الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجشع البشري

حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)

2022 / 12 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أراد أحد ملوك الصين القديمة أن يكافئ أحد مواطنيه نظير الخدمات التي قدمها ذلك المواطن للمملكة. أتى الملك به، وقدم له عرضًا سخيًا؛ قال الملك للرجل:
- سوف أهب لك مساحة كبيرة من الأرض تكون ملكًا خالصًا لك.
فكر الملك مليًا في مقدار مساحة تلك الأرض التي سوف يهبها لذلك الرجل، ثم تفتق ذهنه عن عرض طرحه على ذلك المواطن، قائلاً له:
- سوف تمتلك كل مساحة الأرض التي تستطيع أن تقطعها سيرًا على قدميك.
هلل الرجل فرحًا لهذا العرض الكريم من جلالة الملك العظيم.
في الصباح الباكر استيقظ الرجل مهرولاً، وأخذ يعدو لقطع أكبر مساحة من الأرض، سار مسافات طويلة، كان يهرول بجنون، نال منه التعب ، ففكر أن يعود إلى الملك ليمنحه المسافة التي قطعها، ولكن سرعان ما طرد هذه الفكرة من ذهنه، مقررًا مواصلة السير للحصول على المزيد من الأرض، قطع مسافات أطول، وفكر في الرجوع إلى الملك مكتفيًا بما وصل إليه؛ ولكنه للمرة الثانية يتردد في العودة طمعًا في الاستحواذ على مساحات أكبر، واصل المسير، ظل الرجل يسير ويسير ...، نال منه التعب والإنهاك فسقط صريعًا. إن تلك المساحات الشاسعة من الأرض التي بذل حياته من أجل الاستحواذ عليها لم يمتلك منها سوى مساحة مترين تم دفنه فيها.
لا حدود للجشع البشري!! .. هكذا نحن نحرص على اكتناز المال وامتلاك العقارات، ونقضي أعمارنا سعيًا للمزيد، نتوهم أننا سوف نعيش أبد الدهر، وأن الموت لن يعرف طريقه إلينا. نسلك على هذا النحو، ونشقى في سبيل الحصول على مزيد من الثروة، نضحي بأجمل سنوات عمرنا من أجل امتلاك مال أو عقار لكي يتمتع به غيرنا، إن كل ما نملكه سوف يؤول إلى الأزواج والزوجات والأبناء والأحفاد، صحيح أن الواجب يحتم علينا أن نترك لهم ما يساعدهم على مواجهة صعاب الحياة، لكن للأسف الشديد نحن في سعينا إلى اكتناز المزيد من المال والعقار نعتقد وهمًا أن سعادتنا سوف تزداد بقدر زيادة ما نملكه، غافلون عن أننا نتعب ونشقى وقد ندخل في معارك ضارية يضيع فيها العمر وينجم عنها عداء الكثيرين لنا.
إن دائرة الجشع لا تقتصر على المال والعقار فقط، بل تتسع لتشمل أيضًا الطمع في السلطة، إن الحرص على المناصب والتكالب عليها هو أبشع صور الجشع، إن شهوة امتلاك السلطة تذل أعناق الرجال، فيجعلون «خدودهم مداسًا» حتى يصلوا إلى ما يبتغون، وما إن يصلوا حتى يطمعوا في المزيد ولا تتوقف أطماعهم عند حد؛ ظنًا منهم أنهم سيظلون سادة حتى قيام الساعة، وينسون أن الأيام دول، غافلون عن أنها لو كانت دامت لغيرهم، ما وصلت إليهم،
إن ما نقوله هنا لا يعني أن يزهد المرء في الحياة، ويكف عن العمل، ويقعد عن السعي للرزق. إن الطموح الإنساني والسعي لتحقيق الذات وتحقيق حياة كريمة أمر مشروع ومطلب نبيل، لكن التكالب على المال من جانب أناس يملكون منه الكثير، والحرص على سلطة هم غير مؤهلين لها، هو ضياع لأعمارهم من أجل الاستحواذ على مال يفيض عن حاجتهم؛ وسلطة تفوق قدرتهم؛ فهذا هو الجشع المرفوض.
لقد وُلِدَ الإنسان ليعيش الحياة .. لا ليستعد لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل