الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاكل الفلسفة اللا إنجابيّة , وتقديم لفلسفة أفضل.

اسكندر أمبروز

2022 / 12 / 9
حقوق الاطفال والشبيبة


إحدى أهم الفلسفات التي تتطرّق لهذا الموضوع والتي صار لها صدى في إطار المحتوى العربي على مواقع التواصل الاجتماعي هي الفلسفة اللا إنجابية أو Antinatalism باللغة الانچليزية والتي تعني بأحد تعريفاتها الأكثر انتشاراً , اللا إنجاب أو هي بشكل أوضح النظر لإنجاب الأطفال على أنه عمل لا أخلاقي , حيث أنه من غير الأخلاقي إجبار شخص ما على الوجود دون الأخذ برأيه , وبما أنه من المستحيل أخذ رأي الطفل القادم للحياة إن كان يرغب بالعيش في هذا العالم أم لا فإذاً الإنجاب هو عمل لا أخلاقي.

أو من زاوية أُخرى يتم تعريف اللا إنجابية على أنها تفادٍ للمعاناة , حيث أن العدم هو 0 على مقياس المعاناة , وبما أن الحياة فيها معاناة ومآس كثيرة لا يمكن ضمان عدم حدوثها , فإذاً ترى الفلسفة الا إنجابية أن الانجاب لا أخلاقي لأنها إيجاد شخص من العدم (الذي هو حيادي تماماً من حيث المعاناة) الى هذه الحياة التي قد تتحوّل بشكل مفاجئ الى معاناة وجحيم لا يمكن الفرار منه ! فبالتالي الإنجاب هو إجبار أحدهم على المعاناة وهذا غير أخلاقي.

وطبعاً أنا شخصياً لا أتّفق مع هذه الفلسفة والتي أرى فيها نوعاً من المغالاة أو السلبيّة الشديدة , ولكنني أفضّل فلسفةً أُخرى أو نظرة فلسفيّة مختلفة تجاه الإنجاب والتي سأشرحها في هذا المنشور , ولكن قبل الاتجاه لما أراه أكثر منطقيّةً وعقلانيّةً من اللا إنجاب أو الانجاب الأعمى المتّبع من قبل الكثيرين في هذا العالم , عليّ أن أوضّح أوجه الضعف في الفلسفة اللا إنجابية ولماذا أرى أنها فلسفة قاصرة رغم تفهّمي المطلق للغاية التي تريد اللا إنجابية الوصول إليها والتي أتّفق معها ألا وهي تخفيف أو إنهاء المعاناة في هذا العالم.

وكتفنيد للا إنجابية فالنظرة الأولى لتلك الفلسفة في التعريف الأوّل ألا وهو عدم أخلاقيّة الانجاب أصلاً , فعلينا أن نرى الموضوع من وجه مختلف , فمن الطبيعي أن يكون إجبار أحدهم على الوجود أمراً لا أخلاقيّاً , ولكن هل هذه هي الصورة الكاملة لمسألة الإنجاب ؟ لا طبعاً , فنحن نفترض أن الطفل الذي قد يأتي لديه خيار في الحياة أو عدم الحياة مثله مثل أي خيار آخر , ومن ثم نحن نسلبه هذا الخيار بإجباره على المجيء والعيش , ولكن وفي المقابل لو اخترنا عدم الإنجاب بشكل مطلق , ألا يعني هذا أننا نسلب حق الطفل بالمجيء لهذه الحياة ؟

فماذا لو كان يرغب في الحياة ومنعناه من ذلك بعدم الانجاب ؟ فإن كان من غير الأخلاقي اجبار أحدهم على الحياة , فهذا يعني أنه من غير الأخلاقي منع أحدهم من القدوم لهذه الحياة أيضاً , فالموقف الأوّل يساوي الموقف الثاني من حيث القيمة الأخلاقيّة , حيث أنه في كلتا الحالتين يستحيل علينا معرفة خيار الطفل قبل أن يأتي إن كان يريد العيش أو البقاء في العدم , وبنائاً عليه نستطيع الجزم بأنه من ينجب طفلاً ومن يختار أن لا ينجب هما متساويان من الناحية الأخلاقية فيما يتعلّق بإجبار الكائن البشري هذا على القدوم أو البقاء في العدم الأزلي.

وهذا ما يقودنا للتعريف الثاني للا إنجابيّة ألا وهو المعاناة , فقد يعترف بعض الاخوة اللا إنجابيين أن ما سبق صحيح , وأن إجبار الطفل على الحياة يساوي أخلاقيّاً منعه منها , ولكن ماذا عن المعاناة ؟ وماذا عن عشوائيّة الحياة ؟

وهنا أرى أيضاً مشكلة عويصة تواجه هذه النظرة , فنعم العدميّة خالية تماماً من المعاناة , ولكنها أيضاً خالية تماماً من السعادة , وأخلاقيّاً منع أحدهم من السعادة يساوي إجبار أحدهم على المعاناة , فالعدميّة كما ذكرت هي 0 على مقياس السعادة , خالية من الإيجابيات أو السلبيّات على حدّ سواء , وبالتالي موقف عدم الإنجاب يصبح موقفاً نسبيّاً لحياة الأهل وإمكانيّاتهم , فلو كان وضعهم سلبيّ وغير مستقر , نعم نستطيع القول أن الإنجاب هنا ولو لطفل واحد هو أمر لا أخلاقي , نظراً لإمكانية توريث اطفالهم لمعاناتهم سوائاً أكانت ماديّة أم نفسيّة أم صحيّة...الخ.

ولكنني وبصراحة لا أرى المانع الأخلاقي لأبوين في وضع مستقرّ ماديّاً وفكريّاً أن ينجبوا الأطفال , وطبعاً هذا نسبيّ ويقال فيه مجلّدات لا كتب فقط , عن أهمية وشروط الاستقرار الفكري والمادّي للأبوين والتي يمكن تحقيقها ببعض التوعية والتعليم وغير ذلك , وهذا كله في حالة واحدة فقط سيتم تبيانها فيما يلي.

وطبعاً ما سبق ذكره هو مجرّد توضيح لعيوب الفلسفة اللا إنجابية وقصرها في التعامل مع مسألة الإنجاب والتي أرى أنها مسألة مهمّة جدّاً فلسفيّاً لا يمكن اختصارها بمجرّد الامتناع عن الانجاب , حيث أن هذه النظرة لها عيوب كثيرة كما رأينا آنفاً , ولكن...

لو عدنا للهدف والغاية الأصلية للفلسفة اللا إنجابية ألا وهي تخفيف أو إنهاء المعاناة على هذا الكوكب , والتي كما ذكرت , أتفق معها تماماً , فإننا يمكننا استنتاج فلسفة جديدة والتي أتبنّاها انا شخصياً ألا وهي فلسفة التبنّي , فنعم عدم الانجاب والانجاب يستويان من الناحية النظرية والفلسفية والقيمة الأخلاقيّة , وهذا إن تم طرح هاتين النظرتين بشكل مجرّد !

ولكن الواقع يقول ويجزم عكس ذلك تماماً , فالمعطيات على أرض الواقع هي ما يحدد إمكانية الانجاب أو عدمه , وبنائاً على هذا الكلام فإنه علينا أن نحدد أو نستنتج فلسفةً تتماشى مع هذا الواقع وتتأقلم مع تغيّراته والتي أرى أنها أفضل موقف فكريّ فيما يتعلّق بالانجاب , والتي يمكن تبيانها فيما يلي...

حيث أنه لو وضعنا تخفيف المعاناة وإنهائها كهدف رئيسي (وهو هدف مشروع 100%) فبنائاً عليه نرى أن الإنجاب في عالم مليء بالأطفال الذين يعيشون في جحيم في مناطق رهيبة في هذا العالم هو أشد الأمور أنانيّةً والتي يمكن وصفها حتى باللا أخلاقية !

فما هو الهدف من الإنجاب ؟ هل هو لإشباع غريزة الأمومة والأبوّة ؟ فإذاً التبنّي وإنقاذ أيتام سوريا والعراق واليمن وأفريقيا...الخ , كفيل بإشباع ذات الغرائز ولا داعي للإنجاب ! واذا كان الهدف من الإنجاب هو الحفاظ على الجنس البشري وتطور الانسانيّة وتقدمها , فإذاً التبنّي وإنقاذ أيتام سوريا والعراق واليمن وأفريقيا...الخ وإعطاء هؤلاء الأطفال الفرصة للحياة الأفضل والتطوير من أنفسهم ومن المجتمع البشري الذي وجدوا أنفسهم فيه هو أفضل من تركهم لمصائبهم والإتيان ببشر جُدد لا داعي لوجودهم في ظل الواقع الأليم الذي يعيشه أطفال موجودون أصلاً !

فلا مبرر للإنجاب على الإطلاق في ظل ما تعيشه البشريّة من مشاكل ومصائب اليوم والتي يمكن التخفيف من حدّتها وحتى إنهاؤها بمجرّد التبنّي والتوعية الفكرية , حيث أنه لا يجب طرح فكرة الإنجاب على الطاولة إلّا قبل أن يتم تبنّي كافّة الأطفال في داخل دولة معيّنة , عندها فقط يمكننا التفكير في الإنجاب من حيث تحديد شروط فكريّة ونفسية وماديّة للأبوين التي يجب أن يلتزمان بها قبل السماح لهم من قبل الدولة بالإنجاب , وهذا هو السيناريو الأفضل في رأيي للوصول للغاية الرئيسية ألا وهي تخفيف المعاناة والقضاء عليها , والتي تتسق فلسفيّاً أكثر من مجرّد الامتناع عن الانجاب فقط.

ولتوضيح مدى خطورة أو فساد الانجاب في ظل هذا الوضع الحالي الذي نعيشه علينا أن ننظر للسبب الحقيقي وراء عزوف الغالبيّة الساحقة من البشر عن التبنّي , والذي يبيّن لنا أن الإنجاب هو أكثر الأعمال أنانيّةً وانحطاطاً (في ظل ما يعيشه ملايين الأطفال على أرض الواقع) , وهذا السبب هو توريث الجينات !

نعم فقط هذا هو السبب الحقيقي وراء الإنجاب عوضاً عن التبنّي , فلو أراد أحدهم تطوير المجتمع الانساني لتبنّى , ولو أراد إشباع غريزة الأمومة والأبوّة لتبنّى , وحتى لو أراد أن يُنشئ أفراداً لمساعدته حين يكبر في السن , فالتبنّي أيضاً هو أفضل خيار على الطاولة , ناهيكم عن فائدته العظيمة المتمثلة بانتشال أفراد يعيشون في جحيم هذا العالم ووضعهم في موضع أفضل وحياة تستحق أن تُعاش...

ولكن ورغم كل هذه الفوائد والقيم الأخلاقيّة الراقية المتمثّلة بالإيثار والمحبة والعقلانيّة المرتبطة بالتبنّي , يختار غالبيّة البشر توريث جيناتهم والإتيان بأطفال جدد , عوضاً عن تبنّي أطفال موجودين أصلاً ! في رسالة واضحة ووقحة وصارخة , يقول فيها كلّ من ينجب طفلاً اليوم , أن توريث جيناته أهم عنده من إعطاء طفل موجود الحق في حياة أفضل !

توريث الجينات عند هؤلاء الأشخاص قصيري النظر والفكر , أهم من إنقاذ طفل أفريقي يموت من الجوع , أو طفل سوريّ يعيش على القمامة في شوارع سوريا المنسوفة , أو من انقاذ طفل عراقيّ يموت بأوبئة وأمراض وحروب , أو من انقاذ طفل يمنيّ يعاني الأمرّين , أو من منع كل هؤلاء الأطفال من الحصول على حنان الأمّ وحماية الأب والحياة الكريمة أو أي سعادة تُذكر...

هذا هو موقف الشخص الذي ينجب طفلاً في هذا العالم البذيء , موقف مثقوب وضعيف وخطير وسيء , موقف يفسّر الكثير عمّا يجري اليوم في هذا العالم من ظلم وعدم مساواة في الفُرص والحقوق , موقف جاهل أنانيّ منحط وساقط فلسفيّاً وأخلاقيّاً , يفسّر لنا ظهور فلسفات راديكالية وفيها عيوب أيضاً كاللا إنجابيّة والتي يمكن تفهّمها ولكنها كما ذكرت فلسفة لا تستقيم وفيها عيوبها , ولكن مصدرها هو المعاناة التي نعيشها , والتبنّي هو خير حلّ لهذه المعاناة وموقف هذا الأمر فلسفيّاً وأخلاقيّاً كامل ونقيّ نقاء الماء العذب ولا تشوبه شائبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل