الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني حتمية دوام خرابه: الرد على لبيب سلطان 2-10

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 12 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إن مقولة كون السياسة هي اقتصاد مركز يعرفها المطلع على أبجديات علم الاقتصاد حالما يرى كيف أن أداء الاقتصاد في أي دولة هو – على طول الخط – أحد أرأس الميادين التي تخاض بصددها المعارك السياسية القائمة. لماذا؟ لأن كل المسائل الاقتصادية الكبرى هي بطبيعتها سياسية المنحى، لذا فهي تتقبل تطبيق الآراء الاقتصادية المختلفة المتأسسة على المعتقدات السياسية التي تؤمن بها وتطبقها الطبقة السياسية الحاكمة بالذات. فإذا ما كانت هذه الطبقة السياسية تؤمن – مثلاً – بتحقيق القدر الأكبر من المساواة في المجتمع الرأسمالي، فإن حكومتها ستتدخل سياسياً بإصدار القوانين و اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية عبر - مثلاً- رفع الحد الأدنى للأجور وتعزيز الضمان التقاعدي وفرض الضرائب التصاعدية على المدخولات العالية واعفاء المدخولات المتدنية والمتوسطة ضمن سقوف محددة من تلك الضريبة ... إلخ. ولا يوجد فكر اقتصادي غير مؤدلج سياسياً البتة. فإذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة تؤمن – مثلاً – بضرورة الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد (ما يسمى بحيادية الحكومة بصدد الاقتصاد) فإنها ستركز على إلغاء الضوابط وعلى الخصخصة والتخفيضات الضريبية، وكل مثل هذه السياسات هي مؤدلجة بالتعريف لتوخيها حصول أو دوام حصول أو منع حصول أوضاع اقتصادية بالذات دون غيرها من الأوضاع الأخرى الممكنة خدمة لمصالح رأسماليتها. ومثلما أن الاقتصاد الرأسمالي هو بطبيعته عابر للحدود السيادية، فكذلك هي طبقته السياسية التي تسعى دوماً إلى خدمته لتحقيق أهدافه هذه على أفضل ما يرام عبر التأسيس السياسي للتكتلات الاقتصادية العابرة للحدود مثل الكومنويلث والاتحاد الاوربي وبركس ..الخ.
ومما يزيد في ضرورات التدخل السياسي هو اضطراد قيام الازمات الاقتصادية للرأسمالية. فمن المعلوم أن النظام الرأسمالي هو بطبيعته – التي كان ماركس و انجلز أول من شخصاها علمياً – هو نظام الأزمات: أنه النظام الذي يصحو على الأزمة لينام على أزمة أخرى، و كل أزمة تتوالد من سابقتها. الأزمات الدورية – مثل فرط الانتاج، التضخم النقدي و الائتماني، الانكماش الاقتصادي، انهيار الأسواق المتعددة... هي السمة المميزة للرأسمالية لكونه نظاماً اقتصادياً مريضاً بآفة مستديمة هي النهم غير القابل للإشباع عند الرأسماليين لتكديس الارباح طول الوقت ولو على حساب ابادة شعوب بأكملها وشن الحروب المهلكة واستعباد وافقار بلايين البشر واستنزاف الثروات الطبيعية الناضبة وتدمير البيئة أرضاً ومياهاً وهواءً وفضاءً وكائنات . ولم يشهد تاريخ العالم الرأسمالي أي حقبة لم تستوجب التدخل المباشر للنظم السياسية السائدة لتدارك الآثار المدمرة لهذه الازمات لكون الطبقة السياسة الرأسمالية إنما هي الممرضة الساهرة على تطبيب الاقتصاد الرأسمالي المزمن الأمراض، علاوة على كونها قابلته ابتداءً و ذراعه المكين.
وفي كل واحدة من هذه الأزمات المتواترة، فإن الطبقة السياسية الحاكمة الساهرة على دوام تطبيب نظامها الرأسمالي العليل تتوفر على ثلة من المنظرين الاقتصاديين الرأسماليين ممن يزودونها بوصفاتهم الترقيعية لأدواء رأسماليتها، فيطلقون على تلك الوصفات أسماء هوليوودية براقة تتعلق بأسماء رؤسائهم أو رؤساء وزرائهم من أرعب السفاكين في كل تاريخ البشري. ففي الانهيار الاقتصادي الكبير للرأسمالية الغربية المتوحشة المبيدة للبشرية خلال الأعوام (1929-1933)، طبق الرئيس الأمريكي فانكلين روزفلت ما أسمته ماكنة التظليل الإعلامي الرأسمالي الغربي بـ "الصفقة الجديدة" (1933-1939) (The New deal ) المستندة اجراءاتها على وصفة الاقتصادي جون مينارد كينز في تدخل الدولة المباشر لاصطناع الإنعاش القوي في جانب الطلب من السوق لتجاوز الركود الاقتصادي. كما أسميت وصفة الاقتصادي آرثر لافر لترقيع أزمة التضخم الركودي (stagflation) في أمريكا (1973-1981) بالاقتصاد الريغني (Reaganomics) (ٌ1981-1989) والذي يشتغل عبر انعاش ليس عامل الطلب في السوق مثل سابقه، بل على عكسه: جانب العرض. ويصف عالم الاقتصاد كروغمن الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد الريغني بهذه العبارات: "لقد حصل القليل من التحسن الاقتصادي المستمر لمعظم الأمريكيين. وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ، كانت دخول الطبقة المتوسطة بالكاد أعلى مما كانت عليه قبل عقد من الزمن ، وارتفع معدل الفقر بالفعل ".
المصدر :
https://www.investopedia.com/terms/r/reaganomics.asp
ويؤكد نفس هذا المصدر بالقول "إن العديد من عواقب حقبة ريغان لن تُفهم تماماً حتى نهاية رئاسة ريغان. على سبيل المثال، سيلعب تحرير صناعة الخدمات المالية من الضوابط دورًا رئيسيًا في أزمة المدخرات والقروض، فضلاً عن الانهيار المالي في عام 2008". وهذا يوضح كيف أن الحلول الاقتصادية الترقيعية للطبقة السياسية الغربية تسقي دوماً بذور الازمة الاقتصادية القادمة للرأسمالية، وهلم جراً في دوائر قذرة لا نهاية لها حتى بناء الاشتراكية. وقد شهدت الأعوام التي تلت أزمة الانهيار المالي لسنة 2008 سياسة تدخل الخزانة الامريكية لزرق ترليونات الدولارات (money injection) من أموال دافعي الضرائب الامريكان لملء خزائن المصارف التجارية المنهارة بسبب تكالبها اللامتناهي على غرف الارباح؛ وكذلك تأمين الدولة للشركات الكبيرة المفلسة مثل عملاق صناعة السيارات الامريكي : شركة جي أم (GM) و عملاق التأمين أي آي جي (AIG).
كل هذه الوقائع التاريخية – وغيرها بالآلاف – انما تؤكد الحقيقة الماثلة للعيان وهي أنه لا يتواجد الاقتصاد قط بدون السياسة، ولا السياسة بدون الاقتصاد. هذه بديهيات لا يناقش بصددها الضالعون بأبجديات علم الاقتصاد السياسي.
ولكن لا، لدينا هناك من يقرع على رؤوسنا بالقول:
"أن الرأسمالية هي نظام اقتصادي بحت و ليست منظومة سياسية"!
ثم يقول الدكتور لبيب سلطان المحترم:
"فلم ينضر لولادتها فيلسوف او سياسي او مفكر او نبي موحى اليه بتعاليم منه تعالى ليبشر بها، بل ولدت ولادة طبيعية لتطور العلم بعد تحرير العقل والدخول في الثورة الصناعية للحاجة لعلم اداري ومالي. ان الرأسمالية باختصار هي علم ادارة الاستثمار الناجح . تكمن في مهمتها ادارة تحويل المدخرات الى انتاج، تماما كما في الفيزياء التي تجهزنا بقوانين لتحويل الطاقة الكامنة في الفحم والبترول مثلا الى ديناميكية تستطيع تشغيل المحركات وادارة عملها. وباختصلر،يمكن القول ان الرأسمالية علم اقتصادي لتحويل الطاقة الكامنة في المال المدخ الى الانتاج ( الطاقة الدينامية) باستخدام انجازات العلوم. وهي ليست ايديولوجية سياسية كما ينظر لها مكرا وخطأ الماركسيون العرب."
انتهى النص المقتبس.
النص أعلاه يثبت بالدليل القاطع الجهل الفاضح للدكتور لبيب سلطان المحترم بمجريات التاريخ للصيرورة الفظيعة لنظام الرأسمالي الذي تأسس على النهب و السلب والقتل والتهجير والحروب مثلما سنتبين. كما أنه يخلط بين عدة ظواهر ومفاهيم متباينة: دور التنظير و العلم في ولادة نمط الانتاج الاجتماعي (الرأسمالية هنا)، والحاجة لعلم الادارة المالي. وهو يصور بشكل طفولي فج عملية التراكم البدائي لرأس المال – التي قامت على سرقة المال بقوة السلاح - بكونها "عملية تحويل المدخرات الى انتاج".
أبدأ أولاً بنمط الانتاج الاجتماعي كمفهوم اقتصادي عام . كل نمط انتاج اجتماعي عرفناه عبر تاريخ الحضارة البشرية (المشاعي، العبودي، الآسيوي، الاقطاعي، الأنديزي، الرأسمالي...) هو حقيقة تاريخية متميزة الخصائص الاقتصاجتماعية التي تشكل جزءًا من كلية عضوية ذاتية التكاثر قادرة على إعادة خلق ظروفها الأولية باستمرار. وهو بالتالي يديم نفسه بأساليب مستقرة لعدة قرون. وفي كل نمط انتاج اجتماعي، تتولى طبقات الشغيلة فيه من خلال عملها الاجتماعي تنفيذ عملية انتاج واعادة انتاج الفائض الاقتصادي في النظام القائم لعلاقات الملكية. كما أن كل نمط إنتاج معين يحتوي أيضًا في رحمه على بقايا الأنماط انتاجية السابقة عليه (إن وجدت) علاوة على البذور لأنماط انتاج جديدة تنبت فيه.
السؤال هو: كيف ينهار نمط الانتاج الاجتماعي السائد؟
الجواب هو: لا ينهار نمط الانتاج القائم إلا بعد ظهور قوى إنتاج جديدة (طبقة اجتماعية منتجة جديدة زائداً تقنيات انتاج جديدة) ذات علاقات إنتاج اجتماعية جديدة في رحمه مما يؤجج الصراع الطبقي في داخله لتؤدي مقتضيات التطور الناجز لهذه القوى الانتاجية الجديدة في نهاية المطاف الى الانهيار الكامل في هيكلية نمط الانتاج القائم ليحل محله نمط الانتاج الاجتماعي الجديد الأكفأ اقتداراً على انتاج الفائض الاقتصادي. وبكلمة اخرى، فإن نشوء وتطور قوى الانتاج الجديدة المتمثلة بقوة العمل الاجتماعي الجديد زائداً وسائل الانتاج الجديدة (التكنولوجيا الجديدة) و البنية الاجتماعية (علاقات الانتاج وتنظيمه) تجعل نمط الانتاج القائم نمطاً متخلفاً ورجعياً غير قابل للتطور، ومن بعدها غير قادر على الحفاظ على نفسه، فينهار لتحل محله اقتصادياً الطبقة المنتجة الجديدة وذلك اتماماً لضرورات تطور نمطها الانتاجي الجديد الأرقى، فتسود الطبقة الجديدة سياسياً على الطبقة القديمة الآيلة للانقراض. أذن، فإن التحسن التاريخي لمستوى التكنولوجيا باعتبارها عنصرا حيوياً من عناصر قوى الانتاج هو القوة الأساسية الدافعة لحصول التغييرات الهيكلية في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي للحضارة بغية تطوير وسائل الانتاج المادية، و ليست أفكار المنظرين.
هكذا، باختصار شديد، نشأت أنماط الانتاج الاجتماعي المتعددة المعروفة تاريخياً، بضمنها نمط الانتاج الرأسمالي الذي لعب دوراً ثوريا للغاية في تطوير قوى الانتاج وفي انتاج واعادة انتاج فائض القيمة.
صحيح أن نمط الانتاج الرأسمالي قد ولد في رحم نظام القنانة القائم قبله، ولكن ولادته لم تكن طبيعية البتة مثلما يزعم الدكتور لبيب سلطان المحترم، بل كانت في الواقع ولادة كارثية لنوع مختلف، مثل ولادة التنين "تايفون" من "غايا" في الميثولوجيا الأغريقية. لماذا؟ لأن نمط الانتاج الرأسمالي بالذات يتطلب انجاز عملية التراكم البدائي لرأس المال الخالق لأصل رأس المال ذي الدور الحاسم في ظهور الفروق الطبقية بين المالكين لوسائل الانتاج والمنتجين المحرومين منها.
غير أن الدكتور لبيب سلطان المحترم يتصور واهماً بأن النظام الرأسمالي قد تأسس أولاً عبر "عملية تحويل المدخرات الى انتاج". ولا بد للمرء أن يشفق على محاولته الفاشلة والمثيرة للضحك هذه في إعادة كتابة مجريات التاريخ عبر لصق وقائع اليوم عليها. معلوم تاريخياً أن نمط الانتاج الرأسمالي قد نشأ داخل نمط الانتاج الاقطاعي؛ وفي هذا النمط الأخير، توجد طبقتا الأقنان والاقطاعيين. السؤال هو: مَنْ مِنْ هاتين الطبقتين في نمط الانتاج الاقطاعي كان يملك "المدخرات" و "الانتاج الرأسمالي" لكي تحصل فيه خرافة " عملية تحويل المدخرات الى انتاج " التي يتحفنا بها الكاتب المحترم؟ الجواب: لم تكن مثل هذه الخرافات موجودة في نمط الانتاج الاقطاعي. ولو كانت موجودة فعلاً فيه مثلما يخرف الدكتور لبيب سلطان المحترم، لبقي نمط الانتاج الاقطاعي هذا موجوداً لحد الآن، و لما اندثر قط.
و الآن إلى السؤال الأهم: معلوم أن نمط الانتاج الرأسمالي لا يقوم إلا على وجود نظام العمل المأجور وعلى الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وكلاهما – العمل المأجور والملكية الختصةة لوسائل الانتاج – كانا منتفيين تماماً في نمط الانتاج الاقطاعي. في هذا النمط، كانت كل وسائل الانتاج ملكاً للعاملين المنتجين أنفسهم :الأقنان واصحاب الحرف حصراً ممن ليس لديهم مدخرات لكونهم تابعين لسيدهم الاقطاعي، والأرض والمنشئات يملكها الإقطاعي نفسه؛ فكيف يمكن في مثل هذا النظام الاقطاعي إجراء "عملية تحويل المدخرات الى انتاج" رأسمالي التي يلفقها لنا الدكتور لبيب سلطان المحترم برهاوة يحسد عليها على الطريقة الدينجية: "كن، فيكون"، بدلاً من البحث المعمق في تاريخ نشوء نمط الانتاج الرأسمالي المتاحة وقائعه اليوم مجاناً على الشبكة العنكبية؟
ولكن من أين جاء لنا الدكتور لبيب سلطان المحترم بهذه القربزة ؟
الجواب: من إحالته وقائع الحاضر الرأسمالي على الماضي الاقطاعي عبرالقص و اللصق وذلك خدمة لأسياده الإمبرياليين. في يومناهذا، توجد المصارف التجارية التي تشتري الائتمان النقدي بسعر فائدة ما - (5%) مثلاً - ممن يملك المدخرات النقدية ولا يستطيع تشغيلها، ثم تبيع هذه المصارف نفس هذا الائتمان النقدي بسعر أعلى (10% مثلا) بإقراضه لأجل معلوم لمن يستطيع استثماره في الانتاج الرأسمالي السائد الآن. هنا يقوم الرأسمالي بتشغيل قرضه المصرفي هذا في مرفقه الانتاجي الذي يُشغٍّل فيه العمل الأجير لإنتاج البضائع أو الخدمات، و من ثم بيعها في السوق الرأسمالي، فيجني الأرباح إذا ما سار كل شيء على ما يرام في تسويق دوراته الانتاجية. وعند حلول أجل تسديد قرض المصرف التجاري، فإن هذا الرأسمالي سيسدده من أرباحه في "عملية تحويل المدخرات إلى انتاج" هذه، التي يرحلها الدكتور لبيب سلطان من الحاضر الرأسمالي الى نمط الانتاج الاقطاعي قبل أكثر من خمسة قرون خلت بجرة قلم.
ولكن كيف تم التراكم الأولي لراس المال الذي تكفل بخلق نمط الانتاج الرأسمالي الذي يصفه لنا الدكتور لبيب سلطان بكونه كله الأوراد والزهور التي أخذت على عاتقها عملية توليده "ولادة طبيعية لتطور العلم بعد تحرير العقل والدخول في الثورة الصناعية لحاجة لعلم اداري ومالي. ان الرأسمالية باختصار هي علم ادارة الاستثمار الناجح . تكمن في مهمتها ادارة تحويل المدلخرات الى انتاج" مثلما يخرف الكاتب؟
الجواب: عبر الاستحواذ بالعنف والحرب والاستعباد والاستعمار لمراكمة لأرض والثروة داخل البلدان الرأسمالية وخارجها. وقد اشتمل هذا بشكل أساسي على عمليات الاستيلاء على الأراضي بتسويرها، وطرد السكان المقيمين لإنشاء بروليتاريا لا تملك أرضًا، ومن ثم استملاك تلك الأراضي لمراكمة رأس المال.
المصدر:
David Harvey (2005) The New Imperialism. Oxford University Press.
في نهاية الجزء الأول من رأس المال (1867)، يصف لنا كارل ماركس صيرورة التراكم الأولي لراس المال في بلدان أوربا الغربية بالقول:
"كان اكتشاف الذهب والفضة في أمريكا، واستئصال واستعباد ودفن سكانها الاصليين في مناجمهم للاستحواذ عليها، وبدء غزو ونهب جزر الهند الشرقية، وتحويل إفريقيا إلى أراض قاحلة ومَحاربَ للصيد التجاري للجلود السوداء ، هو الإيذان بالفجر الوردي لعصر الإنتاج الرأسمالي. هذه "الإجراءات المثالية" هي اللحظات الرئيسية للتراكم البدائي. في أعقابها، دارت الحرب التجارية بين الدول الأوروبية، لتصبح كل الكرة الأرضية مسرحاً له. بدأت هذه مع ثورة هولندا واستقلالها عن إسبانيا، لتأخذ أبعادًا عملاقة في حرب إنجلترا ضد اليعاقبة ، وهي ما تزال مستمرة في حروب الأفيون ضد الصين.
وتتوزع لحظات التراكم البدائي المختلفة نفسها الآن، بشكل أو بآخر حسب التسلسل الزمني على: إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا وإنجلترا. في إنجلترا في نهاية القرن السابع عشر، توصلوا إلى تركيبة منهجية احتضنت المستعمرات، والديون السيادية ، والنمط الحديث للضرائب، ونظام الحماية الجمركية. وتعتمد هذه الأساليب جزئيًا على القوة الغاشمة، مثل: النظام الاستعماري. لكنها جميعًا تستخدم قوة الدولة، القوة المركزة والمنظمة للمجتمع، للتسريع، بأسلوب مزارع الدفيئة، عملية تحويل النمط الإقطاعي للإنتاج إلى النمط الرأسمالي، ولاختزال فترة الانتقال. القوة هي القابلة لكل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد، وهي نفسها قوة اقتصادية."
انتهى نص ماركس.
هذه هي الحقائق المرعبة وراء ولادة النظام الرأسمالي التي يسوقها الدكتور لبيب سلطان باعتبارها: "ولادة طبيعية لتطور العلم بعد تحرير العقل والدخول في الثورة الصناعية لحاجة لعلم اداري ومالي. ان الرأسمالية باختصار هي علم ادارة الاستثمار الناجح تكمن في مهمتها ادارة تحويل المدلخرات الى انتاج".
المعادون للشيوعية لا قرار لانحطاطهم الفكري.
النظام الرأسمالي ولد عن طريق النهب بالقوة، قوة سلطة الدولة؛ و في حالة عدم وجودها، فأنه يستخدم العصابات لهذا الغرض. أنظروا كيف تمت بالأمس أكبر عملية سرقة في التاريخ بقوة سلطة الدولة للثروات المهولة لشعوب الاتحاد السوفيتي المنهار بغية إعادة توليد النظام الرأسمالي فيه عبر المافيات في حكم الاوليغارشية. أنظروا الآن الى العراق بعد الاحتلال الأمريكي لتروا كيف أن كل الاحزاب الحاكمة باتت مؤسسات اقتصادية كبرى تستخدم ليس فقط سلطتها بل وتؤسس كذلك مليشياتها المسلحة لفرض الأتاوات ولنهب أراضي وعقارات الدولة وثروات البلد الطبيعية وحتى معامله ومصافيه وموازناته المالية السنوية وكل مصدر للنهب متاحاً لتوليد التراكم البدائي لرأس المال فيه تحت ستار المحاصصة التي فرضتها كقانون فوق الدستور. هكذا ولدت الرأسمالية في كل مكان مثلما شرح لنا ماركس: بالنهب الذريع الفظيع تحت أجنحة القوة الغاشمة (brute force) وبحماية القانون والسلطة السياسية.
ثم يخرج لنا الدكتور لبيب سلطان المحترم فتيلة أخرى جديدة من قبعته الامبريالية:
"ان الرأسمالية باختصار هي علم ادارة الاستثمار الناجح"!
قه قه قه قااااااااااااااااااااااااااااااااااااه !
الرأسمالية هي علم مثل الفيزياء !
قه قه قه قااااااااااااااااااااااااااااااااااااه !
سأضطر لإبهاج نفسي بالضحك طويلاً في هذا الزمن الحزين على مهازل التخلف الفكري لخدم الامبريالية عندنا في الشرق، قبل استئناف الكلام عن هذه الخزعبلات في الحلقة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا