الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات سريعة على مقالات أ. قادري أحمد حيدر حول ما يسمى -الهاشمية السياسية-

عيبان محمد السامعي

2022 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الملاحظة الأولى:
احتاج الأستاذ قادري أحمد حيدر للرد على مقالتنا المنشورة والمعنونة بـ: "في خطأ القول بالهاشمية السياسية" بتاريخ 28/7/2022 وما لحقها من حلقتين تعقيبيتين ما يزيد عن 30 ألف كلمة متوزعة في 73 صفحة وعبر 13 حلقة.
للوهلة الأولى قد ينخدع القارئ بهذا العدد الهائل من الكلمات والصفحات، ولكن المتابع الدقيق لهذه الكتابات سيجد فيها تكرارات وحشو وإعادة صياغة لأفكار وآراء بجمل تقريرية وبصيغ إنشائية حد الإملال.
وكأنّ العبرة عند الأستاذ قادري لا تكمن في المحتوى والمضامين، بقدر ما تكمن في المساحة والكم وعدد الصفحات!

أقول هذا الكلام، حرصاً على مسار النقاش حول قضية ملتبسة، لأن لجوء الأستاذ قادري إلى كتابة مقالات طويلة تحتشد بتكرارات وتعابير ومصطلحات وجمل مكررة وبصيغ مختلفة وحشو فائض عن الحاجة، يسبب للقارئ حالة من التوهان والملل، وتضيع معه الفكرة الأساسية، وبالتالي يفتقد النقاش إلى الحيوية والفائدة المتوخاة منه.
وهنا أدعو الأستاذ قادري مخلصاً ومتمنياً عليه بأن يرأف بحال القارئ من هذه الكتابات الطويلة المرهقة والتخفيف من التكرارات والحشو الزائد، والتركيز على لب الفكرة، فخير الكلام ما قلّ ودلّ كما قالت العرب منذ زمن بعيد!


الملاحظة الثانية: غياب المنهج وتمارين في الإنشاء!!
هذه الملاحظة مرتبطة بالملاحظة السابقة، فغياب المنهج لدى الكاتب او الباحث تجعل من كتاباته عبارة عن "تمارين في الإنشاء"!!
كتب المفكر الكبير د. أبوبكر السقاف ذات مرة ما يلي:
"ولعل غياب المنهج أوضح ما يكون في الكتابات الاجتماعية السائدة فهي كثيراً ما تسقط في فخاخ الانشاء والمثالية الأخلاقية بعد وقفة قصيرة عند المشكلة التي تبحث فيها ، وذلك أيضاً دليل على غياب المنهج و حضور العاطفة بل وطغيانها على الفكر . وقد يكون هذا سبب التشابه بين الموضوعات والأساليب التي تصيب القراء بالملل والضجر وتدفعهم الى هجر عادة القراءة.
فالمنهج برغم وحدة أسسه هو الذي يتيح لكل كاتب أو مفكر أن يملك وجهه الخاص وينقذ أسلوبه وموضوعاته من السطحية والإنشاء." (1)
إن هشاشة المنهجية العلمية تتضح في مقالات أ. قادري في أنه لم يعطِ ــ ابتداءً ــ تعريفاً محدداً لمصطلح "الهاشمية السياسية" من منظوره الخاص، حتى يمكننا أن نقف أمامه.
فهو يماهي مرةً بين ما يسميه "الهاشمية السياسية" و"الحوثية"، ومرةً بين "الهاشمية السياسية" و"الإمامية".. وكأن هذه هي تلك، وتلك هي هذه!
مع أن هناك فروقات بين المصطلحات الثلاثة، وهو ما سأوضحه في حلقات قادمة.
وتتضح هشاشة المنهجية ـ تالياً ـ في أن أ. قادري يتعامل مع التاريخ كسردية تاريخية وليس بوصفه علماً يخضع لمنهجية علمية صارمة.


الملاحظة الثالثة: التاريخ بين الحكواتي والباحث العلمي
يقتصر فهم الحكواتي للتاريخ بوصفه سردية جاهزة وهو أبعد من أن يكون باحثاً علمياً!
الحكواتي يقوم بسرد أحداث ووقائع منزوعة عن سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويركز جل جهده على تقديم حكاية سردية مثيرة يختلط ويتداخل فيها الواقعي بالأسطوري، والحقيقي بالمتخيل.
إن غاية ما يسعى إليه الحكواتي هو أن يثير مشاعر المتلقي، وأن يجعله مشدوهاً ومنجذباً لأحداث ووقائع دراماتيكية، تعتمد غالباً على صيغة المبالغة والتضخيم والتخييل والأسطرة، وهي أبعد ما تكون عن لغة العلم والعقل.

يقف الباحث العلمي على أرضية نقيضة للأرضية التي يقف عليها الحكواتي. فالباحث العلمي لا يقدم سرداً مجرداً لوقائع وأحداث تاريخية مبتورة عن سياقها الموضوعي؛ بل إنه يتولى تفسير تلك الأحداث والوقائع تفسيراً علمياً من خلال منهجية علمية صارمة تحفر عميقاً في تاريخ المجتمع وفي بناه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والرمزية.
إنه، وعلى خلاف الحكواتي، يقرأ ويحلل ويفسر ويفكك ويعيد بناء الحدث التاريخي والواقعة التاريخية من خلال لغة علمية نقدية، ملتزمة بمبادئ الموضوعية والتجرد الذاتي وتنأى عن التحيزات المسبقة والأحكام الذاتية.
إن الفارق الجوهري بين الحكواتي والباحث العلمي يكمن في أن الأول يخاطب وجدان المتلقي ويثير عواطفه؛ فيما الثاني يخاطب عقله ويحفز حسه النقدي.
وسنبين ذلك وبالشواهد والاقتباسات من مقالات أ. قادري في حلقات قادمة.


الملاحظة الرابعة: القراءة على طريقة "ويل للمصلين"!
كنت أتمنى مخلصاً على أ. قادري أن يقف عند النصوص المنقودة (وهي مقالتي الأساسية والحلقتين التعقيبيتين) وأن يفند مضامينها بطريقة علمية ومنهجية، أي أن يقتبس الفقرة ثم يقوم بتفنيدها والتعليق عليها وتوضيح حول وجه الاختلاف بين ما يراه وما جاء في الفقرة، وهكذا يطبق هذه المنهجية على كل الفقرات، حتى تتضح الصورة لي وللقراء..
ولكن أ. قادري ذهب بعيداً عن ذلك، وظل يمارس حالة من الإنشائية المغرقة، والتكرارات التي لا طائل منها، ولم يقف عند قضايا جوهرية باستثناء حالات محدودة جداً، وفي هذه الحالات المحدودة جداً كان يقتبس بطريقة انتقائية، فهو ينتزع عبارة من سياقها الكلي، ويقدمها بطريقة مبتسرة، ويمارس حالة من التأويل التعسفي، ويستنطقها بطريقة غير موضوعية وتضلل الآخرين!
وقد قاده هذا الأسلوب إلى توجيه اتهامات مضمرة لي بأني أبرر للحوثية! وهي تهمة جاهزة وقد رماني بها كثيرون من سطحيي الوعي، ولكني دهشت حينما وجدت هذا الامر في بعض ثنايا ما كتبه أ. قادري!


الملاحظة الخامسة: حول تهافت مصطلح "الهاشمية السياسية":
ما يجهله أ. قادري أن مصطلح "الهاشمية السياسية" ما هو إلا محاكاة ميكانيكية لمصطلح "المارونية السياسية"، والذي راج في بعض الأوساط اللبنانية والعربية إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت عام 1975 واستمرت إلى 1990، وظل بعض رموز البرجوازية الطفيلية اللبنانية ومثقفيها يجترون المصطلح إلى اليوم.
أي إن المصطلح إنما هو نتاج ظرفية سياسية هي ظرفية "الحرب الأهلية"، وهكذا هو الحال في اليمن، ففي خضم الحرب الأهلية ــ الإقليمية المزدوجة التي تدور منذ 8 أعوام، نجد بعض المثقفين اليمنيين يحاكون مصطلح "المارونية السياسية" بشكل آلي، الأمر الذي يعكس حالة الفقر الثقافي والهشاشة الفكرية لديهم!
والواقع إن الشيوعيين والتقدميين اللبنانيين قد رفضوا استخدام مصطلح "المارونية السياسية" منذ الوهلة الأولى واعتبروه مصطلحاً طائفياً لأنه يعمل على تغليف الصراع السياسي في لبنان بأغلفة طائفية فاقعة.
وأبرز هؤلاء التقدميين اللبنانيين المفكر مهدي عامل (حسن حمدان) وجورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني وكمال جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي وغيرهم، وربما هذا الاخير كان أكثرهم تعبيراً عن رفضه للمصطلح، ويستعيض بدلاً عنه بمصطلحي: "الخط الوطني والخط اللاوطني" في قراءاته ورؤيته لمسار الصراع في لبنان.
لقد كان الدافع وراء ظهور مصطلح المارونية السياسية هو تحشيد مسلمي لبنان ضد مسيحييها! وهنا بالضبط يتكشف لنا الهدف الأساسي من ترويج مصطلح "الهاشمية السياسية" في اليمن، أي تحشيد الشوافع ضد الزيود، والسنة ضد الشيعة، وأصحاب منزل ضد أصحاب مطلع، والجنوب ضد الشمال، وهكذا!
وهذا ما يحدث في الواقع فعلاً، وهو ما يتعامى عنه أ. قادري، ويغمض عينيه حيال حالة التجييش الطائفي والمناطقي الذي تمارسه مختلف الأطراف في اليمن، ومن ورائها أجهزة مخابرات إقليمية ودولية!

منذ أن ظهر مصطلح "الهاشمية السياسية" في الخطاب الإعلامي والفكري والسياسي اتخذ بعداً طائفياً فاقعاً، وسأدلل على ذلك بشواهد عديدة في قادم الأيام، غير أني هنا وبعجالة سأقف عند شاهد بارز.
كتب د. رياض الغيلي إن "التنظيم السري للهاشمية السياسية" قد اعتمد على عدة استراتيجيات في نشاطه ومن بينها:
"استراتيجية الاختراق: حيث استطاع التنظيم اختراق التنظيمات السياسية والجماعات الفكرية الفاعلة في الساحة ما عدا التنظيم الناصري الذي كان يمثل العدو اللدود للتنظيم السري للهاشمية السياسية.(2)

يريد أن يقول رياض الغيلي إن "الهاشميين" قد قاموا بالتوزع على مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية (باستثناء التنظيم الناصري) بغرض خدمة "التنظيم السري للهاشمية السياسية"، والعمل من أجل استعادة الحكم لـ"سلالة الهاشميين"!
وفي هذا الأمر يستوي عند رياض الغيلي كلاً من: يحيى الشامي (الرجل العسكري الذي خدم صالح) بـ يحيى الشامي (المناضل الاشتراكي)، ويحيى المتوكل (القيادي في الحزب الحاكم) بـ الدكتور محمد عبدالملك المتوكل (القيادي في المعارضة)، والقاضي أحمد عبدالله عقبات (المقرب من سلطة صالح) بـ الدكتور أحمد شرف الدين (المفكر التنويري)، و يحيى بن حسين الديلمي (رجل الدين) بـ الدكتورة رؤوفة حسن الشرفي (الرائدة النسوية والمدنية)
هكذا وبكل بساطة وسطحية وبجاحة، يقدم رياض الغيلي نظريته حول "الهاشمية السياسية"، فكل من انتهى لقبه بـ: الشامي، أو المتوكل، أو المنصور، أو الديلمي، أو شرف الدين، أو عقبات، أو الشرفي، أو العماد، أو .....إلخ يخدم "السلالة الهاشمية" بحسب زعمه وفذلكاته!
وللعلم فإن رياض الغيلي هو عرّاب مصطلح "الهاشمية السياسية" وأول من روّج له في الإعلام، وهو ذات المصطلح الذي يستميت أ. قادري في الدفاع عنه ويعتبره بأنه مصطلح علمي وصائب ودقيق!!
لقد قلنا منذ البداية ولازلنا نقول بأن مصطلح "الهاشمية السياسية" هو مصطلح مخادع ومخاتل، لأنه يقدم صورة مضللة عن الصراع السياسي في البلاد سواء الصراع الذي دار في الماضي أو الذي يدور في الحاضر، وهو مصطلح لا يصمد أمام المنطق العلمي لأنه عاجز عن رؤية حقيقة التناقضات في المصالح والاتجاهات السياسية والفكرية بين من ينحدرون من "الهاشمية"، ويتعامل مع الأمور من منظور عرقي وطائفي ضيق ورجعي.



ختاماً:
هذه ملاحظات سريعة وعاجلة وددت تسجيلها ونشرها، على أن أقوم بكتابة ردود مطولة حول كل حلقة من الحلقات الـ13 التي كتبها الأستاذ قادري، وسأفند الفقرات التي احتوتها تلك الحلقات بطريقة منهجية عندما يتاح لي الوقت الكافي.
ذلك لأني مضغوط بانشغالات عديدة، بين العمل الذي يأخذ مني الوقت الأكبر (8 إلى 10 ساعات من الجهد الذهني يومياً)، والدراسة الجامعية العليا في مساق الماجستير، والالتزامات العائلية والحزبية.
وإذا كنت أغبط أ. قادري على شيء فإني أغبطه على الوقت المتاح له، فهو متخفف من الضغوط الحياتية التي تثقل على كاهلي، بالإضافة إلى كونه يعمل باحثاً في مؤسسة بحثية هي الأكبر في اليمن، وهو ما يساعده كثيراً في إتاحة الكتب والمراجع والوقت والبيئة الملائمة للكتابة.


الهوامش:
1- أبو بكر السقاف، لماذا المنهج؟، مجلة دراسات يمنية، صنعاء، مركز الدراسات والبحوث اليمني، العدد (8)، يونيو 1982.
2- راجع: رياض الغيلي، التنظيم السري للهاشمية السياسية، الفصل الأول، متاح على الرابط التالي: https://alyemenalethadi.com/41246)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين