الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللبرالية ومسيرة التطور الاجتماعي

كامل عباس

2006 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


انشغل الناس منذ الأزل بالظواهر الطبيعية المحيطة بهم , ومدى تأثيرها على حياتهم الاجتماعية وقد عزوها في البداية الى قوى خفية تقف وراءها و تتحكم بحركتها , جسدوا تلك القوى بآلهة حاولوا التقرب منها بالعبادة من اجل الرأفة بهم وبأحوالهم , ولكن مع مرور الزمن وتقدم تجربتهم وتطور أدواتهم وتدجينهم الحيوانات وزراعتهم الأرض , تعرفوا على مصدر بؤس جديد هو من صنع يديهم هذه المرة , فظهر المصلحون والأنبياء بينهم كرسل سماوية تحض جميعها على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف , لكن التطور الاجتماعي هضم الأديان جميعها وجعلها بالنهاية تخدم الفئة الأقوى فيما بينهم والتي تملك الثروة والجاه والنفوذ .
يتضح ذلك بشكل خاص في تاريخ اوروبا عندما انحازت الكنيسة ورجال الدين بشكل سافر الى جانب الملك والنبلاء ضد العامة من الناس, ومع أن تعاليم المسيح تنص على أن دخول جمل في خرم ابرة أسهل من دخول الأغنياء ملكوت السماء , ومع ان المسيح صلب من أجل المعذبين في الأرض , الا ان تعاليمه تحولت على يدي رجال الدين لتدعم حق الملك والنبلاء في الثروة والسلطة كحق الهي مقدس لا يجوز المساس به .
منذ ذلك التاريخ انشغلت الصفوة من البشر التي أرّقها ظلم الانسان لأخيه الانسان بالأرض أكثر من السماء , لكي تؤثر في الحركة الاجتماعية ما امكن من أجل حياة أقل بؤسا وأكثر نعيما للانسان
انقسم المصلحون الاجتماعيون الى فريقين .
- فريق رأى بالملكية الخاصة سبب الشرور على الأرض , وهي الآفة التي ابتلي فيها الجنس البشري خلال مسيرته الاجتماعية , وان مشاكله بدأت على حد زعم الفيلسوف الفرنسي روسو
(( في اليوم الذي عن فيه لانسان ما ان يسور أرضا ويقول : هذا لي , ثم انه وجد اناسا كانوا من البساطة والسذاجة بحيث انهم صدقوه , في ذلك اليوم كان ذلك الانسان هو المؤسس الفعلي للمجتمع المدني , فأي جرائم وأي اغتيالات وأي شرور وفظائع , كان سيبقى النوع البشري انسانا آخر لو ان احدهم قد ذهب فاقتلع الأوتاد وأردم الحفر وصاح في الناس , أيها الناس احذروا الاصغاء الى هذا المحتال فانكم لا محالة هالكون ان انتم نسيتم أن الثمار للجميع وان الأرض ليست ملكا لأحد , .....
انه لمن الجلي أنه مخالف لقانون الطيعة على أية وجه أخذ ذلك القانون ان يحكم ولد غر شيخا محنكا , وان يقود غبي معتوه رجلا حكيما , وان تنعم شرذمة قليلة من الناس بوفرة الكماليات , في حين ان الجمهرة الكثيرة تفتقر الى الضروريات . )) (1)
- فريق ثان رأى ان الملكية الخاصة من اهم المصالح وحمايتها واجب لايجب التفريط فيه , وفي الملكية الخاصة تكمن معان عظيمة , وبواسطتها تحضّر العالم وانتقل من الصحراء الى المدينة , ومن القسوة الى الرقة و ومن الجهل الى المعرفة , ومن الجهالة الى الحضارة .
تبلورت ا لنظرتان في فلسفتين عريضتين تتفقان في الغاية - وهي العمل من أجل الانسان المضطهَد - وتختلفان في الوسيلة ,
الفلسفة اللبرالية أنطلقت من الملكية الخاصة كأساس للعمل , من الفرد وحقوقه وواجباته داخل المجتمع , والفلسفة الماركسية انطلقت من الملكية العامة , من المجتمع الى الفرد . والفلسفتان نشأتا في أوروبا وكانتا الى جانب الطبقة الثالثة ضد النبلاء والاقطاع والإكليروس وغيره من الطبقات الرجعية .
والفلسفتان وجهتا نقدا عميقا للاقطاع وسنده الديني , ودعتا لأن تستمد قيمة الانسان من عمله وليس من حسبه ونسبه , لكن الاختلاف كان اكبر بكثير من الاتفاق .
الخلاف الأساسي بينهما بان في فهم كل منهما لمسألة الحرية .
رأت الماركسية بأن الحرية هي وعي الضرورة , الحرية في مجتمع ما يجب ان تقاس بمقدار حصة المنتج من انتاجه وليس من الحريات الشكلية التي تعطى الي أفراده , ولا حرية في المجتمعات الطبقية الا للطبقات المالكة , الحرية الحقيقية للجنس البشري لن تبدأ قبل زوال المجتمع الطبقي , وستكون البداية في دفن مجتمع الطبقات على يد الطبقة العاملة التي لن تخسر بالثورة سوى أغلالها , وستقيم دكتاتوريتها في البداية المختلفة عن كل الدكتاتوريات السابقة في التاريخ , لأنها ديكتاتورية على حفنة من المستغلين تقابلها أوسع حرية للمجتمع ككل .
أما اللبرالية فقد انطلقت في فهمها للحرية من الفرد وحريته الواسعة بالطول والعرض شرط الا تتعارض مع المجتمع . حرية شخصية , حرية تعبير حرية تجارة وصناعة ,....الخ
والاختلاف الثاني كان حول دور الدولة في المجتمع
. ففي حين رأت اللبرالية أن الدولة يجب ان تقوم على عقد اجتماعي مكتوب بين الطبقات يتم فيه الفصل بين السلطات الثلاث . الحقوقية والتشريعية والتنفيذية , ومهمتها تقتصر على حفظ النظام والامن وجباية الضرائب والدفاع عن المجتمع ضد أي تهديد خارجي , وهي تتعاون بشكل بناء مع مؤسسات المجتمع المدني التي تفرزها الحركة الاجتماعية سواء كانت جمعيات اهلية او نقابات او أحزاب سياسية او أي تجمعات اخرى ويجب ان يكتمل دور الدولة في حفظ الأمن والنظام في المجتمع بالتعاون مع هذه المؤسسات ولا يتعارض معها ,
رأت الماركسية أن الدولة تكونت تاريخيا نتيجة استعصاء بين الطبقات المتصارعة , ولم تكن حكما يوما ما , بل اداة قهر في يد اٌلأقوى ضد الأضعف في المجتمع , والمجتمع المدني هو المجتمع البورجوازي , وفصل السلطات فيه شكلي وبما يخدم البورجوازية وحدها ,
ولقد هضم التطور الاجتماعي الفلسفتان كما هضم الأديان قبلهما وجيرهما لمصلحة الأقوى في المجتمع واكبر دليل على ذلك ما انتهت اليه الدول بشقيها التي تأخذ بالماركسية واللبرالية
فالدول التي أخذت بالفلسفة الماركسية بدءا من الاتحاد السوفياتي السابق وانتهاء بالصين تعمقت الرأسمالية فيها تحت يافطة شيوعية , وسهلت تلك الفلسفة على الدولة قمع المجتمع واضطهاد أفراده بحجة الحفاظ على دولة تعتبر نفسها ممثلة الطبقات المضطهَدة فيه , اما حصة المنتج من إنتاجه فقد تراجعت الى الوراء قياسا بالدول المصنفة رأسمالية وبرجوازية . ألى آخر المعزوفة .
أما الدول اللبرالية فقد انتهت تلك الحرية فيها الى تركيز الثروة في يد أفراد يملكون من الدخل القومي الجزء الأعظم منه . أما الحرية والمساواة والقيم الانسانية التي بشرت بها اللبرالية في تلك الدول فقد تحولت لتجعل كل الأشياء تشرى وتباع في السوق كسلع لها قيمتها وأرخص سلعة فيها هو الانسان الا اذا بيعت أعضاؤه في السوق بالمفرق , تحولت قلوب الناس في تلك الدول الى قلوب بلاستيكية تنبض آليا , ولا وجود للحب والدفء الانساني فيها, والسلع الفخمة في السوق هي التي تناسب هذه القلوب (( مثل الحذاء المرصع بالياقوت الأحمر الذي يعرض في احد متاجر اليابان , في انتظار أقدام إنسانية غبية تنتعله مقابل مليون ونصف المليون دولار وجهاز الموبايل المرصع بالماس ويزن 213 غ من البلاتين الصافي وثمنه 27 ألف دولار )) (2)
لكن بالمحصلة استجابت الفلسفة اللبرالية للتطور الاجتماعي أكثر من الفلسفة الماركسية وخدمت الطبقة العاملة في بلدانها أكثر مما خدمت الماركسية الطبقة العاملة في البلدان الاشتراكية , وقد انتهت نتيجة المباراة كما هو معروف لتنقلب سمة العصر وتتحول من الاشتراكية الى الرأسمالية حتى في الصين وكوبا اللتان ما تزالان تكابران ولا تعترفان بنتيجة المباراة .
لماذا انتصرت الفلسفة اللبرالية على الفلسفة الماركسية ؟؟
باعتقادي أن لكل فلسفة جانبان جانب معرفي وجانب أيديولوجي , ومع ان الماركسية ربطت نفسها بالعلم وادعت بأنها معرفة خالصة الا ان الحياة لم تترك في نظريتها حجرا على حجر من ديكتاتورية البروليتاريا الى العنف الثوري قابلة التاريخ , لقد كان الجانب الأيديولوجي المغلف بالخيال أكبر بكثير من الجانب المعرفي , وكان الانطلاق من الأخلاق وإسقاط الرغبات على الواقع أكبر من الانطلاق من مكونات الواقع , وهي سمة تجمع كل الحركات الاشتراكية في التاريخ التي انطلقت من العدالة الاجتماعية . من التحيز للفقراء . من الملكية العامة , هكذا انتهت المزدكية في ايران والقرامطة في الأحساء والبحرين , والناصرية في مصر والشيوعية في دول المعسكر الاشتراكي (( والشيوعية التي سادت في هذه الدول كأيديولجيا , تؤمن بالحداثة ايمانا مطلقا , انها تؤمن بتخطيط المجتمع تخطيطا عقلانيا , ازالة الفوضى في الانتاج والسوء في التوزيع , كما تؤمن بتحويله تحويلا عقلانيا بحيث تزول الحاجة الى الدين والأساطير وحتى الى الأيديولوجيا , انها تؤمن بالمعرفة العلمية والخلاص الكامن فيها للانسانية , كما تؤمن بالمشاريع الكبرى لهندسة المجتمع . لا شك في ان اشتراكية الدولة حداثة قصوى , ولذلك فهي حداثة مخفقة )) (3)
السبب الجوهري في اخفاق الماركسية كنظرية في الحداثة يعود الى انها حاولت التوحيد بين العلم مع ( الخيال ) ومزجت بين تحليل ما هو قائم وما يرجى ان يكون .
رأت الماركسية أن الحل يكمن بقلب النظام الرأسمالي بأي شكل من الأشكال بما فيه العنف الثوري واستبداله بنظام اشتراكي لا يكون محركه الربح بل التخطيط لصالح المجتمع ككل , والآن وبعد مرور أكثر من 150 عاما على تلك الدعوة , نجد ان النظام الرأسمالي يجدد شبابه ويتغلب على ازماته وينتقل من طور الى طور , من الرأسمالية التنافسية الى رأسمالية الاحتكارات (الأمبريالية) , الى الرأسمالية "المتوحشة" ( العولمة ) وقد نحتاج الى ضعف المدة السابقة حتى تنضج الظروف موضعيا لتجربة اشتراكية مختلفة , ولن يكون الممر اليها بكل تأكيد النفخ في شرارات الصراع الطبقي . لان النفخ فيه قد يحرقنا جميعا , ولن تكون بوابتها هي الثورة البروليتارية , لأن الطبقة العاملة مشغولة بنفسها اكثر مما هي مشغولة بالثورة , ولم تعد قادرة على لعب ذلك الدور بسبب التقنية الحديثة , والأهم من هذا وذاك أن الاشتراكية لن تبدأ الا في بلد ناضج موضوعيا لذلك وأهله مقتنعون بها ومحاولة فرضها عليهم بالقوة ستؤدي الى المزيد من الكوارث الاجتماعية .
أما اللبرالية فقد انطلقت من الواقع وكيفية دفعه خطوة الى الأمام بما يخدم الطبقات الوسطى اولا , وان كانت قد ركزت على الحريات السياسية والشخصية فهي لم تهمل جانب المساواة والعدالة في التوزيع بشكل تام , ورأت ان لذلك دور كبير في الحفاظ على السلم الاجتماعي , فقد أجمع فلاسفتها على ان تتلاءم الحرية مع السلطة , وان يتوفر قدر من المساواة كي لاتتناقض السلطة مع الحرية, لابل ان آدم سميث حاول الموازنة بين الطبقات الثلاث , النبلاء والبورجوازية والعمال ورأى ان على المشرع (( ان يستمع الى البورجوازيين بارتياب وحذر , فهؤلاء ليس هدفهم النهائي ازدهار المجتمع وانما أرباحهم , وقد ينشأ تعارض بين ارباحهم وبين ازدهار المجتمع )) (4) .
وهكذ اتقدم لنا تلك الفترة التاريخية خلاصة مفادها : لو ان الماركسيين عملو ا مع اللبراليين جنبا الى جنب ومن داخل النموذج الرأسمالي لرفع حصة المنتجين من الدخل القومي بدل الدعوة الى قلب النظام الرأسمالي لكان اجدى للطبقة العاملة , ولكان افضل للتطور الاجتماعي بدلا من افتعال المعارك مع اللبرالية واتهامها بانها الخادم الموضوعي للبورجوازية.
لقد تفوقت اللبرالية على كل الفلسفات التي ظهرت حتى الآن في التاريخ , سماوية وأرضية بأنها كانت ذات نهايات مفتوحة وغير مقيدة بقيود صارمة وقوالب جامدة لاتقبل الاجتهاد او التطور , مثل التصور المسيحي ولاسلامي للعالم, والدعوات الاشتراكية هي كذلك بما فيها الماركسية التي تحولت الى دين ارضي بسبب قوالبها الجامدة ,
قوى المنتجة وعلاقات الانتاج , البنيان الفوقي والبنيان التحتي , الطبقة العاملة لن تخسر بالثورة سوى أغلالهأ , الحرية وعي الضروة . الدولة لجنة الطبقة المسيطرة . الخ ....
ولهذا السبب بالذات تعود اللبرالية الى الظهور في ظل العولمة وبشكل أقوى مما كانت عليه أول انطلاقة الرأسمالية , وان كانت في ذلك الزمن قد ركزت على الحريات السياسية والشخصية ولم تول جانب المساواة والعدالة الاجتماعية ما يستحق , فان جديدها الان هو التركيز على الانسان وحقوقه بشكل متوازن في الجانبين , جانب الحريات السياسية وجانب ضمان صحي واجتماعي وحياة لائقة للانسان من الناحية الاجتماعية والسياسية .
وهي بجديدها أيضا يمكن ان تخدم بنهاية المطاف قلة قليلة من الرأسماليين الجشعين وتزيد في أرباحهم وفي تعميم تصورهم وسلعهم وقيمهم على العالم , اذا لم يحسن كل المعنيين بالتقدم الاجتماعي من لبراليين وغير لبراليين صنعا , ويخوضوا معركتهم من الداخل من اجل تنمية اجتماعية متوازنة تخدم الجميع , ميزة اللبرالية عن غيرها في انها تسمح من داخل نموذجها بالعمل من أجل ذلك . سأسوق مثالا واحدا يوضح فكرتي وهو موضوع الأ نظمة الملكية في العالم المتقدم والمتخلف - لافرق - فجميعها تعني شيئا واحدا , هي تقسيم البشر الى سلالتين , سلالة عائلية يجري في عروقها دم أزرق خاص , وسلالة اخرى هي البقية الباقية من الجنس البشري والتي يجري في عروقها الدم الأحمر العادي , اللبرالية "المتوحشة" ستدافع عن الملَكَية – سواء الدستورية أو المطلقة – باسم التراث او عدم نضج الواقع أو تحت أي حجة أخرى , وستسخر كل امكانياتها ومكنتها الاعلامية من أن يظل العامة من الناس في اليابان مع الأمبراطور وفي بريطانيا وأسبانيامع الملك أوالملكة لأن ذلك يطيل في عمر حلفاؤهم الملكيون في الأردن والمغرب وعمان والسعودية وقطر والكويت , ويسهل عليهم سرقة نفطنا وثروتنا , واذا أحسن التقدميون من لبراليين وغير لبراليين في التعاون فيما بينهم ونشطوا في بريطانيا مثلا ومن ضمن قوانينها وامنوا أكثرية انتخابية ضد الملكية وحولوا بريطانيا الى جمهورية بدلا من صب جهودهم على النضال الاشتراكي هناك , فان ذلك سينعكس إيجابا في العالم , ويسهل علينا نحن العرب النضال من أجل دفن الملكية في بلداننا وسيمدنا بالأمل والعزيمة من اجل ذلك .
ان النموذج اللبرالي وما يسمح به من تداول للسلطة وتعددية وفصل بين السلطات الثلاث هو الأجدى حتى الآن من اجل تحسين وضع الطبقات الشعبية , وكل الدول التي أخذت نموذجا آخر في الحكم سهلت بشكل او بأخر نهب الطبقات المنتجة وخفضت حصتها من الدخل القومي على عكس الدول اللبرالية التي تمتع مواطنوها بحد أدنى من الضمان الاجتماعي .
واذا كان الاشتراكيون يصرون في ان تلك الدول أصبحت رأسمالية متوحشة همها النهب والسلب داخل وخارج بلدانها ولا بديل عنها سوى الاشتراكية , فما هو قولهم في بلدان مثل بلداننا تعاني من النقص في الاجراءات الرأسمالية أكثر مما تعاني من الزيادة فيها ؟
سيجادل هؤلاء وغيرهم بان اللبرالية هي نتاج غربي ولا تلائم مجتمعاتنا وطريقها الخاص في التطور وخصيصا دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية .
حسنا , أما ان اللبرالية نتاج غربي فذلك غير صحيح البته , لقد سبق العرب أوروبا بقرون في دعوتهم للبرالية وكان رائدها الول هو الرسول العربي محمد بن عبد الله , فعلى يد الرسول العربي انتقل العرب من البداوة والصحراء والجهالة والكمونات الجماعية المتمثلة بعشائرهم وأفخاذها وملحقاتها الى المجتمع المدني , الى دولة المدينة القائمة على الملكية الفردية الخاصة واحترام الآخر , وفي سيرة الرسول العربي وأحاديثه الكثير مما يحض على ذلك , وأيات القرآن الكريم خير شاهد على تلك الدعوة اللبرالية ,
- من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
- كل نفس بما كسبت رهينة
- وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
- ولا تزر وازرة وزر أخرى
- من قتل نفسا بريئة بغير حق فكانما قتل الناس جميعا .
لابل انني شخصيا أعتبر الأية الكريمة التالية ما تزال حتى هذه اللحظة تحمل من القيم والروح اللبرالية المتسامحة مع الآخر ما يوازي كل اللبراليات الغربية
(( ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة. ان الله على كل شيء قدير )) (5)
وان كان زمام التطور الاجتماعي قد انتقل الى الغرب بعد ذلك , فيجب النظر الى هذا كجزء من التراث الانساني وليس ملكا للغرب وحده , الاسلام والمسيحية والبوذية والكونفوشسية, والبانتئية واللبرالية والماركسية جزء من التراث الانساني ككل وليست ملكا لعرق او قومية أو منطقة بعينها .
وان كان للغرب طريقه اللبرالي الخاص ودوله الحالية القائمة على لبرالية تعتمد الملكية الدستورية او الجمهورية البرلمانية والرئاسية المعتمدة على نظام الحزبين , فحق لنا ان نشق طريقنا اللبرالي الخاص بنا , لننتج دولا تعددية تداولية لها عقدها الاجتماعي المكتوب والمنبثق من مكونات المجتمع والذي يراعي مصالح الطبقات الاجتماعية ويوازن فيما بينها و يكون لمؤسسات الدولة دورا كبيرا فيها بما ينسجم مع تاريخنا شرط ان يكون ذلك الدور مراقب ولا يسمح بان تستفيد منه نخبة معينة تدير الدولة وتنهبها بنفس الوقت .
أما ذلك العداء لكل ما يمت للثقافة الغربية بصلة , فهو الذي يطيل في أمد تخلفنا وجهلنا
وهو يخدم شرائح معينة تقاوم بشدة أي تحديث وتطوير لمجتمعاتنا .
وهذه الشرائح هي التي تفتعل المعارك مع الغرب وتجعل من الحبة قبة مثل بعض رسوم كاركاتورية نشرتها صحيفة غربية تسيئ لنبينا وقيمنا , او مثل بعض عبارات تفوه بها البابا تنم عن جهل للدين الاسلامي .
يحرك هؤلاء الشارع وتقوم القيامة بمظاهرات معادية للغرب .
- ولكن هؤلاء لايحركون ساكنا لمن يسيء لديننا وقيمنا اكثر بكثير منهم , مثل قطع الرؤوس بالبلطات والفؤوس على يد الجهاديين الجزائريين لعابري سبيل على الطريق العام .
- أو مثل تفجير جهادي جسده بمجلس عزاء يذهب فيه مئات الأبرياء .
- لايحرك هؤلاء ساكنا ضد الزرقاوي وأفعاله الاجرامية .
- لماذا لم يدعو هؤلاء مرة الى تظاهرات ضد بن لادن وأعوانه الذين قتلوا مئات الأنفس البريئة في 11 أيلول.
- ألأ يسيئ هذا العمل الى الإسلام الحنيف وقيمه السمحة أكثر من البابا !!

الخلاصة ان مجتمعاتنا العربية الحالية تعاني من جهل وتخلف واستبداد يمنعها من اللحاق بركب الحضارة وأفضل طريق لتحديثها وتجفيف منابع الارهاب فيها هو النضال من أجل دول مدنية تستمد شرعيتها من مكونات مجتمعها ولا تقوم على حكم فرد او عائلة , ويتم فيها تداول للسلطة , وتعاون بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني ,

وهذا ما تدعو اليه اللبرالية .

...................................................................................
هوامش

1- المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية ص50 .
2- من خاطرة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بعنوان – الحب الحافي نشرة في مجلة زهرة الخليج .
3- المجتمع المدني – دراسة نقدية - تأليف د عزمي بشارة ص 52 .
4- المرجع المذكور سابقا ص 98 .
5- سورة الحج – الآية 17
كامل عباس – اللاذقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل