الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة جان-بول سارتر (الجزء الثالث)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2022 / 12 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ماذا يمثل الآخر بالنسبة لي؟ إنه يحدد بشكل أساسي الآخر، المختلف، أي "أنا ليس هو أنا".
الآخر هو، في الواقع، الشخص الذي ليس أنا والذي لن أكونه. ألا يوجد هنا إعلان عن تهديد، بل عن سقوط أصلي حتى؟ هذا بالفعل ما يحدث في الواقع وفقا لسارتر .
بمجرد ما امنح ذاتي في العالم ك"شبه كائن" تحت أنظار الآخرين، "أسقط" حقا إلى مستوى الأشياء، وهذا بسبب حرية الذات التي تنظر إلي و تحكم علي ... "الجحيم هو الآخرون" ، وفقا لصيغة "الجلسة المغلقة الشهيرة".
تتحدث هذه المسرحية عن وصول ثلاث شخصيات إلى الجحيم. امرأة ورجلان يحاولون فهم هذا الشيء الذي قادهم إلى هناك وما هي عقوبتهم، وسرعان ما أدركوا ألا وجود هنا لجلادين. لأن كل واحد من الاثنين الآخرين هو جلاد للثالث. عقوبتهم أن يعيشوا معا للأبد، وأن يتعايشوا، وأن يكرهوا بعضهم البعض، وأن يتحمل بعضهم البعض. هذا ما توضحه الصيغة الكاملة للفقرة المقتبسة من مسرحية سارتر:
"كل تلك النظرات التي تلتهمني..، ها، هل أنتما اثنان فقط؟ ظننت أنكما أكثر عددا. لذا، هذا هو الجحيم. لم أصدق ذلك أبدا...أنتما تتذكران: الكبريت، المحرقة، الشواية.. آه! يا لها من مزحة! لا حاجة للشواية، الجحيم هو الآخرون".
لم تكن "الجلسة المغلقة" اول فرصة سنحت لسارتر لتصوير الآخرين على أنهم مصدر الجحيم، إذ يحتل الآخر مكانة خاصة في فلسفته. بالفعل، لا يوجد الضمير وحده في العالم. يجب عليه أن يتصالح مع الضمائر الأخرى، ويكافح من أجل الوجود.
الإنسان الذي يعيش لأجل ذاته، يعيش في نفس الوقت لأجل الآخر. نحن نلتقي بالآخر دون أن نشكله (نخلقه من وجهة نظر فينومينولوجية).
كيف يمكن لي عيش تجربة الآخرين؟
من خلال الجسد.
يصف سارتر الخجل بأنه الشعور الأصلي بوجود الآخر. مثلا، أنا أنظر من خلال ثقب المفتاح، هذه الإيماءة تصيبني بالقشعريرة لأني تخيلت شخصا يراني وهو يتلصص علي من ثقب المفتاح. رأيت نفسي كما يراني الآخرون، كالشيء الذي كنته بالنسبة للآخر. الخجل هو خجل الذات أمام الآخر الذي يشكل فضيحة لأني لا أجعله موجودا بينما له القدرة على تجميدي في كائن (مبتذل، فخور، خجول..) لا أمت له بصلة.
نظرة الآخر تكشف عني الغطاء، تجعلني ضعيفا، هشا، تجعلني شيئا في حوزته.
"إذا كان هناك آخر، كيفما كان وأيا كان، ومهما كانت العلاقات التي تربطه بي.. لدي خارجية، لدي طبيعة، سقوطي الأصلي هو وجود الآخر" (الوجود والعدم).
الآلية الدفاعية الوحيدة التي يملكها الإنسان هي تحويل الآخر بدوره إلى شيء. عليه أن يتحرر من الآخر، ويهرب منه لأجل إعادة تهيئة نفسه والعالم الذي سرقه الآخر منه. يخترع الوعي هذه الحيلة ليستمر في الوجود كذات.
لكن الآخر ينتفض لمقاومة محاولة الإخضاع هاته. يفتح هذا صراعا حقيقيا بين الضمائر، في خضمه لا استطيع أن أكون معترفا بي من قبل الآخر إلا إذا تمكنت من تشييئه. إذن، توجد لدى سارتر نظرة نزاعية للعلاقات بين الضمائر.
تشخص "الجلسة المغلقة" تماما التعايش الصعب بين الضمائر، واقعة أن الآخر هو من يسلبني ويحبسني في طبيعة معينة، هو من يحرمني من حريتي.
ومع ذلك، إذا كانت وجوداتنا في كثير من الأحيان "ملتوية" و "معيبة"، بسبب "مبارزات" الضمائر التي تنشأ بهذه الطريقة، يمكن للإنسان دائما إعادة اكتشاف علاقات المعاملة بالمثل مع الآخرين، لا سيما على مستوى الفعل التاريخي.
في كتابه  نقد العقل الجدلي"، يركز سارتر، في الحقيقة، على الممارسة التاريخية المشتركة، حيث تتحد الموضوعات وتتجمع.
تشير هذه الممارسة الحرة إلى تجاوز جماعي للظروف المادية في إطار العمل التاريخي.
في الواقع، كان سارتر في ذلك الوقت، وهو قريب من العقيدة الماركسية والممارسة، يمثل، من هذا المنظور، مشروعا تنظيميا مشتركا حيث تسعى مختلف الضمائر معًا للوصول إلى غاية.
ضمن هذه الرؤية العالمية، يربط سارتر نفسه بالمجموعة، تجمع موحد من خلال ممارسة عملية مشتركة، من خلال جماعة العمل. بهذا المعنى، شكل الحشد الذي اقتحم الباستيل مجموعة.
على العكس من ذلك، تمثل التجمعات الاجتماعية بدون وحدة حقيقية، وبدون هدف داخلي موحد (على سبيل المثال طابور من المسافرين ينتظرون الحافلة)، ما يسميه سارتر سلسلة، مجموعات من الأفراد المنفصلين والمذررين.
تجسد المجموعة المشروع التاريخي الحر بينما يعيش المسلسل تحت علامة الممارسة المتوقفة، في عالم حيث الحرية، دون أن تضيع، هي مهددة مع ذلك.
ومن ثم فإن ميزة سارتر هي أنه ربط نفسه بالتاريخية، التي تُعرَّف على أنها تنتمي إلى حقبة من الأهداف الموضوعية. الإنسان كائن تاريخي موجود مؤقتا وجماعيا. هذا الاهتمام بالتاريخية البشرية، وإن ظهر مبكرا في كتابات سارتر، اصبح واضحا بشكل خاص منذ عام 1960.
تدور جميع أعمال سارتر حول مفهوم الحرية، الموصوفة بشكل فردي، ولكن أيضا في بعدها الجمعي أو التاريخي.
سارتر فيلسوف صاغ مديح حرية الفعل في العالم والأشياء، ومجد المسؤولية قيم بناء المسؤولية البانية للقيم والعالم الإنسانيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو