الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في الجزائر بين الاستخفاف والتشخيص والتشريع

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


.

عرّف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة التي يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد. يمكن للفساد أن يشمل العديد من الأنشطة التي تتضمن الرشوة والاختلاس، ويتضمن أيضًا ممارسات تُعد قانونية في العديد من البلدان. يحدث الفساد السياسي عندما يتصرف صاحب المنصب أو أي موظف حكومي آخر بصفة رسمية لتحقيق مكاسب شخصية. الفساد هو الأكثر شيوعًا في الكليبتوقراطيات (حكم اللصوص)، والأوليغارشية (حكم الأقلية)، ودول المخدرات، ودول المافيا.
الكلِبتوقراطية أو حُكم اللصوص هي حكومة» (κρατ) بمعنى حُكم.
وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ديكتاتوريًا أو استبداديا يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما «كلبتو» (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما «قراط، ومع ذلك فقد تظهر الكليبتوقراطية في بعض النظم الديموقراطية التي انزلقت إلى الأوليجاركية (حكم القلة). في نظام حكم الكليبتوقراطية، يُثري السياسيون الفاسدون أنفسهم سرًا خارج سيادة القانون، من خلال الرشاوى، أو يقومون ببساطة بتوجيه أموال الدولة لأنفسهم أو لشركائهم. أيضًا، غالبًا ما يصدر الفاسدون الكثير من الأموال المسروقة إلى الدول الأجنبية تحسباً لفقدان السلطة
أن الفساد قد يأخذ أشكالا وصورا عديدة، كالإهمال في استخدام المال العام مما يؤدي إلى تبديده فيما ال ينفع، واختلاس الممتلكات العامة أو استعمالها على نحو غير شرعي، أو استغلال الوظيفة العامة للحصول على امتيازات خاصة، والحصول على الرشاوى، والإثراء غير الشرعي واستغلال النفوذ والمحاباة وغيرها من الصور والأشكال، أن الفساد يرتبط أساسا بالوظيفة العامة والموظف العمومي، وينطوي بالضرورة على انتهاك للواجبات، وأن التصرفات والممارسات الفاسدة تتسم بالسرية دائما، ذلك أنها تتم في إطار الغش والتحايل. أن العلالقة الفاسدة عادة ما يشترك فيها أكثر من طرف أحدهما يحتاج إلى قرارات محددة والآخر يمكنه التأثير في هذه القرارات. وأن الفساد أصبح يمس القطاع الخاص أيضا كمتورط لحد كبير في الفساد الحكومي.
قبل الحديث عن الفساد يجب العودة الى جذوره، الى التشريع الجزائري، الى غياب الشفافية وقوانين واضحة وفوق الجميع، الى عدالة لا يكون فيها القضاء الواقف تحت رحمة السلطة التنفيذية والقضاء الجالس مجرد موظفين في وزارة العدالة، يلتزمون بالتطبيق الأعور للقوانين على البسطاء دون الحوت الكبير.


فالفساد في الواقع هو إحدى المؤسسات الهلامية الحاكمة في البلاد والأكثر فعالية من بين الأجهزة النبيلة للسلطة بل ومن يحدد خط سيرها كونه منتوجا لها الهيئات ويجري تحت أعينها.
هناك سوء تسيير مقنن ومتعدد المستويات، تحكمه بيروقراطية من العهدين اليوناني والفرعوني تؤطره عبقرية جزائرية معجّزة في خصوصيتها.
فالرشوة في الجزائر هي في الأصل ترياق وعلاج، تستخدم في تشحيم المحازق الصدئة من أجل الدخول الى الحقوق والثروة والوصول الى صناع القرار الذين يلجأون اليها سواء في حياتهم الخاصة أو بصورة رسمية لشراء السلم الاجتماعي من خلال الدعم في شكل رشوة سياسية.
فالرشوة (الفساد) ظاهرة عادية جدا في الجزائر، سالب وموجب، مانح ومتلقي فإن لم تعرض عليك الرشوة يطلبونها منك بل وهي العقد الاجتماعي العرفي المتفق عليه ضمنيا.
فالجزائر دولة رائدة في ترقية الترتيبات والقواعد التي تحكم عرض وطلب الرشوة والتي يمكن تلخيصها في التوزيع الاداري للمنافع وفي المحاباة والمحسوبية وروح نهب الخزينة.
وهكذا أصبح حزب الرشوة أكبر كارتل يتجمع حوله جماعات المصالح والنفوذ والجماعات الضاغطة للدفاع عن المصالح الكبيرة الناجمة عن الرشوة، الكارتل الذي يجمع في صفوفه نبلاء النظام ومحيطهم الواسع الذي أصبح يتحكم في الحياة الاقتصادية والسياسية.
إنها المجموعة الوحيدة المتضامنة أكثر من غيرها، تملك المال والسلطة وتجيد المناورة والاختراق واستخدام جميع الوسائل غير الاخلاقية للتصفية والتحييد بما فيها القذرة منها وحتى العنف من اجل الحفاظ على امتيازاتها وبقائها.
انها الحزب الذي تضاعف أعضاؤه بسرعة رهيبة في العقدين الأخيرين من حكم الرئيس المخلوع على وجه الخصوص، يتعارفون فيما بينهم بالنشاط وأحيانا بالاسم فقط، تجمعهم أروقة الادارة والموانئ حيث يكثر طلب وعرض الرشوة في بلد أدفع تمر. فهل يعقل الحديث عن محاربة الرشوة والفساد في الجزائر وحتى عن النمو والتنمية في ظل أجهزة هشة وقوانين بالية واجهزة مخترقة وعدالة مريضة وقضاة تابعين للسلطة التنفيذية وبرلمان لا يراقب ولا يحاسب السلطة التنفيذية وتحت الضغط وعرضة لفقدان الخبزة والمنصب والامتيازات.
فمن هو القاضي أو النائب العام الذي بإمكانه تحريك دعوى عمومية مثلا في قضية نهب للمال العام يملك أدلة اتباث عنها بدون ان يتلقى الضوء الاخضر من الحماة والرعاة والا سيجد نفسه في مهب الريح.
لقد وقعت اشياء تتصل ليس فقط بالرشوة بل بنهب المال العام بل في انتشار الآفات الاجتماعية وفساد الأخلاق وغياب هيبة الدولة، ومع ذلك لم تتسبب في أدنى قلق عند السادة الجدد وذلك خلال العقدين الأخيرين من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .
تعزز مسعى الوقاية من الفساد في الجزائر الجديدة ومكافحته بعدة تدابير وآليات كرسها التعديل الدستوري الأخير من أجل بناء دولة الحق والقانون وإحداث القطيعة مع الممارسات السلبية التي أضرت بالاقتصاد الوطني وزعزعت الثقة بين المواطن ودولته
ويرتكز التغيير الشامل والحقيقي في مسار بناء دولة قوية من خلال تبني استراتيجية متعددة الأوجه في مجال مكافحة الفساد ترتكز على عدة محاور
وفي هذا الشأن، تم استحداث السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020 كما يجري إعداد الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته باشراك كافة الاطراف المعنية، في انتظار أن ترتقي الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته بحكم الدستور الجديد إلى سلطة عليا للوقاية من الفساد ومكافحته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟