الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من التراث الكردي-ابنة الحائك

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2022 / 12 / 10
الادب والفن


ابنة الحائك
ترجمة ماجد الحيدر


يحكى أن حائكا فقيرا عاش في احدى القرى وكانت له ابنة في غاية الجمال. وكان سلطان تلك المملكة معتادا، كما في كل الحكايات، على ارتداء زي الدراويش وتفقد مملكته، وحدث أن وصل يوما الى بيت الحائك وطلب النزول عنده فرحب به الاخير وأكرمه على قدر استطاعته. وما أن وقعت عين السلطان على الفتاة حتى وقع في حبها فقال لمرافقه:
- سأخرج من البيت بذريعة ما كي تخطب لي الفتاة من أبيها.
سأل الحائك ابنته عن رأيها فوافقت على العريس حين رأته، ووهب السلطان زوجته وحماه الكثير من المال، وتم الزواج وبقي السلطان في البيت ثلاثة أيام دون أن يكشف عن هويته ثم قال لزوجته:
- اعلمي أنني رجل كثير التجوال ولا أمكث طويلا في مكان واحد، سوف أعطيك هذه الشارة الذهبية. إذا انجبت لي ولدا ضعيها على ذراعه، أما اذا انجبت فتاة فبيعيها وأنفقي ثمنها عليها.
ثم غادرهم عائدا لمدينته. مرت أيام وأعوام ونسي السلطان أمر زوجته التي وضعت مولودها الذكر بعد رحيله بتسعة أشهر وتسعة أيام! وفي أحد الأيام تشجر الفتى مع أقرانه فعيروه بأنه مجهول الأب. غضب الولد وناشد والدته أن تخبره باسم أبيه، وبعد إلحاح شديد أخبرته امه بقصة زواجها من الدرويش الرحال والشارة الذهبية التي تركها له، فشد الولد الشارة على ذراعه وقال:
- لم يعد هذا مكاني. سأرحل باحثا عن أبي!
وانطلق غير عابئ ببكاء أمه وتوسلاتها. ثم أن أسفاره القته بعد طول سفر في مدينة السلطان فلاقى اعجاب الناس أينما حل بسبب لوسامته وجمال محياه. وحدث أن توقف على باب دكان للحلوى فخرج عليه صاحبه وسأله:
- يبدو أنك غريب ها هنا.
- هذا صحيح. أنا لا أعرف أحداً هنا.
- تعال معي يا بني. يسرني، أنا وزوجتي، أن نتخذك ولدا.
شكر الفتى صانع الحلوى ومضى معه الى بيته، وما أن وقعت عين الزوجة عليه حتى شغفت به وحاولت غوايته فأحس بحرج شديد وطلب من صانع الحلوى أن يسمح له بالمبيت في دكانه لا في بيته. وافق الرجل فصار الدكان مأواه، غير أن شهرة الفتى وجماله جعلت الدكان قبلة أنظار أهل المدينة. وبلغ الأمر مسامع ابنة الوزير فتنكرت وتوجهت الى الدكان، وكان قريبا من قصر أبيها، فرأته وهامت بحبه على الفور وأرسلت خادمتها الى صاحب الدكان تطلب منه إرسال صينية من الحلوى بيد مساعده الجديد.
عندما وصل الفتى صرفت ابنة الوزير الخدم وأدخلته الى حجرتها الخاصة وقالت له:
- اسمع. أنا ابنة الوزير، ولقد همت بغرامك. أريدك أن تطارحني الهوى وإلا..
ولم يكن بها من حاجة للتهديد، فقد وقع الفتى هو الآخر في حبها وبادلها كؤوس الغرام!
بعد أيام أحضرت ابنة الوزير حفار آبار وطلبت منه أن يشق نفقا بين غرفتها والغرفة الخلفية للدكان حيث يبيت حبيبها الذي أخفى مدخله بلوح غطاه بالسجاد، وصارت ابنة الوزير ترسل خادمتها في طلبه كل ليلة فيأتيها ويبيتان معا الى الصباح!
في أحد الأيام أصدر السلطان أمرًا بمنع التجوال أو إضاءة المصابيح خلال ساعات الليل، ثم تنكر كعادته وخرج لتفقد الناس فأبصر من بعيد بصيصا من الضوء يتسلل من دكان الحلوى فتوجه نحوه وطرق الباب ونادى:
- افتحوا الباب على حب الله. أنا درويش جوال وغريب و أخشى أن يعتقلني حراس السلطان.
رق الفتى لحاله وأدخله لحجرته. ولم يلبثا حتى طرقت الخادمة لوح المدخل ونادت من ورائه:
- هيا يا سيدي. سيدتي تطلبك.
- قولي لسيدتك أن عندي ضيفا.
ومرت دقائق عادت بعدها الخادمة لتقول:
- سيدتي تقول تعال أنت وضيفك.
فوجئ الدرويش-السلطان وتساءل عما يحدث فقال له الفتى
- لا تقلق. تعال معي.
ثم رفع السجادة ودفع اللوح ومضيا عبر النفق حتى بلغا مخدع ابنة الوزير التي ما أن رأت حبيبها حتى ارتمت في أحضانه وغمرته بالقبلات غير مبالية بوجود الغريب!
في اليوم التالي أمر السلطان مرة أخرى بمنع التجوال وإضاءة المصابيح واصطحب وزيره وتوجها الى الدكان نفسه وحدث معهما ما حدث بالأمس. جن جنون الوزير حين وجد نفسه في قصره ورأى ابنته تتبادل الغرام مع هذا الشاب وفي حضور هذين الغريبين وهم باستلال سيفه وتقطيعهما إربا لكن السلطان أمسك بيده وأمره بالتزام الصمت حتى يبت بأمرهما في الصباح.
لكن صباح اليوم التالي حمل أمورا طارئة دفعت السلطان الى مغادرة العاصمة على وجه السرعة فاستدعى الوزير وقال له:
- سأذهب مع الحاشية وأعود خلال أيام وسأترك إدارة السلطنة اليك ريثما أعود.. ها.. بالنسبة لما رأيناه ليلة أمس: آمرك بألا تفعل شيئا ولا تؤذيهما حتى أعود.
لكن الوزير لم يصبر طويلا وأوشك على الموت غمّا فأمر بإلقاء القبض على الشاب وشنقه في حقل كبير خارج المدينة، وأرسل مناديا يدعو الناي الى التجمهر في اليوم المحدد ليشهدوا إنزال القصاص به. غير أن الأقدار شاءت أن يعود السلطان من مهمته باكرا ودون أن يبلغ القصر برجوعه فأبصر حشودا من الناس تتجمهر في ذلك الحقل وسأل عما يجري فقيل له أن الوزير سيشنق صانع الحلوى الشاب فهرع الى الساحة وإذا به يرى الشاب مقيدا عاري الجذع وهو يساق الى حتفه، وإذا به يبصر الشارة الذهبية المربوطة الى ذراعه فعرف أنه ابنه الذي لم يره من قبل، فصاح على الوزير:
- توقف.. إنه ابني!
ثم قص على الوزير حكاية زواجه من ابنة الحائك وأرسل في طلبها هي وأبيها العجوز.
ولا تنتهي الحكاية بالطبع إلا بزواج الأمير الوسيم من ابنة الوزير الحسناء وإقامة الأفراح سبعة أيام بلياليها! ثم عاشوا جميعا في سعادة وهناء!

ترجمة وإعداد: ماجد الحيدر، بتصرف عن
Mohammed Hamasalih Tofiq-Kurdish Folktales-Second Edition: Ministry of Culture-Translation House, Suleimani – Iraqi Kurdistan








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا