الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العدمي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 12 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لست أنا من لا يصلح للعالم ، بل العالم لا يصلح لى
إيميل سيوران

الإنسان في رحلته الطويلة عبر الوجود يحتاج إلى العديد من الأشياء الثابتة ليتمكن من مواصلة مسيرته المضنية، فهو يحتاج إلى طريق مفتوح أمامه ويحتاج إلى قاعدة متينة ينطلق منها ويحتاج إلى أرض صلبة يثبت عليها قدميه ليحس بوجوده وبضرورته في الكون كمشروع قابل للتحقق، فيتخيل أن الأرض خلقت من أجله وأن السماء والنجوم والكواكب وكل ما يدب على أرض البسيطة إنما خلقت من أجل هدف معين وغاية معلومة، هي خدمة هذا المخلوق المزري المسمى بالإنسان ليحقق مشاريعه الوجودية .. ويرفض أن يسقط في ظلمات الشك أو ضبابيات الريبة فيما يراه، يرفض العبث الذي يترقبه عند زاوية الشارع ولا يرى سوى ميكانيكية الطبيعة وترابط الظواهر ببعضها البعض، ويستنتج بعقله الحاسب ratio - reason - raison - بأن قانون العلية قانون عام يسري على كل الظواهر، فلكل معلول علة، ولابد إذا من العلة الأولى، وهكذا يدخل الله حلبة الصراع ويرتقي خشبة المسرح ليكمل المعادلة الكونية. هذا في حد ذاته يمكن إعتباره إبداعا فنيا أو رياضة عقلية لا ضرر منها، لولا أن هذه العلة الأولى أصبحت تكبر وتتضخم لتلقي بظلها الثقيل ليس فقط على الكون وظواهره الطبيعية وإنما على الإنسان ذاته مبتدع هذه العلة التي أصبحت في نهاية الأمر غولا وتنينا يرعب البشرية ويطالبها بالولاء والخنوع والسجود لهذا المخلوق الوهمي. العقل الغيبي هو العقل المندهش من كل الظواهر الطبيعية، الباحث عن السبب الأول والعلة الأولى لكل كبيرة وصغيرة، وبذلك لا يرى القوانين الطبيعية البسيطة التي أمام عينيه. فبمجرد أن يرى عشبة أو حشرة أو قطرة مطرأومجرد نواة التمر الصغيرة فإنه يهتف بكل قلبه ووجدانه "سبحان الله". هذه النواة التي تمسكها بين أصابعك وتتأملها في يدك حتى ألف عام فإنها تبقى مجرد نواة ولن يخرج منها أي شيء آخر، وقد تتحلل في نهاية الأمر ويأكلها السوس وتتحول إلى غبار، ولكنك إذا وضعت هذه النواة في الأرض، في ظروف معينة تتعلق بنوعية التربة وتكوينها العضوي والمعدني ودرجة الحرارة والرطوبة والتوقيت إلخ .. فإن هذه النواة قد تتحول إلى نخلة سامقة تعطيك بلحا وتمرا بعد عدة سنوات. ذلك إن هذه النواة تحتوي في داخلها على البرنامج الجيني الطبيعي للنخلة، ولن تنبت لك شجرة زيتون ولا شجرة لوز، كما أن النخلة لن تعطيك تفاحا ولا مشمشا، هذا هو قانون الطبيعة البسيط وهو مجرد ميكانيكية طبيعية لا تستدعي الدهشة والإستغراب ولا التسبيح بقدرة العلة الأولى، فالمعجزة ليست معجزة وإنما طبيعة الأشياء كما هي. النواة يمكن أن تكون نخلة كما يمكن أن لا تكون، والإنسان له قدرة التحكم في هذه الإمكانيات وتطويرها وتعديلها بحيث تنتج النخلة موزا بدلا من البلح، وإذا كان هناك إله على هذه الأرض، فلن يكون هذا الإله سوى الإنسان نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة