الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركات الاجتماعية في الشارع السياسي المصري

حسن الشامي

2022 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إن الحركات الاجتماعية التي حدثت في مصر على مدار العقود الأخيرة بمعدل هبة أو حركة اجتماعية كل ثلاثين أو 35 عاما تقريبا منذ عام 1848م عندما تنازل محمد على عن السلطة بضغوط خارجية.. ثم هبة عرابي عام 1882م في الثورة العرابية على الخديوي توفيق.. ثم ثورة 1919م الشعبية التي طالبت بعودة سعد زغلول ورفاقه من المنفى.. وتم على أثرها تأسيس حزب الوفد الذي ظل حزب الأغلبية على مدى ما يزيد على ثلاثين عاما.. وبعدها قامت ثورة 23 يوليو من ضباط الجيش الشباب..
وعلى نفس الوتيرة كان من المنتظر حدوث هبة أو ثورة أو حركة اجتماعية حوالي 1987م.. ولكن لم يحدث ذلك حيث تم إجهاضها قبل حدوثها وذلك بهزيمة يونيو 1967م والتي لم تستمر طويلا فحدث انتصار أكتوبر 1973م الذي اعتبر بداية حركة اجتماعية جديدة – وقبل موعدها – ولكن للأسف ثم إجهاضها أيضا رغم أن مؤشرات بداية الثمانيات (1981-1985م) كانت تبشر بنهضته اقتصادية ولكن لم تحدث.. رغم أن تلك الفترة شهدت بداية النهضة الاقتصادية للنمور الأسيوية.
وكانت فترة التسعينيات شديدة الوطأة على الطبقات الاجتماعية المختلفة.. حيث زادت سياسة عدم تعيين الخريجين منذ عام 1984م.. وزادت معدلات الفقر وعدم إضافة مواليد جدد للبطاقات التموينية منذ عام 1988م... وبدأت الدولة سياسة نقل الملكية من القطاع العام للقطاع الخاص وسياسية التكيف الهيكلي وإعادة سياسة (السوق الحر) والياتها دون استعداد كاف للمجتمع لكي يتقبلها.. حيث زادت معدلات خروج العمال للمعاش المبكر وتقشي البطالة وارتفاع الأسعار وزيادة الفقر بين كل الطبقات الاجتماعية..
ولم يكد يأتي عام 2004م حتى انبثقت حركات المعارضة للتمديد الرئاسي والرغبة في التغيير ممثلة في الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) والتي كسرت حاجز الصمت بخروج الجماهير للشارع في تظاهرات غاضبة وان كانت محدودة الأعداد إلا أنها محددة الأهداف.. وتبعها حركات احتجاج أخرى في أوساط المهندسين وأساتذة الجامعات وبين العمال وغيرهم. وحدث تغيير في الشخصية النمطية للشعب المصري التي كان د. جمال حمدان قد حددها في (التدين والمحافظة والاعتدال والواقعية والسلبية)..
وهذا التغيير يعود إلى ما يسمى (المتغيرات الثلاثة) التي عاشها الشعب المصري : المتغير الأول هو ما بعد الحوار الوطني؛ وما بعد نظرية جمال حمدان, وما بعد نقطة الانعطاف.. ثم المتغير الثاني وهو تغير جذري.. نقلة حلزونية؛ ثم تبعهما المتغير الثالث على مستوى الحركية حيث حدث تحول تدريجي أدى إلى تصادمات مع النظام لمواجهة هذه الاحتجاجات..
ولأول مرة منذ 1919م تشهد الشوارع خروج المرأة العاملة والطالبة والزوجة تشارك في المظاهرات.. ولأول مرة حدث انتقاد مباشر للسياسات ولرأس النظام.. ولأول مرة حدثت احتجاجات على سوء الإدارة.. وذلك لم يحدث من قبل.. وكان أول من كسر حاجز الصمت هم المفكرون والمتثقفون.. ثم تبعهم العمال والفلاحون (وهم يمثلون أغلبية) وتبعهم بعد ذلك المهمشون وسكان أطراف المدن الذين احتجوا على عدم حصولهم على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والماء.
أن جيل الشباب تحت العشرين والمهمشين سيقومون بعملية التغيير الجذري القادمة في المجتمع المصري إذا لم تقم النخبة والقادة بدورهم ولن يصبروا على ما يعانون منه طويلا.. وهذا (التنظيم التلقائي) الذي سيقود الحركات الاحتجاجية القادمة.. لأن هذا التنظيم قادر على قيادة الحركة في الوقت الملائم..
كما ظهر ذلك في الحركات العفوية للعمال والمهمشين التي انفجرت في الفترة الأخيرة.. متفوقة على كل التنظيمات والحركات الاجتماعية والسياسية والحزبية.. واتضح في إضراب عمال المحلة عندما تم القبض على 4 من العمال زعماء الإضراب.. حيث ساومت قوات الأمن العمال المضربين لكي يفضوا الإضراب للإفراج عنهم.. فرفض العمال المعتقلون.. وعندما هددت الحكومة العمال بمحاكمتهم بتهمة التسبب في إلحاق خسائر بالشركة هدد العمال بتشكيل مجلس إدارة من العمال لإدارة الشركة بشكل أفضل من الإدارة القائمة مما جعل الحكومة تتراجع بسرعة..
إن المطالب المحدودة للعمال وغيرهم هي العمل السياسي الحقيقي الذي يبدأ من الاحتياجات المادية المباشرة لهم إلى الاحتياجات الاجتماعية الأخرى.. باعتبار أن هذه المطالب التي تخص شريحة اجتماعية محددة تنشأ تلقائيا وليست في حاجة إلى مفهوم نظري عميق. ولابد من العودة إلى حكمة القيادة لتوسيع رقعة الديمقراطية والحرية وإشاعة مناخ الشفافية والمساءلة للقضاء على الفساد والتصدي له من أجل نهضة حقيقية للمجتمع كله.
أن جيل ما تحت العشرين خارج عن سيطرة النظام الحاكم أو الإخوان المسلمين..وعلاقة هذا الجيل الوثيقة بوسائط الاتصال الحديثة بأشكالها المختلفة تساعده على عمل هذا الانفصال مع كل الأفكار السائدة وإنتاج أفكار جديدة تماما تتسم بالإبداع والفاعلية..
وتتجلى حكمة هذا الجيل في الميل لاستخدام الآليات الناعمة للتغيير.. وهو يتصادم مع طريقة التربية السائدة في الأوساط السياسية من آليات خشنة في ممارسة العمل السياسي.. لأن الآليات الناعمة ذات فاعلية وأهمية ويظهر ذلك في قدرتها على جذب أكثر الفئات سلبية في المجتمع ودفعها للتحرك والتغيير.. وكان العمال في إضراباتهم أكثر فاعلية في استخدام الآليات الناعمة في حركاتهم الاحتجاجية في تدرج وذكاء وصل في النهاية إلى الذروة بالإضراب ثم الاعتصام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE