الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحليل النفسي وتطبيقاته المعرفية 42

طلال الربيعي

2022 / 12 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الشهادة كفعل نرجسي وتقهقر مرآتي!

أشرت في الحلقة 38 وما بعدها الى فرضية عمل, وتكهنت ان غريزة الموت, او احدى مشتقاتها, الشيوسانس او اللذة الممزوجة بالألم, تدفع العديد من الناس, في بلد مثل العراق, الى الاستشهاد او تعريض انفسهم الى اذى جسدي-نغسي قد لا يطاق بحجة الدفاع عن القضية, والحجة قد تكون محصنة دفاعية تهدف الى ايجاد تبرير عقلي او عاطفي كمسوغ للاستشهاد, للهرب من الحرية وليس لاعلاءها: حسب هيغل الهدف من الحياة هو السعي الى الحرية: الموت والحرية طرفا نقيض, او انه كنوع من السردية التي يرويها الشخص لنفسه, مكتسبة مشروعيةً وزخما عاطفيا اكبر عندما تُقرن الاجواء العامة الاستشهاد بالبطولة او كنوع من البحث عن الخلود: "اني اذا استشهدت قد اخلد نفسي كبطل!", وذلك بموجب تعريف قسري وعنفي للبطولة ينسجم مع النرجسية كنقيض لحب النفس الذي هو شرط لا غنى عنه لحب الآخرين. ف "نارسيسوس", حسب الاسطورة الاغريقية, هام حبا بوجهه الجميل منعكسا على سطح بركة ماء راكدة, فلم يبرح مكانه الى ان مات. و"الشهيد!" هو متيم بقضيته (وجه العملة الآخر لوجه نارسيسوس الجميل: قضيته جميلة لأنها كاملة وتستحق الموت من اجلها. والقضية هي اسم, هي تجريد. انها ليست الناس. الشخص يستشهد من اجل رفع نفسه الى مرتبة الله لان الله لا يموت. ومع ان الشهيد قد يكون الحاديا ويعلن ذلك جهرا او خفية, الا ان رِفعْ نفسه الى مصاف الأله او ما يقرب يعني, بالمحصلة, أيمانه بوجود الرب والا لما تحالف مع آخرين او سعى بنفسه فقط الى قتل الرب للحلول مكانه. نيتشه يقول اننا قتلنا الرب وبذلك فاننا قتلنا الاخلاق لأن قاتل الرب سيسعى الى ان يحل محل الرب ويفعل ما يشاء: انها وصفة مجربة عبر التاريخ لخلق الديكتاتوريات والشموليات العابرة للآيديولوجيات. فتشية النقود في الرأسمالية تقتل الاخرى هي الرب وتحل (رأس) المال محله. وزعامات الإسلام السياسي في منطقتنا يقتلون الرب ولكنهم لا يعلنوا ذلك رسميا لأن الإعلان ليس في مصلحتهم, ويحلوا محله ربا دنيويا من صنعهم هم. انهم يتظاهرون بالامتثال الى توصياته وتوجيهاته, ونحن لا نعلم مقدار صحة هذا لان لأن بديل الرب, كالرب نفسه, لا يتكلم ولا ينطق: انه البركة الهادئة كشرط لا بد منه لتحقق النرجسية. الصمت هو حليف الاهي للفساد ومحاربته دنيويا نوع من العبث. ولكن هذا لا يمنع من رفع شعارات مكافحة الفساد, لأن رفعها هو للتضليل, كارضاء نرجسي, وهي تكرّس الفساد ولا تكافحه سواء أحسنت النية ام لم تحسن-والامور طبعا هي ليست بالنيات, بل بالافعال (المجدية). والكل هنا يعمل بموجب اوامر الرب او بأسمه: شكل من "اسم الاب" بعرف المحلل النفسي لاكان كما شرحت في حلقة سابقة.

الشهيد عاشق لقضيته-ونحن لا نستطيع ان نسأل القضية, كما لا نستطيع ان نسأل الرب: هل ان الناطقين باسم الرب, او باسم القضية التي رفعت اصحاب القضية الى مصاف الرب بعد قتله, فعلا يمثلون الرب او القضية؟ ونحن سنتعب فقط انفسنا بالسؤال لأن لا الرب ولا القضية ستجيب, وانتظارنا سيطول الى ابد الدين لأننا سنكون في انتظار غودو. وسكوت الرب ليس دليلا على عدم وجوده او بالعكس, وهو ليس أيضا دليلا على عدم مبالاة الرب او عدم اكتراثه. بالعكس, إن السؤال سيعني كسل وبلادة السائل, لأن الجواب لا يستبعد ان يكون من نوع السؤال "اني اعطيتكم عقلا فلماذا لا تستخدمونه؟". ونحن نعتقد أيضا إن الرب لا يأبه لصغائر الأمور, والا لوبخ جوابه السائل ووصفه بالكسل والبلادة او بلغة ربانية اكثر بلاغة واقوى فصاحة بما لا يقاس.
وه
عاشق قضيته, كعاشق محبوبته, يرى ان حياته لا مغزى لها بدونها: ان موته من اجلها هو برهان البراهين على عشقه! انه يضحي بحياته من اجلها. ف"هل هنالك اغلى من الحياة؟", يتساءل هو مع نفسه ويجيب هو على تساؤله بنفسه. او بكلمات اخرى, انه يرى نفسه ويقيمها من خلال انعكاسها في عيون الآخرين: عيون الآخرين تعمل عمل البركة الراكدة, المرآة, او عيون الام. انه تراجع نفسي الى السجل المرآتي بعرف لاكان, تراجع الى السجل ما قبل اللغوي.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372614

ولكن لكون القضية تعبر عن نفسها في لغة, مهما بلغت بلاغتها او ركاكتها, فان حبه, والتالي فهمه, للقضية هو نوع من الايمان او قد يسميه البعض بالذهان. وتعريف الذهان, ونحن لا نريد ان نجهد انفسنا بالبحث عن التعريف. انه امامنا دوما, كالرسالة المسروقة في ادجار الين بو
Seminar on The Purloined Letter
Jacques Lacan
https://www.lacan.com/purloined.htm
هو من نوع "صم, بكم, عمي لا يفقهون". طبعا الجزء لاول ليس شرط الذهان, فاكثر الناس ابداعا هي المناضلة الاشتراكية ومن اجل الطبقة العاملة, هيلين كيلر , من هذا النوع.
(يعجبني شخصيا هذا الفيلم الصامت عن حياتها
Deliverance
https://www.youtube.com/watch?v=zGNeJiYhqrw
)
ولكنها التكملة "لا يفقهون".

انه ليس انسانا اصيلا بعرف المحلل النفسي كارل يونغ. ان محاولته في استنطاق الرب او من يزعمون تمثيله ليس فقط دليلا على عدم اصالته بل وايضا على طفوليته.
(Jung)
taught that both “God” and “Matter” were symbols of something ultimately unknowable and he felt that insisting on the exclusive and dogmatic rightness of one’s personal view was a kind of “childishness.”
Carl Jung on Living an Authentic Life
http://www.jungiantherapist.net/carl-jung-on-living-an-authentic-life/

الانسان الاصيل لا يسعى الى السعادة, لأنها قد تتحقق بنهب الأموال او النفاق او ايذاء البشر الآخرين او تناول المخدرات, مثلا.
قد يساوي الكثيرون اليوم بين الحياة الأصيلة والحياة السعيدة، لكن يونغ يشكك في السعي وراء السعادة. لديه بعض الأفكار حول العوامل التي تشكل حياة سعيدة، والتي تشمل "العمل المُرضي" و "وجهة النظر الفلسفية أو الدينية القادرة على التعامل بنجاح مع تقلبات الحياة". لكنه يحذر من أننا لا نعرف دائمًا ما الذي يجعلنا سعداء:
"لا أحد يستطيع تحقيق السعادة من خلال الأفكار المسبقة، بل ينبغي على المرء أن يطلق عليها عطية الآلهة (او أي شئ مقابل-وجودي لمن لا يؤمن بالآلهة. ط.ا). إنها تأتي وتذهب، وما جعلك سعيدًا مرة لا يفعل ذلك بالضرورة في وقت آخر ".
في هذا الكلام، يبدو يونغ, إلى حد كبير, مثل مؤسس مدرسة العلاج النفسي الثالثة في فيينا (الأول فرويد, والثاني الفريد ادلر), فيكتور فرانكل Viktor Frankl
https://www.pursuit-of-happiness.org/history-of-happiness/viktor-frankl/
الذي علمنا أنه لا ينبغي السعي وراء السعادة، ولكن من خلال التفاعل الهادف مع العالم، "تستتبع السعادة".
Is ‘What Should I Do With My Life?’ The Right Question?
http://www.jungiantherapist.net/is-what-should-i-do-with-my-life-the-right-question/
علاوة على ذلك، لا يمكن أن توجد السعادة بدون العكس:
"حتى الحياة السعيدة لا يمكن أن تكون بدون قدر من الظلام، وكلمة" سعيد "ستفقد معناها إذا لم يوازنها الحزن."
Happiness, Success, and the Soul
http://www.jungiantherapist.net/happiness-success-and-the-soul/
وفلسفة دستويفسكي وحياته هي ابلغ دليل!

بدلاً من السعادة، فإن وصفة يونغ هي السعي وراء شيء مشابه لما نسميه اليوم "اليقظة الذهنية":
"كلما تعمدت السعي وراء السعادة، زاد تأكدك من عدم العثور عليها. لذلك من الأفضل بكثير أن تأخذ الأمور كما هي بصبر ورباطة جأش".

لذا ان شعار مثل "شعب سعيد" او اي شعار مماثل, كما في اعلان تأسيس الولايات المتحدة الامريكية مثلا
Pursuit of Happiness
https://www.loc.gov/exhibits/creating-the-united-states/interactives/declaration-of-independence/pursuit/index.html
سيكون دليلا على اللااصالة. وعند سارتر سيكون دليلا على عقيدة فاسدة. لا اللااصالة ولا العقيدة الفاسدة قادرتان على محاربة الفساد المالي والاداري, او اية مشاكل تواجه بشرية عصرنا. بل انهما يكرسان الفساد ويعمقان المشاكل. والعراق افضل مثال!
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة