الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شمس- سردية بصرية جريئة تختبر الموروث الديني

عدنان حسين أحمد

2022 / 12 / 8
الادب والفن


لم يكن فوز فيلم "شمس"للمخرجة العراقية الكوردية كوردوين أيوب بجائزة أفضل فيلم في الدورة الثانية والسبعين لمهرجان برلين السينمائي الدولي مفاجئًا بالنسبة لنا، فهو فيلم روائي استفزازي يروي قصة مراهقة كوردية لا تجد حرجًا في أن تطرح موضوعًا شائكًا وحسّاسًا تختبر فيه هويتها الدينية والثقافية عندما تصوِّر مقطعًا من أغنية معروفة مع صديقتيها غير المسلمتين بيلا وناتي حيث يَلقى الفيديو ترحيبًا غير مسبوق يحقق لهنّ شهرة واسعة في الفضاء العنكبوتي الأزرق. قد تكون الثيمة الاستفزازية الحسّاسة سببًا في الشهرة والذيوع، وربما تلعب الغرابة دورًا مهمًا في تأطير الفكرة الواخزة لمشاعر الناس حيث تضعهم في مواجهة حادّة مع ثنائية المقدّس والمُدنّس التي تشطر المجتمع طوليًا إلى قسمين متضادّين يرفض أحدهما الآخر إلى درجة القطيعة النهائية.
تبدو تقنية الفيلم التي تناولت أشخاصًا رقميين ينتمون إلى الجيل زد Generation Z)) هي الأسلوب الأنسب لمثل هذه الأفلام الدرامية، خاصة وأنّ المخرجة الكوردية تنتمي إلى هذا الجيل الذي يضم مواليد منتصف التسعينات إلى نهاية عقد الألفين. وأبرز ما يميّز هذا الجيل هو استعماله المُفرط للإنترنيت والأجهزة الإليكترونية الحديثة كالهواتف النقّالة، والأجهزة اللوحية، والساعات الذكية وما إلى ذلك. وعادة ما يكون أبناء هذا الجيل متكيفًا ومتفاعلاً مع مواقع التواصل الاجتماعي التي هيمنت على مختلف أرجاء العالم.
يتمحور الفيلم على ثيمات متعددة كالرقص، والغناء، والصداقة، والتقاليد الاجتماعية، والاندماج، كما يدور حول فترة المراهقة والشباب خاصة فيما يتعلّق بالشخصيات الرئيسة التي تحاول أن تجرّب كل شيء تقريبًا باستثناء الخوض في المحرّمات لكن ذلك لا يمنع ملامستها أو الاقتراب من حيّزها الإنساني. فمسألة الحجاب قابلة للنقاش من وجهة نظر مخرجة كوردية درست الرسم وأفلام الرسوم المتحركة في جامعة الفنون التطبيقية والأدائية في فيينا منذ عام 2008 إلى 2013م. ونعتقد أن التغيير الدراماتيكي لطبيعة السينما العراقية إذا ما حدث فإن أبطاله وقادته سيكونون من المهاجرين والمغتربين العراقيين والمُقتلَعين من جذورهم؛ فهؤلاء هم الذين سيحملون مشعل التنوير، وهم الذين يقوّضون بمعاولهم الحادّة الأنماط التقليدية التي أكل الدهر عليها وشرب. وربما يكون "جيل زد" هو الأوفر حظًا في التجريب والتجديد والإتيان بما هو مخالف لتوقعات المشاهدين. ولعلني لا أغالي إذا قلت بأنّ كوردوين أيوب هي واحدة من المخرجات المجددات اللواتي يحملنَ لواء التغيير ويشكّلن منعطفًا في الرؤية الإخراجية بعيدًا عن محظورات المثلث الخانق (للدين والجنس والسياسة) الذي يخشاه الكثير من المخرجين العراقيين حتى الآن.
توظّف كوردوين أيّوب الميتاسرد في فيلم "شمس" حينما تدفع الصديقات الثلاث (ياسمين وبيلا وناتي) لتصوير أغنية معروفة تحمل عنوان "فقدتُ ديني" التي تؤديها فرقة آر. إي. إم الأمريكية. وما إن يبدأ والد ياسمين بنشر مقطع من الأغنية المُصوَّرة على اليوتيوب حتى تصبح الفتيات الثلاث مشهورات بين عشية وضحاها وخاصة بين جالية المسلمين الكورد في النمسا.
ترصد القصة السينمائية التي كتبتها المخرجة عائلة كوردية تتألف من الأبوين عمر وزوجته أويني والبنت ياسمين وشقيقها الأصغر كريم. وتبدو ياسمين مجتهدة في دراستها وستلتحق بالجامعة قريبًا، أما أخوها كريم فهو كثير الخروج من المنزل ولديه علاقات مع رفاق السوء الذين يرتكبون أفعالاً مخالفة للقانون وذات ليلة يقتلون خنزيرًا في محميّة ويصوِّرون عملية ذبحه ثم يقومون بنشر الفيديو على الإنترنيت فيلاحقهم البوليس النمساوي ويتتبعهم إلى منازلهم بهدف الوصول إلى العقل المدبّر أو الجاني الحقيقي الذي ارتكب هذه الجريمة البشعة.
يتعاطف الأب مع ابنته ياسمين ويقوم بدور مدير للفرقة حيث ينقل الفتيات الثلاث بسيارته الخاصة إلى حفل زفاف كوردي ويرقص معهن بمنتهى الفرح والسرور ويبدو جذلاً ومبتهجًا طوال مدة الحفل الأمر الذي يثير حفيظة زوجته أويني التي تشعر بعدم حيادية زوجها الذي يميل صوب ياسمين ويتشدّد مع كريم ويضايقه لدرجة منعه من الخروج من المنزل. وفي مناسبة أخرى تلتقي ياسمين بشاب كوردي سوري وآخر من كوردستان إيران وتدخل معهما في حوارات معمّقة عن الحجاب، واشتراطات التديّن لكنها تفرط في تناول المشروبات الروحية أسوة بصديقتيها النمساويتين فتتقيأ أكثر من مرة إلى أن يقوم والدها بنقلها إلى المستشفى ليطوي الفيلم صفحته النهائية بعد أن قالت المخرجة وكاتبة السيناريو كل ما يعتمل في ذهنها من رؤى وأفكار عن عائلة كوردية لا تختلف كثيرًا عن عائلة المخرجة نفسها وإن كانت أدوار الأبوين معاكسة لدورهما في واقع الحياة. فوالدا المخرجة ينحدران من أصول قروية، والأب أكثر تشددًا في واقع الحال، بينما الأم أكثر تفتحًا واسترخاءً عمّا ظهرت عليه في الفيلم.
لم ينجُ الفيلم من النبرة السياسية فهو يصوّر في جانب من قصته الدرامية هروب العائلة الكوردية من كوردستان العراق وتعاطف الأم على وجه التحديد مع الضحايا الذين يبحثون عن منفذٍ للخلاص فوجد غالبيتهم الملاذ الآمن في قارة أوروپا التي آوتهم ووفرت لهم الحرية، والعمل، والعيش الكريم. وقد ارتأت المخرجة وكاتبة السيناريو أن تسمّي فيلمها Sonne، أي "شمس"، وهي تعني صورة الشمس الموجودة في العلم الكوردي، كما أنّ العنوان لا يبتعد كثيرًا عن الشمس التي تُطل على الجميع من عليائها لتزيح الظلمة التي تخيّم على وجه البسيطة.
بقي أن نقول بأنّ المخرجة كوردوين أيوب هي من مواليد دهوك 1990م. أنجزت عددًا من الأفلام الوثائقية والقصيرة من بينها "العطلة الصيفية"، و "الكيد المُرتدّ"، و "الجنة! الجنة!"، و "إجازة عائلية" وغيرها من الأفلام التي وجدت طريقها إلى المهرجانات المحلية والعالمية. وفيلم "شمس" هو فيلمها الروائي الطويل الأول الذي حفر اسمها في المشهدين السينمائيين الألماني والنمساوي على حدْ سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى