الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل : قصة قصيرة

صبيحة شبر

2022 / 12 / 8
الادب والفن


الرحيل

الحدث يقع على رأسك كالصاعقة ، الجميع يبكون بصوت عال ، وانت جفت لديك الدموع ، رحلت من كانت بقربك تتعاونان معا على مآسي الحياة وأهوالها ، تشتركان في مواجهة الصعاب الكثيرة ، والمسرات النادرة ، مرضها العسير لم يجعلها تفقد الأمل ، وظلت الابتسامة مرسومة على محياها وهي تصارع الآلام الكبيرة ، وأنت تنظرين إليها بإعجاب ، مقتدية بقوتها ،تراجعين معها عيادات الأطباء الخصوصيين والمستشفيات الحكومية ، ويجرون لها التحليلات الكثيرة واصفين الدواء ، تمتلئ بالعزيمة على عدم السماح للمرض أن يفترس الإرادة ، ترفض الأوجاع الجارية لاستيطان الجسد والقضاء على مقاومة الروح ، تراجعين معها الأطباء وأنت معجبة بابتسامتها الواثقة وضحكتها المتواصلة الهازئة بالعراقيل ، تعتني بك رغم مرضها الخبيث ، وتقوم بمساعدتك بتحمل الأعباء المختلفة ،تمدك بالقوة ، تحاولين أن تبعدي فكرة رحيلها الدائم الوشيك ،
- مرضها صعب والأمل في بقائها ضعيف!
من يقف بجانبك وقد بعد عنك الأحباب وسافر الأهل والأصحاب ،وبقيتما وحيدتين في معترك الحياة تصارعان حوادثها الأليمة بنضالكما الكبير..
- الضعف يستولي على قلبها، والمعدة استقرت بها الجراثيم ، ولم تعد قادرة على استقبال الطعام..
تذهبين بها إلى الأطباء في داخل البلاد وخارجها، وأنت تأملين أن يجد احدهم الدواء الشافي لمعاناتها المستمرة وألمها الممض ، لم تكن تصرخ مشتكية من الآلام المبرحة ، بل تضحك باستمرار ، وتستبدل بالصرخة ضحكة متواصلة لإبعاد شبح المرض المستقر بالجسد ، روحها قوية ، تتناسين تعبك الشديد وأمراضك ، تستمدين القوة من إصرارها على تحدي الأوجاع ،والانتصار على نتائج المرض ، كلاكما تجد سعادتها مع الأخرى وتنهلان من منبع ثر من الحنان
- معدتها ضعيفة ، سنحاول ان نستخرج الماء ، ليتمكن الغذاء من إرواء جسدها الظاميء
يأتيك صوتها واهنا ، فلا تدعين المخاوف تفترس يقينك ان العلاج سوف يكون بمقدور الطبيب
تهرعين بها الى المستشفى علهم ينجحون في الحصول على العلاج المأمول ، لم يجدوا الماء هناك ، بل بقع من الدماء ، استيطان الداء الخبيث رغم عمليتي استئصال الثدي ، يتمدد المرض الى خلايا الجسم ، ولم تعد وصفات الأطباء قادرة على منع زحفه المستمر ، تنظرين الى الباب بلهفة ، علّ المداوي يأتيك بالخبر السار ، يفتح الباب ، ويقول كلمات لاتتمكنين من استيعاب معناها ، الجارة كانت تحبها وتحترم صفاتها ،ينطلق منها صوت البكاء عاليا ، ماذا جرى ؟ ولماذا البكاء والنحيب ؟ إنها عزيزتك الغالية ، وهل تذهب دون وداع؟ لاتصدقين الخبر
تسارع جارتك الى الاتصال بالمعارف والأحباب ، تنبئهم بالخبر الفاجع ، يأتون تباعا لتعزيتك..
الجميع يوالون الصراخ ، أحقا يحبونها كحبك أنت ؟ ، تجف عندك القدرة على البكاء ، تفقدين صوتك ، وتجدين قدميك عاجزتين عن حملك، يحيط بك الحاضرون ، محاولين ان يعينوك على مصابك الأليم ، لا تصدقين ما حل بك ، هل رحلت حقا ؟ ولم يعد بمقدورك أن تكوني معها ، من سيبقى معك ، من تبثينه شكواك من عقوق الناس وغدر الزمان ، وجفاف الأنهار من مائها العذب ،من يستطيع أن يقف بجانبك ، تستمعين إلى همومه ويصغي إلى معاناتك، محاولا تخفيف الجراح ، وجهها امامك مازال مبتسما معبرا عن ارادته القوية في التصدي للصعاب.
المصاب أليم ، تنظرين إلى الوجوه ، التي غشيها الحزن ، فجعتهم الحادثة ، مشاعرهم صادقة ، الجميع سيهرعون الى منازلهم ،بعد يومين ، من يقف معك ، هل ستكونين وحيدة ، والغربة تملأ أيامك وتفترس لياليك، وأنت مهيضة الجناح ، تحاولين الوقوف ، لا تلبي رغبتك قدماك ، ما عادتا تأتمران بما يحمله رأسك من أمنيات ، يا رب رحمتك من لك بهذا العالم ؟ شقيقتك رحلت ، لا تتحملين نظرات الإشفاق ، تعاودين المحاولة ، تسقطين على الأرض ، نظرات الإشفاق تنهمر عليك ، لعنات تصفع مشاعرك ، تصممين على الانتصار، ينتظرك السقوط مرة أخرى مكشرا عن أنيابه الهازئة ، تمتد إليك الأيادي ، تتجملين بالصبر ، تطل عليك بابتسامتها الواثقة ونظرتها الحنون ، أليس الأجدر بك أن تتسلحي بالقوة التي كانت تبثك إياها ، فلتحاولي مرات آخر .. تهطل دموعك ، تخفف عنك كثافة الأحزان ، تمتد إليك احد الأيادي ، تمسكين بها لحظة ، تشكرين صاحب اليد المساعدة ، وتواصلين المسير وحدك



13 آب 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202