الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان في العالم العربي.. بين وصم المدافعين عنها ب-الإرهاب- والزج بالنشطاء والصحافيين المستقلين في غياهب السجون

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2022 / 12 / 11
حقوق الانسان


في العالم العربي، يُتهم أولئك الذين ينتقدون الأنظمة الاستبدادية أو يطالبون بمزيد من الحريات بـ "الإرهاب"، أو "الخيانة" أو "الانفصال" إلخ،... ولكن عندما تعزف الديمقراطيات الغربية نفس النغمة، فإنها تصبح مقلقة حقا.
في غضون سبتمبر 2014 ، نشرت صحيفة لبنانية مقالاً اتهمت فيه منظمة الكرامة لحقوق الإنسان غير الحكومية والمتمركزة بجنيف من تأسيس رشيد مسلي (2004) القائم بأعمال مدير قسمها القانوني والناشط الحقوقي الجزائري-الفرنسي والمحامي المعروف، (اتهمتها) بـ "دعم الإرهاب" و" بث الفوضى"، وهي مزاعم تناولتها في اليوم التالي مواقع إخبارية قريبة من الحكومتين السورية والسعودية.
حدث كل ذلك مع أن منظمة الكرامة تقدم المساعدة منذ أكثر من عشر سنوات لمواطني العالم العربي حتى يتمكنوا في يوم من الأيام من التمتع باحترام حقوقهم.
إليكم مثالاً على الاتهامات التي ظلت منظمة الكرامة موضوعا لها منذ أن لفتت انتباه المجتمع الدولي إلى انتهاكات الأنظمة العربية الأكثر قمعاً.
ليس من دون سبب أن نشأت الكرامة في جنيف، وهي مدينة حاملة للمثل الأعلى العالمي لحقوق الإنسان. من سويسرا يمكن للمؤسسة، بشكل فعال ودون تحمل أي خطر، تمثيل ضحايا أخطر انتهاكات الكرامة الإنسانية في الدول العربية أمام الهيئات الدولية - وهو نشاط تعتبره الأنظمة الاستبدادية في المنطقة تخريبيا للغاية. ما كان لأي دولة عربية أن تتسامح مع وجود مثل هذه المنظمة على أراضيها.
وعوض أن تستجيب هذه الأنظمة القمعية للمطالب المشروعة لمواطنيها والتي ترى فيها تهديدا لعروشها، فإنها تسجن المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان. جرائمهم غير بعيدة عن كونهم طالبوا باحترام حقوق وحريات مواطنيهم. 
بالنسبة لجميع الذين ثاروا على الظلم والذين يرفضون الصمت، للتنديد بهذه الانتهاكات ثمن يرقى إلى التضحية بالحرية .وبالحياة أحيانا 
كثيراً ما يفكر رشيد مسلي في آخر نقاش له مع محمد فهد القحطاني، المدافع السعودي البارز عن حقوق الإنسان ، والذي أخبرن عشية عودته إلى بلاده أنه يتوقع أن يقضي سنوات طويلة في السجن، لكنه أضاف بابتسامة، أن الأمر يستحق ذلك لأجل الدفع قدما بقضية العدل والحرية في بلاده.
يشترك كل من يجسد الشجاعة والتنازل الضروريين لتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العالم العربي في هذا الأمر؛ إذ تعتبرهم سلطات بلدانهم "إرهابيين خطرين" بدعم من وسائل الإعلام الرسمية.
 الإرهاب، القائم على استخدام العنف لأغراض سياسية، مدان بلا تحفظ. لكن في العالم العربي، أصبحت وصمة الإرهاب السلاح المفضل للأنظمة الاستبدادية لقمع أي انتقاد أو طلب سلميب بالمشاركة السياسية.
لذلك، ليس من دون سبب أن تجد منظمة الكرامة، التي تدافع عن ضحايا هذا القمع، نفسها اليوم مشوهة ومهاجمة من قبل هذه الأنظمة نفسها. في حين أن المنظمات غير الحكومية الدولية مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية والإغاثة الإسلامية مدرجة الآن على أنها منظمات إرهابية في الإمارات العربية المتحدة إلى جانب داعش والقاعدة. 
ربما لنفس السبب منع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الكرامة السابق الدكتور عبد الرحمن النعيمي، أستاذ جامعي قطري وناشط حقوقي وسجين رأي سابق في منظمة العفو الدولية، من دخول عدة دول عربية - لا سيما الإمارات والسعودية - لعدة سنوات.
ومع ذلك، فإن وجوده على قائمة الأشخاص المتهمين بـ "دعم الإرهاب" التي وضعتها الولايات المتحدة في ديسمبر 2013 - وهي قائمة اتخذتها دول أوروبية معينة على أساس "الأدلة السرية" وحدها - يثير مخاوف من أن الديمقراطيات الغربية بدورها تستولي على هذه التسمية الإرهابية التي وضعتها هذه الأنظمة العربية.
لقد أدت ذريعة مكافحة الإرهاب إلى تقليص العديد من الحريات الفردية في الغرب، من خلال مضاعفة التدخلات في الحياة الخاصة. بينما نفهم سبب سعي الأنظمة الاستبدادية إلى إسكات الأصوات المعارضة من خلال الدعاية المنسقة جيدا، فإننا نشعر بالقلق من أن مثل هذا النهج يجد صدى في بعض الديمقراطيات الغربية. يساهم هذا الموقف للأسف في اعتماد فكرة كارثية في المجتمع العربي عن تواطؤ بين أنظمتهم القمعية وغرب يُنظر إليه على أنه موحد ، منشغل فقط بمصالحه المباشرة.
يجب أن تحافظ سويسرا، أرض الحرية، على الاستقلال والحياد اللذين يجعلانها قوية وحاسمة، وألا تتخلى عن قيمها أبدا، وتبقي بابها مفتوحًا لأولئك الذين يحلمون بعالم فيه يمكن للجميع ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية بحرية.
متى تحترم الأنظمة الحاكمة في العالم العربي أولئك الذين يناضلون من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي وتكف سلطات بلدانهم عن وصفهم ب"الإرهابيين الخطرين".
ومن أجل تقديم صورة محينة عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب، لا أجد بدأ من التذكير هنا بمضمون مقال لعبد اللطيف الحماموشي المنشور في ماي من هذا العام على موقع إخباري عربي.
كاتب هذا المقال باحث في العلوم السياسية وصحفي استقصائي مغربي. وهو عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. له مجموعة من التحقيقات الصحفية نُشرت في The Intercept و Open Democracy. وهو مؤلف كتاب "منصف المرزوقي: حياته وفكره" (بالاشتراك مع معطي منجب) صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة
استهل مصطفى مقاله بالإشارة إلى أن السلطات المغربية اعتقلت يوم 23 مارس الماضي المدونة والمدافعة عن حقوق الإنسان سعيدة العلمي، بسبب منشوراتها المنتقدة للقصر والأجهزة الأمنية على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهمت النيابة العامة المدونة التي كانت تتمحور أغلب تدويناتها في الدفاع عن الصحفيين المعتقلين بتهم ثقيلة تتعلق بـ "إهانة هيئة نظمها القانون" و"إهانة موظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال مست بالاحترام الواجب لسلطتهم"، و"تحقير مقررات قضائية"، و"بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة لأشخاص قصد التشهير بهم". وقد قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بسجن العلمي عامين نافذين.
.بعد أيّام قليلة من اعتقال العلمي، يتابع الحماموشي، استجوَب أمن مدينة الحسيمة (أقصى شمال المغرب) المدوّن والناشط السابق في حراك الريف، ربيع الأبلق بشأن مقطع فيديو نشره على حسابه بموقعيّ فيسبوك ويوتيوب ينتقد فيه كلّ من الملك محمّد السادس ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث أثار تساؤلات حول مصدر ثروتيهما المالية. اتهم وكيل الملك (ممثل النيابة العامة) الأبلق الذي مثل أمام المحكمة في 11 أبريل في حالة سراح، بـ"الإخلال علنًا بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك"، وقد أدين الأبلق بأربع سنوات حبسًا نافذا.
وبخصوص التضييق على النشطاء والمدونين، قال الكاتب إنه جاء بعد حملة واسعة شنّتها السلطات المغربية ضد الصحافة المستقلة التي لم تعد – وفق تعبير إريك غولدستين، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش – سوى ذكرى بعيدة. فبعد اعتقال توفيق بوعشرين، مدير ومؤسس جريدة "أخبار اليوم" المتوقفة عن الصدور، وهي الصحيفة الورقية الأكثر استقلالية في المغرب، والحكم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة "الاتجار بالبشر"، توالت الاعتقالات وسط الصحفيين بعدة تهم ذات طبيعة جنسية وأخلاقية بغرض تشويه السمعة، في محاولة لاستنساخ التجربة التونسية السائدة في عهد الديكتاتور زين العابدين بن علي، إذ تمّ اعتقال الصحفية هاجر الريسوني بتهمة "ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والاجهاض"، وكذلك سليمان الريسوني بتهمة "محاولة هتك عرض شاب مثْلي"، والاثنين معًا من نواة جريدة أخبار اليوم التي كان يصدرها بوعشرين. بلّ تمّ الحكم أيضَا على محامي بوعشرين الشهير محمّد زيّان (80 عامًا) بثلاث سنوات حبسا على خلفية شكاية لوزير الداخلية، بالإضافة إلى الصحفي عمر الراضي، الملاحق  هو كذلك بتهمتيّ "التجسس والاغتصاب"، والذي أدين وحكم عليه بـ 6 سنوات سجنًا في مارس الماضي.
وينبه الكاتب إلى أن السلطات المغربية تهدف من خلال متابعة واعتقال الصحفيين المستقلين والنشطاء والمدونين المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى خلق جوّ من الخوف والرعب وسط النُخب السياسية والإعلامية وداخل مجتمع المدافعين عن حقوق الإنسان، في ظلّ ضعف المعارضة الديمقراطية التي صارت ضعيفة ومفتّتة أكثر عما كانت عليه بفعل الصراعات الأيديولوجية والاستقطابات الفكرية الضيّقة التي تخدم في نهاية الأمر الجناح السلطوي داخل النظام الماسك بخيوط اللعبة.
ويرى الكاتب أن السلطوية المغربية
لا تستخدم القضاء والسجن لتخويف المعارضة وكبح جماح الصحافة المستقلة فحسب، بل تعتمد أيضا على سلاح التشهير الإعلامي الصادر عن صُحف ومواقع إخبارية تُعلن صراحةً عن ولائها للسلطات. يهدف إعلام التشهير أساسا، كما يلاحظ الحماموشي، إلى تشويه سمعة الفرد من خلال نشر أحداث ووقائع لا أساس لها من الصحة أو محوّرة عن الواقع، كما يسعى إلى تهديد المستهدفين بالاعتقال حتى قبل متابعتهم قضائيا، تماما كما حدث مع المؤرخ والصحفي معطي منجب الذي تلقّى عدّة هجومات من لدن "إعلام التشهير" قبل أسابيع من اعتقاله في 29 ديسمبر 2020 والحكم عليه بسنة حبسًا بتهمة "المس بسلامة أمن الدولة"
  على العموم، يُمكن القول مع الحماموشي إنّ التشهير الإعلامي الموجّه من لدن الجناح السلطوي داخل النظام يسعى أساسًا إلى التأثير في السلوك الخطابي للمستهدف، أيّ مواقفه ومبادراته وردود أفعاله اتجاه السلطة، من خلال التحذيرات والتهديدات الموجّهة له، ما قد يؤدّي إلى التحكّم غير المباشر في مواقفه وقراراته وخطّه التحريري، عبر دفعه إلى تفعيل الرقابة الذاتية عن كلّ ما ينتجه من مقالات أو دراسات أو ما يُعبّر عنه من مواقف وأفكار.  
ورغم الانتقادات الواسعة الموجهة للمغرب فيما يخصّ تدهور وضعية حقوق الإنسان، وآخرها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 12 أبريل 2022 الذي أشار إلى تنامي "الاعتقالات التعسفية وسط الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني"، وإلى انتشار ظاهرة التشهير الإعلامي التي "عرّضت الصحفيين للمضايقة والترهيب" فإنّ النظام المغربي، الذي يبدو غير مكترث لسمعته الدولية، يستمر بلا هوادة في قمع المعارضة والتضييق على الصحفيين، لكنّه يواجه في الوقت نفسه غضبا قويا من لدن الفئات الشعبية المتوسطة والفقيرة المتضررة اقتصاديا من غلاء الأسعار وتأثيرات جائحة كورونا، وهو ما يدفعه، كما يقول معطي منجب، إلى  تعميق "مراقبة المجتمع واعتقال العناصر النشيطة التي يمكن أن يتجمع حولها الناس من حقوقيين وصحافيين أو متابعتهم بتهم خطيرة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون ويشعلون النيران أمام منزل نتنياهو ليلة ع


.. شاهد: لاجئون سودانيون يتدافعون للحصول على حصص غذائية في تشاد




.. تقرير أميركي.. تدهور أوضاع حقوق الإنسان بالمنطقة


.. واشنطن تدين انتهاكات حماس لحقوق الإنسان وتبحث اتهامات ضد إسر




.. الأمم المتحدة: الأونروا تتبع نهجا حياديا وإسرائيل لم تقدم أد