الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من -باكس أميريكانا- إلى -الأول بين المتساوين- ..؟ الغرب الأمريكي في العالم والشرق الأوسط

محمد عبد الشفيع عيسى

2022 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بعد الحرب العالمية الثانية، اعتباراً من 1945، انبثق عالم جديد على أساس توازن الرعب. كان ذلك عالم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، حيث "توازن الرعب النووي"، الذى سمح بسلام هشّ ، يستند إلى قاعدة من "التعادل بين القطبين" في أوروبا، وانتشارهما خارج أوروبا وفق نسق مع ذلك غير متعادل. كانت الغلبة للغرب بالقيادة الأمريكية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل وفى آسيا الشرقية أيضا برغم ظهور "الصين الشعبية" بقيادة "الحزب الشيوعي" بانتصاره الباهر في ديسمبر 1949 .

و ظلّ الصراع سجالاً بين القطبين، في حالة حرب ولكنها (باردة) فيما يقال؛ ثم ما لبث الصراع أن هدأ قليلاً خلال الفترة بين أواسط الستينات وأواخر السبعينات، فيما أطلق عليه "الانفراج" حينا، Detent أو "الوفاق" حينا آخر Intent ، و ذلك من أجل (الأمن و التعاون في أوربا) شرقاً وغرباً، على وقع نهايات حرب فيتنام منتصف السبعينات . واشتدّ التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي- الإعلامي للغرب (الأمريكي)، في عالم الشرق الاشتراكي، و لدقّ(إسفين) بين روسيا والصين، الاشتراكيتيْن مع ذلك، ثم لينطلق سيّال الأحداث المريرة، و تتحول عيْنا الصين قبالة الولايات المتحدة. و كان أن وقع انهيار الاتحاد السوفيتي كله، كدولة، في عملية بدأت عام 1985 (مع تولّي "جوربا تشوف") وانتهت عام 1990 في ظل الرئيس الروسي، أمريكي الهوى، "يلتسين".
حينئذ أخذ ينبثق عصر جديد لعالم جديد، قوامه ما يسمى بعالم "القوة العظمى الوحيدة، و يمكن تسميته عصر وعالم "السلام الأمريكي" Pax Americana حيث استطاعت الولايات المتحدة بناء سلام (على مقياسها) في مختلف أقاليم العالم، يستند إلى "أحجار الزاوية" المعتمدة في كل إقليم.
كان حجر الزاوية في شرق آسيا يتمثل في اليابان كعملاق اقتصادي ولكنْ قزم سياسي يستظل بأمريكا، و كان إلى جوارها جناحان : تايوان من ناحية ، وكوريا الجنوبية من ناحية أخرى ، لعلهما يوازنان الصين. والجميع في حالة "سلام اقتصادي" مع أمريكا، وخاصة في إطار "جدلية الأصدقاء الأعداء" بين أمريكا والصين، حيث وصل الاندماج الاقتصادي بين الطرفين، في لحظة معينة، إلى حدود ما أسماه بعض الخبراء عند مطلع الألفية الجديدة (صينو أمريكا) وكأنهما دولة واحدة ChinAmerica .
أما فيما يُطلَق عليه مصطلح "الشرق الأوسط"، ذلك التكوين الهجين، الذي أراده الغرب كيانا غير محدد الحدود بشكل دقيق، فكان حجر الزاوية عدة أحجار، تشكلت على مهل لتوازن وتواجه، في بداياتها، "مصر الناصرية" في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم حتى 1970 .
و أما عن إسرائيل فقد (تقلبت على جمر النار) إبّان حرب أكتوبر 1973، و تتالت عليها أطياف مختلفة من التيار الصهيوني. و قد كان صعود ما يسمى "اليمين الصهيوني المتطرف" إلى سدّة قمة النفوذ والسلطان خلال السنوات العشرة الأخير، إيذاناً بانهيار قاعدة (العقد الحكومي العربي–الإسرائيلي) كحلقة حاكمة "للسلام الأمريكي" في الشرق الأوسط، إلى جانب الحلقة الأخرى : النفط، و استناداً خلالهما إلى "حالة العداء الإيراني"، و لو تمت أحيانا تحت شعار تقاسم السيادة الإقليمية بين محور النفط الخليجي و ومحور الجوار الإيراني.
وقد بلغ الأمر درجة تقْرب شطر قليل من عالم النفط إلى إسرائيل، تحت شعار "التطبيع" ، وإن لم يحدث اهتزاز لقاعدة "اليمين الصهيوني المتشدّد" الأثيرة، تلك القائمة على اعتبار "إسرائيل"، وفق ما أسموه لديهم "قانون القومية"، بمثابة " الدولة القومية للشعب اليهودي"، متمثلاً من الناحية الفعلية في مواصلة التوسع الاستيطاني و مشروع الضمّ والقضم للأرض الفلسطينية، مع استخدام "القوة المفرطة"، في جميع الأحوال، في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

و يأتي اهتزاز قاعدة "السلام الأمريكي" في (الشرق الأوسط) في شقّة العربي–الإسرائيلي، و كذا التغير النسبي في صيغة التوازن العسكري بين المقاومة و الاحتلال ، متزامنا مع عدة تطورات فى سياق التنازع الأمريكي مع كل من الصين وروسيا؛ وذلك كما تدل عليه وقائع الأزمتيْن الأوكرانية و التايوانية في الفترة الأخيرة. و يحدث ذلك على وقع انحدار تدريجي و لو بطئ نسبيا، ولكنه مستمر عبر الزمن، و منتظم الإيقاع إلى حدّ بعيد، في المكانة الأمريكية داخل النظام الدولي. هذا الانحدار، قد لا يصل إلى حدود السقوط المهين للهيمنة الأحادية في الأجل القصير وربما المتوسط، و التحول السريع إلى ما يسمونه "عالم بلا أقطاب" أو "تعددية قطبية". لكن الحال ربما سيكون نظيراً لما يُطلق عليه مؤرخو العلاقات الدولية ( وضعية "الدولة الأولى بين متساوين" First among Equals)، وصفا موجزا لحال توازن القوى الدولية في عصر الهيمنة البريطانية– الفرنسية خلال القرن التاسع عشر بالذات، حيث كانت بريطانيا تمثل القوة الأولى بين أنداد أو أكفاء بالمعنى التقريبي العام.
ولكن ماذا سيكون عليه الحال مع ذلكم الانتقال والتحول المرتقب في هيكل النظام الدولي الراهن، و ما أثره على صيغة "السلام الأمريكي" في الشرق الأوسط ..؟ تلك الصيغة التي اهتزت، إلى حدّ بعيد، بفعل صعود اليمين الصهيوني المتطرف و إخلاله بالعديد من الموازين. و ماذا يمكن أن يحدث في الأفقيْن البعيد والمتوسط، مع الصعود غير القابل للتراجع، للقوة الفلسطينية، مع شيء من تغير في الميزان السياسي، و ربما العسكري- الصاروخي أيضا، نسبيا وتدريجيا نعم، باتجاه "قضية فلسطين"؛ ودع عنك الميزان الديموجرافي العتيد. و حينئذ تسود القاعدة الذهبية المجرّبة: لابدّ مما ليس منه بدُّ..!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة