الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون جديد لمجالس المحافظات بدلا من الحالية المجمدة

سعد السعيدي

2022 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


من ضمن المنهاج الوزاري للسوداني جرى طرح امر اقامة انتخابات مجالس المحافظات مجددا. ولم يحدد في المنهاج وفق اي قانون ستقام هذه الانتخابات. فهذا القانون قد جمد من قبل مجلس النواب بضغط من انتفاضة تشرين الشعبية العام 2019. لذلك فلا بد ان طرح امر اعادة احياء مجالس المحافظات بهذا الشكل المبتسر يشي بكونه محاولة لجس النبض. إلا اننا سنقوم مع ذلك بالادلاء بدلونا حوله كونه يستحق ان يطرح للنقاش الشعبي سواء كان لجس النبض ام لا.

فقط للتذكير حول موضوع اللا مركزية التي اثارت الكثير من الجدل فهذه قد حشرت في المادة (122) من الدستور بشكل مبهم بلا توضيح لما تكون. والهدف المدعى لها هو منح المحافظات صلاحيات في ظاهرها تبدو ادارية، لكنها في الباطن سياسية. وكل تحويل للصلاحيات مما جرى سابقا كان محاولات حكومية في استغلال غموض الدستور في هذا لتحقيق اجندات سياسية غير معلنة اتخذت دون طرحها للنقاش العلني. وهو مما قد جرى تمريره في قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم لسنة 2008 في فترة كانت الاخبار الوحيدة الطاغية هي اخبار الانفجارات والعمليات الارهابية، بينما لم تكن اخبار الحكومة ومجلس النواب تظهر إلا بشكل نتف من اخبار. اي ان النقاش العلني لم يكن مطروحا.

للتوضيح نقول بانه لا توجد في العالم وحدات ادارية تتصرف بمعزل عن حكومتها. وكل دولة في العالم تطبق النظام اللامركزي قد رتبته لديها حسب ظروفها واوضاعها هي بهدف خدمة مصالحها الخاصة. وكل الامر يعتمد طبعا على الفلسفة السياسية المتبعة. ولا نشمل بكلامنا هنا الدول المكونة من اتحاد اجزاء كانت مستقلة سابقا. بيد ان النظام اللامركزي المراد فرضه في بلدنا هو نظام ذو طابع سياسي. والهدف من هذه اللامركزية المراد فرضها من فوق هو تحويل كل صلاحيات الوزارات الى المحافظات. وهذا الامر يبدو ذا طابع خدمي واداري في ظاهره لكنه ليس كذلك. وعدم توضيح اية صلاحيات يراد تحويلها وترك الامر لاجتهاد السياسيين دون اي نقاش علني ودون افساح المجال لاية آراء اخرى هو ما يجعله ذو اجندات سياسية غير معلنة. والهدف المراد الوصول اليه في النهاية هو تحقيق استقلال المحافظات بعد عزلها عن المركز وهو توجه سياسي طبعا. لذلك فلما تريد الحكومة تجنب تعريف الصلاحيات اللا مركزية يكون الموضوع باكمله مرفوضا ونطالب بالغاء وشطب امر اللا مركزية بالكامل.

اضافة الى كل هذا فإن وجود انتخابات لمجالس المحافظات مع دور رقابي على المحافظ يضفي ايضا على هذه المجالس طابعا سياسيا، لا اداريا. والرقابة على المحافظ لن تكون بسبب احتمال تقاعسه عن اداء دوره الخدمي او الاداري، بل لان الغرض المعلن والمذكور لمجالس المحافظات في قانونها لعام 2008 هو رسم السياسات العامة للمحافظة وإن المحافظ هو المنفذ لها. هذه الجملة التي تهيء لاستقلال المحافظة تجعل الموضوع كله سياسيا. وهذا الاستقلال المبتدأ به كان يعني من بين امور اخرى عزل المحافظة عن الرقابة الفعلية عليها من الحكومة ومجلس النواب. وهذه الاستقلالية قد اثرت على عملها بحيث جعلها تبدو وكأنها الاقليم الكردي. وهو ما جعل مجالسها بالنتيجة كمجلس النواب محط انظار المحتالين واللصوص مما ادى الى فسادها في النهاية ومن ثم الى المطالبة الشعبية بشطبها والغائها. والحقيقة التي لم يرد احد توضيحها هو ان دور المحافظ ومجلس المحافظة هو دور خدمي لا دخل للسياسة فيه ولا يجوز ادخالها فيه وإن المحافظات هي تشكيل اداري بحت لتوفير الخدمات وادارتها.

لكن بما ان امر تشكيل مجالس المحافظات مذكور في مادة الدستور الآنفة فثمة طريقة برأينا لنزع الصفة السياسية عنها واعادتها الى اصلها الاداري والخدمي. وهذه تكون بشطب جملة السياسات العامة للمحافظة وإلغاء امر انتخاب المحافظ ليمكن بعدها من الغاء العوبة استقلال المحافظة ورقابة حكومتها المحلية على المحافظ. إن امر الرقابة على اي مسؤول ستحول اي مجلس اداري وخدمي الى سياسي. وهو ما سيؤدي الى حالات فساد واستغلال للمنصب سواء كنا في حالة الاوضاع الاستثنائية في بلدنا او من دونها. اي ان مع السياسة تنتهي وتختفي الخدمات. بعد الشطب والالغاء نرى بوجوب تعيين المحافظ من الحكومة ليعود ويصبح ممثلا عنها ووكيلا لها مباشرة وذلك بعد التشاور مع سكان المحافظة. بعدها يتوجب تعيين عددا محدودا من ذوي الاختصاص من المشهود لهم بالكفاءة ليشيروا الى المحافظ في قراراته. اي في المحصلة يشطب امر مجلس المحافظة بشكله السياسي الحالي ويستبدل بمجلس خدمي حقيقي.

ولان دور اعضاء المجلس سيكون خدميا ودور المحافظ اداري بالدرجة الاولى فلن تكون لهم رواتبا وامتيازات كالسابق. إنما ستصرف لهم مكافأة شهرية للفترة التي سيقضونها بعيدا عن ارزاقهم. وهذه الفترة ستكون محدودة سيقضونها في تقديم الاستشارة والمعونة للمحافظ حسب الحاجة لهم. إذ يجب قطع طريق العودة الى الاوضاع السابقة مع مجالس الرواتب الهائلة والامتيازات الكبيرة لعمل لا يتعدى البضعة ساعات من كل اسبوع مع انعدام كامل للشفافية ومعها النزاهة في العمل.

إن حل مجالس المحافظات تلك المجالس السياسية حسب تطبيق القانون الحالي لم يختلف كثيرا عن استمرارها. إذ ان احزاب محافظيها ما زالت مؤثرة فيها حتى مع حل مجالسها. وهو ما يعني بان سكان المحافظات لم يكسبوا الكثير من حلها. والفرق الوحيد الذي حصل هو ابتعاد الفاسدين من اعضاء تلك المجالس عن المشهد العام واستمرارهم في الخفاء. واستمرت القرارات المحلية وهي تتخذ بشكل لا ينفصل عن السياسة كما هو الحال في المركز.

اننا نرى بوجوب تعديل قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة باقليم بحيث تحدد فيه المحافظات بكونها وحدات ادارية فقط. فهي نتاج التقسيم الاداري للعراق الهادف لتنظيم وادارة مساحاته المختلفة الحجوم والجغرافيا وخدمة سكانه وانها على هذا لا يمكن لاي منها الانفصال. فالوحدة الادارية لا تنفصل، وإن الحريات العامة والنظام الديمقراطي ليسا حججا لتقسيم البلد. ولا بد من مشاركة سكان المحافظات في النقاش حول شكل المجالس الجديدة بدل المراد إحيائها مجددا وعدم ترك الامر للفاسدين كما جرى في السابق والذي كان نتاجه قانون المحافظات الحالي المجمد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال