الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن بيع مياه الأنهار ؟

أحمد فاروق عباس

2022 / 12 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


طرح البنك الدولي مسألة تسعير المياه باعتبارها إحدى آليات إدارة الموارد المائية ، ويقصد بتسعير المياه - طبقا للبنك الدولي - العملية التي يتم بموجبها تحديد سعر للمياه يحقق التوازن بين العرض والطلب ، ويساوي التكاليف الحقيقية لاستخراجها ، بالنظر إلى قيمتها في الاستعمالات المختلفة ، وعلى ذلك يشمل تسعير المياه تكلفه نقل المياه ومعالجتها في التشغيل والصيانة ، والتكاليف الرأسمالية ، وتكاليف الضرر البيئي ..

وقد بدأ التأصيل النظري لهذه القضية في دراسات البنك الدولي المتعلقة بالشئون المائية منذ بدايات التسعينات من القرن العشرين ، ويسمي تسعير المياه طبقاً لتلك الدراسات " الفكر المائي الجديد " احياناً او " إدارة الطلب على المياه " احياناً اخرى ، ويقصد بها في التحليل الاخير - بغض النظر عن كلام كثير منمق - تحويل خدمات المياه الى القطاع الخاص ، ونقل الملكية إلى المجتمع المحلي لرفع كفاءة إدارة المياه ، وزيادة مشاركة اصحاب المصالح ، وتشجيع اللامركزية في تقديم خدمات المياه ، وايجاد أسواق المياه كأكثر الوسائل فعالية في توزيع الموارد الصحيحة طبقا لتلك الدراسات !!

أى أن تبتعد الدولة بقدر الإمكان عن تقديم تلك الخدمة الحيوية ، وقد كان ذلك فى تلك الفترة متسقاً مع هجوم كاسح على فكرة الدولة من أساسها ، وترك الأمر فى يد القطاع الخاص أو المجتمع المحلي أو المجتمع المدنى أو غير ذلك من المفاهيم الهلامية !!

وتطالب اوراق البنك الدولي ومثالها " ورقة السياسة العامة للبنك الدولي " عام ١٩٩٣ الى تسعير المياه وإنشاء أسواق للمياه وبنك للمياه وبورصة للمياه ، وأن القطاع الخاص - المحلي والاجنبي - وهو الاكثر كفاءة في الإدارة من الحكومة ، وقد استمرت أوراق البنك الدولي طوال التسعينات وما بعدها تعزف على نفس هذه النغمة ..

وطبقاً لدراسة " نحو إدارة مستديمة للموارد المائية " الصادرة عن البنك الدولي عام ١٩٩٥ فإن الحكومات تغَّلب في ادارتها لمرفق المياه الاعتبارات السياسية والاجتماعية ، وتتجاهل الاعتبارات الاقتصادية ، وطبقاً لنفس الدراسة فإن المياه يتم تسعيرها بأقل من قيمتها الحقيقية ، حيث تبلغ القيمة المستردة من تكلفة المياه ٣٥ % فقط على مستوى العالم ..

ومن المهم معرفة ان حديث البنك الدولي عن تسعير المياه ينصرف فقط الى التسعير المحلي للمياه ، بمعنى بيع المياه داخل كل دولة على حدة ، وليس بين الدول وبعضها البعض ، فلم يصدر عن البنك الدولي - حتى الان على الاقل - أية إشارة او ذكر للاتجار بالمياه بين الدول ..

ومن البنك الدولي ودراساته انتقل الأمر إلى المؤسسات البحثية والجامعات والمعاهد في الغرب ، واهتمت جامعة هارفارد - اكبر الجامعات الأمريكية وأرقاها - بهذا الموضوع ، وصدر عنها عدة دراسات ، وانتقل الامر من الكلام من الفعل ، ففي خلال الفتره من ١٩٨٤ - ١٩٩٠ لم يكن هناك سوى ٨ مشروعات تم اسنادها إلى القطاع الخاص في كل الدول النامية ، ولم تتعد استثمارات القطاع الخاص في هذه المشروعات ٢٩٧ مليون دولار ، ولكن خلال أقل من عقد واحد من بدء الحديث عن تسعير المياه ، وخلال الفترة من ١٩٩٠ الى ١٩٩٨ بلغت مساهمات القطاع الخاص بقطاع مياه الشرب في الدول النامية ٢٥ مليار دولار حيث تم تنفيذ ٩٧ مشروعاً في ٣٥ دولة نامية ، ما بين عقود إدارة وتأجير وامتيازات وخصخصة !!

ويرى البنك الدولي - طبقاً للتجارب كما يقول - أن مستهلكي المياه سواء للاستخدام المنزلي او للزراعة اقتصدوا في استهلاكهم للمياه بعد تسعيرها وخصخصتها كلياً او جزئياً ، فتبنى الفلاحون وسائل اكثر توفيراً للمياه كالري بالتنقيط ، وزراعة محاصيل قبل استخداماً المياه ..

وفي المقابل ، فإن تسعيراً كاملاً للمياه واعطاؤها للمزارعين بتكاليف مالية من المتوقع ان يقضي على القطاع الزراعي في اغلب البلدان النامية ، حيث زيادة التكاليف لا يقابله زيادة الإيرادات ..
وإذا أخذنا مصر على سبيل المثال ، فإن الفلاح المصرى يعيش في الغالب على حد الكفاف ، بالإضافة إلى تفتت الملكية الزراعية في مصر بصورة شديدة ، تجعل تسعير المياه وبيعها للمزارعين مسألة شديده الصعوبة ، قد تؤدى إلى هجرة الزراعة تماماً في مصر ، ونزوح عشرات الملايين الى حواف المدن ، يبحثون عن عمل ، اذا لم يجدوه كانوا فريسة سهلة للضياع ، أو فريسة أسهل لمن يشتري ولائهم أو جهدهم في أعمال تضر بأمن البلاد ..

وعلى المستوى الدولي لم تصدر أدبيات معينة تنادى ببيع المياه بين الدول ، ولكن على ارض الواقع هناك محاولات مستمرة من دول منابع الأنهار لفرض هذا المبدأ في التعامل .. وتعد اسرائيل الدولة الوحيدة من غير دول منابع الانهار التي تنادي بهذا الامر ..

أنابيب السلام التركية !!

فى فبراير ١٩٨٧ وأثناء زيارته لأمريكا قدم رئيس الوزراء التركى - ورئيس الجمهورية فيما بعد - تورجوت أوزال مشروع انابيب السلام ، والمشروع كما عرضه الاتراك - بالتنسيق وأخذ الأذن من واشنطن - عبارة عن فرعين كبيرين من أنابيب المياه من تركيا ، يتجه الأول نحو دول الخليج العربية ، فيصل إلى الكويت والمنطقه الشرقية من السعودية والبحرين وقطر والامارات ويسمى بالانبوب الشرقى ..

بينما يتجه الثانى - ويسمى الأنبوب الغربى - إلى سوريا والأردن والضفة الغربية وإسرائيل والجزء الغربي من السعودية !!
وقد قدرت تكاليف المشروع - فى الثمانينات - بنحو ٢٠ مليار دولار ، وقد رفضت دول الخليج وباقى الدول العربية المشروع التركى الخبيث ..

وبخصوص تركيا هناك إتفاقية بين إسرائيل وتركيا ، تقدم تركيا بموجبها نحو ٢٥٠ مليون متر مكعب من المياه سنوياً لإسرائيل ..

الخلاصة .. أن عصر امتلاك المياه وبيعها لم يأت بعد ، وليس من المتصور مجيئه ، وهو طريق للحروب والنزاعات الدائمة بين الدول ، فالأنهار بطبيعتها دولية ، واى محاولة لامتلاكها من طرف ما والتصرف بمفرده بشأنها مستحيل ، على الرغم من أنه حتى المستحيل يجد فى زماننا من يحاول تطبيقه !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ