الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجية شهود العيان في العمل الصحفي

محمد محمود محمد

2022 / 12 / 13
الصحافة والاعلام


حجية شهود العيان في الصحافة
إذا نزلت في مدينة ما، وسألت عينة من شهود الغيان عن مجطة للسكة الحديد كانت هنا، لكنها اختفت بفعل فاعل، ثم نلقيت عددا من الإجابات من كبار السن فوجدت تضاربا شديدا في إجاباتهم.
انت كصحفي يريد أن يوثق للوقائع التاريخية، كيق تعتد بتلك الشهادات؟
وسط الاستقطاب الإعلامي المتزايد في المنطقة وسرعة الاحداث في بعض الدول العربية، كأحداث مصر واليمن، وكما يجري في سوريةحالياً، تزايد لجوء الصحف والفضائيات إلى الاعتماد على شهود العيان مصدراً للمعلومات . ويقول إعلاميون إن الاعتماد على روايات هؤلاء الشهود وحدها، مع إمكانية التأكد، يجعل التقارير الاخبارية عرضة للتشكيك وإثارة الشبهات حول افتقارها للدقة والموضوعية، لذا نصح خبراء بعدم الاعتماد على شاهد عيان واحد.
ويضيف هؤلاء أن تعريف شاهد العيان لم يعد يقتصر على المقابلة الشخصية في مكان الحدث أو الاتصال الهاتفي مع القنوات الفضائية، واتسع ليشمل ما يتم عرضه من صور ولقطات فيديو على الانترنت، وتقديمها على أنها مصادر موثوقة، من غير التأكد من دقتها. ويمكن اللجوء الى شاهد العيان حينما يكون الصحافي المهني والمحترف أو المصدر المعلوم الهوية غير متاح، لكن يبقى الاشكال الكبير المتعلق بالإدارة السيئة أو الاستخدام المسيء لإفادة الشاهد.
ولا يغيب عن بالنا التشكيك المستمر من جانب الحكومة السورية في التغطية الاخبارية للجزيرة، وبالذات في اعتماد شاهد عيان مصدراً للمعلومات الصحافية، حتى ذهب بعض المسؤولين السوريين إلى اتهام الجزيرة بفبركة واختلاق حكايات.
ويعتقد بعض خبراء الاعلام في المقابل أن شاهد العيان يعد مصدراً اساسياً للتغطية الاخبارية، رغم التحفظات على ما يقدمه من روايات متضاربة، ومعلومات متناقضة، خصوصاً في الاحداث الكبيرة.
وترى أن شاهد العيان معترف به مصدراً في وسائل الإعلام، لكن ينبغي عدم الاعتماد على شاهد واحد، أو ألا يؤخذ كلامه على أنه الحقيقة الكاملة، فكثيراً ما يروي الشخص الحادث من وجهة نظره الخاصة، التي قد تفتقر إلى بعض الدقة، ولابد للصحافي أو المراسل أن يسمع من أكثر من شاهد، لتأكيد رواية معينة مقابل أخرى، وهذا أحد أهم شروط المهنية.
وليس كل رواية يقولها شخص يعتبرها الصحافي حقيقة ويتعامل على أساسها، في حين أنها يمكن أن تضلل الرأي العام، وتؤدي إلى حدوث مشكلات كبيرة، إضافة الى نقطة أخرى لا تقل أهمية، وهي الاستعانة بتسجيلات الفيديو أو الصور التي يرفعها بعض المواطنين على الإنترنت، لتصبح مصادراً للأخبار تعتمد عليها القنوات الفضائية
ويشير مراقبون إلى أن التعامل الإعلامي مع المدونات والشبكات الاجتماعية، وهي تشكل جزءاً كبيراً من حياتنا الآن، لابد أن يكون حذراً، فيأخذ منها الإعلامي خيوطاً لبناء قصة إخبارية، فهناك فارق كبير بين المواطن الصحافي والصحافي الذي يعمل بشكل مهني، ويدقق المعلومات التي تبنى عليها في النهاية الآراء والاتجاهات.
ويبدو أن الاستعانة بشاهد العيان في التقييم والرأي والمعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية أصبح يمثل أزمة كبيرة في التغطية الإخبارية، سواء في العالم العربي أو في مناطق الثورات أو الكوارث او أعمال العنف. وختاماً فإن شاهد العيان أصبح في الآونة الاخيرة «شراً لابد منه»، لأن بعض مناطق الصراع والأحداث العاجلة تكون بمنأى عن الصحافي المحترف.
إلى وقت قريب كان دور شهود العيان ثانوياً، لكننا مع الأحداث المتسارعة وجدنا أنفسنا على مقربة منهم ونشاهدهم على شاشات التلفزيون ينقلون الأخبار من موقع الحدث ليضاف ذلك إلى دورهم في الكشف عن الجرائم والقضايا السلبية في الشارع . ورغم ذلك، لا تزال فئة لم تتفهم حقيقة هذا الدور، ويتخوفون من الادلاء بشهادتهم خشية تبعات تلك المبادرة .

نجوم الإعلام الجديد

مع انتشار الصحافة الاليكترونية ازداد دور شهود العيان في رصد وتوثيق الحقائق التي يعاينوها بأنفسهم، نتيجة لوجودهم على مقربة من الأحداث التي تحصل في الشارع، ويبادرون نقل المعلومة والتصريح بتلك الشهادات حتى أصبحوا يوصفون بقطب جديد من أقطاب صناعة الإعلام .

فدور شاهد العيان مندوب أو مراسل صحافي موثوق به، لأنه حاضر في وسط الحدث ويرسل تفاصيل دقيقة ويتم إثباتها في ما بعد من قبل الصحافيين بعد توافر المعلومات الكاملة عنها، ما يدفع إلى القول إن شاهد العيان نفسه يغني عن الإعلام .

وفي ظل الفضاء المفتوح للإعلام، يمكن لشاهد العيان أن يتكلم بثقة ولا يستطيع أن ينقل معلومات غير صحيحة لأنه لو فعل ذلك فإن المؤسسات الإعلامية ستفضح أمره، بالإضافة إلى سبب آخر يجعل المشاهد يثق بدرجة أكبر بشاهد العيان، وهو أنه المتضرر الحقيقي ويحاول أن ينقل معاناته فلا يبالغ فيها، ولكي يكرس صورة حقيقة في نفوس المشاهدين فأنه سينقل لهم المعلومة بصدق، أو صورة شبه متكاملة، لأنه ينقلها وهو يشعر بالمصاب والحدث، كما أن الحقيقة النابعة من نقطة الحدث تكون الأكثر صدقاً وليس نقل الخبر والصحافي الموجود، لأن شاهد العيان يعيش في عمق الحدث .

واحيانا تلجأ مؤسسات البحث العلمي إلى شهود العيان في متابعة ما يعرف بظاهرة الأطباق الطائرة التي لا يوجد لدينا منها إلا مشاهدات يصفها لنا شهود العيان رغم تصنيفها ظاهرة من ظواهر العلم . ويضيف: تعتمد وسائل الإعلام الحديثة اعتماداً كبيراً على شهود العيان كمصدر من مصادر الأخبار، خاصة في المواقع الساخنة التي تشهد كثيراً من الأحداث المتلاحقة، أو في المناطق الواسعة التي يصعب على الوسيلة الإعلامية تغطيتها تغطية كاملة بشبكة من المراسلين والمندوبين، أو في الأحداث الطارئة والمفاجئة كالكوارث الطبيعية أو الجرائم وسقوط الطائرات وغيرها من الأحداث التي تلجأ فيها وسائل الإعلام إلى أقرب الشهود للحصول على المعلومات الأولية لصناعة الخبر أو المتابعة . هذا يعني باختصار أن شهود العيان يشكلون مصدراً لا يمكن تجاهله، بل إنهم تحولوا في كثير من الأحيان إلى مصدر رئيس وربما شبه الوحيد لتغطية الأحداث .

وعن تحفظات البعض على الاعتماد الكلي على شهود العيان، يقول هذا المصدر لظروف كثيرة، منها عدم التخصص من جانب وعدم القدرة على وصف الحالة وتشخيص الحدث والتعبير عن المشهد بدقة وشفافية من جانب آخر لا يعتبر مصدراً دقيقاً للأخبار، فعند سقوط طائرة مثلاً إن لم يكن شهود العيان على معرفة بهذا الجسم سيعطوننا معلومات غير دقيقة أو خاطئة بعض الأحيان، كما أنهم تحولوا في كثير من الأحيان إلى مصادر مشوهة للأخبار من خلال افتعال الأحداث أو المبالغة في الأرقام أو التحيز أو تفعيل الجوانب الشخصية وطغيان الانحياز، وظهر ذلك جلياً في الأحداث التي شهدتها دول عربية، إذ بالغ بعض شهود العيان في أعداد المتظاهرين مثلاً، وتحدثوا عن مظاهرة مليونية فيما أعداد المتظاهرين لا يتجاوز عشرات الآلاف ويبالغون في أعداد القتلى والضحايا وحجم الخسائر اعتماداً على انتماءاتهم أو تحيزهم أو سعيهم لإيصال رسالة محددة . ويتابع: الدعاية السياسية في القنوات الإخبارية والإذاعات الموجهة تلجأ كثيراً إلى استخدام تعبير شهود العيان لتمرير آرائها السياسية وحملاتها الدعائية من خلال نشر تلفيقات خبرية أو شائعات أحياناً والتستر خلف تعبير شاهد العيان، خوفاً من الانكشاف أمام الجمهور أو المحاسبة أو الملاحقة القانونية، لذا فالاعتماد عليهم معيار لدرجة المهنية والنفوذ الإعلامي للوسيلة وقدرتها على الوجود بمعنى أنه كلما قل الاعتماد على شهود العيان وزاد الاعتماد على المصادر الرسمية والحقيقية والمراسلين التابعين للوسيلة كلما زادت قوتها والعكس صحيح .

اما أهمية شاهد العيان تزداد عندما يكون حاضراً بالصوت والصورة أمام الكاميرا، وليس عبر الهاتف، إذ يستطيع أن يبالغ كيفما يشاء من دون رقيب . ويقول لشهود العيان صلاحية، فهناك شاهد عيان طازج وهو في موقع الحدث، وهناك من تأتي بهم وسائل الإعلام لاحقاً لقدرتهم على التذكر والاحتفاظ بالصورة في أذهانهم وذاكرتهم، ويعتمد هذا على قوة الحدث، فمثلاً شهود عيان نكبة فلسطين يملكون القدرة على تذكر الحادثة رغم مرور عشرات السنين عليها لشدة وقعها عليهم وعمق تأثيرها في نفوسهم بخلاف شهود عيان شاهدوا مثلاً قبل أيام شجاراً بين مجموعة من الناس في أحد الأحياء الشعبية ..

يرى عدد من الخبراء ان الصحافي نفسه هو شاهد العيان الذي ينقل الصورة بموضوعية إلى المشاهد، حيث بإمكانه أن يقول: إني رأيت الحدث، وهو بذلك يتحمل المسؤولية الشخصية ومسؤولية الوسيلة الإعلامية التابع لها، ولكن لشاهد العيان أيضاً دور في نقل تلك الصورة بدرجة لا يمكن لنا التحكم بمصداقية قوله، فغالباً ما يتم الاستعانة بشهود العيان لتكملة مصداقية الخبر، والاعتماد عليهم بشكل كامل لا يعطي المصداقية الكاملة.

وعن مقاطع الفيديو التي عرضتها القنوات التلفزيونية ولاتزال تعرض للأحداث الجارية في المنطقة، بأنه لا يمكن تكذيبها لأنها ترصد الصورة الحقيقية لنا، ورغم ذلك توجد لقطات غير واضحة وأخرى يمكن الاعتماد عليها، فيمكن التعليق على المبنى المحترق أن المعارضة من قامت بحرقه، فلم لا تكون الحكومة هي التي فعلت ذلك مثلاً؟

وقد يتم اللجوء إلى شهود العيان عندما تحرم وسيلة الإعلام مراسلها للوجود في منطقة الحدث نتيجة لمنع الدولة أو عدم التمكن من ذلك، لذا فأصبح شهود العيان يشكلون الامتداد للإعلام الفضائي الانترنتي الحديث، والآن أصبحت معظم الحقائق تعتمد على شاهد العيان الذي يعد شخصاً غير متخصص وينقل جزءاً من الحدث، واللجوء إلى شاهد العيان أول رسالة يتم توجيهها وتؤكد أن هناك تضييقاً على الإعلام أو محاولة إخفاء الحقائق .

ودور شاهد العيان يكتسب أهمية عندما تُرتكب جرائم بحق البشر، ولكن خطورته هو أنه ينقل جزءاً من الحقيقة من وجهة نظر أحد الأطراف، من ثم تكون الحقيقة مبتورة أو مشوهة، لأنه جزء من الحدث وليس طرفاً محايداً، ومن ثم فإنه يختار الجزء الذي يريد أن ينقله ويتجاهل عمداً أجزاء أخرى تغير الحدث بدرجة كبيرة . لذلك لا ينبغي، حسب عارف، اللجوء إلى شاهد العيان إلا في حالات محددة وضيقة، وإلا سيتحول العالم إلى فوضى وسيفقد الإعلام دوره، ويصبح الأمر صراع وجهات نظر تغيب الإعلام الذي يحاول تقديم وجهة نظر محايدة للطرفين المتنازعين .

فهم لا يشكلون تعزيزاً للإعلام، لأنه لا ينحصر في نقل مجموعة صور، إنما هو قراءة للأحداث، وإن تعذر إمكانية الحضور الإعلامي لتغطية الحدث فيكتفي بالمصورين الموجودين لالتقاط الصور فقط، لأن في الإعلام المرئي تتكامل الصورة والكلمة، ولكن وجود الصحافي على أرض الحدث وتقديمه لآراء شهود عيان مختلفة يساعدان في معرفة الحقيقة وليس البث المباشر لرأي شاهد العيان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك