الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا اخفقت الحركات السياسية العربية الثورية بإدارة بلدانها ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في أعقاب الحرب العالمية الثانية , تنفست البشرية الصعداء بعد إندحار النازية والفاشية , مستبشرة بإنبثاق عالم جديد تسوده أجواء الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية , والتخلص من كل أشكال الإستعمار والعبودية . تأسَّست منظمة الأمم المتحدة عام 1945 ، وقد حدَّد ميثاق الأمم المتحدة الغاية من تأسيسها بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع ودرء الأخطار التي تهدد السلام، وإلى تنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق, وتقرير المصير للشعوب وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع, دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. وقع ممثلو (50) دولة من بينها العراق على ميثاق الأمم المتحدة ، وأُقر الميثاق من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن – الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي والصين – وبأغلبية الموقعين الآخرين. وجدير بالملاحظة هنا , أن العراق كان عضوا مؤسسا لمنظمة الأمم المتحدة , بينما كانت معظم البلدان العربية وبلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بلدانا مستعمرة يومذاك .
شهد النصف الثاني من العقد الرابع من القرن العشرين المنصرم , تحرر معظم الدول الآسيوية من هيمنة الدول الإستعمارية , أبرزها الهند والباكستان بشطريها الشرقي والغربي عام 1947 من الإستعمار البريطاني , ولكن دفعت الهند ثمنا باهضا جراء ذلك , تمثل بحرب طائفية ضروس راح ضحيتها ملايين الناس ,وأدت إلى تقسيم الهند إلى دولتين ( الهند والباكستنان) على أساس طائفي بين المسلمين والهندوس ونشوب أكثر من حرب بين الهند والباكستان فيما بعد بسبب التنازع على إقليم كشمير الذي تسكنه أغلبية مسلمة , لتنقسم بعدها الباكستان المسلمة إلى دولتين عام 1971 هما الباكستان وبنغلاديش . وهذا هو ديدن المستعمرين البريطانيين كلما وجدوا أنفسهم مضطرين لمغادرة مستعمراتهم , تركوا ورائهم بؤر فتن مستعرة , تارة فتن دينية وطائفية كما حصل في شبه القارة الهندية وفي السودان , وتارة فتن عرقية كما في قبرص بين القبارصة الأتراك واليونانيين , وقبلها في فلسطين بين العرب سكانها الأصليين واليهود الصهاينة المهاجرين من أوربا , وأماكن أخرى كثيرة . وتحررت إندونيسيا من الإستعمار الهولندي عام 1945 . وحصلت كل من سورية ولبنان على إستقلالهما من الهيمنة الفرنسية عام 1946 , وحصل الأردن على إستقلاله من الهيمنة البريطانية عام 1946, وكل من المغرب وتونس عام 1956 والجزائر عام 1962 من الإستعمار الفرنسي , والكويت عام 1961 وسلطنة عمان عام 1970 والإمارات العربية وقطر والبحرين عام 1971 من الهيمنة البريطانية .
وتعتبر اليمن دولة مستقلة منذ تحررها من الدولة العثمانية عام 1918 , ومصر دولة مستقلة منذ عام 1922 ,والعراق دولة مستقلة منذ تحرره من الإنتداب البريطاني عام 1930 , والمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها عام 1932 . لم تكن الدول العربية مستقلة تماما , بل كانت مكبلة بقيود ومعاهدات أجنبية حدت كثيرا من حريتها السياسية ومن قدرتها على التصرف بمواردها بما يتماشى مع مصالحها الوطنية, وقيدت علاقاتها مع الدول الأخرى , الأمر الذي أدى لاحقا إلى إضطرابات ومصادمات خطيرة بين الحكومات العربية وشعوبها المغلوب على أمرها . تطورت الأحداث فيما بعد في بعض البلدان إلى إنقلابات عسكرية أطاحت بنظمها السياسية ,وأسست لحقبة تاريخية كانت حبلى بالمشاكل حيث تركت ندبا سوداء في مسيرة تاريخ تلك البلدان ما زالت تعاني من تداعياتها حتى يومنا هذا . كان أبرزها إنقلاب الثالث والعشرين من تموز عام 1952 في مصر الذي أطاح بالنظام الملكي القائم يومذاك , وإنقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 الذي أطاح بنظام الحكم الملكي الهاشمي في العراق , وإنقلاب اللواء إبراهيم عبود عام 1958 في السودان الذي أطاح بحكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي , وإنقلاب الخامس والعشرين من أيلول عام 1962 في اليمن الذي أنهى حكم الأسرة الزيدية الذي استمر قرابة 1100 عام ,والإنقلاب العسكري الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي عام 1969 الذي أطاح بالنظام الملكي . نكتفي بسرد هذا العدد من الإنقلابات العسكرية في البلدان العربية , إذ يبلغ عددها منذ إعلان إستقلال هذه البلدان حتى يومنا هذا, أكثر من (123) إنقلابا عسكريا , نجح منها (40) إنقلابا بتغير نظم حكم بلدانها .
عكست هذه الإنقلابات العسكرية هشاشة طبيعة النظم السياسية في البدان العربية وخوائها , وبالمقابل لم تنجح حكومات الإنقلابات العسكرية تحقيق ما كانت تصبو إليه شعوبها من حريات وعدالة إجتماعية وتأمين عيش كريم ولو بحده الأدنى , على الرغم ما حباها الله من خيرات وثروات وموارد طبيعية, يمكن أن تجعلها بلدانا غنية تنعم شعوبها بالرفاهية والعيش الكريم في ظل حكم رشيد لو تحقق لها ذلك . فيا ترى لماذا أخفقت البلدان العربية التي قادتها نظم سياسية ثورية ,بتحقيق قدر معقول من التنمية والإستقرار السياسي والأمني ,أسوة بالنظم المماثلة لها في بلدان العالم الثالث على أقل تقدير ,على الرغم من أن البلدان العربية كانت من أوائل البلدان التي نالت إستقلالها ؟. والأدهى من ذلك أن البلدان التي أبقت على نظم أسرها الحاكمة في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والأردن والمغرب , وبعضها لم تكن دولا أصلا , بل تجمعات سكانية عشائرية , باتت اليوم دولا راقية مستقرة ووجهات سياحية مفضلة ,ومراكز جذب تجارية يقصدها كثيرون من أرجاء العالم المختلفة, والأهم من ذلك بات بعضها يلعب دورا بارزا في الكثير من القرارات الدولية .وما زيارات رؤساء الولايات المتحدة المتكررة إلى المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي في السنوات الأخيرة, وزيارة الرئيس الصيني إلى السعودية قبل مدة قصيرة ,ولقائه بقادة مجلس التعاون الخليجي وبعض القادة العرب , إلاّ دليلا واضحا على تعاظم مكانة هذه الدول على الصعيد الدولي .
رب قائل يقول أن تنامي مكانة هذه الدول , ناجم عن إمتلاكها مصادر الطاقة الحيوية من نفط وغاز , التي تمثل عصب الإقتصاد الدولي . لذا تسعى جميع دول العالم صغيرها وكبيرها لكسب ود هذه الدول , خلافا لما كان يروجه البعض سابقا ,أن النفط مستعبد الشعوب وسبب بلائها ومصائبها . ولا ننكر هذه الحقيقة , لكننا نقول أن دول عربية أخرى مثل العراق وليبيا أكثر إمتلاكا للنفط وثروات طبيعية أخرى وموارد بشرية , وتعاقبت على حكمها نظما سياسية يحلو لمناصريها تسميتها بالنظم الثورية سنين طويلة, لم تتمكن من تحقيق قدر معقول من التنمية , بل أنها تصنف الآن بوصفها دولا فاشلة بجميع المعاييروعلى كل الأصعدة . بينما حققت بلدان عربية أخرى لم تعصف بها الإنقلابات العسكرية الثورية , ولم تكن تملك ثروات نفطية أو موارد طبيعية هائلة , بل بعضها لا يملك أبسط مقومات الدولة , وبرغم ذلك قد حققت معدلات تنمية جيدة وتأمين عيش كريم لشعوبها , وتعد المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية خير مثالين على ذلك .وها هي مصر أم الدنيا كما توصف وأكبر البلدان العربية التي عرفت النهضة الحديثة قبل أكثر من مائة عام على يد محمد علي الكبير , متقدمة يذلك على جميع البلدان العربية , تعاني اليوم الأمرين من الفقر والحرمان وشظف العيش والتخلف في جميع المجالات قياسا للبلدان الأخرى , بعدما كانت لعقود أكثر البلدان العربية تطورا وتأثيرا في مجمل الشؤون العربية .
وقد يعزى فشل الحركات السياسية العربية الثورية , بتصنيفاتها المختلفة اليسارية والقومية والدينية , إلى تطرفها وجمودها الفكري وعدم قدرتها على التكييف مع بيئتها الإجتماعية , وقصور فهمها للعلاقات الدولية وترابط مصالح الدول بعضها بالبعض الآخر , وضعف إستشراف آفاق المستقبل بصورة واضحة . والأهم من كل ذلك نزعة قادتها الإستبدادية وتوهمهم بقدراتهم الفائقة التي لا تقهر, والتصرف يمقدرات بلدانهم وكأنها ملكيات خاصة بهم ,وهدرها في نزاعات وحروب عبثية لا طائل منها , وإشاعة عبادة الأفراد وكأنهم أصناما يجب أن تعبد , وبناء منظومات قمعية أمنية وإستخبارية خاصة بهم , مزودة بأحدث التقنيات الأمنية لتكميم الأفواه وتصفية خصومهم دون رحمة , وشراء أقلام كتاب وأدباء وإعلاميين من داخل بلدانهم ومن خارجها لتلميع نظمهم البائسة وإكساب قادتها هالة من القدسية الزائفة . بينما إنتهجت حكومات الأسر التقليدية منهجا سياسيا أكثر عقلانية وتوازنا ونأت بنفسها عن المنازعات الإقليمية والدولية قدر المستطاع , وإهتمت بتنمية بلدانها ورفاهية شعوبها بتوظيف القوى العاملة الوافدة إليها من البلدان الأخرى , وإتكأت على قوى دولية لحفظ أمنها وحماية مصالحها. بينما تسرح وتمرح القوات الأجنبية على هواها في بعض البلدان العربية ذات النظم السياسية الدينية والقومية التي تصارع اليوم من أجل البقاء كيانات موحدة لا غير, والتي ما إنفكت تصدع رؤوسنا بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بينما ينخرها الفساد من قمتها حتى أخمص قدميها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألفكر الثوري العربي خرب ولم يعمر
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 12 - 12:44 )
الاستاذ المحترم
مقارنتكم بين بلداننا ذات النظم الثورية مع التقليدية ( الرجعيةكما يسمونها) تشير الى فشل واضح في الفكر والمنهج الثوري التي لم تنجز غير تخريب ماكان قائما قبلها بل وتجاوزته الى الوراء وخصوصا في أهم واكبر ثلاثة دول عربية واكثرها تحضرا وتعليما وهي مصر وسوريا والعراق وهذا يقودنا الى جملة نتائج وحقائق يجب الاعتراف بها اليوم ومنها ان فكرها الثوري فارغ المحتوى ، فهو شعارات دون منهج ، وجهل الترديد دون الاجتهاد في المقولات القومية والماركسية التيي تبنتها أو بالاحرى استوردتها وطبقتها اجتهاد منها وفق الواقع وهذا ليس غريبا فقادة احزاب وحركات وانقلابات ودول هم نصف متعلمين وضباطا ومعهم رواديد وانتهازيين يرددون نفس مقولات الافتاء والولاء كما في النظم الدينية ويسمونها ثورية
ان اهم درس لهذه التجارب المريرة هو تعلم كيفية بناء الدول والمجتمعات الوطنية وليست الثورية
ان تحليل التجارب الناجحة للدول والشعوب سيدلهم اليوم الى الطريق للتطوير المنهجي الديمقراطي والاقتصادي والوطني وليس الثوري ذو المقولات الثورية التي تشعل النار وبعد خمودها كانت قد حرقت كل شيئ وحولته رمادا وغبارا

اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا