الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرجعيّة الشيعيّة وأرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق..!!

زكي رضا

2022 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عُقدَ برعاية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي قبل أيّام، ملتقى "علمي" ديني وفق بيان من العتبة الحسينيّة بكربلاء تحت عنوان (أثر القيادة الصالحة في نهضة الأمم وتقدمها السيد السيستاني "دام ظله" إنموذجاً )، أعلنت فيه "أن المرجعية الدينية الرشيدة قررت إرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق مغايرة للمعادلة الجائرة السابقة، فيما بينت أن رؤية المرجعية العليا تتلخص ببناء دولة تحتضن الجميع". وهذا يعني أنّها أي المرجعيّة تعلن وبشكل رسمي تدّخلها بالشؤون السياسيّة للبلاد، كما ويعني أنّ نظام الحكم منذ الأحتلال لليوم هو نظام جائر، كما ويعني أيضا أنّ الدولة كانت تميّز بين مواطنيها (ولا زالت) وهذا ما يدفع المرجعيّة لرؤية مغايرّة عن السابق في بناء الدولة. والسؤال هنا هو: أين كانت المرجعيّة طيلة ما يقارب العشرين عاماً الماضيّة والدولة العميقة بكل فسادها وجرائمها هي من تقود العراق، ولماذا لم تطرح هذه الرؤية بعد تشكيل أوّل حكومة محاصصة فاسدة بالبلاد..؟

ما شكل الدولة التي تريدها المرجعية الشيعية وفق ما جاء على لسان الأمين العام للعتبة الحسينية حسن رشيد العبايجي وهو يقول : "المرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة كما جاء في حديث الإمام الحجة (عجلّ الله فرجه الشريف)، وأما الأحداث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله" ليبيّن بعدها قائلا من أنّ "عملها يجب أن يكون في ظل ما قام به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أدوار ومواقف مختلفة"؟ من المؤكّد أنّ السيّد السيستاني ليس من دعاة الدولة العلمانيّة الديموقراطية التي ستحدّ من دور رجال الدين ومؤسساتهم من التدخل بالشؤون السياسيّة حسب مبدأ فصل الدين عن الدولة، كما يفعل اليوم. وكما يؤكّد أنصاره والبيانات الصادرة من مقرّبيه فأنه لا يدعو الى دولة أسلاميّة على غرار دولة الفقيه، فهل يدعو من خلال أرساءه "معادلة جديدة لنظام الحكم في العراق" لبناء دولة أسلاميّة معتدلة تشغل فيه الشريعة وسنّة آل البيت حيّزا كبيرا منها؟

لو عدنا الى الدستور الذي أصرّت المرجعية على كتابته والتصويت عليه بعجالة شديدة رغم المناشدات الكثيرة بالتريّث في كتابته والذي تطالب اليوم بـ "إعداد دستور تشارك في كتابته جميع المكونات يحظى بالقبول من أغلبية الشعب" سنرى أنّه في بعض بنوده الرئيسية والتي تمس صلب الحياة الديموقراطيّة، الغام تنسف المفاهيم الديموقراطيّة كما التي جاءت في:

المادة (٢)
اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع :
أ - لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ...!!

فهل ستكون هذه التناقضات والتزواج بين أحكام الأسلام والمباديء الديموقراطيّة موجودة في الدستور الجديد، خصوصا وأن مهدي الكربلائي وعدد لا بأس به من رجال الدين كانوا ضمن لجنة كتابة الدستور السابق، وبالتأكيد سيكونون ضمن اللجنة التي تكلّف بكتابة دستور جديد مثلما تطالب المرجعيّة؟ الجواب نعم ستكون وبلا شك موجودة لأنّ المرجعيّة بأعتبارها جهة دينية لا يمكنها شرعاً القفز على هذه المطالب، وهذا يعني أستمرار الخلل في الدستور وليستمر كما هو اليوم حمّال أوجه.

أمّا حول الأنتخابات البرلمانيّة فأنّ المرجعيّة تطالب بـ "اعتماد نظام انتخابي عادل يتم من خلاله انتخاب مجلس النواب والذي يقوم بتشكيل الحكومة المسؤولة عن حفظ النظام وخدمة الشعب وفق منهج العدل والمساواة بين جميع المواطنين، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ليكون الأمر في نهاية المطاف بيد الشعب". المرجعيّة وبلا أدنى شك وهي تتدخل بالشأن السياسي العراقي تعرف جيداً طبيعة القوانين الأنتخابية التي تظهر قبل كل أنتخابات، وكانت تكتفي في خطبها وبياناتها كما اليوم بأن تكون الأنتخابات عادلة، وعلى الرغم من معرفتها بطبيعة الأنتخابات التي جرت ودور الميليشيات (الحشد الشعبي) والمال العام في ترهيب وترغيب الناخبين، الا أنّها أصرّت على أن تكون على مسافة واحدة من الجميع ، فهل يستوي الذين يقتلون وينهبون الناس مع الذين لا يقتلون ولا ينهبون الناس لتقف المرجعية على مسافة واحدة منهما كما صرّحت يوماً!؟ وأين هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اللهمّ الا أذا كان الفساد والنهب والقتل والخيانة الذي تمارسه أحزاب المحاصصة معروفاً، أمّا إن كان فساداً فأين حديث النبي محمّد الذي يقول "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شئ من الايمان"!! سؤال بريء للمرجعيّة حول الفساد وهو منكر بلا شك، هو إن كانت تعرف شيء عن مشاريع العتبات الدينية الزراعية والصناعية والتعليمية والصحيّة والسياحيّة وغيرها، والمعفيّة من الضرائب ودفع الرشى لأستحصال الموافقات الأصولية نتيجة الفساد وإستغلال المنصب والهالة الدينية، والتي لها الأولويّة كما مشاريع الحشد في أنهاء معاملاتها الرسمية في دوائر الدولة بسرعة الضوء والتي ينتظر فيها غيرها لسنوات وقد لا تنجز، هذه إن كانت مشاريع المرجعية والحشد ومافيات رجال السلطة تحصل على الموافقات الأصولية من دوائر الدولة اساساً.

تطالب المرجعيّة في أن "يكون الشعب هو مفتاح هذه المعادلة الجديدة والمباشرة بالانتخاب وصناعة مؤسسات الحكم ومحاسبتها واستبدالها في حال التقصير عن أداء واجباتها". لقد كانت كل مؤسسات الدولة هذا إن كانت هناك مؤسسات حقيقية ولليوم فاسدة وناهبة للمال العام، ولم تستطع أي أنتخابات من تغيير الخارطة السياسية بالبلاد، والأمل كان معقوداً على أنتفاضة تشرين في بناء دولة جديدة ومحاسبة السراق واللصوص. لكنّ المفارقة هو ليس قمع الأنتفاضة بالحديد والنار بالأمس، بل قمع كل تحرك جماهيري حتى المطلبي منه بقوّة السلاح كما حدث في الناصرّية مؤخرّاً، والملفت للنظر أنّ الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي الذي تشكلّ وفق فتوى الجهاد الكفائي هي المسؤولة عن قتل العراقيين!! إن كان الجهاد كفائياً لمواجهة خطر داعش على حواضر العراق فلم هو باق لليوم ليستغلّه تجار السياسة الأسلاميين، وهل هناك أمل في أن يسحب السيد السيستاني البساط من تحت أقدام الميليشيات المتسلحة بفتواه وإلغائها، كون مثل هذه الفتوى قابلة للتجديد والألغاء وفقاً للظروف التي مهّدت لأطلاقها وأستمرارها وتقييمها من قبل المرجع الذي أطلق الفتوى؟

وبيّن البيان أن "المرجعية العليا أكدت على أبناء العراق الذين يمتلكون الكفاءة والمؤهلات بأن يتصدوا لإدارة البلاد وليس عليهم أن يفعلوا ذلك تحت أي سلطة أجنبية ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن العراقي ووجوب نيل العراق لاستقلاله بصورة كاملة وغير منقوصة"!! أيتها المرجعية الرشيدة: أنّ من يتصدى لأدارة الدولة بالعراق اليوم هم جيش من الأميين والسرّاق واللصوص، هذا الجيش يشتري ويبيع الوزارات والمناصب العامّة بالبلاد. جيش من الدمج يقود القوّات المسلّحة والنظاميّة وإدارات الدولة. ولا مكان لذوي الكفاءة والمؤهلات للتصدي لأدارة البلاد والجامعيين ينضمّون بأستمرار الى فيالق العاطلين عن العمل، فالبلاد يقودها اليوم شعيط ومعيط كما يقول المثل البغدادي.

العراق بحاجة الى علماء أقتصاد واجتماع وفلسفة وتربية وطب وفيزياء وكيمياء وهندسة وغيرها من العلوم لينهض ويتقدّم كما بلدان العالم المتحضرة، وليس لعلماء دين مع جلّ إعتزازنا بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكل المرجعيات الدينية الأخرى.

الأنتفاضة ضد سلطات القتل والفساد والجريمة وليس الأنتخابات التي تضع قوى الفساد قانونها كما تشتهي، هي الطريق الوحيد لتحرير بلادنا من دنس أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بأرض وسماء ومياه وثروات العراق خراباً وتدميراً.. ولتعرف المرجعيّة أنّ قوى المحاصصة لن تستمع لما تقوله المرجعية إن تعارضت تلك المطالب مع مصالحها، لذا ولأحترام تاريخها الفقهي كمرجعية للشيعة في النجف الأشرف عدم التدخل بالشأن السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المعادلة العراقية
عامر سليم ( 2022 / 12 / 9 - 05:39 )
المعادلة العراقية لايمكن حلها ابداً مالم يتم حذف الدين والمرجعية والمليشيات من الطرفين ( الدولة و الشعب) ,لأن هذه العناصر شاذه ولايمكن ان تكون جزء من الحل بل هي جزء من المشكلة !
الدين والمرجعيه والمليشيات = (-1)√-;- (جذر -1) , وهذا رقم شاذ خيالي وغير حقيقي ولا واقعي يمنع من حل أي معادلة يتواجد فيها!؟


2 - الإعتزاز بالمرجعية
سائس ابراهيم ( 2022 / 12 / 9 - 19:26 )
عبارة وردت في المقالة : -مع جلّ إعتزازنا بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكل المرجعيات الدينية الأخر.- جعلت شعر رأسي يقف، وقلت لنفسي : هل هذه مقالة لشيوعي أم ماذا ؟ هل يوجد شيوعيون يعتزون بكهنة الإسلام الفاشي المجرم بشقيه السني والشيعي ؟. ه
سؤال غير برئة : ما هي الدلالة الحقيقية لمصطلح -المرجعية والمرجعيات- ومن أي قاموس يساري استقيت هذا المصطلح الظلامي ؟. ه
ملاحظة أخيرة : يمكنك أن تمنع تعليقي من جديد كما فعلت في المرة السابقة. ه
ابراهيم ماركسي حقيقي لم يقدس في حياته أبداً أي ظلامي
تحياتي رغم الإختلاف


3 - نفاق المراجع
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 10 - 07:21 )
شكرا للسيد الكاتب على جهده باطلاع القارئ على محاور هذه الندوة وكشف نقاط اسميها نفاقية كالتي اجاب بها الكاتب على علماء الحوزة النجفية وبلاشك هي معتدلة قياسا لولاية الفقيه ولكنها ايضا منافقة ومنحازة لقوى الاسلام السياسي وكل اعتراضها عليهم - لاتخزونا - وليس بالتبرئة من هؤلاء السراق والحرامية والقتلة ..حتى الرجل العامي في العراق يعي -الساكت عن الحق شيطان اخرس - والحق هنا قول الحقيقة للناس وليس ا لوقوف وسطا تحت مسميات المرجعية لا تتدخل بالسياسة ، فهي لا تتدخل عندما يراد منها مكاشفة الناس بحقيقة جرائم احزاب وميليشيات ال البيت وهي تعرفها جيد كما يعرفها كل العراقيين، انها تتدخل بالسياسة من باب الوعظ العام التي هي في الواقع التغطية الاعلامية لمجرمي تخريب الدولة والمجتمع والمؤسسات وافقار الشعب فهي كأنما تقول نصحناهم ولم يرعووا ..ونصحكم في الواقع دجل للتغطية ان اردتم الدقة في التعبير..هم قتلوا 800 من الثائرين وهم اتباع ال البيت فهل دعوتم للقضاء وهل واجبرتم الميليشيات وهل تبرأت المرجعية من اي سارق او قاتل واحد لحد اليوم..وهم جميعا يتقولون انهم يطيعون المرجعية وهذا عيب عليها


4 - الدين زفرة المخلوقات المعذبّة
زكي رضا ( 2022 / 12 / 10 - 22:51 )

السيّد عامر سليم المحترم

حذف الدين والمرجعيّة من الدولة، أي فصل الدين عن الدولة بمعنى أدق، هو ما تناولته في المقالة. لكنّ ولنكون واقعيين، فأنّ حذف أي الغاء الدين والمرجعيّة من الشعب، أمر صعب تحقيقه، ليس لغياب الوعي عند قطّاعات واسعة من المجتمع، بل لأنّ الدين حاجة في المجتمعات المختلفة ومنها مجتمعات متقدمة ومتحضرّة. وطالما هناك معذّبون يشعرون بالظلم ولا يستطيعون مواجهته والتغلّب عليه، فأننا بحاجة الى تحليل مادي للدين وعلاقته وأثره بالمجتمع لتفسير توجّه الناس .
.للغيبيات، وهذا ما فسّره كارل ماركس حينما قال - الدين زفرة المخلوقات المعذّبة-
تقبل أحترامي وتقديري


5 - المرجعية تحمل العصا من الوسط
زكي رضا ( 2022 / 12 / 10 - 22:57 )
د. لبيب سلطان المحترم

أوفقك الرأي فيما ذهبت أليه من أستنتاجات حول دور المرجعية في الحياة السياسية بالبلاد.وانحيازها للأحزاب الحاكمة، بحملها العصا من الوسط

تقبل احترامي


6 - المرجعية تحمل العصا من الوسط
زكي رضا ( 2022 / 12 / 10 - 23:13 )
د. لبيب سلطان المحترم

أوفقك الرأي فيما ذهبت أليه من أستنتاجات حول دور المرجعية في الحياة السياسية بالبلاد.وانحيازها للأحزاب الحاكمة، بحملها العصا من الوسط

تقبل احترامي


7 - الخلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية
زكي رضا ( 2022 / 12 / 10 - 23:14 )
السيد سائس ابراهيم المحترم

أننا نعيش فترة مظلمة من تاريخ شعبنا ووطننا، ولكي نجتاز بحر الظلام الذي يلفنّا جميعا، علينا دراسة الواقع الذي نعيشه والعمل من خلاله، ونتعرف على نقاط القوّة التي نمتلكها في مواجهة نقاط قوّة الطرف المقابل، والعمل لكسب معركتنا الطويلة الأمد في هذه المواجهة. شخصيا أعتبر نفسي في مواجهة مرجعيات دينية تستطيع أن تؤثر على الشارع السياسي أكثر مني بأشواط، لذا أرى لزاما علي وهم يقودون جيوش من الجهلة والأميين وهم الوسط الذي عليّ العمل فيه، أن لا أستفز جمهورها مطلقا بل نقد مواقف المرجعية بشكل لا يثير مشاعرهم، خصوصا تلك التي تتعلق بوقوف المرجعية وإن بشكل غير مباشر الى جانب لصوص المال العام والميليشياويين، بهذا الشكل استطيع التأثير عليهم. لقد طالبت في مقالتي وبشكل واضح وجلي بنظام علماني ديموقراطي وهو يعني فصل الدين عن الدولة، وحينه ستكون أدوار المراجع الدينية فقهية لجمهورها فقط.

تستطيع العودة لشروط النشر في الحوار المتمدن، وهي تنطبق أيضا على الردود ونشرها، لتعرف سبب منع نشر تعليقك السابق.

الخلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية..
تقبل أحترامي وتقديري

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة