهِنَّ، وَخَيرٌ لَّهُما أَلّا يَكونَ أَحَدُهُما قَوّامًا عَلَى الآخَرِ، فَكُلًّا مِّنهُما فَضَّلَ اللهُ عَلَى الآخَرِ فيما لَم يُفَضِّلهُ فيهِ، فَمَا الرِّجالُ بِأفضَلَ مِنَ النِّساءِ في كُلِّ ما لَهُم مِّن فَضلٍ، وَّلَا النِّساءُ بِأَفضَلَ مِنَ الرِّجالِ في كُلِّ ما لَهُنَّ مِن فَضلِ، وَّلِكُلِّ فَضلُهُ وَالفَضلُ كُلُّهُ للهِ إِنَّهُ كانَ بِكُما رَؤوفًا رَّحيمًا، وَلا يَنسَ الرِّجالُ أَنهُم ما كانوا قَد خُلِقوا لَولَا النِّساءِ، وَلا تَنسَ النِّساءُ أَنَهُنَّ ما كُنَّ قَد خُلِقنَ لَولَا الرِّجالِ، فَأَنتُم مِنهُنَّ وَأَنتُنَّ مِنهُم، هُوَ الَّذي خَلَقَكُما مِن بَعضِكُما وَهُوَ الَّذي خَلَقَكُما لِبَعضِكُما، فَليَرفَق أَحَدُكُما بِالآخَرِ، إِنَّ اللهَ كانَ بِكُما حَنُوًّا رَّفيقًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك