الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بخطى طليقة- الذروة

عصمت منصور

2022 / 12 / 22
أوراق كتبت في وعن السجن


تنامت إنجازات الحركة الأسيرة سواء على المستوى المعيشي الحياتي وشروط الاعتقال، أو على المستوى التنظيمي الذاتي، بشكل مكّنها من ان تدير نظام حياة مستقر ومنتج يعكس جوهر الأسرى الكفاحي التحرري وتطلعاتهم الوطنية، وكل ذلك في ظل أجواء صراع معقدة مع مديرية السجون التي لاءمت نفسها وسياستها وشذبت سلوكها لخلق نقطة توازن هشة ورفيعة مع الواقع الذي خلقه الأسرى والحالة الجماعية وشبه الإدارة الذاتية لحياتهم الداخلية.
ثلاثة أحداث بارزة شكلت الذروة في مسار تطور ونهوض الحركة الأسيرة: عملية تبادل الأسرى في العام 1985 والانتفاضة الكبرى (انتفاضة الحجارة) 1987، وإضراب العام 1992.
الحدث الأول خارجي ارتبط بمسار الثورة والأفق الواسع الذي فتحه، أما الثاني فهو مرتبط بحركة النضال والاقتراب أكثر من اي وقت سابق من نضج الظرف السياسي والقانوني للاعتراف بهم كأسرى حرب ومقاتلين من أجل الحرية، والأخير شكل التتويج الفعلي والتجسيد العملي لوحدة السجون التي خاضت إضرابا جماعيا ترددت اصداؤه في العالم وحقق مكاسب حياتية ومعنوية غير مسبوقة.
في العام 1985 جرت أكبر عملية تبادل بين إسرائيل وفصائل المقاومة ممثلة بتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة (برئاسة أحمد جبريل)، تحرر خلالها ما لا يقل عن 1155 أسيرا من كبار وقدماء وقادة الاسرى ومن ذوي الاحكام العالية، وهو حدث خلّف أصداء داخل السجون وخارجها، اذ أحيا الآمال لدى الاسرى بحريتهم وأن احكام المحاكم الاحتلالية لا قيمة مطلقة لها، كما انه اعاد لهم الثقة بالثورة وقيادتها خاصة بعد غزو لبنان قبلها بأعوام وخروج قيادة منظمة التحرير الى تونس وابتعادها عن ساحة المواجهة الأقرب.
أدى إطلاق سراح مئات الأسرى من ذوي الخبرة الكفاحية والتجربة النضالية الطويلة، وبسبب المكانة السامية والمرموقة التي يحتلونها في وجدان وضمير شعبهم، والاحترام الذي يتمتعون به، الى ضخ آمال كبيرة في الشارع الفلسطيني، وارتفاع معنويات الجمهور واستعادة ثقته بنفسه ونضاله، خاصة انه كان يعاني من حالة من الإحباط جراء اجتياح جيش الاحتلال للبنان واخراج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منها ولجوئها الى تونس.
هذه الدفقة المعنوية الكبيرة، ووجود هذا العدد الهائل من القيادات المحررة من السجون وانتشارها على طول وعرض مساحة الأرض المحتلة، هيأ الظروف لاندلاع الانتفاضة الأولى التي اعتبر الأسرى أحد الأسباب العميقة والموضوعية من وراء اندلاعها.
لم يقف الأسرى داخل السجون موقف المتفرج من الانفجار الشعبي الشامل الذي عم الأراضي المحتلة وأعاد إحياء قضية الشعب الفلسطيني ووضع جيش الاحتلال وقيادة اسرائيل أمام ورطة حقيقية، بل بادروا الى دعمها والانخراط بها بشكل فعلي، معتبرين أنها أحد عوامل تحررهم وانتصار القضية التي أفنوا اعمارهم في السجون من اجلها.
شارك الأسرى في صياغة بيانات الانتفاضة الأولى، وقدموا اوراقا سياسية وخطط عمل في كيفية تطويرها وضمان استمراريتها وتحقيقها اهدافها كاملة، وقد شكلوا لذلك خلية عمل وطنية من كافة السجون تستقبل الاقتراحات وتعيد صياغتها قبل نشرها وإرسالها الى قيادة الانتفاضة الميدانية.
كان من نتائج الانتفاضة المباشرة على السجون اعتقال آلاف الفلسطينيين من الشبان المنتفضين والقيادات الشعبية الميدانية والنخب والاكاديميين، وهو ما ضاعف أعداد الأسرى مرات ومرات، خاصة ان آلة القمع الاسرائيلية اعتمدت سياسات الاعتقال بشكل مكثف وملاحقة كل من تشتبه بأن له دورا في تأجيج الانتفاضة.
أدى توافد هذه الاعداد الكبيرة الى خلق مهمات جديدة لدى الأسرى، فإلى جانب دورهم في دعم الانتفاضة معنويا وسياسيا، صاغوا برامج تثقيفية للأسرى الجدد تُعدّهم للانخراط في الانتفاضة بعد تحررهم، كما أعلنوا انهم يتبعون للقيادة الوطنية الموحدة التي قادت الانتفاضة في الميدان والتزموا ببياناتها والخطوات التي كانت تدعو لها.
الأعداد الكبيرة، سواء من جيل الشباب المنتفض والمليء بالطاقة والاندفاع، او الاكاديميين والقيادات الشعبية والنخب، والحالة المعنوية والنفسية العالية، والاجواء الكفاحية التي سادت، الى جانب الاهتمام الإعلامي العالمي، عوامل تجمعت في لحظة سياسية مواتيه، لتخلق من السجون شعلة نضال وجسما متماسكا يمتلك خبرة كبيرة ورصيدا هائلا من الكادر المجرب وهو ما حولهم الى جيش منظم لا يكف عن الحركة والنضال .
بلغت الحركة الأسيرة فس نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبداية التسعينيات ذروة تطورها وقوتها وهو ما مكنها من الإعداد لواحد من أكبر واهم واشهر الإضرابات في تاريخها وهو إضراب السجون في العام 1992.
لأول مرة، وفي ظل حالة تنامي وتطور لقوة الاسرى الداخلية المحاطة بحالة شعبية وسياسية خارجية ناضجة ومواتية وداعمة، أعلنت معظم السجون في صباح 25/9/1992عن الشروع في إضراب مفتوح عن الطعام تحت قيادة واحدة متواجدة في سجن جنيد في مدينة نابلس.
رفع الإضراب مطالب حياتية كثيرة ونوعية وقد واستمر 18 يومًا فقط، استطاع خلالها ان يحقق معظم المطالب وخاصة: إغلاق قسم العزل في سجن الرملة، ووقف التفتيش العاري، وإعادة زيارات الأقسام، وزيادة وقت زيارة الأهل، والسماح بالزيارات الخاصة وإدخال بلاطات الطبخ إلى غرف المعتقلات وشراء المعلبات والمشروبات الغازية، وتوسيع قائمة المشتريات المسموح بها.
لم يكن تحقيق هذه المطالب وحده هو ما أكسب هذا الاضراب شهرته وجعله يعد الأنجح في تاريخ نضال الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بل ايضا، والأهم، هو الأبعاد السياسية والأصداء العالمية التي حققها والالتفاف الشعبي الكبير الذي حظي به داخل الوطن وفي الخارج وتحوله الى أيقونة وملحمة توحد الجميع خلفها.
عامل اخر أضفى على هذا الإضراب قيمة وأهمية خاصة وهو ان السجون جميعها تقريبا شاركت به تحت قيادة جماعية واحدة، وبقرار مشترك جاء نتيجة حوارات وحالة من التنسيق استمرت لعام كامل بين قيادات السجون التي استشعرت ان الظروف الداخلية والخارجية باتت ناضجة وتمكنها من الإقدام على خطوة نوعية، وهو ما شكل نقلة نوعية في نمط نضال وتنظيم الاسرى الذاتي، خاصة ان مديرية السجون خضعت لهم واعترفت بتمثيلهم الجماعي الموحد.
خرج الأسرى من الإضراب الشهير أكثر قوة، وباتوا يمتلكون من الدعامات والروافع ما يؤهلهم لأن يفكروا في الخطوة التالية، المتمثلة في الاضراب السياسي وخوض معركة من أجل فرض الاعتراف الذي انتزعوه، وسلمت به مديرية السجون كأمر واقع من خلال التعامل معهم كجماعة منظمة ذات هوية سياسية ومقاتلين من اجل الحرية، وتجسيده على شكل اعتراف رسمي يقربهم من الحرية ويضيف مسمارا آخر في نعش الاحتلال وقوانينه تجاههم وتجاه قضيتهم.
لم يكتب لهذا المسار الصاعد، ولا لمخططات الأسرى ان تستمر بسبب توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اوسلو، الذي تجاهل الأسرى وقضيتهم، وحكم عليهم عمليا بالبقاء داخل السجون والتجزئة الى فئات ومعايير وسلم بالتعريف الاسرائيلي لهم بوصفهم مخربين، لم يرد اي نص بشأن الأسرى ضمن الاتفاقية الشهيرة، ولكن موضوعهم ورد كمثال في شأن هامشي وهو قضية "إجراءات بناء الثقة" ليدخلوا بعد الاتفاق المذكور في أزمة هوية ووجود وتنظيم وتشهد السجون حالة من التراجع الذي لم يتوقف حتى اللحظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا