الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني حتمية دوام خرابه: الرد على لبيب سلطان 9-10

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 12 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


علاقة التخادم التاريخي القائمة بين الفكر اللبرالي والنظام الرأسمالي
نشأ الفكر اللبرالي في كنف النظام الرأسمالي الغربي، وتطور مع تطوره، ليؤدي واجبه كأيديولوجيا برجوازية عبر تكفله بشرعنة الحرية المطلقة للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج – التي هي أساساً انتاج اجتماعي عام وليست فردية – الى الدرجة التي باتت فيها هذه الحرية بالذات ،مع الديمقراطية التمثيلية، دون غيرهما من عديد الحريات، هي المكون الأهم للأيديولوجيا اللبرالية البرجوازية خدمة لسيدتها الإمبريالية. وهذا يحصل رغم أن هذا الجمود العقائدي لحساب خدمة المصالح العليا للرأسمالية يضرب عرض الحائط واقع أن امتلاك رأس المال يمنح مالكه قوة اقتصادية وقوة سياسية وقوة مجتمعية وقوة اعلامية رهيبة ومشهودة تنسف من الجذور أمكانية التطبيق الناجز لمبادئ المساواة بين البشر والديمقراطية السياسية والاقتصادية وحرية الاختيار والعدالة الاجتماعية التي تدعي اللبرالية دفاعها عنها. ولذا، نجد أن الدكتور لبيب سلطان المحترم يستقتل في ترويجه الأيديولوجي القافل للنظام الرأسمالي حتى ولو أقتضى الأمر اللجوء الى الشعوذة والتلفيق والقمع "اللبرالي" للآخر.
وعلاقة التخادم هذه القائمة بين اللبرالية والرأسمالية بدأت مع انتشار الاستعمار الأوروبي في جميع أنحاء العالم، الذي استلزم اعادة صياغة منظومة المعرفة الأوروبية باصطناع المنظور النظري حول فكرة "العرق الأوربي الغربي المتفوق" باعتباره هو التجنيس للعلاقات الاستعمارية. وبعبارة أخرى، بات التمييز العرقي هو الوسيلة لتحقيق هدف إضفاء الشرعية على علاقات التفوق والدونية بين المُستعمِر المسيطِر والمُستعمَر المسيطَر عليه. وبهذه الطريقة، فتحت التصنيفات العرقية الأوربية الغربية للبشر الأبواب أمام الإمكانية لوضع الشعوب التي يتم احتلالها ضمن خانة المكانة الطبيعية للدونية؛ ليس فقط على أساس سماتها المظهرية فقط، بل وكذلك سماتها الحضارية التي باتت تعتبر دونية أيضاً. ويتم التعبير عن علاقات القوة هذه من خلال التمييز العنصري عبر رفع تصنيف الأوروبيين الغربيين إلى مرتبة البشر اللبراليين "المتحضرين"، مع إقصاء غير الأوروبيين الغربيين إلى مرتبة أشباه البشر من البرابرة آناً، والهمج آناً، والارهابيين آناً، والشموليين.. وهلم جراً. وبالمثل، فقد اعتبرت ثقافة الغرب المهيمن التي جاءت بها القوى الاستعمارية الأوروبية هي المثال لقمة الحضارة البشرية، في حين انقلبت كل الثقافات الاخرى إلى الدونية التي تتطلب الإمحاء. وضمن هذا الإطار، نادى كل المفكرين اللبراليين بالانقسام الحضاري"الطبيعي" للعالم الى بلدان العالم الامبريالي كقلعة للبرالية المتحضرة، إزاء بقية شعوب بلدان العالم من البرابرة. هذا التمييز العنصري بتقسيم العالم الى شعوب أوربية غربية متقدمة حضارياً لتطبيقها المزعوم لمبادئ اللبرالية السامية للإمبريالية الغربية مقابل كل شعوب بلدان العالم الأخرى البربرية طراً - والتي تستحق التنكيل الذريع حتي تتلبرل - هو الذي عبَّد الطريق لقولبة الفكر اللبرالي الخادم للإمبريالية . ولهذا، فقد جادل "جون ستيوارت ميل" في كتابه "بصدد الحرية" (On Liberty) بأن "الحرية، كمبدأ، لا تنطبق على أي حالة من الحالات السابقة للزمن الذي أصبح فيه الجنس البشري قادرًا على التقدم من خلال المناقشة الحرة والمتساوية". وعليه ، فإن "الاستبداد هو الشكل الشرعي للحكومة في التعامل مع البرابرة، بشرط أن تكون النهاية هي تطويرهم ..." (1963 ، المجلد 18: 224). وغالبًا ما يتجاهل المدافعون عن "ميل" هذا النص المتخم بروح إمبريالية القرن التاسع عشر، وإن دافع بعضهم عنه بالصفاقة اللبرالية المعهودة، ضاربين عرض الحائط مبدأ كون حقوق الإنسان الأساسية يجب أن ينطبق حتماً على كل أفراد الشعوب، بلا استثناء، وفق مبادئ اللبرالية نفسها؛ ومتناسين أيضاً أن الاستبداد هو عنصر تدمير للمثل اللبرالية وليس تطويرها. وعلى غرار "ميل"، يجادل منظِّر التمييز اللبرالي المتأخر "رولز" في مؤلفه: "قانون الشعوب" بأن المبادئ اللبرالية السياسية ليست مُبَرَرة لكل المجتمعات اللبرالية، حيث يمكن أن يكون هناك "مجتمع هرمي لائق" لا يقوم على المفهوم اللبرالي لجميع الأشخاص على أنهم أحرار ومتساوون ، ولكن بدلاً من ذلك ينظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم "أعضاء مسؤولون ومتعاونون في مجموعاتهم الخاصة" ولكن ليسوا متساوين بطبيعتهم" (1999: 66). هكذا يكشف لنا هذا النص حقيقة استحالة بناء المفهوم اللبرالي الكامل للعدالة من الأفكار المشتركة لهذا "المجتمع الهرمي اللائق"، على الرغم من أن حقوق الإنسان الأساسية، المتضمنة في فكرة الهيكل التعاوني الاجتماعي، يجب أن تنطبق على كل أفراد الشعب بلا استثناء وفقاً لمبدأ المساواة بين البشر بحكم طبيعتهم كنوع واحد.
المصادر:
Mill, John Stuart, 1963. Collected Works of John Stuart Mill, J. M. Robson (ed.), Toronto: University of Toronto Press.
Rawls, John, 1999. Law of Peoples, Cambridge, MA: Harvard University Press.
https://plato.stanford.edu/entries/liberalism/
https://academicworks.cuny.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1997&context=gc_etds

وفوق كل هذا، فقد فرض الفكر الليبرالي الغربي نظام التمثيل النيابي للشعب على المؤسسات التشريعية والتنفيذية الحاكمة في بلدانه – وليست الديمقراطية المباشرة – كمثال أعلى للديمقراطية التي تعني حكم الشعب لنفسه . وكانت الذريعة هنا هي عدم امكانية اضطلاع كل ملايين أفراد الشعب بحكم أنفسهم بأنفسهم. ومن هنا جاء تزييف مبدأ الديمقراطية المباشرة التي يتولى بموجبها الشعب تقرير مصيره بنفسه، الى الديمقراطية التمثيلية التي تتسنم بموجبها الأوليغارشية (حكم الأقلية) سدة الحكم طول الوقت. كل هذا روّجت له وطبقته اللبرالية رغم أن مبدأ سيادة الشعب هو مفهوم غير قابل للتغريب مثلما أكد "جان جاك روسو" في "العقد الاجتماعي". وهذا يعني أن سيادة الشعب لا تجوز إنابتها للغير مناب الشعب كله، لأن الإنابة تعني هنا بالضبط : إلغاء سلطة الشعب في تقرير مصيره بنفسه. الذي يمثل الشعب هو الشعب نفسه، أما الممثلين المنتخبين للهيئات التشريعية فهم لا يمثلون إلا أنفسهم، و ليس الشعب البتة. في "نقد فلسفة الحق لهيغل"، يصف ماركس عضو الهيئة التشريعية بالقول: "إنه هنا ممثل ليس بحكم شيء آخر غير نفسه يمثلها، بل بحكم ما هو عليه وما يفعله ."
ومع ذلك ، فإن النقد الاشتراكي للديمقراطية البرجوازية يغوص أعمق من ذلك. إنه يقول بأن المجتمع الرأسمالي غير ديمقراطي بطبيعته لأنه ما دامت وسائل الإنتاج فيه مركزة بأيدي طبقة الأقلية، وليست ملكية اجتماعية شاملة لجميع طبقات الشعب، فإن هذه الظروف غير المتكافئة ستؤثر على المجال السياسي تمامًا أيضًا. الاشتراكيون يسألون بهذا الصدد: لماذا يقصر الديموقراطيون البرجوازيون مطالبتهم بالمساواة على المجال السياسي فقط؛ وما الدافع وراء رفضهم التام توسيع المساواة لتشمل المجال الاقتصادي أيضاَ؟
ويؤكد الماركسيون في كل أرجاء العالم بأن شكل ومحتوى الديمقراطية الليبرالية مرتبطان دائمًا بالإطار الضيق للاستغلال الرأسمالي، وبالتالي فهما يبقيان دائمًا متجليين على أرض الواقع بديمقراطية الأقلية فحسب: ديمقراطية الطبقة الرأسمالية السائدة. غير أن الحكومة الحقيقية للشعب لا يمكن أن تتطور إلا في المجتمع الذي يتم فيه إضفاء الطابع الاجتماعي على وسائل الإنتاج - عندها ستغدو مهمة قياس الديمقراطية السياسية أرفع من وضعها الحالي كمجردة هواية عديمة الفائدة.
سأكتفي بهذا القدر في نقد الفكر اللبرالي الميتافيزيقي الذي ينسف نفسه بنفسه، على أمل اعداد مقالات أخرى مخصصة لهذا الغرض. وسأعرض في الحلقة الأخيرة من هذه السلسة لآفاق الاشتراكية العربية.
المصادر:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717738
https://www.scielo.br/j/bpsr/a/6XjtSXLrNpf7nY7qXPFb6FF/?format=pdf
Rousseau, Jean-Jacques. 1947. The Social Contract. New York : Hafner Pub. Co.
يتبع، لطفاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة