الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يتلفظ بصيغة الطلاق في الطلاق الخلعي؟ قراءة فقهية في ضوء اجتهاد محكمة التمييز

سالم روضان الموسوي

2022 / 12 / 23
دراسات وابحاث قانونية


من يتلفظ بصيغة الطلاق في الطلاق الخلعي؟

قراءة فقهية في ضوء اجتهاد محكمة التمييز

أصدرت محكمة التمييز الاتحادية قرارها العدد 11502/هيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية/2022 في 22/8/2022 الذي قررت فيه نقض قرار محكمة الأحوال الشخصية الذي قضى بإيقاع الطلاق الخلعي بين الزوجين، واعتبرت محكمة التمييز ان ذلك الطلاق الخلعي غير صحيح لان الزوجة لم تكن حاضرة في مجلس الطلاق وان وكيلها (والدها) الحاضر عنها بموجب وكالة أصولية لا يغني عن حضورها ، واستندت إلى ان الطلاق لا يقع بالوكالة تأسيساً على ما ورد في المادة (34/29 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 التي جاء فيها الاتي (أولاً – الطلاق رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج او من الزوجة ان وكلت به او فوضت او من القاضي. ولا يقع الطلاق إلا بالصيغة المخصوصة له شرعًا. ثانياً – لا يعتد بالوكالة في إجراءات البحث الاجتماعي والتحكيم وفي إيقاع الطلاق.) وللوقوف على الموقف الشرعي والقانوني برؤية فقهية اعرض الاتي:

أولا: قرار محكمة التمييز

(لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية، قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون ذلك ان المدعي (الزوج) كان قد طلق زوجته طلاقاً خلعياً بوكالة والدها وبغيابها عن مجلس الطلاق وان هذا الطلاق غير صحيح حيث لا يجوز الطلاق بالوكالة واستناداً لنص المادة (الرابعة والثلاثون /ثانياً) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل وان حضور والد الزوجة لا يغني عن حضورها في مجلس الطلاق حيث ان الطلاق الخلعي يتطلب حضور طرفي مجلس الطلاق شخصياً وتلفظهما بصيغة الطلاق وانصراف أرادتهما لإيقاعه وبذلك كان على المحكمة رد دعوى المدعي وحيث ان المحكمة حسمت الدعوى خلافاً لوجهة النظر المتقدمة الأمر الذي اخل بصحة حكمها المميز لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى الى محكمتها لاتباع ما تقدم على ان يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 24/محرم/1444هــ الموافق 22/ 8 /2022 م.)

ثانياً: ما هو الطلاق الخلعي؟

1. تعريف الطلاق الخلعي وتكييفه القانوني: الخلع إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع[1] وفي القانون العراقي (لخلع إزالة قيد الزواج بلفظ الخلع او ما في معناه وينعقد بإيجاب وقبول أمام القاضي مع مراعاة أحكام المادة التاسعة والثلاثين من هذا القانون)[2] يعد طلاق من قبل الزوج ومعاوضة الزوجة، ومن أركانه ارتباط الإيجاب بالقبول عند الحنفية بنما يرى المالكية ان أركانه أربعة ( القبول والإيجاب والعوض والصيغة)، كما رأى بعض الكتاب بان الخلع من جانب الزوج يمين لأنه معلق على قبول الزوجة، بينما من جانب الزوجة معاوضة لأنها تقصد فكاك نفسها بافتداء المال[3]، وفي واقعة الخلع (حينما جاءت امرأة ثابت بن قيس بن ثابت بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت : يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام . فقال الرسول الأكرم (ص) أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) نجد في هذه الواقعة إن الزوجة عرضت بذلها وبأمر الرسول الكريم (ص) إلى الزوج بقبول العرض وإيقاع الطلاق، ويكاد يجمع الفقه الإسلامي على ان الذي يتلفظ الصيغة هو الزوج[4]، ويرى الفقهاء ان السند الشرعي لذلك هو الحديث النبوي الشريف المسند (الطلاق لمن اخذ بالساق)[5].

ثالثاً: موقف الفقه والقانون من الطلاق الخلعي:

1. موقف الفقه : ان من أثار الطلاق وبأجماع الفقهاء وعند كل المذاهب بانه يسقط من حق الزوج في الرجوع بالزوجة، فاذا طلق للمرة الأولى تبقى له طلقة واحدة له فيها حق الرجوع بزوجته، بينما في الطلاق الخلعي فقد اختلف الفقه فيه، حيث يختلف الشافعية عن بقية المذاهب في اثر الخلع ولهم تفصيل في ذلك، فيعتبرون الخلع طلاقاً ان كان الزوج قد تلفظ بصريح لفظ الطلاق او بالكناية التي تدل على لفظ الطلاق او حتى بلفظ الخلع وكانت لديه النية في الطلاق، أما اذا لم تتوفر لديه النية وتلفظ بالقول الصريح او المكنى فلا طلاق، والعلة في ذلك بان الفرقة لا تقع لان النية منعدمة، والثاني ان لفظ الخلع ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة أو المكناة[6]، وبذلك اعتبر الخلع فسخاً لعقد الزواج لا طلاقاً، فلا تنقص به عدد الطلقات التي يملكها الزوج حتى لو أعاد الزوج زوجته التي خالعها إلى عصمته بعقد جديد عادت إليه كما كان يملك عليها من الطلقات قبل الخلع، ويرى الإمام الشافعي ان السبب في ذلك لان الخلع فيه فدية، وهي فسخ ما كان للزوج على الزوجة، وكل فسخ ما كان على الزوج هو فسخ للعقد واثره بالفرقة بينهما ليس من الطلاق وعلى وفق قول الإمام الشافعي "وَكُلُّ فَسْخٍ كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ لَا وَاحِدَةٌ وَلَا مَا بَعْدَهَا"[7] ، وذكر ابن كثير بان هذا هو ما ذهب إليه ابن عباس مـن أن الخلـع لـيس بطلاق، وإنما هو فسخ، هو رواية الخليفة عثمان بـن عفـان وابـن عمـر، وهـو قول طاووس وعكرمة، وبه يقول أحمد بن حنبل وإسـحاق بـن راهويـه، وأبـو ثـور وداود بن علي الظاهري، وهو مذهب الشافعي في القديم[8]، بينما اعتبره جمهور الأئمة طلاقاً بائناً ينقص به عدد الطلقات التي يملكها الزوج وكذلك قال الإمامية، وعند المذهب الظاهري يعد رجعياً، حضور الوكيل عن الزوجة. والبذل وقبوله هو عقدٌ منفصل عن إيقاع الطلاق يسمى عقد خلع، أما الطلاق الخلعي لا يقع إلا بعد ان يتلفظ الرجل بصيغة الخلع المقترن، وعند الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية يتضح لنا بان الخلع هو عقد معاوضة بين المتخالعين، ومن أركانه ارتباط الإيجاب بالقبول وفي واقعة الخلع (حينما جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت : يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام . فقال الرسول الأكرم (ص) : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) نجد في هذه الواقعة إن الزوجة عرضت بذلها وبأمر الرسول الكريم (ص) إلى الزوج بقبول العرض وإيقاع الطلاق، ولم يعتبر الخلع قد تم إلا بعد ان تلفظ الزوج بلفظ الطلاق المقترن بقبول بذل الزوجة، لذلك فان الاتفاق على البذل يكون مرحلة سابقة على إيقاع الطلاق الخلعي واشترط الفقهاء ومنهم فقهاء المذهب الجعفري ان يقترن لفظ الخلع بلفظ الطلاق وقولهم في ذلك (ولا يقع الخلع بمجرده، بل لابد من التلفظ معه بالطلاق، فيقول مُريدَّه: قد خلعتك على كذا وكذا فأنت طالق، والدليل على ذلك إجماع الطائفة)[9]، كما ان الفقه الحنفي ورد فيه رأي يعضد الاتجاه بان الخلع مرحلتان الأولى مرحلة عقد الخلع والثانية طلاق الخلع ويقول احد فقهاء المذهب الحنفي (وَالْفَرْقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الْخُلْعِ الْمَالُ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، كَذَلِكَ هَذَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ، فَلَمْ يَكُنْ رِضَاهُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا رِضًا بِرَأْيِ الْآخَرِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْمَالَ، فَقَدْ أَمَرَهُمَا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمَا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كَذَلِكَ هَذَا)[10]، وهذا الأمر يوضح بان مرحلة التفاوض على البذل ومقداره هي ضمن مرحلة العقد وليست متعلقة بالطلاق، لان الطلاق ينهض بعد إتمام التعاقد، وهذا العقد يخضع للتفاوض ويجب ان يتوفر أطرافه على شروط وأهلية التعاقد العامة في العقود الرضائية مثل عقد البيع والهبة والتبرع وغيرها، فاذا وقع الطلاق الخلعي وكانت الزوجة قاصر أو لا تملك أهلية الأداء والوجوب فان بذلها لا يصح ويعتبر الطلاق الواقع طلاقاً رجعياً

2. موقف القانون: ان اختلاف الفقه تجاه الخلع في اثر الطلاق يمنحه خصوصية تميزه عن بقية أنواع الطلاق، وهذا ما جعل اغلب التشريعات تفرد له باب او فصل منفرد عن غيره من الطلاق، ومنها قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم 28 لسنة 2005 حيث افرد له الباب الثاني من الكتاب الثاني في المواد (110 و111) وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، باعتماد ما ذهب اليه الشافعي في قوله المتقدم والأقدم من بقية الآراء بان الخلع يعد فسخاً لا طلاقاً[11]، أما في القانون المصري فان الخلع ورد في نص خاص في المادة (20) من القانون رقم 1 لسنة 2000، وكذلك القانون العراقي افرد للتفريق الاختياري (الخلع) الفصل الثالث من الباب الرابع من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل حيث كان عنوانه (انحلال عقد الزواج) وقسمه إلى ثلاثة فصول كل فصل مستقل عن الآخر، وينظم نوع من أنواع انحلال عقد الزواج ، في الفصل الأول نظم الطلاق الذي يقع بناء على رغبة الزوج وكل أحكامه ، أما الفصل الثاني فانه للتفريق القضائي والأسباب التي تدعو القضاء للحكم بالتفريق على الرغم من رفض احد الزوجين، أما الفصل الثالث فهو للتفريق الاختياري ويسمى الخلع ونظمته المادة (46) بثلاث فقرات، وهذا يؤكد على ان الخلع غير الطلاق الوارد في الفصل الأول، وان للخلع أحكام خاصة لا يمكن قياس سواها عليه، وهذا يدل على اختلاف بين الطلاق والتفريق الاختياري (الخلع) وكل مصطلح له آثار تختلف عن الآخر، والمشرع عند وضع المصطلحين في فصلين مختلفين كان يقصد ذلك لإثبات الاختلاف من حيث التوصيف والأثر المترتب عليه، لذلك اهتم فن الصياغة التشريعية بتحديد المصطلحات الواردة في التشريع بشكل واضح حتى لا تثير اللبس والغموض عند التطبيق ويرى المختصون في تفسير النصوص بان صيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله[12]، والمشرع العراقي كان قاصداً لهذه المصطلحات وواعياً لمعناها وأثارها القانونية، لان من أهم الوسائل الرئيسية المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق، كذلك الاستعانة بمفهوم النص سلبا وإيجابا، أي بمعنى المفهوم الموافق والمفهوم المخالف ويستدل من هذا القول إن المشرع العراقي كان يقصد وضع النص بصيغته الحالية وانه قد اختار الكلمات بعناية مقصودة وليست عارضة، وهذا يدل على اختلاف المعنى والأثر بين مصطلح الطلاق ومصطلح الخلع .

رابعاً: موقف القضاء من الخلع:

1. لا يجوز رد الدعوى بعد التلفظ بصيغة الطلاق: ان محكمة الأحوال الشخصية التي أصدرت قرارها محل نظر محكمة التمييز كانت قد استمعت إلى الزوج عند تلفظه بصيغة الطلاق الخلعي وتم وقوعه في حينه، وبذلك فان قرار النقض لابد وان يراعي هذا اللفظ وليس لمحكمة التمييز ان تقضي بعدم وقوعه، وانما ان تنقض الحكم بإعادته إلى محكمة الموضوع حتى تعتبر ذلك الطلاق طلاقاً رجعياً، طالما تم التلفظ بلفظ الطلاق سواء كان مقترن بالبذل او لم لم يقترن به، وهذه من المسائل الشرعية التي تتعلق بالحل والحرمة ، حيث ان الزوجة أصبحت مطلقة منذ لحظة وقوعه، فاذا انقضت مدة العدة فان مراجعتها من الزوج غير ممكنة ولا يجوز العودة إلا بعقد ومهر جديدين، وكان لمحكمة التمييز الاتحادية عدة قرارات بهذا الاتجاه ومنها القرار العدد 119/ش/1972 في 24/2/1972، وقرارات عديدة كنت قد أصدرتها أثناء عملي في قضاء الأحوال الشخصية ومنها القرار العدد 650/ش/2018 في 5/12/2018 الذي جاء فيه الاتي (لدعوى المدعي وللمرافعة الحضورية العلنية حيث ادعى بأن المدعى زوج بنته القاصر (.......) والداخل بها شرعاً بموجب عقد الزواج الصادر عن هذه المحكمة العدد 242 في 12/9/2017 ولعدم الانسجام تم الطلاق الخارجي أمام رجل الدين بتاريخ 26/7/2018 ويطلب الحكم بصحته وبعد المرافعة اطلعت المحكمة على صورة طبق الأصل من عقد الزواج ولوحظ إن المهر المؤجل يستحق عند اقرب الأجلين ولوحظ أيضاً إن الزوجة (.......) قاصر وتم العقد بموافقة والدها ولي أمرها الجبري (المدعي) وبموافقة المحكمة وبموجب حجة البلوغ والضرورة القصوى الصادرة عن هذه المحكمة العدد 53 في 12/9/2017 كما لوحظ إن الزوجة القاصر تولد 18/3/2003 ثم اطلعت المحكمة على ورقة الطلاق الخلعي الخارجي الصادرة عن رجل الدين بتاريخ 26/7/2018 وتضمنت حضور طرفي الدعوى والزوجة أمام رجل الدين والاتفاق على بذل الزوجة لكافة حقوقها الشرعية والقانونية وبموافقة والدها (المدعي) وبعد قبول الزوج ذلك البذل تم الطلاق الخلعي ثم أفاد وكيل المدعى عليه بأنها يصادق على الزواج والدخول ولا مانع من إجابة طلب المدعي ومن خلال التحقيقات التي أجرتها المحكمة تجد إن الزوجة وقت عقد الزواج و وقت الطلاق كانت قاصر ولم تكمل الخامسة عشر من عمرها وان زواجها تم بموجب موافقة القاضي وحجة البلوغ الشرعي وبموافقة ولي أمرها والدها وبذلك فإنها ليست كاملة الأهلية القانونية على وفق أحكام المادة (3) من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل التي تشترط للقاصر أن يكون كامل الأهلية إذا تزوج بعد إكماله الخامسة عشر من العمر وبإذن المحكمة، وبما إن الطلاق الخلعي يكون من مرحلتين الأولى الاتفاق على الأمور المالية بين الزوجين وهو ما يطلق عليه عقد الخلع والمرحلة الثانية تكون بتلفظ الصيغة الشرعية لإيقاع الطلاق فإذا كانت الزوجة ناقصة الأهلية لأنها قاصرة ولم تكمل الخامسة عشر من العمر وقت عقد الزواج ولم تكمل الثامنة عشر عام وقت حصول الاتفاق على الطلاق الخلعي فان عقد الخلع لا ينفذ بحقها ويقصد بذلك إن بذلها لا يصح لان البذل هو إسقاط للحقوق ويستوجب أهلية كاملة وبذلك لا يصح منها البذل لان فيه إفقار للذمة المالية ويعد من الأعمال الضارة ضرراً محضاً ويكون بذلها لحقوقها بموجب ورقة الطلاق المبرزة ضبطاً غير ذي اثر ولا يعتد به، فضلا عن أحكام الفقه الحنفي الذي لا يجيز للقاصرة إسقاط حقوقها عند إيقاع الطلاق الخلعي حتى وان كانت تعقل (لأن النكاح جالب والخلع سالب) ومعنى أن تعقل الزوجة (ان النكاح جالب والخلع سالب) لان الزواج (النكاح) فيه منفعة محضة للزوجة ولا يحتاج إلى قبولها وإنما إلى قبول ولي أمرها حتى وان كانت في سن اقل من السن القانوني للرشد وهو الثامنة عشر من العمر ويكون الزواج مصدراً لجلب الحقوق إلى الزوجة ومنها المالية مثل المهر والنفقة فضلاً عن المنافع المعنوية مثل المودة والسكينة والاستقرار على وفق الآية الكريمة (21) من سورة الروم التي جاء فيها الآتي (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وبما إن عقد الزواج كان على وفق أحكام المذهب الحنفي ويرى فقهاء ذلك المذهب إن الزوجة الصغيرة إذا كانت مميزة وخالعت زوجها وقع عليها الطلاق ولا يلزمها المال ومنهم سيد سابق بكتابه الموسوم (فقه السنة ـ ج2 ـ منشورات دار الكتاب العربي في بيروت ـ ط 1977 ـ ص 302) كما أشار فقيه آخر إلى أن الزوج إذا طلق زوجته الصغيرة العاقلة على بذلها مهرها وقبلت يقع الطلاق ولا يبرئ من حقوقها حتى وان قبل أبوها أو ولي أمرها وعلى وفق ما ذكره ابن نجيم المصري في كتابه الموسوم (البحر الرائق ـ ج4 ـ منشورات دار الكتب العلمية بيروت ـ ط 1977 ـ ص 152) وبذلك فان الطلاق الواقع بتلفظ الزوج صحيح إلا انه ليس بطلاق خلعي ولا يلزم الزوجة ببذلها ولها المطالبة بحقوقها متى ما تشاء أما إذا وافق ولي أمر القاصرة على الطلاق الخلعي وأبدى استعداده لدفع الالتزام الوارد ولمصلحة الزوج من أمواله الخاصة يكون الطلاق صحيح وتقع الفرقة ويلتزم ولي الأمر بدفع تلك الأموال إلى الزوج ويبقى للزوجة حق المطالبة بكافة حقوقها المقررة لها وفق القانون والشرع وإذا استلم ولي أمر الزوجة أموال لقاء الطلاق للزوج حق الرجوع على ولي أمر القاصر وهذا ما جاء في قرار لمحكمة التمييز الاتحادية العدد 119/ش/1972 في 24/2/1972 لذلك فان الطلاق الواقع يكون طلاقاً رجعياً وليس طلاق خلعي ومما تقدم وبالطلب قرر الحكم بصحة الطلاق الواقع بتاريخ 26/7/2018 بين المدعى عليه (......) والزوجة القاصر (.....) واعتباره بائن بينونة صغرى لانقضاء فترة العدة الشرعية ولا يحق لهم الرجوع إلى بعضهم إلا بعقد ومهر جديدين وليس على الزوجة القاصرة (.....) الالتزام بالعدة الشرعية لانقضائها وليس لها الزواج برجل آخر إلا بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية)

3. ان الوكالة في الطلاق تتعلق بمن يتلفظ بالصيغة: ان الطلاق الخلعي وعلى وفق ما تم عرضه يمر بمرحلتين الأولى عقد الخلع والثانية التلفظ بصيغة الطلاق، وفي المرحلة الأولى يكون خاضع لإرادة الطرفين، أما لفظ الطلاق فلابد وان يقوم به الزوج فهو ملزم بالتلفظ وليس الزوجة، مثلما ذكر سلفاً، والوكالة عن الزوج بتلفظ صيغة الطلاق لايقع بموجبه الطلاق على وفق حكم القانون في الكمادة (34/2) أحوال شخصية، أما إجراءات عقد الزواج فإنها لا تسري عليها، لانها تكون على وفق القواعد العامة للتعاقد، وحضور والد الزوجة بوصفه وكيلها اذا كان فيه شائبة تجاه عقد الخلع فان تلك الشائبة او الخلل لا يبطل الطلاق إجمالاً، وإنما يغير وصفه الى طلاق رجعي اذا ما تم التلفظ به، وهذا ما كان عليه الحال في الحكم المنقوض، فان الطلاق قد تم التلفظ به، كذلك المادة (34/2) احوال شخصية فإنها وردت في الفصل الأول من الباب الربع من قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالطلاق الذي يوقعه الرجل حصراً بينما الدعوى كانت على وفق احكام التفريق الاختياري (الخلع) وهذه وردت أحكامها بشكل مستقل في الفصل الثالث من الباب الرابع من القانون، لذلك لا يصح ان يسري حكمها على توكيل الزوجة لأبيها في دعوى إيقاع الطلاق الخلعي

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد


الهوامش =====================================================

[1] الدكتور نظام الدين عبدالحميد ـ احكام الاسرة في الفقه الاسلامي ـ منشورات دا ر الممناهج في سوريا ـ ط1 عام 2011ـ ص 304

[2] نص المادة (46) من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

[3] الدكتور فاروق عبدالله كريم ـ الوسيط في شرح قانون الأحوال الشخصية ـ منشورات كلية القانون جامعة السليمانية ـ طبعة عام 2004ـ ص 223

[4] الدكتور نظام الدين عبدالحميد ـ مرجع سابق ـ ص307

[5] عبدالله بن قدامة ـ كتاب المغني ـ منشورات دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع – طبعة بيروت ـ ج7 ـ ص 398

[6] لمزيد انظر الدكتور نظام الدين عبدالحميد ـ مرجع سابق ـ ص318

[7] الأمام الشافعي ـ كتاب الام ـ منشورات دار الفكر في بيروت ـ طبع 2 عام 1983 ـ ج5 ـ ص 123

[8] ابن كثير ـ تفسير القرآن ـ منشورات دار المعرفة في بيروت ـ طبعة منقحة عام 1992 ـ ج1 ـ ص 283

[9] السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ـ غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ـ منشورات مؤسسة الإمام الصادق للنشر والتحقيق ـ طبعة قم عام 1997 ـ ج1 ـ ص 375

[10] أسعد بن محمد بن الحسين، أبو المظفر جمال الإسلام الكرابيسي النيسابوري الحنفي ـ كتاب الفروق ـ منشورات وزارة الأوقاف الكويتية ـ طبعة 1 عام 1982 ـ ج1 ـ ص 184

[11] المذكرة الايضاحية لقانون الاحوال الشخصية الاماراتي رقم 28 لسنة 2005 ـ طبع مسحوبة على الرونيوعام 2006 ـ نسخة مهداة لي شخصياً من رئيس محاكم دبي ـ ص227

[12] الدكتور محمد شريف احمد في كتابه الموسوم (نظرية تفسير النصوص المدنية ) مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1979 ـ ص 56.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط


.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا




.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد