الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس الديانة العراقية القديمة ح 5

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 12 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد أمن العراق القديم أن الحياة الأخرى في أرض اللا عودة بيست فقط أنتهاء مباشر من هذه الحياة والأنتقال لها عبر مراسيم وطقوس الدفن، الأعتقاد الديني عنده مركب من طقوس وأعمال أخرى تبدا من لحظة غلق القبر أو الأنتهاء من مراسيم الدفن لتبدأ رحلة الذهاب إلى أرض اللا عودة، انوا يعتقدون أن الدفن في الأرض منفذ للعالم السفلي، حيث يقع نهر "هابور" والملاح "هامو طابال"، صاحب الأربعة رؤوس من الطير. ينتظر الميت بقاربه ثم ينقله إلى مدينة الموتى، ولمدينة الموتى سبع بوابات ضخمة ، وعلى الميت أن يتجرد من أشيائه عند كل بوابة، حتى يصل إلى البوابة الأخيرة عارياً حيث ينتظره "اريشيكجال"، كبير المتوكلين في مدينة الموتى الذي يقوده إلى سبع آلهة لتحديد مصيره، أما عن الحياة داخل مدينة الموتى فكانت اجتماعية ودينية، هذا ما عبرت عنه أسطورة "أنكيدو"، الذي نزل إلى العالم السفلي ليأتي بـ"الباكو والماكو"، وهما من الآلات الموسيقية تخصان جلجامش وبعدما عاد، حكى لسيده جلجامش عما يدور في العالم السلفي، فأبلغه أن كثرة النسل تجلب السرور ورضا الآلهة، وأن الميت الذي لا يجد من يعتني به، ومن لم يقدم أهله القرابين بشكل دائم، يعيش على بقايا الأموات لكن الغريب فعلاً، أن فكرة الموت لم تكن متمثلة في البشر فقط، بل كانت الأرباب تموت أحياناً نتيجة عقولات أو قدر وبالتالي لا أحد ينجو من الموت سوى رب الأرباب وإله الكون والوجود الذي بيده وحده مفاتيح الحياة والموت 1.
لقد تميزت فكرة الموت والعالم الأخر عند العراقيين القدماء وحسب المعتقد الديني لديهم لخصائص فريدة وأصيلة لا نجد لها علاقة فيما نقل عنها عبر الديانات الإبراهيمية أو ديانات الشعوب الأخرى، من أهم ما تتميز به هذه الفكرة النقاط التالية:.
• غياب فكرة الحساب الأخروي عن العمل الدنيوي، فلكل حياة هناك قواعد محاسبة واسلوب معالجة ينفرد به الرب الكبير في إيقاعه بالمباشر أو غير المباشر، ان الاعتقاد عند سكان وادي الرافدين القدماء ان عطف وبركات الإله لا تنزل إلا على اولئك الذين يحيون حياة طيبة، والذين هم آباء صالحون، وابناء بررة، وجيران طيبون، ومواطنون صالحون، والذين يقومون بالمعروف ويأتون العمل الصالح، ولقد كانت الآلهة تقيّم، كما نقيّم نحن اليوم قيم العطف والرحمة والاخلاص والعدل واحترام القوانين والنواميس الاجتماعية بين الناس من خلال منحهم أياما أكثر في الحياة الدنيا ويزيد من نسلهم الذي سيكون زادهم في العالم الأخر كما بينا، لذا توصي المدونات الدينية في العراق القديم على العمل الصالح المتمثل بالتالي:.
(( اعبد كل يوم آلهتك
و أظهر العطف للضعفاء
لا تهن المساكين
قم بالأعمال الصالحة،
وقدم العون في كل ايامك...
لا تشهر بالآخرين وحدث بالحسنات،
لا تقل أشياء خبيثة،
وقل في الناس قولًا جميلًا ))...
فيكون مرتكز العبادة في الديانة العراقية القديمة إذن يعتمد على كسب رضا الله واستجلاب بركاته، ويعبر عنها بالورع والخوف والخشوع ومحاولة تحقيق السلام الروحي للفرد وضمان استقرار مسيرة حياة المتعبد وتحقيق أمانيه وتطلعاته من حيث الرخاء والصحة وكثرة الأولاد وطول العمر.
• نتيجة لعدم وجود لفكرة الحساب الأخروي فيكون المنطق هنا نفي موضوع وفكرة الجنة والنار، مما يعني أيضا عدم إمكانية عودة الروح إلى الجسد ليعيش الحياة الثانية، هنا تتبلور فكرة أحادية تماما تخلو منها كل الديانات الإبراهيمية وغيرها مفادها أن العالم الأرضي السفلي هو عالم الجحيم أو ما يشبهه، ولكن ليس على أساس الجزاء، وإنما على أساس اللا عودة أولا وثانيا لأفتقاده إلى النور (لكن الإنسان العراقي القديم كان يؤمن ان الموت لا يعني النهاية المطلقة، بل هو انفصال الروح عن الجسد المادي، حيث تنتقل الروح بعد الموت الى طور جديد من الوجود، وهذا الأنفصال أي انفصال الروح عن الجسد يعني ايضا ان الروح لا تتأثر بعد ذلك بوضع الجسد، ولكن تبقى هناك صلة الى حد ما بينهما، ونتيجة لهذه الصلة بين الروح والجسد والتي تبقى حتى بعد الموت الذي يمثل راحة الروح واستقرارها فيه واقامة المراسيم والشعائر الجنائزية عالم الأرواح، فهذا يتوقف على دفن الجسد للميت، وثانيا من خلال تقديم القرابين ومما يودع معه من حاجيات ومأكولات، من هذه وما قام به من اعمال صالحة، وما ترك من ذرية ولاسيما الأولاد الذكور، من هذه النقطة جاء الأهتمام بطرق الدفن في العراق القديم، وهنا يمكن ان نشير الى نقطة مهمة وهي ان العراقيين القدماء لم يعتقدوا كما اعتقد المصريون مثلا بعودة الروح الى الجسد ووجود حياة ثانية يحتاج فيها الإنسان ما كان يحتاجه في حياته الأولى) 2 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.. يصف أحد النصوص بصورة حيّة لمدينة في عالم الأموات " المدينة العظيمة - إريگال أو إزيگال " ، وهي المدينة السومرية التي تقع تحت الأرض ، تحميها سبعة جدران وسبع بوابّات ، وتسكن فيها أرواح الموتى . في قصة نزول إنانا الأسطوري ، إذ تمرّ إنانا عبر هذه البوابّات السبعة في رحلتها إلى العالم السفلي ، وعند كل بوابة يتم تجريدها لجزء من ملابسها وحُليها ورموزها ، وفي النهاية تدخل مدينة الموتى عارية. بناءً على تلك الأوصاف في رحلة الموت ، فقد كانت طقوس الجنازة للمتوفي في بلاد الرافدين تستمر لمدة سبعة أيام ، وهي لازالت قائمة الى يومنا هذا، تمارسها المجتمعات العراقية في شكل أو بآخر . معتقدات بلاد الرافدين القديمة عن الموت والآخرة . عضيد جواد الخميسي
2..ملامح التوحيد في الديانة العراقية القديمة _نعيم الحصونة . مراجعة د. عادل هاشم علي طبع في لبنان، 2019 ص 56.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر