الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكلفة الحرب: الاقتصاد الروسي يواجه عقدًا من التراجع

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 12 / 21
الارهاب, الحرب والسلام


حسب العديد من الخبراء والتقارير سوف يكون تطور الاقتصاد معكوسًا خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة على الأقل.

بعد تسعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا ، كان أداء الاقتصاد الروسي أفضل مما كان متوقعا. تم تجنب الانهيار المتوقع ، وتم تقليل الانخفاض المتوقع بنسبة 8 إلى10 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 3 إلى4 في المائة.

ومع ذلك ، قبل الحرب ، كان النمو متوقعًا بنسبة 3 في المائة. ومن المتوقع أن يبدأ التعافي في 2024 في أحسن الأحوال ، وهذا في حالة عدم حدوث تفاقم كبير في العوامل الخارجية. ويبدو أن روسيا مستعدة لمعاينة وتحمل عقد آخر ضائع ، مع عقد من الركود يليه عقد من التراجع.

تمكنت الحكومة الروسية والبنك المركزي من تخفيف الضربة الاقتصادية جراء الحرب ضد أوكرانيا والعقوبات التي تلتها ، ليس أقلها من خلال السياسات المالية المحافظة في السنوات الأخيرة ، مثل الموازنة المستمرة مع سعر النفط يبلغ 45 دولارًا للبرميل و إبقاء الإنفاق على قيود صارمة ، حتى على حساب النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك ، تم اتخاذ الاستعدادات لفرض الجزاءات. أجرت الشركات الحكومية والبنوك الكبرى اختبارات الصمود ، بما في ذلك السيناريوهات التي تم فيها فصل روسيا عن SWIFT ، وتوقف الغرب عن توفير تقنيات معينة ، وتم حظر حسابات المراسلين ، على الرغم من أن الإجراءات الأخرى ، مثل تجميد احتياطيات الذهب والعملات ، لم يتم نمذجتها.

بسبب الإحجام التقليدي عن الإبلاغ عن المشاكل وكشفها ، كانت التقارير المقدمة إلى السلطات الروسية متفائلة إلى حد كبير. كانت أخطر العقوبات المتوقعة هي حظر تكنولوجيا المعلومات والرقائق الدقيقة: وهو أمر لن يكون له تأثير فوري على معظم القطاعات.

بفضل هذه الاستعدادات ، ثبت أن تأثير العقوبات أضعف مما كان متوقعا على المدى القصير ، لكنه كان أيضا أطول أمدا. وبدأت الميزانية ، التي انتعشت في الأشهر القليلة الأولى بفعل عائدات النفط والغاز ، في الانكماش. وانخفضت الإيرادات غير النفطية والغازية بنسبة 20 في المائة في أكتوبر من حيث القيمة السنوية ، وجاءت معظم الزيادة في عائدات النفط والغاز من زيادة ضريبة استخراج المعادن على شركة "غازبروم" - Gazprom.

تبين أن انخفاض الإنتاج الصناعي في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام ضئيل نسبيًا عند 0.1 في المائة. ومع ذلك ، فإن هذا يرجع إلى حد كبير إلى زيادة الإنفاق العسكري ، مما أدى إلى نمو في قطاعات مثل الملابس والسلع المعدنية (بما في ذلك الدبابات والصواريخ) ، وتم إخفاء التراجع في القطاعات المدنية ، مثل إنتاج السيارات (الذي انخفض إلى النصف تقريبًا) ، وتحويل الأخشاب ، وصناعة الآلات.

من المرجح أن يستمر الركود لأن الصناعة الروسية - حتى القطاع العسكري - تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع عالية التقنية ، في الغالب من الغرب. تراجعت واردات التكنولوجيا من جميع البلدان ، باستثناء تركيا. سيؤدي انهيار تلك الواردات إلى خفض الإنتاج وجعله أكثر بدائية ، وهي عملية جارية بالفعل. أصبح استبدال الواردات مطلوبًا الآن في جميع القطاعات تقريبًا ، ولكن نتيجة للعقوبات ، أصبح هذا الاستبدال تنازليًا ، حيث تم استبدال المكونات البالية بخيارات أقل تقدمًا.

سيستمر، الرحيل الطوعي للعديد من الشركات الغربية والانقطاع التام للتجارة مع أوروبا في سلع الطاقة ، إلى جانب عدم وجود بدائل معادلة ، في إعاقة الاقتصاد الروسي. ولا يمكن أن الاعتماد إلا على القليل من الدعم من الداخل.

في خضم جو من عدم اليقين ،إن الاستثمار معرض لخطر الانقطاع. كان القطاع الخاص بالفعل يحد من الاستثمار بسبب مناخ الأعمال غير المواتي. الآن الحرب والعقوبات قضت عليه بالكامل. حتى أكثر الشركات المؤيدة للدولة لن تستثمر في بلد متحارب حيث يمكن أن تضطر الشركة في أي وقت للمساهمة في المجهود الحربي من خلال ضرائب جديدة أو حتى بشكل مباشر.

وترى أخر التقارير، أن الاستثمار على نطاق واسع من جانب الدولة يمثل مشكلة أيضًا. استنادا على ميزانية الثلاث سنوات التي تم إقرارها ، فإن أولوية الحكومة هي بلا شك هي تمويل الحرب. والمجالات الرئيسية للإنفاق في الميزانية هي قطاعات الأمن ، والتي ستستحوذ على ما يقرب من ثلث إجمالي الإنفاق (9.3 تريليون روبل) في 2023. أما الإنفاق على الاقتصاد ، على العكس من ذلك ، فقد انخفض من 4.5 تريليون روبل في 2022 إلى 3.5 تريليون روبل في 2023. وسيبقى الحجم الإجمالي للإنفاق فعليًا دون تغيير (29 تريليون روبل) بالقيمة الاسمية ، مما يعني انخفاضًا ملحوظًا في القيمة الحقيقية. ومع ذلك ، فإن الإنفاق على الاحتياجات العسكرية محمي من أي انخفاض في الدخل ، لذا فإن الإنفاق على تنمية الاقتصاد وتوسيع البرامج الاجتماعية هو الذي سيتم تقليصه والاغتراف من ميزانياتها، إذا لزم الأمر.

لا تستطيع الحكومة وليس في وسعها ببساطة أن تجعل المناخ الاستثماري من أولوياتها: فهي تركز على احتياجات الجيش ومتطلبات الحرب. لقد تم بالفعل تعبئة ثلاثمائة ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 22 و 50 عامًا ، مما أدى إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة ، وقد يكون هناك المزيد من موجات التعبئة في المستقبل.

من الصعب حساب الخسائر طويلة الأجل جراء العدد الهائل من الأشخاص الذين غادروا روسيا منذ بداية الحرب ، والتي تُقدر بنحو 500 ألف إلى مليون. وسيؤدي النقص في الموظفين المؤهلين، الناتج عن هجرة العقول، إلى الضغط على سوق العمل ، مما يؤدي إلى ارتفاع الأجور بشكل أسرع من الإنتاجية ويؤدي إلى مخاطر تضخمية.

تنشأ صعوبات كبيرة من إعادة توجيه الإنتاج الروسي نحو أسواق جديدة. إن القدرة الاستيعابية للبنية التحتية التي تربط روسيا بالشرق محدودة: قدرات الموانئ والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب مثقلة بالفعل ، ويتطلب إنشاء سعة جديدة موارد وتكنولوجيا. وفي الوقت نفسه ، فإن البنية التحتية التي تخدم التجارة مع أوروبا معطلة نتيجة للعقوبات.

يتم إعاقة إمدادات البضائع غير الخاضعة للعقوبات ، حتى إلى الدول الصديقة ، بسبب رفض شركات شحن الحاويات الدولية العمل مع روسيا. لا تنشأ المشكلات عند تسليم البضائع فحسب ، بل تنشأ أيضًا عن دفع أو تلقي مدفوعات مقابلها، ويمكن إيقاف المعاملات باليورو والدولار أو أن تستغرق وقتًا طويلاً. حتى في "البلدان الصديقة" ، ترفض البنوك فتح حسابات للشركات الروسية وحسابات مراسلة للبنوك الروسية.

تتعرض روسيا أيضًا لضغوط لتقديم تنازلات وتقديم خصومات وتخفيضات على سلعها لأولئك الذين ما زالوا مستعدين لشرائها: ففي الوقت الحالي ، تحتاج روسيا إلى تلك الأسواق أكثر مما تحتاج هي إلى روسيا. علما أن الاقتصار على السوق المحلية لا يمكن أن يوفر إلا دعمًا جزئيًا جدا للتصنيع، لأنه ببساطة غير كاف.

لم تكن الدولة قادرة على مساعدة الأعمال التجارية بالحلول المنهجية ، ولم تتخذ سوى إجراءات هادفة وآنية ، مثل السماح بالدفع نقدًا لعمليات التجارة الخارجية من أجل تجنب استخدام الدولار واليورو.

تجد الشركات الروسية في الغالب طرقها الخاصة للتكيف مع الظروف الجديدة. إذا استمرت الحكومة في مقاومة الرغبة الحثيثة في اعتماد خطة تمليها الدولة مع فرض قيود صارمة ، فمن المحتمل أن ينجو الاقتصاد الروسي وقد تنتهي فترة التكيف بحلول سبتمبر 2023.

لم تكن إمكانات الاقتصاد الروسي قبل الحرب كبيرة بشكل كبير ، حيث بلغ معدل النمو 2 إلى 3 في المائة سنويًا. لكن الحرب ضد أوكرانيا والقيود الخارجية جعلت هذا المعدل ينخفض إلى حوالي 1 في المائة حاليا ، سيتم عكس تطور الاقتصاد و قد يستغرق الأمر من ثلاث إلى خمس سنوات حتى يتوقف هذا التراجع.

دأبت الحكومة والرئيس فلاديمير بوتين على ترديد أن روسيا لديها بالفعل كل ما تحتاجه للتنمية. لكن الانتقال إلى النمو القائم على الموارد الداخلية سيتطلب - أولا - إنهاء الحرب في أوكرانيا. كما سيحتاج إلى تفادي كل ما هو غير متوقع قدر للتقليل من عدم القدرة على التنبؤ بشكل عام ، وزيادة المنافسة ، وإلغاء تجريم الانتهاكات الاقتصادية ، وضمانات فعالة لحقوق الملكية. لكن من الواضح أن السلطات الروسية والرئيس الروسي فشلا باستمرار في توفير هذه الشروط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا