الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بانتظار نبي جديد او رئيس وزراء شريف
ماجد فيادي
2022 / 12 / 17مواضيع وابحاث سياسية
توضيح، المقال لا علاقة له بالأديان، انما يأخذ الفكرة من تاريخ البشرية.
على مر التاريخ، ظهر للبشرية انبياء ورسل ومصلحين، قادوا الشعوب نحو التغيير في التفكير والسلوك ونمط الحياة، جميعهم جاءوا في أوقات كانت شعوبهم تعاني من الظلم وامتهان كرامة الانسان وسط عادات وتقاليد ونظم اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، لا يمكن لها مجتمعة ان تقدم لشعوبها مستقبل واعد. ظهور الأنبياء والرسل في تلك الأزمنة كان مقبولا إن لم نقل كان الوسيلة الحضارية الوحيدة للتغيير، لان السلطات الأربعة التي نعرفها اليوم (التشريعية والقضائية والتنفيذية والاعلام) لم تكن متبلورة كما هي الان، بمعنى اخر لم تكن تلك المجتمعات متطورة في مفاهيم الديمقراطية، وحقوق الانسان، والاقتصاد، والتكنلوجيا. مجتمعات لم يكن بمقدورها معرفة موعد نزول المطر ولا نقل مباشر لمباراة كرة قدم. كان الحدث يقع في مكان ما ويبقى حتى ينقله التجار والرحالة شفويا او عبر كتاب لا يقرأه اكثر من افراد على عدد أصابع اليد.
بالرغم من التغيير الكبير في نمط الحياة اليومية لشعوب الكرة الأرضية، لا تزال هناك شعوب تصر على ان تعيش واضعة قدما في الماضي السحيق، الذي يديره تفكير فرد، ان كان نبيا، او رسولا، او كاهنا، او ملكا، او شيخ عشيرة، وقدما أخرى في عالم تدار فيه الحروب بواسطة روبوتات تحركها ازرار كومبيوتر، صناعة تديرها مكائن جعلت من الانسان مستهلكا اكثر مما هو منتجا، زراعة تنظم فيها مساحات شاسعة بواسطة مكننة تدار بتكنلوجيا لم تعد فيها الحاجة لمجهود الانسان والحيوان بالشكل الذي كانت عليه سابقا.
الشعب العراقي واحد من تلك الشعوب التي حاربت التطور بعقول رجال الدين النائمين في زمن الأنبياء والرسل والمصلحين، في اطار مفهوم جديد اسمه الدولة، التي تحتاج الى رئيس جمهورية ورئيس مجلس وزراء ورئيس برلمان ورئيس القضاء. هذا الاستسلام لرجال الدين اورثنا مفاهيم متخلفة عن ما هي عليه المجتمعات القوية، بتعليمها واختراعاتها واقتصاداتها وجيوشها وسياساتها، ما أدى الى تصاعد المطالب الفردية والجماعية بظهور المنقذ الذي يرسله الله بهيئة رئيس وزراء ينقل العراق من حال الى حال. لماذا رئيس الوزراء، لأنه لم يعد من المنطقي الدعاء الى الله بإرسال نبي وقد ختم اديانه باخر الأنبياء محمد بن عبدالله.
يشير علماء الاجتماع والسياسة، عندما تفقد الشعوب القدرة على تغيير النظام الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه، فإنها تبدء بدعوة الله أن ينقذها بدون ان تبذل مجهودا، تلك الدعوات تعبر عن العجز والضعف، وتتزايد كلما اشتد الفقر والظلم واستفحلت قوة طرف يمثل اقلية في المجتمع على الأغلبية، مثل سلطة شيخ العشيرة، او الملك، او الاقطاعي، او الدكتاتور حسب اختلاف الأزمنة والحقب. في السابق كان مفهوما أن لجوء الانسان الى الله والدعوة أن يبعث رسوله، انما يعبر عن ضعف حيلته، في ظل عدم وجود منظمات المجتمع المدني، وغياب الوعي بحقوق الانسان، وغياب التنظيمات السياسية. لكن ان يدعوا الشعب العراقي اليوم من الله أن يرسل المنقذ (رئيس الوزراء)، في زمن الانترنيت والديمقراطية وحقوق الانسان والعمل الحزبي والنشاط التطوعي في منظمات المجتمع المدني والاعلام، لا اجده ايمانا بالله انما ضعفا في الوعي الاجتماعي والسياسي والديني.
اذن هل المشكلة في الله (اقصد الخالق المطلق الذي يؤمن به الاغلبية مع اختلاف مسمياته واديانه) الذي ختم انبيائه ولم يعد يرسل أحدا منهم كما كان في الماضي، ام المشكلة في الانسان الذي لا يريد ان يفهم، ان لديه كل شيء وعليه ان يجد الحلول بنفسه؟
لسنوات طويلة كان العراقيون يدعون الله ان يخلصهم من الطاغية صدام حسين، حتى جاءت الجيوش من اقاصي العالم، اسقطت نظامه والقت القبض عليه، لتضع العراق والعراقيين تحت رحمة الاحتلال. فما كان من رجال الدين والمتدينين الا ان وقفوا محايدين بين الدفاع عن العراق وبالنتيجة البقاء على نظام الدكتاتور، او دعم المحتل فيصبحوا خونة للوطن، هكذا لم يكن لهؤلاء فائدة حقيقية وقت المحن، لا في زمن الدكتاتور ولا في دخول الاحتلال، تميز عنهم الحزب الشيوعي العراقي، في دعوته للمجتمع الدولي ان يساعد الشعب العراقي في إسقاط الدكتاتور، لكن لا الأحزاب الدينية والقومية اتفقت معه ولا المحتل استمع له.
اليوم وبعد ما يقارب العشرين عاما على حكم الإسلام السياسي والأحزاب القومية وفق مبدأ المحاصصة، عاد العراقيون يدعون الله ان ينقذهم من نظام الفساد والمليشيات وسرقة مليارات الدولارات على يد السيد محمد شياع السوداني. للأسف هذا يعني ان العراقيين لم يتعلموا الدرس، فلا السوداني نبي الله في الأرض، ولا هو خيار أحزاب انصفتهم وإعادة لهم كرامتهم بعد سقوط الدكتاتور ورحيل الاحتلال، كما انه نتاج نظام المحاصصة، ووليد برلمان فاقد للشرعية الشعبية والأخلاقية بعد انتفاضة تشرين ومقاطعة الانتخابات وانسحاب اكبر كتلة منه، اما اهم مهام حكومة السوداني، هي تبييض صورة الأحزاب الإسلامية الحاكمة، وترسيخ دولتهم العميقة، وتبرئة حيتان الفساد من سرقاتهم على مدار تلك السنين، بتقديم دمى وأدوات السرقات، على انهم المجرمون الحقيقيون، في حين من يمسك بخيوط هذه الدمى، هم زعماء الأحزاب التي منحته الثقة في البرلمان. كيف نتوقع من رئيس وزراء ان يكون نبي الله في الأرض وهو من قَبِل ان تكون حكومته من وزراء متهمين بالفساد، ويحملون شهادات مزورة، واخرين مجربين بالفشل والانحياز القومي والطائفي. لا يمكن لحكومة في أي نظام برلماني ان تنجح ما لم يقف الى جانبها برلمان نزيه وقضاء مستقيم، لكن الحقيقة لا هذا متوفر ولا ذاك استقام.
بالرغم من ان السيد السوداني هو ممثل الاطار التنسيقي الذي نفخ في صورته، وقدمه على انه النزيه الشريف الذي لم تلاحقه تهمات الفساد، وكأن اتباع الاطار التنسيقي يقولون انه ليس منا، نحن الفاسدون الذين ثُرتم علينا، وبعد ان نجحوا في مسعاهم، انتقلوا الى المرحلة الثانية في تخدير العراقيين ووضعهم على محطة الانتظار، إذ انتقلوا الى تحجيم السيد السوداني ومنع رسم صورة في عقلية العراقيين على انه المنقذ المرسل الذي تنتظرونه. جاء ذلك على لساني الشيخ قيس الخزعلي والسيد نوري المالكي، ان كل القرارات المصيرية التي اتخذها السوداني، هي قرارات الاطار التنسيقي، وان السيد رئيس الوزراء ليس اكثر من مدير تنفيذي لما يقرروه. هذا الاجراء الوقائي هو تمهيدا لمنع انفلات السوداني في حملة انتخابية، تمنحه الأفضلية في الانتخابات القادمة، ومنع احتمال التفاف العراقيين المخدوعين حوله، في تأسيس كتلة انتخابية جديدة تسحب البساط من تحت حيتان أحزاب الاطار التنسيقي.
لا الله ارسل السوداني ولا دعواتكم تغيير الواقع المأساوي، فقط تنظيمكم السياسي، وتكاتفكم الاجتماعي، واختيار الشرفاء من العراقيين، والثورة بكل اشكالها ضد الفساد، هو ما يحقق التغيير الشامل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - من انجازات ح ش ع
طلال بغدادي
(
2022 / 12 / 17 - 11:36
)
الحزب الشيوعي كان جزء من مجلس حكم الاحتلال الذي يرأسه بريمر
2 - خلط الاوراق
ماجد فيادي
(
2022 / 12 / 18 - 01:34
)
السيد طلال بغدادي
لقد فاتك ان تكتب ان الحزب الشيوعي العراقي قد تحالف مع حزب البعث، وتحالف مع الاحزاب الكردستانية، وتحالف مع السيد مقتدى الصدر، وان قيادات الحزب عندما اضطرت للهجرة لجأت الى دول راسمالية، لقد نسيت ان تكتب الكثير من الملاحظات على الحزب ولا اعلم لماذا هذا النسيان. اتمنى انني ساهمت في انعاش ذاكرتك، بالمناسبة نسيت ان اذكرك ان الشيوعيين ملحدين وكانت لهم مقولة -بس هالشهر ماكو مهر والقاضي نشمره بالنهر- اعتذر اذا نسيت مواقف اخرى فللعمر احكامه
3 - تكرهون الحقيقة
طلال بغدادي
(
2022 / 12 / 19 - 04:35
)
الشيوعييون يكرهون الحقيقة!! لماذا تكرهون الحقيقة؟؟
لم اكتب غير الحقيقة قد تكون المشاركة في مجلس الحكم مفيدة او مضرة
الحقيقة انهم شاركوا
.. تمييز وعنصرية...هل تتحول ألمانيا لبلد طارد للكفاءات الأجنبية
.. غزة - مصر: ما تداعيات -استبدال- معبر رفح على النفوذ المصري؟
.. الرئيس الأوكراني يطالب حلفاءه بتسريع تسليم بلاده مقاتلات إف-
.. انتخابات بلدية في تركيا.. لماذا قد يغير الناخب خياراته؟
.. النيجر تؤكد أن الولايات المتحدة ستقدم -مشروعا- بشأن -ترتيب ا